مجلة الرسالة/العدد 461/الحرب في البحر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 461/الحرب في البحر

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 05 - 1942



للأستاذ محمود البشبيشي

(لا يمنعني إخفاق هذه القصيدة في مسابقة الشعر العربي من إهدائها إلى جمهرة أهل الأدب، وبخاصة الأستاذان الفاضلان: صاحب (الرسالة) والدكتور زكي مبارك):

يكاد اليم ينتثر انتثاراً ... إذا ما عاصفٌ منها أغارا!

جبالٌ في المحيط تسير هوناً ... وفي الهيجا سهامٌ لا تجارى

وفوق اليم تحسبها قصوراً ... تميس إذا عصوف الريح ثارا

تخب عرائساً، وتخف أُسداً ... وتفتك جِنة وتشب نارا!

تدك مدائناً عزت وطالت ... فتنسفها وتذروها غبارا

إذا انطلقت تدفعت الدواهي ... وإن دارت رأيت الموت دارا

وإن شامت بوارق من عدو ... مضت للهول ترتقب انتصارا

يحوّم فوقها طيرٌ مريد ... عنيد لا يرد ولا يبارى!

إِذا احتدم القتال رأيت جنًّا ... توثب للردى ومضى وطارا!

وفي جوف الخضم لها وليد ... يروع البحر فتكاً واقتدارا

تسرب في المحيط أذى وشراًّ ... وعاث بموجه وبه توارى

مع الحيتان يسبح مطمئناًّ ... ومن فتكاته الكون استجارا

ويرنو للسفين بعين غدر ... خؤون في الخديعة لا يجارى

وإن يرم السفينة خلت طوداً ... ترنّح ثمت انفجر انفجارا

وكم ليل ببحر الروم كادت ... له الأفلاك تنتثر انتثارا

تقاذفت البوارج فيه ناراً ... فريع النجم وانكدر انكدارا

فلو أبصرتها والليل ساج ... لخلت الشهب تنحدر انحدارا

تراها خرداً عقدت عليها ... قباب الماء تنهمر انهمارا

وآونة ترى أتون نار ... تنفجر صاعقاً ورمى دمارا

يجن الموج من فوق إذا ما ... رأى الأطواد قد طوت البحارا

تقحم لا تهاب كأن بحراً ... من الآساد فوق البحر م تزاور في العباب تروم فتكاً ... كخيل في الوغى شقت غبارا

فطوراً للردى تمضي يميناً ... وطوراً للردى تمضي يسارا

ترى طوداً يغير على سواه ... تأمل ترى طوداً أغارا؟

على جنباتها أسدٌ كبار ... تصاولَ مثلها أسداً كبارا

تحف بها ولائد ضاريات ... كما هيجت أشبالاً صغارا

قذائف تملأ الأعماق رعباً ... وتنسج من شظاياها ستارا

تكر على العدو مدمرات ... وتبعث من جوانحها الدمارا

تمزق ستر حالكة الدياجي ... وتكسو صفحة الإصباح قارا

فرب قذيفة عصفت بليل ... فهب الليلُ يلتمس الفرارا

وتقرْى اليم أكباداً رطابا ... وتودعه النفائس والنضارا

ربيب العلم ويحك بعض هذا ... طويت شرائع الدنيا احتقارا

ألا نفس ترد الحرب سلماً ... وتجعل ظلمة الدنيا نهارا!

محمود البشبيشي