مجلة الرسالة/العدد 434/كلمات صريحة:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 434/كلمات صريحة:

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 10 - 1941


في التربية والتعليم

للدكتور زكي مبارك

شعار التلميذ - في مدارس البنات - ضرب التلاميذ - الغداء

في المدارس - بين النظار والمدرسين - أخطار تهدد بعض

المدارس الأهلية

شعار التلميذ

كنت اقترحت على حضرة صاحب العزة مراقب النشاط المدرسي أن يشير بأن تكون ملابس التلاميذ جميعاً من قماشٍ واحد، وبهندامٍ واحد، ليسلم أغنياؤهم من آفة الازدهاء، وينجو فقراؤهم من آفة الاتضاع، ولنضمن سلامة أولئك وهؤلاء من عوادي التنافس البغيض.

ثم مضيت فكتبت كلمة وجيزة في جريدة (الأهرام)، أردت بها التمهيد لعرض هذا الموضوع على (مؤتمر التعليم) فكيف استقبله كبار المربين بوزارة المعارف؟

اتفقوا على صواب الفكرة، ولكن معالي الوزير رأى في تنفيذها إرهاقاً للآباء في مثل هذه الظروف، فقد يكون فيهم من يعجز عن إمداد أبنائه بأثواب جديدة في العام الدراسي الجديد.

ولا ريب في أن معالي الوزير لم يرد غير الرفق بالآباء، ولكن ما رأيُ معاليه فيمن يحدثه بأن التلاميذ لن يرفقوا بآبائهم أبداً، ولن يكون فيهم من يفهم أن الناس جميعاً يعانون قسوة الغلاء؟

إن التلميذ طفل، والطفل يعتقد أن أباه على كل شيء قدير، وإذا فرضنا المستحيل وقدّرنا أن الطفل قد يراعي ظروف أبيه، فلا يكلفه ما لا يطيق في هذه الأيام، فمن يضمن سلامة هذا الطفل من الألم المكبوت، وهو يرى من بين التلاميذ من يرجعون إلى المدارس وهم في اختيال بما أعدوا للعودة المدرسية من الزينة والرَّواء؟

ليس في مصر تلميذ واحد يقدر ظروف أبيه، وإن فعل فسيشعر في قرارة نفسه بأن أباه ضعيف الحول، وأن الدنيا بخلت عليه وعلى أبيه بما يبعد عنهما شبهة العوز والاحتياج.

وما وجودُ المصلحين إذا عجزوا عن رأب هذا الصدع بوسيلة لا تكلفهم غير قليل من الالتفات، كأن يرعوا أن التلميذ جندي والملابس واحدة لجميع الجنود؟

قد لا يخر في بال وزير المعارف أن في مصر آباءً يقتلون أنفسهم بالبلاء الذي يسمى (التقسيط)، فأولئك الآباء يزوّدون أبناءهم بما يشتهون عن طريق الدَّين، فيظهرون بمظهر الغني، مع أنهم يستعجلون الفقر بخطوات سراع!

و (شعار التلميذ) وقاية من هذا الداء، فقد يستطيع التلميذ الفقير أن يقضي العام كله بثوب واحد، ما دام يتعهده بالصيانة والتنظيف، ولن يكون في ذلك ما يحرجه أمام رفاقه، لأنه لم يلبس غير الثوب المطلوب.

ومن أعجب العجب أن نفكر في الطب لجميع أمراض المجتمع ثم ننسى الطب للأمراض التي يتعرض لها التلاميذ، وهم بحكم أسنانهم الصغيرة معرَّضون للآفات النفسية، لأنهم يعجزون عن مقاومة آفات النفوس، ولأن رفاقهم لا يعفونهم من الغمز والتلويح، إذا رأوهم في أثواب لا تعفي لابسيها من التعرض للازدراء. . . وكل ثوب لا يكون ابن يومه هو في نظر التلميذ علامة فقر وإملاق. . . وكان الله في عون من له أبناء يتعلمون في المدارس المصرية، ولو كان من الأغنياء!

وهنالك ظاهرة غريبة لا يلتفت إليها أكثر المربين، فالتلميذ الذي يستحي من شكوى حاله إلى أبيه، لا يستحي من الشكوى إلى أمه، وليس بينه وبينها حجاب، والأم امرأة لا مرؤ، وإحساس المرأة بتفاوت الأزياء أحدّ من السيف الصقيل.

فماذا تصنع الأم؟ إن بلّغت الشكوى إلى زوجها كدرته بلا موجب، لأنها تعرف عجزه عن تحقيق ما يريد ابنها (الطفل)، وإن كتمت شكواها وشكواه عاش البيت في جمر لا يطمسه غير رماد لا يحتمل عصف الرياح.

ومن المزعج أن الأغنياء لا يكتفون بإسباغ الأثواب الجميلة على أبنائهم المنعَّمين، وإنما يزوّدونهم بالمال في كل يوم، ليُقبِلوا على (مَقصف المدرسة) إقبال الأفاعي على الأوطاب. وللمنصف أن يتصور كيف يكون حال التلميذ الذي لا يجد في جيبه غير قرشٍ واحد بجانب التلميذ الذي يجد في جيبه عشرات القروش؟ ذلك تلميذ يشتري شطيرة مكونة من الخبز والفول بقرش أو نصف قرش، وهذا تلميذ يلم بجميع ما في المقصف من ألوان وأصناف، ثم يشاء له (أدبه) أن يزهد في الماء فلا يشرب غير منقوع المنجة أو الليمون.

وليكن مفهوماً أن طبقات التلاميذ في الحاضر هم طبقات الرجال في الاستقبال، ومعنى هذه اللفتة أن تناحر الطبقات في الغد توضع بذوره في المدرسة، المدرسة التي أقيمت لتشيد صروح الأخلاق!

فما أعجبَ ما نصنع بأبنائنا، وهم في أصل الفطرة أبرياء!

ثم ماذا؟ ثم يشاء الأغنياء - عفا الله عنهم - أن لا يعود أبناؤهم إلى المنازل إلا في سيارات خصوصية!

وهنا أذكر حادثاً رواه أحد المفتشين، قال:

(اتفق مرةً أن يدوم عملي في التفتيش على إحدى المدارس إلى الحصة الأخيرة، فخرجت وقد أعييت، ولم أكد أخرج من باب تلك المدرسة حتى واجه الصغير آذاني من كل صوب، فشعرت بدوار مخيف، وبدا لي لا نجاة من أخطار السيارات التي تنتظر أبناء الأغنياء. ثم جمعت ما تبدد من قواي ونظرت حواليّ فرأيت التلاميذ الفقراء يتسللون إلى الطريق في ذلة وانكسار، كأنهم طرائد لعار ورثوه عن آبائهم المساكين!)

فما الموجب لأن يرجع بعض التلاميذ إلى منازلهم في سيارات خصوصية، وفي طنطة تجّسم ما بين الطبقات من فروق لا يسكت عنها الناس إلا عاجزين؟

ما الواجب لذلك ولأكثر التلاميذ مواصلات أنفعها المشي على الأقدام ليعَّودوا مواجهة الصعاب، إن كان المشي عشرة دقائق من جملة الصعاب؟

إن سعادة سامي بك راغب وكيل وزارة المالية يصل إلى مقرّ عمله عن طريق (المترو) ثم (الترام) وكأنه في مثل حالي! ومنذ يومين صادفت الأستاذ خيري بك مراقب منطقة القاهرة حيران في ميدان باب الحديد، لأنه وجد جميع قطارات (الترام) مشغولة - ومن ذلك فهمت أنه لا يقتني سيارة - وقد اشترك مع بعض زملائه في (تاكسي) ليصل إلى وزارة المعارف في الوقت المحدد. وكبار الموظفين في مصر لا يقتنون سيارات، إلا أن يكونوا من محدثي النعمة ومن هواة الشهرة بالترف والنعيم. . . وهل أنسى أن الأستاذ نجيب بك حتاتة حدثني أنه لم يعرف المستر دنلوب إلا في الترام، وكان المستر دنلوب في الأيام الخوالي طاغية وزارة المعارف؟

وخلاصة القول أن الأغنياء في مصر لا يعرفون ما يجنون على أنفسهم وعلى أمتهم بما يتورطون فيه من إعلان الغني والثراء.

أيكون للغني هذا البريق الذي يزيغ الأبصار والبصائر؟

ألا يرعوي بعض الأغنياء عن إعلان غناهم بتلك الطرق البهلوانية، ليقوا بلادهم شر الفتنة المخوفة من حقد الفقراء على الأغنياء؟

كل شيء جائز، إلا أن تمتد ألسنة هذه النار إلى المدارس، وهي فيما نرجو محاريب لا يتوجه إليها غير من تنزهوا عن التكبر والاستعلاء.

أما بعد فما رأي وزير المعارف؟

ما رأيه في الدعوة إلى أن تكون المدرسة كالمسجد، وفي المسجد حصيرٌ واحد لجميع المصلين، ولو كان فيهم وزراء وأمراء؟

يجب أن يكون (شعار التلميذ) واحداً لجميع التلاميذ، ولو كان فيهم أبناء فلان وفلان، لأنهم جميعاً جنود، والملابس واحدة لجميع الجنود، فإن لم يراع هذا وزير المعارف فسنسجل عليه أنه فرّط قليلاً في حق هذا الجيل.

في مدارس البنات

يظهر أنه لا مُوجب للخوف من التنافس بين تلميذات المدارس فيما يتصل بالأزياء، فالمرايل واحدة للجميع، وهي تستر ما تحتها من الملابس القطنية أو الصوفية أو الحريرية، إن صح أن عند البنات من العقل ما يكفهن عن التطلع إلى ما تحت (المرايل) من أثواب!

ومع ذلك فلا بد من أن تحرص ناظرات المدارس على النظر في هذه الدقائق، لنضمن سلامة التلميذات من التنافس في الأزياء.

والناظرة أمٌّ ثانية، وتعقبها لهذه الشؤون لا يعدْ من الفضول، وستظفر بالثناء من الأغنياء قبل الفقراء.

أما المقصف فحاله في مدارس البنات كحاله في مدارس البنين وهو مصدر شر وبلاء، ومن الواجب أن لا يباع فيه غير الأطعمة الضرورية، بحيث لا تجد التلميذة غير (تصبيرة) تدفع الجوع الذي يطرأ قبل وقت الغذاء، أما تزويد المقصف بكل ما لذّ وطاب فهو فرصة لنمو العادات السخيفة، كالتباهي بالغنى والترف والنعيم. . .

وبدعة صبغ الوجه بالألوان قد وصلت إلى بعض تلميذات اليوم، ولعلها وصلت إلى بعض المعلمات!

فلتنظر في ذلك ناظرات المدارس، فالتلميذات سيكن في المستقبل ربات البيوت، والرياضة على إيثار اللون الطبيعي ستنفعهن كل النفع، فاللون الخمريُّ أجمل الألوان، والإبقاء عليه غاية من الغايات القومية، لأنه من خصائص هذه البلاد، ولأنه الوشيجة التي تقرّب بناتنا من أخواتهن في الحجاز والعراق. وهل استطاع السواد أن يحجب الجمال الفتان عن أخواتهن في السودان!

إن القول بأن (البياض نصف الحُسن) مدسوس على الرسول، وهو فرية أذاعها الوافدون على العرب من الأقطار الرومية، فلندفع عن اللون المصري شر الأصباغ المجلوبة من بلاد لا تعرف من الجمال غير الطلاء.

ضرب التلاميذ

العقوبات البدنية ممنوعة بأمر وزارة المعارف المصرية، وتلك العقوبات موضع خلاف بين رجال التربية والتعليم، وقد أجازها بعض الإنجليز والألمان، بحجة أنها عقوبات طبيعية.

والواقع أن بعض التلاميذ (يستأهلون الضرب) ولكن إقرار هذا المبدأ قد تكون له عواقب سود، كما شهدت الحوادث التي ساقت مجترحيها إلى القضاء.

والواقع أيضاً أن المدرس قد يكون مسئولاً عن شيطنة التلميذ في بعض الأحيان، فهو قد يحاسبه على كل لفتة وكل لفظة بأسلوب يحمله على العناد، وإذا عاند التلميذ أستاذه كان ذلك بداية الاختلال في الصفوف.

التلميذ لا يجهد نفسه وقت الدرس بقدر ما يصنع المدرس، ومعنى ذلك أن الإجهاد قد يعرّض المدرس لسرعة الانفعال، ولا كذلك التلميذ، فهو في راحة نفسية تجيز له أن يضحك من غير موجب، وقد يرسل النكتة لمنظر يراه من المدرس أو من بعض التلاميذ.

وهنا تسنح الفرصة لإبراز قدرة المدرس على ضبط النفس، ولو شئت لقلت إن من واجب المدرس أن يرحب من وقت إلى وقت بشيطنة التلاميذ، لأنها من مظاهر الحيوية، ومن الشواهد على أنهم أصحاء.

وهل تكون المدرسة في كل أوقاتها كدحاً في كدح، ونضالاً في نضال؟

إن العلة الأساسية هي الشعور بأن التلميذ مسئول عن النظر إلى الدنيا بعين المدرس، وهذا شعور خاطئ، فالمدرسون والتلاميذ يمثلون جيلين مختلفين، ولا يتم بينهما التوافق إلا إذا روعي هذا الاختلاف.

وإذا شعر التلميذ بأن أستاذه يتجاوز عن هفواته في بعض الأحايين أضمر له الحب، وانساق إلى الطاعة بأدب وإخلاص.

أكتب هذا وتحت يدي وثائق تشهد بأن ضرب التلاميذ لا يزال مباحاً في بعض المدارس الأولية والابتدائية، أما المدارس الثانوية فتلاميذها يستطيعون الدفاع عن أنفسهم إذا اشتجر القتال!

الضرب ممنوع، ممنوع، ممنوع،

والمدرس الحق هو الذي يشغل تلاميذه عن اللهو بجذبهم إلى موضوع الدرس بحيث تضيق صدورهم من التلميذ الذي لا يراعي أدب الاستماع، ومتى صار التلاميذ من جنود المدرس أصبح من حقه أن يقول إنه من كبار المربين.

الغداء في المدارس

أكثر المدرس الأهلية والأجنبية لا تقدِّم لتلاميذها طعام الغداء، فما سبب ذلك؟

يرجع السبب إلى أن المصروفات المدرسية بدون الغداء تبدو هينة، فإذا أضيف إليها الغداء ظهرت عسيرة الاحتمال.

والمدارس التي لا تغدي تلاميذها تسمح لهم بالخروج ساعتين، ليتغدوا في بيوتهم أو حيث شاءوا. وفي أغلب الأحوال يأخذ التلاميذ من آبائهم ثمن الغداء، ثم يتغدون في المطاعم السوقية، وقد يؤثرون الجوع ليدخروا من تلك القروش ما يعينهم على قضاء بعض السهرات. . . والمهم هو النظر في الساعتين اللتين يقضيهما التلميذ بعيداً من المدرسة وبعيداً من البيت، فماذا ترونه يصنع في هاتين الساعتين؟

هل ترونه يصنع ما كان يصنع أمثاله يوم كانت الدنيا بخير، ويوم كان التلميذ يذهب إلى أقرب مسجد فيصلى الظهر ثم يراجع دروسه بشغف وشوق؟ يظهر أن الأمر لم يعد كذلك، ويظهر أن لا مفر من وصف هاتين الساعتين بالمشئومتين، ففيهما يعرف التلميذ أشياء لا تخطر للمدرسة في بال.

وإذن يجب منع التلاميذ من الخروج وقت الظهر، ويجب أن يتغدوا في المدرسة، لا في السوق ولا في البيت، وفي مثل هذه الحال تعدَّ لهم المدرسة غداءً قليل التكاليف، لتبقى السهولة في المصروفات. وأهون طعام تعدُّه المدرسة سيكون أنفع للتلاميذ من طعام السوق، وأصون لهم من الجري في الطرقات.

فإن لم تستطع هذه المدارس أن تغدُّي تلاميذها وأن تصونهم من قضاء ساعتين بلا رقابة مدرسية ولا بيتية، فيجب حتماً أن تسير على النظام الذي اختارته بعض المدارس الأجنبية، وهو قضاء اليوم الدراسي في وقتٍ موصول، بحيث ينتهي في منتصف الساعة الثانية، ثم يخرج التلاميذ إلى بيوتهم ليقضوا بقية النهار تحت رعاية الآباء.

وأرجو أن يسمع بعض خلق الله هذا الكلام، وما أحب أن أزيد.

بين النظار والمدرسين

توجد أزمة مكبوتة بين النظار والمدرسين، ومَرَدُّ هذه الأزمة إلى الوهم الذي يقول بأن الناظر هو صاحب الأمر كله في الدار المدرسية، بحيث لا يتصرف المدرسون أقل تصرُّف إلا بعد الاستئذان.

وهذه الحال تُشعر المدرس بأن الصلة بينه وبين الناظر صلة رسمية لا تعليمية، والفرق بين الصلتين بعيد، فالصلة الرسمية لا تصل بالمدرس إلى حب الدار المدرسية، أما الصلة التعليمية فتصل به إلى الشعور بأنه في داره وبين عشيرته الأقربين.

ويؤلمني أن أصرِّح بأن المدرسين لا يحبون مدارسهم إلا في أندر الأحيان، فما سمعنا أن مدرساً في قنا رفض النقل إلى القاهرة بحجة أنه يشعر بأن بينه وبين مدرسته صلة روحية، وإنما سمعنا أن المدرس يطلب النقل من مدرسة إلى مدرسة لأسباب بعيدة كل البعد عن المعاني التعليمية.

فهل يكون للصلات بين النظار والمدرسين أثرٌ في خلق هذا العقوق؟

أنا أتمنى أن يوجد عندنا المدرس الذي يرى في أحجار مدرسته شمائل قدسية، فلا يرضى بفراقها ولو كانت في الواحات.

وأتمنى أن يوجد عندنا الناظر الذي يشعر بالأبوة للتلاميذ والأخوَّة للمدرسين.

بأيديكم أيها النظار والمدرسون أن تخلقوا في الجو المدرسيّ روحانية تعوّض ما يفوتكم من المناصب المحفوفة بالبريق الخلاب، فإن غفلتم عن هذا الجانب فستظلون في الاكتواء بالمهنة التي لا تسعد غير من يُقبل عليها بصدق وإخلاص.

أخطار تهدد المدارس الأهلية

للمدارس الأهلية تاريخ مجيد، فقد عاونت على نشر التعليم، وأمدت الأمة بجمهور كبير من المثقفين.

ولكن هذه المدارس معرَّضة لأخطار قد تأتي على بنيانها من الأساس، لا قدر الله ولا سمح، فلتلك المدارس على الأمة حقوق.

هذه المدارس لا تفكر في استبقاء المدرس، ولو وثقت به إلى أبعد الحدود، فهو عندها ضيف يرحل متى شاءت أو شاء، والرباط بينها وبينه عَقدٌ يُشترى بمليمين وتخط فيه كلمات عديمة المدلول، وإلا فكيف يجوز أن يبقى المدرس بلا علاوة ولا ترقية ولو أفنى شبابه في تلك المدارس؟

هل سمعتم أن مدرسة أهلية أغنت مدرسيها عن التطلع إلى الوظائف الأميرية؟

لبعض تلك المدارس عذر مقبول، كأن تكون قليلة المال، أو مثقلة بالديون، فما عذر المدارس التي أمدت أصحابها بالثراء العريض وجعلتهم من أعيان البلاد؟

ولو كان هذا المسلك ينفع تلك المدارس لقلنا إن لها غاية اقتصادية، ولكن هذا المسلك لا يجلب عليها غير الضر، ولا يسوق إليها غير البوار. وما قيمة مدرسة يشعر تلاميذها بأن أساتذتهم ليسوا إلا معلمين ضاقت عنهم المدارس الأميرية فلم يجدوا سعة في غير المدارس الأهلية؟

لو كان لأصحاب تلك المدارس نصيب من الفهم الصحيح لقواعد الاقتصاد لجعلوا من وسائلهم إلى الثرة أن ينافسوا الحكومة في تزويد مدارسهم بأكابر المدرسين، ويومئذ تشعر الحكومة بأن لها منافسين أقوياء، فيرتفع قدر المدرس، وترتفع أقدار المدارس، ويُنقض الوهم القائل بأن التعليم (مهنة بلا مجد)

وعند الله يحتسب المدرسون جهادهم في خدمة التربية والتعليم فهو عز شأنه لا يضيع أجر المجاهدين الصادقين.

زكي مبارك