مجلة الرسالة/العدد 457/أحلام اليقظة
مجلة الرسالة/العدد 457/أحلام اليقظة
للدكتور محمد حسني ولاية
قص عليّ صبي في الرابعة عشرة من العمر الحلم الآتي:
(بينما كنت واقفاً في غرفة الدراسة أجيب على سؤال وجهه إليَّ مدرسي، اختفى عن ناظري التلاميذ والمدرس وجميع مل في الغرفة سوى (السبورة)، وانقلبت أرض الغرفة الخشبية إلى أرض صحراوية، ثم ما لبث أن أطل من خلف أعلى (السبورة) رجل ذو منظر مخيف، عريض الوجه، منبعج الأنف، غريب الخلقة، ذو مخالب كمخالب النمر، مرتد ثوباً أخضر وقلنسوة خضراء، ممسك بطفل صغير في الثانية من العمر، وقد ارتدى ثوباً أحمر وقلنسوة حمراء، وكان الطفل كثير الشبه بالرجل، ولكن أنفه لم يكن منبعجاً، ولم تكن له مخالب
(وبعد برهة شطر الرجل الطفل الصغير شطرين بيديه القويتين، فصحتُ من شدة الجزع بأعلى صوتي. . . ثم سمعت مدرسي يقول: (لا تّخف)؛ ثم أفقت ووجدتني واقفاً أمام مدرسي كما كنت، وعاد كل شيء إلى ما كان عليه. . .)
لاحظت أن الحالم يشبه أمه البلجيكية، وأن أخاه البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً يشبه أباه المصري، وقد كان الأب شديد القسوة وكثيراً ما كان يضربه ضرباً مبرحاً؛ أما أمه، فكانت لينة القلب
أدى تحليل الحلم إلى استكشاف عقدة في عقل الصبي الباطن، مؤسسة على نزعات ترمي إلى التخلص من أخيه الذي كان مريضاً بالحصبة عندما كان في الثانية من العمر، وكان الحالم حينذاك في الثالثة فألبس المريض رداء أحمر وقلنسوة حمراء؛ وقد ظلت هذه العقدة محتبسة في العقل الباطن منذ إحدى عشر سنة، والسبب في نشوء هذه العقدة هو العناية الفائقة التي وجهها الوالدان إلى الطفل المريض، ومن ثم تشبثت بالحالم غيرة شديدة من أخيه
يمثل الرجل الوحشي أب الحالم ويرمز الطفل الصغير إلى أخيه، وقد شوهت هيئة الأب والأخ في الحلم بفعل الطاقة الكاتبة: (الرقيب الحلمي)؛ وكأن الصبي يقول لأبيه: (مزّق أخي بمالك من البطش والقوة، وخلصني منه، ليخلو لي الجو. . .) قال لي الصبي انه لا يكره أخاه، ولكن نشأت بينهما حزازات، لأن والده يدلل أخاه كثيراً ويغضي عن هفواته، وقد استغل أخوه هذا التحيز من جانب الأب، فلجأ إلى ضربه وسلب الحلوى والنقود منه، فهو في عرفه صورة مصغرة من أبيه
وقد قص عليَّ الصبي حلماً ليلياً يدل على مبلغ استقرار نزعة التخلص من أخيه في سريرته:
(رأى منذ عهد قريب صبيّاً في عمر وهيئة أخيه يقود طائرة، ثم وقفتْ الطائرة في الهواء بجوار نافذة منزله، فاستقلها كراكب فأطلق قائد الطائرة العنان لطائرته، ولكنه بعد مضي زمن قليل أصابته رصاصة لم يعرف مصدرها فصرعته، فما كان من الحالم إلا أن حل محله وقاد الطائرة بنفسه)
يعني هذا الحلم أنه يريد التخلص من أخيه الذي كانت له الكلمة النافذة والسلطة والقيادة في محيط العائلة
ورأى في حلم ليلي آخر أنه يسير في أرض صحراوية انبعثت صخرة من الأرض ومنعته من استئناف المسير؛ وترمز الصخرة هنا إلى أخيه، لأنه واقف له بالمرصاد
محمد حسني ولاية