مجلة الرسالة/العدد 471/كتاب الإمتاع والمؤانسة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 471/كتاب الإمتاع والمؤانسة

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 07 - 1942



الجزء الثاني

للأب أنستاس ماري الكرملي

توطئة

كان وقع بيدي الجزء الأول من كتاب الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان التوحيدي، فألفيتُهُ من أجلّ المصنفات لأنه اجتمع في صاحبه مزيتان، لم تجتمعا في الرجُل الواحد إلاّ نادراً، وهما: عُلُوّ النَّفَس والتفكير، وسمو النفس والتحرير، وفي مطاوي المطالعة، بدت لي بَدَوَاتٌ، أحببتُ إيداعها المَهارِق، قائلاً في نفسي: لعلها تفيد بعض الفائدة، مَنْ يقف عليها، أو لعلَّ المطالع ينبهني على غفلاتي، فيهديني إلى الصواب، فيكسب بعملِهِ الأجر والثواب، فبعثت بها إلى مجلة المقتطف، فنشر بعضها في المجلد 100: 245 إلى 250 ثم في 341 إلى 347 وبقي القسم الكبير منها، إلى أن يحين الوقت لنشره.

والآن وقع بيدي الجزء الثاني من الكتاب المذكور، فطالعته مسرعاً لأصِلَ بَدَوَاتي بعضها ببعض، من غير أن تفتر هِمَّة المطالع، ولإنشاطه فجئت بهذه النظرات، لعلَّ فيها بعض الفائدة، إن كان ما أبديه يستحق هذا الاسم؛ فأقول:

1 - ملاحظات عامة

قبل أن أتعرض لما أراهُ في الكتاب مَا يُخالف نظري، أقول بعض كلماتٍ هي عامّة، تتعلق بطبع فصولهِ، أو مسامراتهِ من تحسين وتزيين:

وأول كل شيء، كان يحسن بالناشرَيْن أن يجعلا تحت كل عنوان من عناوين المسامرات فحواها. مثلاً أن يجعل تحت عنوان الليلة السابعة عشر: (ما يحفظ من تَفْعال المفتوح وتِفْعال المكسور).

وثاني الحسنات: أن يُكتَبَ في صدر الصفحة اليمنى: الإمتاع والمؤانسة. وبازائها في صدر الصفحة اليسرى: المسامرة الأولى، أو الثانية، أو نحو ذلك.

وثالث الحسنات: أن يجعل في آخر الكتاب فهرس المسامرات

والرابع، أن يجمع في معجم صغير، الألفاظ الخاصّة بالمؤلف وهي كثيرة.

والخامس، كان يحسن بهما أن يعارضا ما يجدانه من النصوص في هذا الكتاب بما يجدانهِ منقولاً في بعض الكتب. ففي هذا الجزء مثلاً نصوص منقولة في ابن القفطي، وابن أبي أصيبعة، وابن خلكان، والدميري، وقد نقل بعضاً منها الأمير شكيب أرسلان ونشره في مجلة المقتبس وشرح بعض الألفاظ.

والسادس كان يليق بالناشرين أن يهملا أغلب ما جاء من المسامرة في الليلة الثامنة عشر، فإن ما علقاهُ في الحاشية في ص50 (ولولا الأمانة العلمية والإخلاص للتاريخ لحذفنا أكثرها، واكتفينا بما لطف ودق، ولم ينب عنه الذوق) قلنا: (هذا عُذْر أقبح من ذنب) لأن أمانة العلماء والمخلصين للتاريخ هي أعظم في حفظ الآداب بين القراء من بث سمومها، وفحشها، ووبائها، فإذا لم يكن آداب، وحميد أخلاق في الناس، فالفحش مفسدة لها، ومهلكة. فالعلماء مكلفون بالمحافظة على مكارم الأخلاق، أكثر من المحافظة على الأمانة في نشر المجون وسخف الأقوال وسموم الآداب. هذا ما يتطلبه هذا العصر، وأهلوه ولو عاش التوحيديّ في هذا العهد، لما نطق بكلمة من هذه المُنْدِيات، المخزيات، المهلكات، المزيلات للأمم.

هذا رأينا، ولكلٍ رأي خاصً به.

2 - الأوهام في الأعلام

جاء ذكر العوفيّ - بالفاءِ - في ص5 س1، لكن أُصلح في ص25 من الفهارس بقوله العوقي - بالقاف - والذي رأيناهُ في تاريخ الحكماء لابن القفطي ص83 من طبع الإفرنج العوفيّ بالفاء. ومثل هذا الضبط ورد في مجلة المقتبس 1؛ 572، ومثل هذا التحقيق ورد في مجلة المنار لرشيد رضا في كلامه على إخوان الصفا، ولا أتذكر السنة، ولا الصفحة، لأن مجلة خزانتنا سرقت في سنة1917، ولم يبق منها شيء، وإن كنا الآن اشترينا كتباً ومطبوعات جديدة غير التي كانت عندنا.

والعَوْفيّ لم يدخل في فهرست أعلام الكتاب، ولا العوقي وتجهل السبب.

وورد في ص14 (ابن الخمّار) وقد ضبط بتشديد الميم، وكذلك في ص38 و83 وجاء في ص25 من الفهارس؛ والصواب: ابن خمار بدون تشديد أي كسَحَاب

وقيل هناك: وكذلك يصحح ما جاء في ص38 و83. والذي ورد في ابن أبي أصيبعة، وابن القفطي: ابن الخمار بتشديد الميم وبأل التعريف

ومن الأعلام التي لم نهتد إلى تحقيقها مقاريوس الوارد في ص37 ثم قيل مَنْقَاريوس، ثم مقاريوس، فاختلف اللفظ الواحد بين سطرين وسطرين، ولا جرم أن منقاريوس بميم ونون لا يعرف عند الأقدمين، لكن الثاني لم يصحح في الآخر، وهناك اسم آخر أعجمي ورد في ص37 و38 هو (ذيموس)، وفي كل صفحة ورد مرتين، ولم يذكر لنا الناشر إن ما يدلنا على زمنه ووطنه

ومن الأعلام التي صحفت قليلاً فقط: الصابئ، فإنه مهموز الآخر، ولا يجوز ترك همزه لئلا يخرج صاحبه من دينه ويجعله من أهل الصبا، لا من المنتمين إلى الصابئة

وليس من أعلم أتعبنا كل التعب مثل تيودسيوس وكنْتُسْ الواردين في ص153 و154 والأخير أُصلح في ص9 من الفهارس بقوله: (أيقوس الشاعر الإغريقي). وفي حاشية ص153 علَّقَا تعليقاً على يتودسيوس في (ا) قومودوس وفي (ب) تودورس؛ والصواب ما أثبتناه نقلاً عن كتب التاريخ). انتهى

قلنا: لم نجد في كتب التاريخ التي بأيدينا - وهي كثيرة - ملك يوناني اسمه تيودوسيوس. نعم كان للروم (وهم غير اليونانيين) تيودسيوس أول، وثان، وثالث، لكن التوحيدي يذكر أن ثيودسيوس هو ملك يونان (ص153) ثم كتب هذا الملك إلى كُنْتَس الشاعر) وصحح بايقوس الشاعر الإغريقي. . . ونحن لا نعرف شاعراً إغريقياً باسم كنتس، ولا باسم أبقوس؛ إنما نعرف معلم خطابة اسمه هيرودس أتيقوس أو أَتّقِس وهو روماني لا يوناني، فإذا كان الناشران يعرفان شيئاً ثبتاً عن ثيودسيوس الملك اليوناني، وأبقوس الإغريقي، فليذكرا لنا اسميهما بالحرف الإفرنجي، والعصر الذي عاشا فيه. والأسماء الإفرنجية يحسن أن تكتب بحروف الرومان، ليتمكن القارئ من مراجعة النصوص الإفرنجية عند محاولة تحقيق ما ينسب إلى أصحابها.

وجاء في ص 155 ذكر رجل اسمه أبو الحسن الفرضي، وصحح العرضي في ص26 من الفهارس والعرضي بضم العين، ويلي الاسم علامة الاستفهام أي (؟) كأنه يشك في صحة هذا العلم، والذي رأيناه في دواوين القوم: أبو الحسن أو أبو الحسين العروضي من العلماء الكبار وكان في أيام علي بن سينا؛ وآخر اسمه أبو الحسن المغربي، وكان معاصراً لويْجَن بن رستم، وكان من العلماء المشاهير أيضاً. أما أبو الحسن الفرضي أو العرضي، فلم نسمع بشهرته هذه

ورد في ص 180 اسم كبل البقال. وجاء في الحاشية: (كذا ورد هذا الاسم في كلتا النسختين ولم نتبين وجه الصواب فيه بعد طول المراجعة)؛ والذي سمعناه في العراق مما يشبه هذا الرسم: كتل (بالفتح)، وكُتَيْل (بالتصغير)؛ وهذا ورد في التاج، وكتيلة وهو اسم والي صُور، وقد ذكر ابن الأثير في الكامل في 10: 180 من طبعة الإفرنج

نرد على ذلك أن في نعت هذا العلم بالبقال تصريحاً بصحة كلمة (البقال) خلافاً لقول اللغويين أنه يقال (البدَّال)، مع أنه لم يقل أحد من اللغويين (بدَّالاً) حتى من منع استعمال الأولى فقد جاء في القاموس: والبقَّال لبيَّاع الأطعمة عامية، والصحيح (البدَّال)

قلنا: ليس هذا من كلام العوام بل من كلام العلماء الخواص فلقد فسر اللغويون، وبينهم المجد نفسه، الكاسور والرُّدْحي بقولهم: بقال القرى ولم يقولوا بدَّال القرى

ووردت البقال في كتاب الحيوان للجاحظ 1: 376 من طبعة البابي، وقال اللغويون في شرح الكديح: الحانوت: الدكان أو متاع حانوت البقال. وقالوا في (فوم) الغامي: البقال

وممن أثبت البقَّال في تصانيفه السمعانّي، صاحب كتاب الأنساب، فقد قال في مادة البقال ما هذا نقله: (البقال بفتح الباء الموحدة، وتشديد القاف، وفي آخرها اللام: هذه الحرفة لمن يبيع الأشياء المتفرقة من الفواكه اليابسة وغيرها. والمشهور البهاء أبو سعيد بن المرزبان البقال، مولى حذيفة بن اليمان، وكان أعور من أهل الكوفة. . .) اهـ

زد على ذلك أن البقال نسبته إلى البقل نسبة قياسية كالحنَّاط والتّمار والطّحان إلى غيرها. وأما البّدال فإلى أي شيء ينسب؟ قال صاحب التاج: (والبدَّال كشدَّاد، بياع المأكولات من كل شيء منها. هكذا تقوله العرب. قال أبو حاثم: سمى به لأنه يبدل بيعاً بيَيْع، فيبيع اليوم شيئاً وغداً شيئاً آخر. قال أبو الهيثم: والعامة تقول: (بقَّال) انتهى

قلنا: لو صدق أبو حاثم في تعليله لقيل لكل من يبدل بيعاً ببيع بدال. وليس الأمر كما قال. والصواب أن البدال هنا هو البقال. والبقال، هو الأصل، والبدّال هو من كلام العوام، لأنهم قلبوا القاف دالاً، وهذا هو من لغة بعض العرب الأقدمين. فقد قالوا مثلاً في المِنقل: المِندل، وفي الممعوق: الممعود. وفي القنقورة: الفندورة، وفي احقوقف الرمل: احْدَوْدَبَ، وفي نَقَلَه: نَدلَهُ إلى نظائرها. هذا فضلاً عن أن الأقدمين لم ينسبوا (رجلاً) إلى البدال. فليدون كل ذلك. وهذا كله نقلاً عن معجمنا الكبير المسمى بالمساعد.

(للبحث بقية)

الأب أنستاس ماري الكرملي

من أعضاء مجمع فؤاد الأول

للغة العربية