مجلة الرسالة/العدد 477/كتاب الإمتاع والمؤانسة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 477/كتاب الإمتاع والمؤانسة

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 08 - 1942



حول نقد الأب أنستاس الكرملي

للأستاذ محمود البشبيشي

قرأت ما كتبه العلامة الأب أنستاس في (الرسالة) الغراء ناقداً طبعة كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وقد دفعني حب الإنصاف والغيرة على الحق والرغبة في تمحيص المسائل اللغوية إلى كتابة هذه الكلمات مخالفاً فيها الأب أنستاس في بعض ما أورده من النقدات؛ ويقيني أنه لا يضيق صدراً بها، فهو من رجال البحث الذين لا يبغون من وراء بحثهم إلا الحقيقة وحدها:

1 - رسم الحروف

خطَّأ الأب أنستاس كتابة (رءوساً. يبدءوا. مشئوم) بصورتها الحاضرة، ورأى أن الصواب أن تكتب هكذا: (رؤوساً - يبدأوا - مشؤوم) والقاعدة المأثورة تنص على أن (كل همزة بعدها حرف مدّ من جنس حركتها ترسم مفردة كما في (رءوس ويبدءوا) أو على نبرة إذا لم يمكن فصل ما بعدها عما قبلها كما في (مشئوم). وهذا ثابت في كتب الإملاء (رسم الحروف)، وقد يكون فيها رأي آخر، ولكن صحة رسمها على الصورة التي خطأها أمر لا شك فيه

2 - اللغة

خطَّأ قولهم (نعم وكرامة) ورأى أن الصواب أن يقال: (حباً وكرامة) والعبارتان صحيحتان، ولكن الجهة منفكة كما يقولون؛ فقد ورد في المحيط (افعلُ هذا وكرامةً لك)، وفي الأساس كذلك على معنى (وأكرمك إكراماً) فالكرامة هنا مصدر، وفي قولهم (حباً وكرامة) أسم ذات؛ فكل منهما في موضعه صحيحة

3 - الصرف:

خطَّأ (المسكَن) بفتح الكاف ورأى أن الصواب الكسر مع أن القياس الفتح والمحيط والمصباح ينصان على جواز الفتح والكسر معاً. وخطَّأ ضبط الدال الأولى من (جُددٍ) جمع جديد بالفتح والقياس يساعده ولكن ورد في المصباح ص959 الطبعة السادسة لسنة 1925 بالمطبعة الأميرية بالقاهرة قوله: (بعض بني تميم يخفف الجمع في نحو سُرُر وذُلُل بفتح العين (الحرف الثاني) وَطَرَدَ بعض الأئمة ذلك في الصفات فيقال: (ثياب جُدَد). ولا أدعى أن الفتح كثير، ولكني أراه وجهاً أقره بعض الأئمة للتخفيف ونطق به من يوثق بعربيتهم فالتخطئة المطلقة هي محل الخلاف

4 - الرواية

خطأ رواية بعض أبيات لأعشى باهلة في رثاء أخيه المنتشر فقال ما معناه: الصواب أن يقال: (أحوى نوءُها المطر) بدل (أخطأ نوءَها المطر) وأن يقال: (لا يضعف الأمر) بدل (لا يصعب الأمر. . .) ولتمام الإيضاح نورد البيتين كما أوردهما الشيخ حمزة فتح الله في المواهب الفتحية (الجزء الثاني) ونصهما:

ينعى أمراً لا تغيب الحيَّ جفنته ... إذا الكواكب أخطا نوءها المطر

لا يُصِعب الأمرَ إلا ريث يركبه ... وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر

وظاهر من سياق الكلام أن رواية المواهب صحيحة وقد أخذ بها الناشران وإن المعنى لا غبار عليه؛ وإذا فلا معنى لهذه التخطئة

5 - النمو

لا يزال الأب أنستاس مصمماً على وجوب جمع (أفعل وفعلاء) إذا كانا وصفين على (فُعْل) ولهذا خطأ قول الناشرين (حجارة ملساء) وأوجب أن يقال (حجارة مُلس). ولنا أن نطلب إلى حضرته نشر خلاصة رأيه الذي أوده في (مجلة المجمع العربي) ليمكن أن يبحث في روية. ونحن مع تسليمنا بأن هاتين الصيغتين لم تردا في الفصيح إلا مجموعتين على (فُعْل) نستطيع أن نحكم بجواز استعمال الوصف بهما مفرداً قياساً على قولهم: (إن الجمع بمعنى الجماعة فيجوز وصفه بالمفرد) ولذلك شواهد لا تحصى، والأصل عدم المنع إلا بنص قاطع؛ فهل عند الأب أنستاس ذلك النص؟

إني لأذكر ما دار بينه وبين الدكتور زكي مبارك حول هذا الموضوع في مجلة (أبولو) وأعلم رأي الأستاذ الجليل الشيخ عبد القادر المغربي في تخريج عبارة أبي العباس التي وردت في (الكامل) وتمسك بها الأب أنستاس، ولكني أرجو أن يزيد الرأي إيضاحاً، والحقيقة بنت البحث.

وخطأ الأب أنستاس هذه العبارة من الأستقُصات الأربع جارياً على أن (الاستقصى) مذكر فيجب تأنيث العدد بالتاء خضوعاً للقاعدة المشهورة (تذكير العدد مع المؤنث وتأنيثه مع المذكر). وهنا أكتفي بإيراد نص عبارة توارد عليها (الصبان والخضري) في باب العدد وهي:

(محل وجوب هذه القاعدة إذا ذكر المعدود بعد أسم العدد، فلو قُدمّ وجعل اسم العدد صفة له جاز إجراؤها وتركها كما لو حذف. تقول مسائل تسع ورجال تسعة وبالعكس كما نقله النَّووي عن النحاه)، ثم يقول الشيخان فاحفظها فإنها عزيزة النقل

وبعد فإني من المقربين للأب أنستاس بسعة العلم وغزارة الفضل.

(المنصورة)

محمود البشبيشي