مجلة الرسالة/العدد 479/من الأدب التركي
مجلة الرسالة/العدد 479/من الأدب التركي
الدرويش العازف
للأستاذ محمد يوسف المحجوب
في غُروبِ الشَّمْسِ، في اْلأفْقِ الْبَعِيدْ ... رَبْوَةٌ لاَحَتْ لِعَيْنِ النَّاظِرِ
مَنْ تُرَى يَمْشِي لَهاَ الْمَشْيَ الْوَئِيدْ؟ ... ياَ لَهُ تَحْتَ الدُّجَى مِنْ عَابرِ
صاَعِداً. . . في كَفِّهِ قِيثاَرُهُ ... يَمْلأُ اْلآفاَقَ بِالَّلحْنِ اَلْحنُونَ
مُفْرَداً. . . قَدْ عَافَهُ سُمَّارُهُ ... وَرَمَاهُ النَّاسُ طُراًّ بِاُلْجنُونْ
ياَ لَشَيْخٍ هَدَّلَتْ مِنْ شَعْرِهِ ... فَوْقَ فَوْدَيْهِ أَفاَعِيلُ السَّنينْ
اللَّيِالَي قَوَّسَتْ مِنْ ظَهْرِهِ ... وَالْعَوَادِي غَضَّنَتْ مِنْهُ اَلْجبِينْ
يَتَرَاَءى كُلَّ يَوْمٍ فيْ اْلأَصِيلْ ... في الْمُرُوجِ اُلْخضْرِ. . . في الْوَادِي اَلْخصِيبْ
يَصْعَدُ الرَّبْوَةَ لِلْكوخِ الضَّئيِلْ ... حَيْثُ يَأْوِى عِنْدَ مَا يَأْتِي الْغُرُوبْ
ساَرَ يَشْدُو لحْنَةُ اُلْحلْوَ الْبَدِيعْ ... وتبعثُ اَلْخطْوَ كالظِّلِّ النَّحِيليْ
وَالْمُرُوجُ اَلْخْضْرُ تُصْغِى وَالْقَطِيعْ ... وَالدُّجَى نَشْوَانُ بِالْعَزْفِ اَلْجمِيلْ. . .
وَبَدَا الْكُوخُ. . . فَوَلَّى فَجْأَةً ... وَاخْتَفَى فِيهِ، وَغَطَّاهُ الظَّلاَمْ
وَسَمِعْتُ الَّلحْنَ يَسْرِي خَافِتاً ... كأَنِينٍ مِنْ فُؤَادٍ مُسْتَهاَمْ
كاَنَ صَوْتاً هاَدئاً يُبْكِي الْقُلُوبْ ... صِيغَ مِنْ بُؤْسِ الّلياَلِي وَالدُّمُوعْ
رُحْتُ أُصْغِي، وَهْوَ يَشْدُو في لُغُوبْ ... يَسْكُبُ اْلأَلْحَانَ مِنْ ذَوْبِ الضُّلُوعْ:
(ياَ حُطَامَ الْمُنَى ... في الظَّلاَمِ الرَّهِيبْ)
(جِئْتُ أَشْدُو هُناَ ... فاَسْتَمِعْ لِلْغَرِيبْ)
(في يَدِي قِيثَارَةٌ مِنْ ذَهَبِ ... حَطَّمَتْهاَ كَفُّ دُنْياَيَ اَلْخئُونْ)
(لَمْ أَجِدْ الدَّهْرِ مَنْ يَحْفِلُ بِي ... قَدْ رَمَوْنِي - لَهْفَ نَفْسِي - بِاُلْجنُونْ)
(في يَمِينيِ عَازِفٌ يُمْتِعُنِي ... رَغْمَ مَا يَلْقَاُه مِنْ فِعْلِ الَّلياَلْ)
(لاَ أَرَى في النَّاسِ مَنْ يَسْمُعنِي ... حِينَ أَشْدُو، فاَسْمَعِي لِي ياَ جِباَلْ):
(يا طُيُورَ الرُّباَ ... ياَ عُيُونَ الزَّهَرْ)
(ياَ نَسِيمَ الصَّباَ ... ياَ غُصُونَ الشَّجَرْ) (اسْمَعِي عَنَّي أَغاَرِيدَ اَلْحياَهْ ... اسْمَعِيهاَ قَبْلمَاَ أَلْقَى الْمَنُونْ)
(اسْمَعِيهاَ فَهْيَ لِلْوَادِي شَذَاهْ ... وَارْسمِي عَنْهاَ نُفاَثاَتِ الشُّجُونْ)
(فَوْقَ هذِى اْلأرْضِ أَلْفاَ شاَعِرٍ ... لَفْظُهُمْ زَيْفٌ وَنَجْوَاُهْم هَوَاءْ)
(هَلْ لَهُمْ لَحْنٌ كلَحْنِي السَّاحِرِ ... وَأَناَ الْمَجْنُونُ مَنْبُوذُ اُلْعَرَاءْ؟):
(مَعْشَرٌ تاَجُهُمْ ... فَوْقَهُمْ زَائِفُ)
(بَيْنَماَ بَرْقُهُمْ ... خُلَّبٌ خَاطِفُ)
(مَعْشَرٌ: إِنْ يَكْتُبُواِ بالْقَلَمِ ... فَأَناَ الشَّادِي بأَوْتاَرِ الْفُؤَادْ)
(هَلْ لَهُمْ أَنْ يَخلُقُوا لِلنَّغَمِ ... مِنْ هَوَاءِ الْكُونِ، أو دُنْياَ اَلْجماَدْ؟)
(هَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْضِعُوا مِثْليِ الْقَطِيعْ ... عِنْدَ مَا يَمْشِي بِلاَ رَاعٍ يَصُونْ؟)
(أَيْنَ صَوْتُ اَلحْلْقِ مِنْ صَوْتِ الضُّلُوعْ؟ ... أَيْنَ رَجْعُ الْقَوْلِ مِنْ شَدْوٍ الْغُصُونْ؟)
(ياَ بَقاَياَ الْمُنَى ... حَوْلَ كُوخِي الصَّغِيرْ)
(أَنْصِتِي. . . إِنَّناَ ... قَدْ حُرِمْناَ السَّمِيرْ)
(أنصِتِي لِي، وَاسْمَعِينِي ياَ جِباَلْ ... وَاحْفَظِي اْلأَلْحَانَ عَنَّي ياَ نُجُومْ)
(إِنَّ قِيثاَرِي فَرِيدٌ في اللياَلْ ... وَهْوَ في يُمْنَايَ سُلْوانُ الَهُمُوُمْ)
(كُلُّ مَا فيِ اْلأَرضِ مِلْكِي: مِنْ هَوَاءْ ... أَوْ جَمَادٍ، أو دُمُوعٍ، أو زُهُورْ)
(سَوْفَ أَشْدُو، فإذا حَلَّ الْقَضَاءْ ... لَمْ أُفَكَّرْ أَيْنَ تَطْويِنِي الْقُبُورْ. . .؟)
. . . وَانْتَهَى الْعاَزِفُ مِنْ أَلَحْانِهِ ... وَتَلاَشَىَ الصَّوْتُ في جُوفَ الْقَضَاءْ
وَانْطَوَتْ رُوحِي عَلَي أَحْزَانِهِ ... وَبَكَتْ عَيْني لَهُ دَمْعَ الْوفَاءْ!
ياَ لَشَادٍ لَفَّهُ هذَا الظَّلاَمْ ... لَيْتَ شِعْرِي: كَيْفَ يَحْظَى بالرُّقاَدْ؟!
أَتُرَاهُ ذائِقاً طِيبَ الْمَناَمْ؟ ... أَمْ سَيَقْضَي الَّليْلَ مَوْصُولَ السُّهاَدْ؟
أَيُّهاَ الْعازِفُ في الْكُوخِ الضَّئِيلْ: ... أَنْتَ أَسْمَى مُلْهَمٍ في ذَا الْوُجُودْ
كَيْفَ تَأْسى - أيُّهاَ الشَّادِي اَلْجمِيلْ - ... وَنصِيبُ الْفَذَّ في النَّاسِ اُلْجحُودْ؟
عِشْ عَلَى الدُّنْياَ كَمَا شاََء الصَّفاَءْ ... وَاصْطَبِرْ إِنْ رُحْتَ تَرُمْيِ باُلْجنُونْ
مَنْ يَسَعْ في قَلْبِهِ هذَا الْفَضَاء ... لَمْ يُنَغِّصْ عَيْشَهُ الدَّهْر اَلْخئُونْ