مجلة الرسالة/العدد 448/الأحلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 448/الأحلام

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 02 - 1942



للعالم النفساني (يونج)

للدكتور محمد حسني ولاية

يقسم يونج العقل الباطن (اللاوعي) إلى قسمين:

1 - اللاوعي الشخصي الذي يحتوي على كل ما هو منسي أو مكبوت مما اكتسب بواسطة الإنسان.

2 - اللاوعي الشامل الذي يشمل محتويات غريبة عن الفرد وليس لها طابع شخصي، ويمكن استكشاف هذه المحتويات في هواجس الجنون وبدوات الأحلام التي تنتمي إلى العقل البدائي، فهي لم تكتسب ذاتياً ولكنها موروثة من الإنسان الفطري ومتماثلة على وجه العموم في كل الكائنات البشرية.

وقد قص يونج الحلم الذي سأذكره فيما يلي ليبين الفارق بين الأحلام الذاتية العابرة والأحلام الناشئة من اللاوعي الشامل، وهو يرى أن هذا الحلم قد طفا من مستوى أعمق بكثير من مستوى الأحلام العابرة:

(حلم طالب ديني أنه يصلي أمام شخص جميل أطلق عليه الساحر الأبيض وكان مرتدياً معطفاً أسود. ثم أقبل شبح آخر سماه الساحر الأسود مرتدياً جلباباً أبيض.

رغب الساحر الأسود في التحدث إلى سيده الساحر الأبيض، ولكنه تردد في الإدلاء بحديثه وهو في معية تلميذه (الطالب). وحينئذ قال الساحر الأبيض: (تكلم. إنه طاهر). فقص الساحر الأسود قصة عثوره على مفاتيح الجنة الضائعة ولم يتيسر له معرفة استعمالها. فجاء إلى الساحر الأبيض مستفسراً ثم قال: إن ملكه يبحث عن مقبرة ليوسد فيها حين يحين حينه، ولكن بينما كان أحد رعاياه يحفر الأرض عثر على مقبرة كبيرة تحتوي على بقايا عظام عذراء، ففتح الملك هذه المقبرة وألقى هذه العظام خارجها وأقفلها.

فما إن تعرضت العظام لنور النهار حتى دبت فيها الحياة، وأخذت شكل حصان أسود جرى إلى الصحراء.

فتبع الساحر الأسود هذا الحصان، وبعد صعوبات جمة وجد مفاتيح الجنة الضائعة)

ويرى يونج أنه لا يمكن تفسير هذا الحلم بالطريقة المختزلة لأن قيمته الحقيقية تكمن في ذاته لأنه عبارة عن تجارب روحانية تتحدى أية محاولة لتبريرها.

وقد انتقد يونج نظرية فرويد الأحلام والعقل الباطن لأنها لا تعترف بوجود اللاوعي الشامل. ثم قال: إن الوارثة فقط تستطيع أن تفسر التماثل العجيب بين الأقاصيص الدينية الأزلية من ناحية، وبين الأحلام والهواجس من ناحية أخرى. وإن اللاوعي الشامل لا يظهر أثره إلا عند حدوث ظروف غير عادية تطلق سراح نشاطه المستقل.

أختم المقال بحلم شاب في العشرين من العمر مشفوعاً بتعليق يونج عليه:

(رأيتني في كاتدرائية (لورد) وقد شملها جو قاتم غامض ونور خاب وتوسطتها بئر عميقة كان مفروضاً على أن أتوجه إليها)

ثم عقب الحالم على هذا بقوله: (إن لورد هذه بئر للاستشفاء، وقد رأيتها في الحلم بمناسبة تفكيري في السعي إلى العلاج)

(إن كلمة كاتدرائية تعيد إلى ذاكرتي كاتدرائية كولونيا التي أغرمت بها في صباي، وكثيراً ما كانت أمي تستصحبني إليها وتحدثني عنها)

هنا يصف المريض اختبارات مهمة في صباه تعرب بنوع خاص عن صلته الوثيقة بالأم. وهذه الصلة تنطوي على علاقة سرية غير واعية، وقد عبر عن هذه العلاقة تعبيراً قد يعتبر واعياً في شكل إبطاء في نمو أخلاقه وبقاء مظاهر من الطفولة فيه. وقد برزت فيه بعض خصائص الأنوثة كما يبدو من طريقة تعبيره، وكانت علته التي التمس الشفاء منها حبه الذكور حباً جنسياً

تكافح الشخصية في تطورها لكي تنفصل عن العلاقة الطفلية غير الواعية بالوالدين، ولا شيء يعوق النمو الأخلاقي أكثر من بقاء نفسية طفلية غير واعية.

وتأتي أول فرصة لانفصال عن الأم عن طريق إرضاء الغريزة باستبدال الأم بموضوع آخر يماثل الأم

وإنا نرى في حالة هذا الشاب أن بدواته الطفلية متعلقة برمز الكاتدرائية بسبب حاجته القوية غير الواعية إلى بديل عن الأم، وتمثل الكنيسة هنا بدلاً روحانياً عن الصلة الطبعية بالوالدين.

كان القدماء يحتفلون بسن البلوغ ففيهم الشاب أسرار قبيلته الدينية، وكان الاحتفال مصحوباً بكثير من الطقوس الدينية والعادات الفطرية ولا ريب في أن هذه تركت أثراً في عقلنا الباطن بل إنها أصبحت تقريباً عمليات غريزية منحوتة في اللاوعي كنماذج قديمة هذا وإن حب الجنس المماثل يرجع إلى وقائع تاريخية عند الإغريق وبعض الفصائل الفطرية، وكانت الرغبة فيه تعد نضوجاً ورجولة. فإذا رجعنا إلى خطة الحلم أمكننا أن نفهم أنها ترمي إلى رغبة المريض في العلاج وإلى إثبات معنى حب الجنس المماثل أو بعبارة أخرى الدخول إلى دنيا البالغين.

(للبحث صلة)

محمد حسني ولاية