مجلة الرسالة/العدد 437/أريد. . .
مجلة الرسالة/العدد 437/أريد. . .
للأديب أحمد عبد المجيد الغزالي
جف الغدير! فمن للظامئ الصادي؟ ... وصوْح العود تحت الهاتف الشادي
ومات زهر الربى لا الطير تندبه ... ولا الشعاع عليه رائح غاد
حتى الزهور يغول الدهر نضرتها ... لكل ناضرة من دهرها عاد
غاضت منابع شعري وهي زاخرة ... وغام أفقي. أما من بارق هاد؟
طال السري وطريقي شائك حلك ... ولم يغني جديداً ذلك الحادي
أريد لي عالماً يختال (حاضره) ... على شوارد هذا العالم (البادي)
أريد دنيا جديد الوحي يغمرها ... فأستفيق على شدوي وإنشادي
أريدُ أن تسكبي الأنغام في خلدي ... شيعتُ أمسي فهلاَّ تبعثين غدي؟
مالي وقيثارة شُدَّت على خشبٍ ... وأنت قيثارة شُدتْ على كبدي؟
جفَّ النشيدُ على أوتارها فغدتْ ... بكماَء لا تحتفي بالطائر الغَرِد!
طوقتها حانياً، أبكي لياليَها ... كما بكى والدٌ بَرٌّ على ولد
فهدْهِدي أنت أحلامي بأغنية ... تنساب من نْبِعك الجاري من الأبد
وجدِّدي عهدَها الماضي فإِن عرضت ... ذكرى أناشيدها في الحب فاتئدي
أنا الذي نهِلتْ روحي أغانيَها ... كما ستنهلُ في أيامك الْجُددِ
أريد يا جدولي الساري بأوهامي ... أن تستبد بآمالي وآلامي
بالأمس يا جدولي والروض يضحك لي ... نديت من عذبك السلسال أحلامي
واخترت من ورق الأزهار لي صحفاً ... بيضاً ومن هذه الأغصان أقلامي
واليوم يا جدولي لا الروض يضحك لي ... ولا مياهك تروي غلة الضامي
ظمئت يا جدولي والجرح في كبدي ... فهل لمائك يأسو جرها الدامي؟
قد كان شطك لي أنساً وعافية ... فكنت أقوى على دهري وأيامي
فما لأنسى به غاضت منابعه ... ولم تعد ثرة تجري بألهامي
أريد يا كرم، ماء غير رقراق ... فقد برمت بهمس الكأس والساقي
سقيت يا كرم كأسي وهي مترعة ... على شعاع سرى في الكأس براق ثملت يا كرم حتى غفت نشوتها ... وعفت صمتي على كأسي وإطراقي
مل الندامى خداع الكأس صائحة ... على صباح بنور الفجر دفاق
تميل أعناقهم والكأس دائرة ... حتى كأن الطلا تعويذة الراقي!
ألفت يا كرم تلك الخمر صافية ... كما ألفت يراعاتي وأوراقي
يا كرم، ما صار خير الخمر أقدمها ... إن كان ثم جديد فالهوى باق
أريد يا زهرات الروض أنفاساً ... غير التي عرَّفتني الورد والآسا
ما عدت أستروح الأنسام عاطرة ... ريانة النفح تنسي القلب ما قاسا
نسيت بالروض أياماً لنا سلفت ... كان الندى خمرتي والوردة الكاسا
أشدو بشعري مع الأطيار صادحة ... وقد أقمنا على الغدران أعراسا
فالزهر يبسم رفافاً لفرحتنا ... والغصن يختال تحت الزهر مياساً
رغبت يا زهرات الروض عن أرج ... قد كان يملؤني وهما ووسواسا
فضي جيوبك يا زهرات عن أرج ... ما بات يشعل في الوجدان إحساسا
أريد يا طير تغريداً كتغريدي ... وأن تردده في الدوح ترديدي
ما للأغاني تغنيها فأسمعها ... فلا تطامن من همي وتسهيدي
سئمت يا طير ألحاناً شدوت بها ... بين الرياحين أو فوق العناقيد
إن كان عندك لحن غير ما صدحت ... به رباك، فوقعه على عودي
لو كنت كالطير في الأجواء منطلقاً ... لأنشد الطير للدنيا أناشيدي
وبات يمتعه فني وجدّته ... فلن يكون لي فني وتجديدي
يا ويح للطير، لازالت هواتفه ... تردد اللحن من أيام داود
أريد يا ليل، إن رتلت آياتي ... أن لا تخفف أشجاني وآهاتي
دعني لظلمتك الدكناء أقبسها ... نوراً يضيء حنايا دهري العاتي
شقيت يا ليل بالأضواء تغمرني ... فتوقظ الألم الغافي بأناتي
قد كنت يا ليل تسليني إذا عصفت ... بي الأماني في كيد وإعنات
أما سمعت بعادي الدهر فزعني ... وفوق مسرحه غنى لمأساتي
يا ليل أين السكون العبقري مضى ... وخلف القلب مشبوب الصبابات هذا السكون الذي استوحيته كلمي ... ما باله لم يعد وحياً لأبياتي؟
أريد يا بدر نجوى غير نجواكا ... قد كان يسعدني في الليل مسراكا
أنداء نورك كانت بلسما عجبا ... للحب ما صنعت - يا بدر - يمناكا
دنياك دنيا هوى والشعر عشت بها ... اجني بها الزهر، حتى زهرها شاكا
وما سلمت بدنيا الناس من نكد ... قد ضقت ذرعاً بدنياهم ودنياكا
تساقط النور أسلاكا كأن به ... سرا، يساقطه يا بدر مثواكا
أضأت للناس حتى أظلموا ومضوا ... يسخرونك أشرارا وفتاكا
ماذا عليك، إذا أرسلتها حمما ... تنقض يا بدر أجراماً وأفلاكا
أريد يا فجر إلا يشرق النور ... وأن يلف شعاع الصبح ديجور
وأن نظل هجوعاً في مراقدنا ... فلا يؤرقنا في الروض عصفور
ولا تجاوبه في الأفق ساجعة ... مسحورة إلفها بالأفق مسحور
لو كان طير الربى يدري مهازلنا ... يا فجر، ما شاقه شدو وتصفير
هم روعوه بشر زاحموه به ... في الجو، فالطير في دنياه مقهو
ألطير، سل عنه أذن الروض مرهفة ... يجبك زهر على الخلجان منثور
والقوم سل عنهم الحرب التي وقدوا ... يجبك أتونها بالنار مسعور
أريد يا أيها الماشي على النار ... أن تستفيق على صيحات أشعاري
تدب يا عالمي فوق اللظى عجلاً ... غداً ستمضي برب الدار والدار
للنيل في عنقي حق سأبذله ... في قذف قنبلة أو عزف قيثار
النيل إن رامه باغ به طمع ... رمى بجيش من الأشبال جرار
النيل في كنف الأشبال حوزته ... وهم على رصد للطامع الضاري
جروا على مائه والفلك سامرهم ... يداعبون خيال الكوكب الساري
آنا الهزاز الذي غنى لسامرهم ... غداً أغني وطير النيل سماري
احمد عبد المجيد الغزالي