مجلة الرسالة/العدد 446/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 446/البريد الأدبي
قرار لجنة كبار العلماء وبرنامج الإصلاح
يعرف القراء أن جماعة كبار العلماء قد قررت في جلستها الأخيرة تأليف لجنة برياسة حضرة صاحب الفضيلة المفتى الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم لبحث المقترحات الهامة التي رفعت إليها من بعض حضرات أعضائها.
وقد عقدت اللجنة عدة جلسات لهذا الغرض، وتلقت في إحدى هذه الجلسات كتاباً مرسلاً إلى فضيلة الأستاذ الأكبر من الأستاذ الشيخ حسن البنا يقترح أن تقوم جماعة كبار العلماء بإنشاء معجم جامع للحديث يضم شتات كل الأحاديث المحتج بها الخ.
وبعد بحث هذه المقترحات بما فيها هذا المقترح الأخير رأت اللجنة أن تقوم جماعة كبار العلماء بما يأتي:
أولاً:
(أ) إيضاح ما قد يخفى من أصول الدين
(ب) بيان ما هو بدعة وما ليس بدعة
(ج) بيان أحكام الشريعة في المعاملات التي جدت وتجد.
(د) الإفتاء فيما يرى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر أخذ رأي جماعة كبار العلماء فيه.
ثانياً:
(أ) وضع مؤلفين يجمع أحدهما تفسير القرآن تفسيراً سهل التناول يوافق أصول الدين وقواعد اللغة العربية، مع التنبيه على ما في كتب التفسير المتداولة من الإسرائيليات والآراء التي لا تتفق وأصول الدين العامة وقواعد اللغة؛ ويجمع الآخر الأحاديث التي تصلح للاحتجاج والتي لا تصلح مع بيان درجاتها المختلفة.
(ب) التنقيب عن الكتب الإسلامية التي يعظم نفعها في مختلف العلوم، والعمل على إخراجها اخرجاً صحيحاً متقناً
ثالثاً: إنشاء مكتب علمي يعهد إليه بتنفيذ هذه المقترحات، ويكون من اختصاصه بحث ما يقدم إليه من المؤلفات التي يقوم بها علماء الأزهر وغيرهم في العلوم الدينية والعربية وسائر العلوم التي تدرس في الأزهر وكلياته، وتقدير قيم هذه المؤلفات والعمل على نشر النافع منها ومكافأة أصحابها، ليكون ذلك مدعاة إلى تنشيط الإنتاج العلمي.
وتقترح اللجنة أن يكون هذا المكتب برياسة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وعضوية عشرة من أعضاء الجماعة - ذكرتهم اللجنة في تقريرها - على أن يستعين المكتب بمن يختار من علماء الأزهر وغيرهم.
وقد اقترحت اللجنة على فضيلة الأستاذ الأكبر إلى جانب ذلك:
أولاً: أن تشرف جماعة كبار العلماء بواسطة لجنة منها على مجلة الأزهر، ليكون ذلك وسيلة ناجحة إلى تنفيذ معظم هذه المقترحات، وليكون ما ينشر في المجلة التي يصدرها الأزهر متفقاً وما يبتغي العالم الإسلامي لهذه المجلة من علو المكانة ورفعة الشأن.
ثانياً: أن يعمل فضيلة الأستاذ الأكبر على تأليف لجنة يمثل فيها الأزهر، ووزارة الأوقاف، ووزارة الشئون الاجتماعية، ومشيخة الطرق الصوفية، تكون مهمتها وضع الخطط النافعة في الوعظ والإرشاد واتخاذ ما يلزم لتعميم النفع به من إلقاء خطب أو إذاعات أو طبع رسائل توزع بالمجان على الناس، وغير ذلك مما تراه نافعاً في تقويم الخلق وإصلاح المجتمع.
هذا هو ما رأته اللجنة في شأن المقترحات وطرق تنفيذها، وقد رفعت تقريرها بذلك - قبيل عيد الأضحى - إلى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر، ليتخذ ما يرى في سبيل عرضه على الجماعة تمهيداً لإقراره وتنفيذه.
وبهذا أصبح برنامج الإصلاح في كفالة الأستاذ الأكبر المراغي رجل الإصلاح.
إلى الأستاذ محمود عزت عرفة
عفا الله عني نضو نُعمي وأبؤس ... تمتع حيناً ثم أضناه ما يضني
لحنتُ وأنحلتُ امرأً غير شعره ... وحرَّفت ما أروى فويليَ من سني
وما كنت شيئاً من أولئك أتقي ... ولا خلت أن الشيب من صفة الجن
ويأبى وفائي أن أغالط محسناً ... أأُهدّى إلى وجه الصواب ولا أثنى
فقل للوليد البحتري وصنوه ... حبيب بن أوس ما جنيت ولا أجني
هما الخمر والماء الطهور وأنملي ... معودة مزج السلافة في الدن لك الحمد يا محمود من ذي مروءة ... يرى الشكر فرضاً والجحود من الجبن
عبد اللطيف النشار
بين صبري وابن دريد
شهد الأديب الفاضل حسين محمود البشبيشي على الشاعر إسماعيل صبري باشا بسرقة بيتيْ شعر وردا في ديوانه، إذ رآهما في مقال للشاعر محرم منسوبين إلى صاحب المقصورة الدريدية
والبيتان اللذان في الديوان هما:
إن الذي أبقيتَ في مهجتي ... يا متلف الصب ولم يشعرِ
حشاشة لو أنها قطرة ... تجول في عينيك لم تُنظرِ
وفي مقال الشاعر محرم وردا بتحريف بسيط فكانا هكذا:
إن الذي أبقيت في (جسمه) ... يا متلف الصب ولم يشعر
(صُبابة) لو أنها قطرة ... تجول جفنيك لم (تقطر)
قلت: إنها شهادة لعمر الحق جائرة. فما كان لشاعر كإسماعيل صبري سما في شاعريته البارعة إلى أعلى مراتب الشعر الغنائي أن يسف هذا الإسفاف الفاضح المعيب، فيعزو إلى نفسه قول غيره. ونحن إذا علمنا كيف جمعت مقطوعات الديوان من هنا وهناك بعد وفاة الشاعر بأعوام طويلة. ظهرت لنا براءته مما وصم به. ففي كلمة الأستاذ أحمد الزين في الديوان نرى أن صهر الشاعر صاحب العزة حسن رفعت بك قد حمل على عاتقه عبء جمع الديوان وهو عبء يجهد لقلة ما كان الشاعر يعني بجمع شعره وترتيبه. يقول الأستاذ أحمد الزين إن صهر الشاعر جمع مقطوعات الديوان من بطون الصحف التي بعد بها العهد ومن أفواه الرواة المعاصرين له والمتصلين به فكان لا يسمع بإنسان جالس إسماعيل صبري إلا زاره وكتب عنه ما يحفظه من شعره - أنظر الديوان صفحة 41 - ومن المرجح عندي فيما يختص بهذين البيتين أن يكون هناك مَن ضمه مجلس بإسماعيل صبري وسمعه ينشدهما فظنهما له ورواهما لصهر الشاعر على حسب هذا الظن. وهب أن البيتين وجدا مكتوبين بخط الشاعر فليس بعجيب أن يكتب الإنسان في أوراقه شعراً أعجبه، ولكنه سهو تقع تبعته على الذين أشرفوا على جمع الديوان. وقل مثل ذلك في الأبيات التي وردت في وصف النيل على أنها لإسماعيل صبري وهي لابن الخروف أبى الحسن الأشبيلي من شعراء القرن السادس. ومما يجعلني أقطع في براءة إسماعيل صبري هو أن هاتين المقطوعتين وردتا في الديوان دون أن تشتملا على شهادة بنسبتهما إلى الشاعر كما نرى في بقية أشعار الديوان.
بقيت هنالك مسألة التحريف اللفظي، ولعل الأديب الفاضل يراها مما يقوى زعمه، إذ يعد هذا التحريف تغييراً من إسماعيل صبري لكي يموه على الناس، ولكنه تغيير لم يوفق فيه، على رأى الأديب. والذي أراه أن هذا التغيير الذي لم يمس جوهر ذيتك البيتين الرائعين ما هو إلا تحريف لفظي كثيراً ما يقع في الشعر القديم. فبينما أنت تقرأ في كتاب الأغاني مثلاً تراه بعينه في كتاب آخر، ولكنه محرف بعض الألفاظ، ومثل هذا كثير. فلعل الكتاب الذي وعى منه إسماعيل صبري هذين البيتين هو غير الكتاب الذي أخذهما منه الشاعر محرم منسوبين إلى أبي بكر ابن دريد، ومن هنا حصل هذا التغيير الذي جعل الأديب حسين محمود البشبيشي يشهد هذه الشهادة الجائرة على الشاعر رحمه الله.
(نابلس)
فدوى عبد الفتاح طوقان