مجلة الرسالة/العدد 444/المصريون المحدثون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 444/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة - العدد 444
المصريون المحدثون
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 01 - 1942


20 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل السادس - عاداتهم

من العادات التي تراعيها طبقات الشعب أن تذهب العروس ظهر الأربعاء الأول أو بعيد الظهر، أو يوم السبت إذا كان الزواج يتم مساء الاثنين، إلى الحمام في أبهة واحتفال. ويسمى هذا زفة الحمام. فيتقدم الزفة فرقة تتكون من مزمار أو مزمارين وطبول مختلفة الأنواع. وكثيراً ما تنتهز الفرصة للاحتفال بختان الولد؛ فيسير هذا وحاشيته خلف الموسيقيين بالطريقة السابق ذكرها. وقد يتقدم حاشية العروس رجلان يحملان الأواني والملابس التي تستعمل في الحمام على صينيتين مستديرتين تغطيان بنسيج من الحرير المطرز أو الساذج. ويوجد أيضاً سقاء يروى ظمأ السائرين، ورجلان آخران يحمل أحدهما قمقماً من الساذجة أو المذهبة، أو من الصيني مملوءاً بماء الورد أو زهر البرتقال يرش منه على السائرين من وقت لآخر. ويحمل الآخر مبخرة من الفضة يحرق فيها العود وغيره من المواد العطرية، ولكن يندر أن تسير الزفة بهذه الطريقة. وتكون حاشية العروس من صديقاتها وقريباتها المتزوجات، يتقد من اثنتين اثنتين، وتتلوهن الفتيات العذارى. ويلبس المتزوجات الملابس العادية ويتدثرن بالحبرة الحريرية السوداء؛ أما الأخريات فيلبسن الحبرة الحريرية البيضاء أو الشال. ثم تتبعهن العروس تحت مظلة حريرية ذات ألوان زاهية قرنفلية أو وردية، أو صفراء، أو ذات لونين معاً على هيئة خطوط عريضة غالباً ما تكون وردية وصفراء. ويحمل المظلة من قوائمها الأربعة المعلق على كل منها منديل مطرز. أربعة رجال. ويفتح صدر هذه المظلة. وتختفي العروس تحت ملابسها فتتدثر من قمة الرأس إلى أخمص القدمين بشال كشمير أحمر، أو نادراً بشال أبيض أ أصفر، ويتوج رأسها بغطاء من الورق المقوى يوضع عليه الشال فيحجب عن الأنظار وجهها وملابسها الثمينة وحليها خلا قُصة أو قُصتين. وحلي أخرى أحياناً من الماس والزمرد تعلق على هذا الموضع من الشال الذي يغطى الجبهة. ويرافق العروس تحت المظلة اثنتان أو ثلاث من قريباتها، وامرأة أخرى تروح عليها عندما تشتد الحرارة بمروحة كبيرة من ريش النعام الأسود يزين أسفلها مرآة صغيرة. وقد تقام زفة واحدة لعروسين معاً تحت مظلة واحدة. وتسير الزفة ببطء شديد وتتبع طريقاً ملتوياً ليطول العرض. وتتوجه إلى اليمين عند البدء في السير؛ ويأتي في ذيل الزفة فرقة موسيقية أخرى مثل الأولى أو فرقة من طبالين اثنين أو ثلاثة. ويلاحظ أن السائرات في زفة العروس من الطبقة السفلى يزغردن كثيراً. ويزغرد كذلك نساء الطبقة الفقيرة كلما شاهدن زفة. (شكل 46) زفة عرس (قسم أول)

وقد يستأجر الحمام كله للعروس وحاشيتها فيمضين ساعات أو ساعتين على الأقل في الاستحمام واللعب وتناول الطعام. وكثيراً ما تستأجر العوالم (القيِان) لتسليتهن في الحمام. ثم تعود الزفة بالنظام نفسه. ويتحمل أهل العروس نفقات الزفة، إلا أن العريس يقيم المأدبة التي تعقب ذلك.

وتعود العروس من الحمام إلى منزل أهلها فتتناول مع رفيقاتها العشاء. وتصحبهن القيان لاستئناف اللهو. وتدور أغانيهن على الحب والزواج. وبعد ذلك تعجن بعض الحناء وتضع العروس قطعة من العجين في يدها، ثم تتناول (النقوط) من ضيفاتها، فتلصق كل منهن قطعة من النقود الذهبية عادة في تلك العجينة حتى لا يبقى موضعاً فيها، فتقشطها العروس حينئذ بعيداً عن يدها على حافة وعاء مملوء ماء، ثم تضيف بعض الحناء إلى يديها وقدميها وتربطان بالكتان حتى الصباح، فتصبح بلون أحمر برتقالي قان. وتستعمل المدعوات ما تبقى من الحناء لصبغ أيديهن. وتسمى هذه الليلة (ليلة الحنا) (شكل 47) زفة عرس (قسم ثان)

ويقيم العريس الحفلة الكبرى في هذه الليلة، وأحياناً في اليوم السابق. فيعرض (المحبزون) ألعابهم أمام المنزل أو داخل الفناء إذا كان المنزل واسعاً. وقد وصفت الألعاب الشائعة الأخرى التي تعرض على المدعوين لتسليتهم.

وتزف العروس إلى منزل عريسها في اليوم التالي. وتسمى هذه الزفة لأهميتها (زفة العروسة). أما الزفة السابق وصفها فتسمى (زفة الحمام) لتمييزها عن الأخيرة. وقد تسير العروس إلى الحمام بغير أبهة أحياناً تقليلاً لمصاريف الاحتفال وتكون الزفة إلى منزل العريس فقط. وزفة العروس كالزفة السابقة تماماً. وتتناول العروس الفطور مع حاشيتها ثم تبدأ الزفة بعد الظهر، فتسير ببطء وانتظام كزفة الحمام سيراً طويلاً خلال الشوارع الرئيسية لأجل العرض ولو كان منزل العريس قريباً. وقد تدوم الزفة ثلاث ساعات أو أكثر عادة. وقد يتظاهر أمام الزفة مبارزان لا يلبسان غير السراويل، أو يتضارب فلاحان بالنبوت أو بغيره. وترحب العائلات الموسرة بمن يجيد تسلية المتفرجين بحليهم وألعابهم العجيبة أثناء زفة العروس، وتقدم إليهم هدايا جميلة. وحينما زوج السيد عمر نقيب الأشراف الذي كان الوسيلة الكبرى لبلوغ محمد علي ولاية مصر، بنته منذ حوالي خمس وأربعين سنة سار أمام الزفة شاب قد شق بطنه وأخرج أمعاءه على صينية من الفضة، ثم أعادها إلى موضعها بعد الزفة ولزم السرير عدة أيام قبل أن يشفى من آثار هذا الجنون الكريه. وضرب آخر ذراعه بسيفه أمام المتفرجين ثم شد جرحه قبل أن يخرج السلاح ببضعة مناديل تشربت بالدم. وقد وصف لي هذه الألعاب شاهد عيان. وهناك مشهد أكثر غرابة واشد إثارة للاشمئزاز لا يقل شيوعاً في هذه المناسبات عادة إلا أنه يندر أن يشاهد الآن. وقد يعرض الحواة أيضاً حيلاً مختلفة إلا أن أكثر الألعاب تكون تقليداً للمعارك. وقد تعرض مثل هذه الألعاب في الاحتفال بختان، وقد تسير في الزفة العظيمة عدة عربات يركبها صناع وتجار من مختلف الفنون والحرف الممارسة في العاصمة يمثلون أعمالهم العادية. ويوجد في إحدى العربات بعض الرجال يصنعون القهوة ويقدمونها إلى المتفرجين أحياناً، وفي عربة أخرى يجلس بعض الموسيقين، وفي عربة ثالثة بعض العوالم. وتركب العروس في مثل هذه الزفة عربة أوربية مقفلة، ولكن كثيراً ما تركب العروس وقريباتها وصديقاها الحمير فوق البراذع المرتفعة، ويتقدمهن الموسيقيون والمغنيات ويتلوهن فرق أخرى في نهاية الزفة.

وتؤدب للعروس ورفيقاتها مأدبة عند بلوغهم منزل العريس، وسرعان ما تنصرف الصديقات وتبقى أم العروس وأختها وحدهما معها أو إحدى قريباتها الأخريات وامرأة أخرى تكون (البلانة) عادة، وتسمى الليلة التالية (ليلة الدخلة)

ويبقى العريس في الدور الأسفل، ويذهب قبل الغروب إلى الحمام فيتغير ملابسه وقد يغيرها في المنزل؛ وبعد أن يتناول وجبة العشاء مع بعض أصدقاءه ينتظر قليلاً إلى قبيل الصلاة أو إلى هزيع من الليل، ثم يذهب حينئذ - حسب العادة الشائعة - إلى أحد المساجد المشهورة مثل مسجد الحسين لإقامة الصلاة؛ وتقام له بهذه المناسبة زفة إذا كان شاباً، فيتوجه إلى المسجد مسبوقاً بفرقة من طبالين وزمار أو زمارين، وبصحبته بعض أصدقائه وحاملي المشاعل: والمشعل عبارة عن عصا طويلة ينتهي طرفها الأعلى بإطار أسطواني من الحديد يوضع فيه خشب مشتعل؛ وقد يكون لها اكثر من وعاء واحد للنار (أنظر شكل 48)، (شكل 48) مشاعل وتسير الجماعة إلى المسجد عادة بخطى سريعة ونظام قليل، وتختم الزفة فرقة موسيقية كالأولى أو فرقة طبالين. ويلبس العريس عادة قفطاناً ذا خطوط حمراء وجبة حمراء ويعتم بشال من الكشمير باللون نفسه، ويمشي بين صديقين في مثل ثيابه. وتقام الصلاة للاحتفال فقط، وفي أكثر الأحيان لا يصلي العريس مطلقاً، أو يصلي من غير وضوء مثل المماليك الذين يقيمون صلاتهم خوفاً من سادتهم فقط. وتعود الزفة من المسجد في نظام أتم وأبهة أعظم وبطء شديد. وربما كان سبب ذلك أنه لا يليق بالعريس أن يسرع إلى المنزل ليحظى بعروسه. ويتقدم الزفة

- كما سبق - موسيقيون وحاملوا مشاعل، يتبعهم رجلان يحملان على كتفيهما إطار معلقاً في مذراةٍ يتدلى منه ستون فانوساً صغيرة أو أكثر مقسمة إلى أربع دوائر تعلو إحداها الأخرى، ولا تثبت الدائرة العليا بحيث يستطيع أحد حاملي الإطار أن يدرها من حين لأخر. وينير لآلاء هذا الفوانيس والمشاعل الكثيرة الشوارع التي تمر فيها الزفة، فتحدث تأثيراً جميلاً يستحق الاعتبار , يتقدم العريس وأصحابه وغيرهم في شكل حلقة مستطيلة متقابلين وفي يد كل منهم شمعة أو أكثر، وأحياناً يحملون أغصاناً من شجر الحناء أو بعض الزهور عدا العريس وصديقيه على كل جانب، وهم يمشون في مؤخرة الحلقة التي تشمل عشرين شخصاً أو أكثر. وكثيراً ما يقف الموكب برهة يغني أثناءها أحد رجال الحلقة أو صبيانها أنشودة العرس، ويقف أثناء ذلك دق الطبول ونغمات المزمار الحادة التي تبلغ مسامع العروس قبل وصول الزفة إلى المنزل بنصف ساعة أو أكثر. وينتهي الموكب كما سبق بفرقة موسيقية ثانية.

هذه هي الطريقة الشائعة في زفة العريس. وهناك طريقة أخرى أكثر اعتباراً تسمى (زفة ساداتي) يسير العريس فيها بين أصدقائه كالطريقة السابقة وبين حاملي المشاعل دون الموسيقيين، ويستخدم مكان هؤلاء رجال يسمون لاحترافهم الغناء في مثل هذه الأوقات (ولاد ليالي) ويتوجه العريس بين هذه الحاشية إلى المسجد. ثم يعود الموكب على مهل ويشرع المغنون في الغناء أو إنشاد الموشحات في مدح الرسول (صلعم) ويرتلون متعاقبين ما تيسر من القرآن بعد الوصول إلى المنزل، ثم يقرءون جميعاً الفاتحة، وينشد أحدهم بعد ذلك قصيدة في مدح الرسول ؛ وأخيراً ينشد الجميع مرة أخرى الموشحات ويتناولون النقوط من العريس وأصدقائه.

(يتبع)

عدلي طاهر نور