انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 492/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 492/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 12 - 1942



آراء جديدة في السجع

1 - في كتاب (النثر الفني) للدكتور زكي مبارك جزء أول ص25 ما يلي (أذكر أنني كنت أحاور المسيو مرسيه في تطور السجع فأخرج رسائل الجاحظ وفيها هذه العبارة: (إن معاوية مع تخلفه عن مراتب أهل السابقة أملى كتاباً إلى رجل فقال فيه (لهو أهون علي من ذرة، أو كلب من كلاب الحرة)، ثم قال: (امح من كلاب الحرة واكتب من الكلاب) كأنه كره اتصال الكلام والمزاوجة، وما أشبه السجع، ورأى إنه ليس في موضعه) وكان المسيو مرسيه يظن أن في هذه العبارة دلالة على أنهم كانوا إذ ذاك لا يستحبون الكلام المسجوع، فوجهت نظره إلى أن لهذه العبارة معنى آخر، ذلك أن السجع فن رقيق لا يصلح في ذلك المقام، وهو مقام تهديد ووعيد)

إلى هنا انتهى كلام الدكتور. وقد قرأت في كتاب (عبقرية محمد) للأستاذ العقاد ما يلي: (أجاب الرسول أبا سفيان عندما خيره بين نصف نخل المدينة أو الخراب والدمار فقال: (وصل كتاب أهل الشرك والنفاق، والكفر والشقاق، وفهمت مقالتكم، فوالله ما عندي جواب إلا أطراف الرماح، وأشفار الصفاح!)

(فهذا السجع في هذا المقام أصلح لخطاب الجاهلين لأنهم يعرفون منه معنى التوثيق والتمكن، كما يعرفون منه معنى المناجزة والتخويف)

هذان رأيان في السجع متعارضان. أما الدكتور زكي مبارك فهو يرى أن السجع فن رقيق لا يصلح في مقام التهديد والوعيد، وأما الأستاذ فيرى في السجع ضخامة وفخامة وهما أصلح في المناجزة والتخويف. . . فما رأي الأستاذين؟

2 - يخبرنا الدكتور زكي في كتابه (النثر الفني) ص64 أن المسيو مرسيه والدكتور طه حسين ومن شايعهما قرروا أن السجع لم يلتزم إلا في القرن الرابع، وأن المسيو مرسيه وجد كتاباً لمؤلف قديم اسمه الأخضري، وأنه منسوب إلى القرن الثالث، وأصر مرسيه على ضمه إلى كتّاب القرن الرابع ووافقه الدكتور طه لهذا السبب. وللأستاذ أحمد أمين حادثة مثل هذه؛ ففي كتاب ضحى الإسلام ص236ج1 أنكر نسبة كتاب (الرد على ابن المقفع) إلى القاسم بن إبراهيم وكانت حجته (أن القاسم عاش في النصف الأول من القرن الثالث والكتاب مسجوع. ونحن نعلم أن هذا العصر (عصر الجاحظ) لم يتكلف فيه سجع، ولم تؤلف فيه كتب مسجوعة. . .)

ولكن ما رأيهم في كتاب (الحاسد والمحسود) الذي كتبه الجاحظ نفسه، ونظرة فيه تقنعهم بأن نظريتهم خاطئة، أو على الأقل مبالغ فيها إلى حد بعيد. فكتاب الجاحظ في الحسد أغلبه سجع متكلف. وإني أورد هنا بعض فقرات منه لأثبت ما أقول: (الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد، ويفسد الأود، علاجه عسر، وصاحبه ضجر. . . قاطع كل رحم بين الأقرباء، وملقح الشر بين الخلطاء. . . والحسد هو الذي جعل (ابن آدم يلقى على أخيه الحجر شادخاً، فيصبح عليه نادماً صارخاً. . . وعبد الله بن أبي تبين للناس عقله، وافتقدوا منه جهله، ورأوه لذلك أهلا، لما أطاق حملا. . . والمحسود لولا عناية الله لأمسى وماله مسلوب، ودمه مصبوب، مهراق مسفوك، وعرضه بالضرب منهوك. . .

ثم ختم الرسالة بقوله: وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد، ولا السرور إلا في افتقاد وجهه، ولا الراحة إلا في مرم مداراته، ولا الربح إلا في ترك مصافاته، فإذا فعلت ذلك فكل هنيئاً، واشرب مريئاً، ونم رخياً، وعش في السرور ملياً. . .)

هذه فقرات من كتاب (الحاسد والمحسود) والمطلع عليه يجد السجع فيه غالباً، فهل ننكر نسبته إلى الجاحظ؟ أم هل نزحزح الجاحظ إلى القرن الرابع؟؟

3 - في الحق أن أصحاب هذا المذهب غالوا وبالغوا في تعنتهم وغلوهم وما كان ذلك منهم إلا ليثبتوا نظرية نادوا بها من قبل، وهو أن السجع من الزخرف الفني الذي اكتسبته العربية من اتصالها بالفارسية واليونانية. والواقع أن السجع كما يقول الدكتور مبارك (من مميزات البلاغة الفطرية)، وقد اعترف المسيو مرسيه بذلك عندما قال: (وكأنهم بدءوا يكرهون السجع في العصر الأموي) أي إنه اعترف بأن كان هناك سجع ثم بدأ الناس يكرهونه، والسجع من الزخرف الفني الذي زعموا أن العربية لم تعرفه إلا بعد اتصالها بالفارسية واليونانية.

محمود السيد أبو السعود

حول اختلاف القراءات أيضاً ينكر الأستاذ الفاضل عبد المتعال الصعيدي ما ذكرته من أن: المسلمين على عهد الرسول كانوا يتلقون القرآن منه سماعاً ويطوون صدورهم عليه حفظاً وفهماً، دون ما حاجة منهم إلى النظر في شيء من آياته مخطوطاً. وهو ينعت هذا الكلام بالغرابة، وبأنه (لا يتفق مع المعروف عن المسلمين في ذلك العهد). ويلزمني الآن أن أنص على أن تلقي القرآن شيء، وحفظه كله أو بعضه أو عدم حفظه البتة، شيء آخر

فزعم الأستاذ أن جمهور المسلمين (لم يكن يأخذ نفسه بحفظ القرآن) - وحاشا أن يصح ذلك - لا يعتبر رداً على ما حاول نقضه من كلامي السابق. لأن موضوع الحديث هنا هو تلقي القرآن، أعني إجادة تلاوته على وجهه الصحيح، بطريق ما؛ كيف يكون هذا التلقي؟ وما مبلغ العلاقة فيه بين السماع شفاها والقرآن في مخطوط؟

لست أشك في أن الأستاذ يوافقني على أن الأساس في التلقي هو السماع من الرسول، ثم من صحابته الذين أجادوا النقل عنه. فذلك ما يقول به كل ملم بهذا الموضوع؛ ولكن الأستاذ يضيف من عنده إلى هذا قصة طريفة، فهو يتخيل - ويريدنا على أن نتخيل معه - أن المسلم من هؤلاء كان يمضي إلى بيته وفي يده أديم أو عظم فيه الآية والآيات، فيكب على قراءته في مشقة وصعوبة. وتلتبس عليه خلال ذلك حروف متشابهة، كالياء مع الباء (وعدها إياه، وعدها أباه) والثاء والتاء مع الباء والنون (فتثبتوا، فتبينوا). وينبهم عليه وجه الصواب في كل ذلك، فيرجع إلى الرسول يستفتيه، فيقول له: اقرأ بكلام الحرفين، فالباء أخت الياء، وغيرك قد استعصى عليه ذلك أيضاً. فذلك معنى الرجوع إلى الرسول وإقراره ما يراه للتخفيف عن المسلمين في مثل هذه الكلمات التي اشتهت حروفها، مما يشير إليه الأستاذ في كلمته الأولى (ع488) من (الرسالة)

والأستاذ عبد المتعال يعتنق بهذا الكلام - دون أن يشعر - مذهب القائلين إن القرآن نزل بمعانيه دون ألفاظه وتراكيبه، وهو مذهب لم يحيى إلا على ألسنة بعض ذوي المقاصد السيئة من المستشرقين؛ وإلا فما معنى أن يذكر لنا ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الرسول كان ممن يبدلون كلمة بكلمة أخرى تباينها في معناه، لمجرد الاشتباه بين حرفين متقاربين في رسمهما العربي؛ وقد يكون هذا الاشتباه راجعاً إلى ضعف بصر القارئ، أو رداءة الخط، أو رثاثة الأديم مثلا؟! إن الضابط المشترط في القراءة الصحيحة معروف، وقد أشار إلى هذا بإيجاز الأستاذ الفاضل محمد غسان في كلمته. . . وإلى القارئ ما قاله ابن الجزري بصدد ذلك في كتابه (النشر)

(كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها؛ فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن)

ومن ذلك الوجه صحت هذه القراءات لدى أكثر المفسرين - وقد ذكرنا منهم فيما قبل صاحب الكشاف - ولم يكن لتشابه الحرف دخل في تصحيح هذه القراءات؛ بل أن هذا التشابه نفسه، قد أدى ببعضهم إلى اعتبارها تصحيفاً كالسيوطي صاحب المزهر والذين نقل عنهم. . .

هذا وإن إذن الرسول في كتابة القرآن وقراءته أمر معلوم لدى كل مسلم، وأسماء كتاب الوحي وسيرهم معروفة لنا جميعاً، فلم يأت الأستاذ بجديد في إشارته إلى ذلك؛ وهو لم يعد وجه الصواب في قوله أن من لا يحفظ القرآن كانت تعتريه الصعوبة في نطق بعض الكلمات، ولكنه أخطأ حين عقب على تلك الحقيقة فقال: (ومن هذا يجيء التيسير في قراءتها - يعني بعض الكلمات - على ما تحتمله من الوجوه!) فليس مجرد الصعوبة في القراءة هو علة هذا التيسير كما ذكرنا.

بقي أن نشير إلى أن الأستاذ عبد المتعال يبالغ في شأن الرقاع المخطوطة كثيراً، وما أشك في إنه يعلم ما فيه الكفاية عن حياة (الحفاظ) الذين كانوا يمضون بأمر الرسول إلى الجهات النائية لتحفيظ المسلمين آيات القرآن، وتلقينهم أوجه التلاوة الصحيحة؛ بل لعله يعلم أيضاً أن الرسول قبل الهجرة بعث إلى المدينة من يحفظ أهلها من المسلمين ما كان قد نزل من السور؛ فلم يكن يجزئ في كل هذا قراءة مخطوط دون الرجوع إلى تلاوة القراءة والحفاظ الموثقين والإثبات.

ومن الأمور المعروفة أيضاً أن عمر بن الخطاب لم يشعر بالحاجة إلى جمع الرقاع، وينصح للخليفة الصديق بذلك، إلا بعد أن تفرق هؤلاء الحفاظ في أطراف البلاد وفني كثير منهم في الوقائع والغزوات. إذ كان في هؤلاء - على حياة الرسول ومن بعده - الغناء كل الغناء عن القراءة في صحيفة أو النظر في مخطوط. ومعلوم أن المرجع كان إلى هؤلاء أيضاً في توثيق ما ورد بهذه الرقاع، لما قد عرفوا به من جودة الحفظ وصحة السماع، مع إدمان التلاوة على نهجها الصحيح.

(جرجا)

محمود عزت عرفة

حفاظ القرآن في عصر النبوة

قال الأستاذ عبد المتعال الصعيدي في كلمته (حول اختلاف القراءات في القرآن) في العدد (490): (وكان القليل منهم - أي المسلمين في عهد النبوة - يحفظ الصورة أو الصورتين وقد مات النبي ولا يحفظ القرآن كله منهم إلا عدد لا يكاد يتجاوز عدد الأصابع)

وهذا غير صحيح لأن حفاظ القرآن كله في عصر النبوة لا يحصون بفضل تحضيض النبي المسلمين على حفظه، وتفانيهم في إطاعة أمره، حتى أن داراً للقراء كانت أنشئت بالمدينة المنورة قبل الهجرة، وندب القارئ المشهور مصعب بن عمير رضي الله عنه لتحفيظ القرآن فيها، وكانت صفة مسجد النبي عليه السلام مجمعاً له دوى بمدارسة القرآن وحفظه، وكان صلوات الله عليه يبعث من أصحاب هذه الصفة عشرات إلى القبائل التي يسلم أهلها لتعليمهم القرآن. وقد استشهد في وقعة بئر معونة زهاء سبعين من الحفظة، واستشهد في وقعة اليمامة نحو ذلك

وما يذكر في بعض الكتب من أسماء قراء الصحابة رضي الله عنهم إنما يذكر لمناسبات لا بقصد الاستقصاء، وقد سرد منهم ابن حجر في (فتح الباري) تسعة وعشرين حافظاً ممن يستظهرون القرآن جميعه (ج9 ص43). ولعل الأستاذ الصعيدي اشتبه عليه ما يروى عن أنس رضي الله عنه من أن حفاظ القرآن أربعه، فلم يفهم أن الظاهر من طرق الحديث أن هذا القصر إضافي لأن مورده في مفاخرة بين الأوس والخزرج، أي أن حفاظ القرآن هؤلاء هم من الخزرج لا من الأوس. ومن الجلي أن هذا القصر الإضافي إنما هو بالنظر إلى علم أنس ليس غير وأما الذين كانوا يحفظون بعض القرآن فما أكثر عديدهم كذلك، فهذه كتب الصحاح والسنن والمسانيد تحدثنا بما كان يتلى في الصلوات الجهرية من السبع الطوال وغيرها مما يدل على كثرة من كان يحفظ شتى الصور من الصحابة رضي الله عنهم. وكان دأبهم في تعليم من لا يتيسر له حفظ القرآن كله أن يعلموه سوراً منه ولغيره سوراً آخر، فوجد بذلك كثيرون ممن يحفظون صور القرآن متفرقة، عدا حفاظ القرآن جميعه

وأما قول الأستاذ الصعيدي: (أما كتابة القرآن وقراءته فكان فيهما إذن عام من النبي . . . الخ) فأجتزئ في رده بما ورد في الأقوال المأثورة: (لا تأخذ القرآن من مصحفي لأن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول مشافهة

محمد غسان

نسبة شعر

كنت قرأت مقالا عنوانه (مشاركة الأدب الإنجليزي في الدراسات العربية) نقلا عن (برنارد لويس) للأستاذ عبد الوهاب الأمين في عدد الرسالة رقم (486). وقد ذكر الكاتب فيما ذكر بيتين نسبهما إلى المستشرق (بالمر) قائلا ما نصه بالحرف: (وتعتبر القطعة التالية نموذجاً لشعر بالمر العربي:

ليت شعري هل كفى ما قد جرى ... مذ جرى ما قد كفى في مقلتي؟

قد برى أعظم حزن أعظمي ... وفني جسمي حاشا أصغري)

وكنت قبل قراءتي للمقال أتصفح ديوان ابن الفارض وقد ورد هذان البيتان في قصيدته التي مطلعها:

سائق الأظعان يطوي البيد طي ... منعماً عرج على كثبان طي

فهل من يتكرم بما يفيد عما إذا كان البيتان حقيقة من شعر بالمر وأنهما نسبا خطأ لابن الفارض، أم أنهما حقيقة لابن الفارض وأن الكاتب قد وقع في خطأ نسبتهما لبالمر

(السودان)

محمد بشير