مجلة الرسالة/العدد 480/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 480/البريد الأدبي
في ديوان صرَّدُر
اطلعت أخيراً على نسخة من ديوان (صرَّدُر) الذي أشرفت دار الكتب المصرية على طبعه، فأخرجته منقحاً مضبوطاً بالشكل مع شروح وتعليقات مفيدة. ولكن يبدو لي أن هذه العناية لم تحل دون وقوع أخطاء بَيَّنة ينبغي النص على أمثلة منها. وأنا مثبت هنا بعض ما عرض لي في القصيدة الأولى؛ وهي السينية التي قيلت في مدح الخليفة القائم بأمر الله، والتي مطلعها: (كما قُلتُما، بُرءُ الصبابة في اليَاسِ)
يقول صرَّدُر:
جيوشٌ من الأقدارِ تُفْني عداتِه ... بلا ضَرب إيتاخٍ ولا طعْن أَشناسِ
وقد جاء في شرح هذا البيت: (إيتاخ وأشناس: كذا بالأصل، ولعل الأولى (أثباج) جمع ثبج وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، والثانية لم نوفق إلى مراد الشاعر منها)!
وأقول إن الصواب في ذلك أن إيتاخ وأشناس اسمان لقائدين تركيين من اشهر قواد الخليفة المعتصم بالله العباسي: أشترى أولهما عام 199هـ - وكان غلاماً خَزَويا طباخاً - فرفع شأنه ورشحه لأخطر المناصب، حتى كان رأس إحدى الفرق الثلاث التي دخلت بلاد الروم لفتح حصن عمورية عام 223هـ. وكانت حاله عند الواثق كحاله عند أبيه
وقد قتل في أول عهد المتوكل عام 235هـ
أما اشناس فكان غلاماً تركياً اشتراه المعتصم ورباه، حتى نبوأ رفيع المراتب؛ وقد توجه ووشحه في احتفال مشهود عام 225هـ؛ وجدد الواثق من كرامته والاصطناع إليه سنة 228هـ وبعد عامين من ذلك التاريخ توفي وهو في أوج عظمته. . .
ويقول صردر بعد هذا ببيتين:
وقد عَلم المصريُّ أن جُنودَه ... سِنُو يوسفٍ منها وطاعون عَمواسٍ
أحاطتْ به حتى استراب بنفسه ... وأوجسَ منها خفيفةً أيً إيجاس
وجاء في التعليق على كلمة (المصري): يشير الشاعر إلى الغلاء الذي حصل في مصر أيام المنتصر العباسي الخ. والغريب أن هذا الخليفة الذي يذكره الشارح حكم في بغداد بين عامي (623 - 640هـ) في حين توفي صردر عام 465هـ؛ وتوفي ممدوحة القائم عام 467هـ أي قبل وفاة المستنصر العباسي بقرن وثلاثة أرباع القرن. فكل ما ذكره إنما هو خلط بين الحوادث ووهم في تبين مراد الشاعر: والذي يبدو لي أن صردر يشير في بيته إلى حادث تاريخي هام، أوجزه فيما يلي:
قبيل منتصف القرن الخامس الهجري تضعضع شأن آل بويه في بغداد وآذنت دولتهم بالزوال. وقد نجحت وقتئذ فتنة أبي الحارث أرسلان المعروف بالبساسيري (نسبة إلى بَسا: مدينة بفارس)؛ وهو غلام تركي من مماليك بهاء الدولة البويهي كاتب الخليفة المستنصر العلوي بمصر وعرض عليه الدخول في طاعته والقضاء على خلافة العباسيين في بغداد. ولما علم الخليفة القائم بذلك أستنجد بسلطان السلجوقين طُغرل بك الذي انتهز هذه الفرصة فدخل بغداد وقضى على بقية ملك البويهيين (أوائل عام 447هـ) ثم خرج بعد حين لقتال أخيه لأمة (إبراهيم ينال) الذي خانه بإغراء بعض المصريين ومكاتباتهم، فتمكن البساسيري في أواخر عام 450 من اقتحام بغداد؛ واستقام له الأمر فيها عاماً كاملاً لاذ الخليفة أثناءه ببعض من تكفلوا بحمايته من العرب.
ولما رجع السلطان من حربه عجز البساسيري عن الصمود له؛ فخرج بجيشه إلى الشام وتبعه طغرل بك إلى هنالك حيث أوقع به وقتله وحمل رأسه إلى بغداد
فالشاعر يشير بقوله: (وقد علم المصري أن جنوده الخ. . .)؛ إما إلى إبراهيم ينال الذي انتقض بتحريض المصريين، وإما إلى أبي الحارث البساسيري الذي كاتب خليفتهم ودخل حاضرة العراق باسمه، كما أنه لا يبعد أن تكون الإشارة إلى الخليفة المستنصر (العلوي) نفسه. ويكون ضمير (جنوده) في كل ذلك راجعاً إلى ممدوح الشاعر الخليفة العباسي القائم بأمر الله.
(جرجا)
محمود عزت عرفه
في الشعر التمثيلي
ردّاً على كلمة الأستاذ عبد الرحمن عيسى خريج كلية اللغات العربية - التي وجهها إلى والدي الأستاذ محمود البشبيشي وكان الصواب أن يوجهها إلى، لأن كل ما يدور على لساني في حوار (جيل وجيل) فهو لي صياغة ومعنى - نقول إننا لسنا ممن يعتسفون الأحكام اعتسافاً، وإنما استندنا في حكمنا إلى قراءة واستيعاب وإلى مقال نشرته مجلة (المعرفة، ثم إننا لم نرد غير التاريخ لشعراء مصر والاعتراف بفضل شاعر كبير منهم ولكن الأستاذ سكت طويلاً ثم وقف على الكنز الدفين فطلع على قراء (الرسالة) الغراء بحكم عام يصب النفي صباً على كل ما قررت، وقد أبث عليه ثورة الفكرة واعتلاج الرأي في صدره إلا أن يستعير صيغة عموم السلب المعروفة فيقول: (كل ذلك لم يكن) ولقد كان أليق بالأستاذ أن يقول: (لم يكن كل ذلك) وإذاً لها الخطب، وهو بحمد الله جد يسير، فأي منصف يكابر في أن عبد المطلب عالج الروية الشعرية؟ وأي منصف ينازع في أن لعبد المطلب حيوية شعرية دفعت به إلى أن يسبق غيره من فحول شعراء مصر في هذه الناحية؟. . . أما إقحام الأستاذ لانتشار الشعر التمثيلي في القرن التاسع عشر في أرجاء أوربا فلا نجد له مكاناً فيما ذهبنا إليه من الكشف عن اثر الحيوية في شعراء العربية بمصر فحسب. وفرق كبير بين الأدب العربي وألوربي!. . . وأما قوله: (ولا شك أن حادثة بلقاء كهذه قد وصلت إلى سمع عبد المطلب. . .) فنحن لا ننكر أن يكون شيخنا الجليل قد سمع بها، لأننا نعترف بصدق حيويته وسعة إطلاعه. ولكنا ننكر كل الإنكار توهم الأستاذ أننا قررنا حكمنا من غير أن نعلم (حادثة اليازجي البلقاء. . .) فإنا لم نرد غير التاريخ للشعراء المصريين
وأخيراً هل يتفضل الأستاذ فيذكر لنا أي شرائط الفن تنقص روايات عبد المطلب؟!. . . لسنا في مقام المفاضلة بين (عبد المطلب وشوقي) طيب الله ثراهما حتى نوازن بين شرائط الفن عند كليهما، ولكنا نعرض في حوارنا لحيوية الشاعرية ونثبت أنها تدفع بصاحبها دفعاً إلى أبعد الغايات. وهذا ما ظفر به عبد المطلب في مصر مهما تكن قيمة إنتاجه. ولن أندفع اليوم إلي ما ليس له صلة بموضوع الخلاف ويكفي أن نسجل على الأستاذ قوله: (إنهما اشتركا في الجنس) ولا يعنينا أن يكونا (مختلفين في النوع) - على حد تعبير الأستاذ -
وبعد، فما من شك عندي فيما قرره المرحوم الأستاذ محمود مصطفى. ومن حقي أن أقول إن المقام يحدد مجال البحث، وأنا إنما بحثت في حيوية عبد المطلب شاعراً مصرياً افترع فن الشعر التمثيلي بين شعراء مصر فلا يضيرني أن تنسب للشيخ اليازجي رواية مثلث أو طبعت في سنة (1878) أو قبلها
(المنصورة)
حسين محمود البشبيشي
الخطأ والخطأ
وقف (في العدد 479 من مجلة الرسالة) على استدراك الأستاذ الأفغاني على الأب الكرملي في تسرعه إلى تخطئة استعمال كلمة (الخطأ) وزعمه أن الصواب هو (الخطاء) بالمد.
وإليكم فرقاً دقيقاً بين (الخطأ والخطا) حققه الإمام أبو هلال العسكري في كتابه (الفروق اللغوية) حيث قال في الصفحة 40: (الفرق أن الخطأ هو أن تقصد الشيء حسناً، مثل أن يقصد القبيح فيصيب الحسن فيقال أخطأ ما أراد وإن لم يأت قبيحاً. والخطأ: تعمد الخطأ فلا يكون إلا قبحاً، والمصيب مثل المخطئ إذا أطلق لم يكن إلا ممدوحاً، وإذا قيد جاز أن يكون مذموماً كقولك مصيب في رميه قبيحاً. فالصواب لا يكون إلا حسناً والإصابة تكون حسنة وقبيحة. والخاطئ في الدين لا يكون إلا عاصياً لأنه قد زال عنه لقصده غيره، والمخطئ يخالفه لأنه قد زل عما قصد منه، وكذلك يكون المخطئ من طريق الاجتهاد مطيعاً لأنه قصد الحق واجتهد في إصابته)
محمد غسان