مجلة الرسالة/العدد 460/إلى روح شقيقي (إبراهيم)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 460/إلى روح شقيقي (إبراهيم)

مجلة الرسالة - العدد 460
إلى روح شقيقي (إبراهيم)
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 04 - 1942



ما كان إلا دنيا محببة!

للآنسة فدوى طوقان

لاَ كَانَ عَامٌ ظَلِلْتَ يَا سَكَنِي ... فيهِ وَراَء الْحيَاةِ وَالزَّمَنِ

مُسْتَوْحِشاً في الضريح مُنْفَرِداً ... مُرْتَهَناً بالتّرابِ والكفنِ

وَا حَرَّ صَدْري عَليكَ وا أسَفي ... أَنْ لَمْ تُمِتْنِي لواعِجُ اْلَحزَنِ

لوَ أنَّني قمتُ بالوفاءِ، أَخِي ... ما ظلَّ روحي يجولُ في بدنِي

أَنَّى تطيبُ الحياةُ بعدَكَ يا ... أَحْسَنَ ما في الحياةِ مِنْ حَسَنِ

قَطَعْتُ عنِّي أَسْبَابَ بَهجتِهَا ... وَصِرْتُ والَّلأعجاتِ في قرَنِ

تَهْجِسُ في خاطري، أَخِي، ذِكَرٌ ... تَظَلُّ مِنهَا الأشجانُ تَطْرُقنُي

كنتَ لعَمَرْي زيناً لمجلِسِنَا ... وفتنةً مِنْ مُحبَّبِ الِفتن

تدفعُ عنَّا الهُمومَ إَنْ نزلَتْ ... بالدّارِ يوماً طوارِقُ المِحَنِ

فكيفَ بالله صرْتَ أكبرهَا ... وكيفَ أَصْبَحْتَ مَصْدَرَ الشَّجَنِ؟

أَوْلَيتَنِي مِنْ لَدُنْكَ عَارِفةً ... آبَتْ بحِفْظِ الجميلِ مِنْ لدُنِي

وَاهاً لها مِنْ يدٍ مُباَرَكةٍ ... فيَّاضةِ البِرِّ ثَرَّةِ المِنَنِ

ما كنْتُ إَّلا مِنْ غَرْسِهَا فَنناً ... لو لم تُحِطْهُ بالْحِفْظِ لم يكُن

قدْ صُنْتَهُ فاسْتَقَامَ من أَوَدِ ... لولاكَ لم يستقمْ ولم يُصَن

واليومَ يُودي لَفْحُ السَّمُوم بِهِ ... بعدَكَ مَنْذَا يَقيِه مِنْ وَهَن

لا خفَّفَ الُله ما أُكابدُهُ ... إِنَّ سُلُوِّى عنهُ مِنَ ألأفَنِ

وإنَّ قَلْباً قدْ كَانَ مَأْمَلَهُ ... غيرُ حقيقٍ بالصَّبر أو قَمِن

أيام عُمْرِي تَجَهَّمَتْ كَمَداً ... وكان فيها بشاشةَ الزَّمَن

واهاً لنفسي مِنْ طولٍ وَحْشَتِهَا ... ما أَنِسَتْ بعدَهُ إلى سَكَن

أَوْدَعْتَ في القبر سيرةً كَرُمَتْ ... يا لِيَ أَمَّنْتُ غيرَ مُؤْتَمَن

أَمَا وَحُبّيهِ مثلَ سِيرَتِهِ ... ما شامَ طرْفي وََلا وَعَتْ أُذُنِي

خُلْقٌ كقطْرِ النَّدى صَفَا وَزَكا ... في السّرِ مُسْتَأْمَنٌ وفي العلَنِ نفسٌ كصافي النَّميرِ مَوْردُهُ ... ليسَ بذي كُدْرَةٍ وََلا أَسَنِ

مَنْذَا لصِدْقِ الوَلاءِ إنْ طُوِيَتْ ... نفسُ وَليٍ يوماً عَلى دَخَنِ

مَنْذَا لِجَزْلِ القَريضِ وَاحَزَنِي ... مَنْذَا لِحُلْوِ الحديثِ والَّلسَنِ

مَنْ للنُّهي إنْ كَبَا الْعَثَارُ بهَا ... والأَمْرُ أَعْيَا عَلَى ذوي الْفِطَنِ

(ما كان إلاَّ دُنْيَا مُحَبَّبَةً) ... خالصةً مِنْ شَوائِبِ الدَرَنِ

أَسْعَى إلى قبرِه يُساَوِرِني ... شَوْقٌ إليه والدَّمْعُ يَسْبِقُنِي

أَحْنُو عليه أبكيهِ مِنْ أَسَفٍ ... أَسْقِي ثَراهُ بأَدْمُعِي الْهُتُنِ

أَمْسِحُ مِنْ لَوْعَتي بتُربَتِهِ ... مَسْحَ أكُفِّ الحجيج بالرُّكْنِ

لولا عظامٌ لنا مُطَهَّرَةٌ ... في التَّرب لم نحترِصْ عَلَى وَطَنِ

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان