مجلة الرسالة/العدد 460/سيلان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 460/سيلان

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 04 - 1942



للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

سيلان أو سرنديب اسم تردد على شفاه معظم المصريين منذ ستين عاماً. في ذلك الوقت كانت الثورة العربية تجتاز آخر مراحلها، فقد كان زعماؤها يحاكمون وحكم عليهم بالإعدام في 3 ديسمبر سنة 1882 وأبدله الخديوي توفيق في الحال بالنفي المؤبد خارج القطر إلى جزيرة سيلان وصودرت أملاكهم وجردوا من ألقابهم. عرف المصريين إذن جزيرة سيلان؛ ولقد خلد اسم هذه الجزيرة في الأدب بما كتبه فيها محمود سامي البارودي باشا من شعر مؤثر في الحنين إلى الوطن والحزن لفراقه.

قال يصف الرحيل عن أرض الوطن:

محا البين ما أبقت عيون المها مني ... فشبت ولم أقض اللبانة من سني

عناء ويأس واشتاق وغربة ... الأشد ما ألقاه في الدهر من غبن

فإن أك فارقت فلي بها ... فؤاد أضلته عيون المها عني

وقد أسبغ النفي والحرمان عليه شارة التضحية والبطولة فكتب شعراً يفيض عظمة وجلالاً قال من قصيدة في منفاه:

علام يعيش المرء في الدهر خاملاً ... أيفرح في الدنيا بيوم يَعُدُّه

عفاء على الدنيا إذا المرء لم يعش ... بها بطلاً يحمي الحقيقة شدُّه

ومن قصيدة أخرى:

لم أقترف زلة تقضي عليَّ بما ... أصبحت فيه فماذا الويل والحرب

فهل دفاعي عن ديني وعن وطني ... ذنب أدان به ظلماً وأغترب

فلا يضن بي الحساد مندمة ... فإنني صابر في الله محتسب

أثريت مجداً فلم أعبأ بما سلبت ... أيدي الحوادث مني فهو مكتسب

لا يخفض البؤس نفساً وهي عالية ... ولا يشيد بذكر الخامل النشب

وقد قضى بها سبعة عشر عاماً، ثم عاد إلى مصر في شهر سبتمبر 1900 بعد أن فقد نور عينيه. أما عرابي باشا فقد عاد في أول أكتوبر 1901. وقد مات بهذه الجزيرة من الزعماء السبعة عبد العال باشا حلمي (في 19 مارس 1891) ودفن بكولمبو، ومحمود فهمي باش في (17 يوليو 1894) ودفن بكندي ويعقوب سامي باشا (أكتوبر 1900) ودفن بكندي أيضاً

هذا ما كان منذ ستين عاماً. أما اليوم فإن العالم يذكر هذه الجزيرة بمناسبة اقتراب الخطر الياباني منها؛ فقد كان من أثار تطور الحرب في الشرق الأقصى أن استهدفت هذه الجزيرة للغزو الياباني. وقد كانت وقعت أول غارة جوية على عاصمتها كولمبو في 5 أبريل سنة 1942، وحاول بعض جنود المظلات اليابانية الهبوط بها مما دعا القائد العام إلى أن ينبه السكان إلى وجوب مقابلة هؤلاء الجنود وإلقاء القبض عليهم أولاً بأول. ومنذ ذلك التاريخ بدأت هذه الجزيرة تحتل مكاناً ممتازاً في أنباء العالم

هذه الجزيرة

تقع في جنوب الهند؛ وليس هناك شك في أنها كانت متصلة بها يوماً ما إذ هي تشبهها من عدة وجوه. وشكلها كالكمثري وهي أصغر قليلاً من أيرلندا ومساحتها 25000 ميل مربع، وطولها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب 270 ميلاً

أما من حيث التضاريس فإن وسط هذه الجزيرة تحتله كتلة جبلية يصل ارتفاعها في بعض الجهات إلى أكثر من 8000 قدم وتحيط بهذه المرتفعات سهول ساحلية واسعة. والسهل الساحلي في الشمال منبسط وتوجد به كثير من أشباه الجزر الرملية، وتبعد شبه جزيرة مانر 22 ميلاً فقط عن أقصى جنوب الهند، وترتبط سيلان بالهند بسلسلة من الشطوط الرملية والصخور تسمى بقنطرة آدم

ونظراً لقرب هذه الجزيرة من خط الاستواء فإنها دائمة الحرارة، ويخفف من حرارتها إحاطة الماء بها. وتسقط بها الأمطار صيفاً على الساحل الغربي نتيجة لهبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية عليه أما شرقها فتسقط أمطاره شتاء لهبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية عليه

الغلات والنبات

تغطي سطوح المرتفعات الدنيا غابات كثيفة وقد قطعت وزرع مكانها أشجار المطاط والشاي والكاكاو؛ وفي الوديان يزرع الأرز وأشجار جوز الهند. وتقوم عدة صناعات متصلة بجوز الهند فتجفف حباته وتصدر، وتقوم المصانع بأعداد زيت جوز الهند وتصديره. ومن أهم التوابل التي تصدرها القرفة. وعلى الشواطئ يشتغل الأهالي بصيد السمك

السكان

يسكن هذه الجزيرة أربعة ملايين ونصف مليون من الأنفس، وقد قدموا إليها من الهند في عصور متفاوتة ومعظمهم بوذيون ديناً. وفي كاندي معبد يسمى معبد السنة وهو من اعظم المعابد حرمة وقدسية لدى البوذيين. أما الباقون فيدينون بالهندوكية وقد جاءوا سيلان من الهند قديما كغزات؛ أما اليوم فإنهم يهاجرون إليها كعمال يعملون في مزارع البن والشاي والمطاط. وفي الجهات الجبلية ما تزال بعض القبائل تعيش على الفطرة

وقد كانت هذه الجزيرة تابعة لحكومة الهند، ولكن منذ سنة 1802 فصلت عنها وأصبحت مستعمرة تابعة للتاج البريطاني

كولمبو

عاصمة الجزيرة وتقع على شاطئها الغربي وقد كانت محط أنظار اليابانيين واليها وجهوا أول جهودهم وذلك بالنسبة لما لموقعها من أهمية: فهي محطة للفحم، منها تتزود السفن المحيطية القادمة من أوربا إلى أستراليا والشرق الأقصى، وبها تمر السفن القادمة من شرق الهند إلى غربها تفادياً لمرور من مضيق (بلك) الضحل، فمعنى الاستيلاء عليها تعذر المواصلات بين شرق الهند وغربها وبين بريطانيا وأستراليا، وأضعاف مركز بريطانيا الحربي أضعافاً كبيراً وقد علقت الديلي تلغراف على هجوم اليابانيين على كولمبو وسيلان فأشادت بالنصر العظيم الذي أحرزته القوات البريطانية في دفع العدوان الياباني على الجزيرة ونبهت إلى أهمية موقع الجزيرة قائلة: (ولسنا نرى في جزيرة سيلان حصناً لحراسة الهند ومواصلات الهند مع الشرق الأوسط وأوربا فحسب، ولكننا نرى فيها أيضاً مركزاً قوياً لتركيز الكرات وتوجيهها إلى خطوط الهجوم اليابانية البعيدة الانتشار)

أبو الفتوح عطيفة