مجلة الرسالة/العدد 433/(كليلة ودمنة)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

2 - كليلة ودمنة «مجلة الرسالة/العدد 433/(كليلة ودمنة)» للدكتور عبد الوهاب عزام كتب الأستاذ عبد السلام هارون مقالات أربعا في كتاب (كليلة ودمنة) كما نشرته. وقد عجلت جواب المقالة الأولى في العدد 426 من (الرسالة)، ثم بدا لي أن أنتظر فراغ الأستاذ من بحثه. فلما فرغ شغلتني شواغل عن البدار إلى الإجابة، فأرجو أن يقبل الأستاذ الناقد والقراء عذري في تأخير الإجابة التي انتظروها وإجمال الكلام في المقالات الثلاث أن كلام الأستاذ فيها ضروب، منها ما هو تفسير لكلمة غامضة، أو توجيه للفظ يبدو في السياق غريباً؛ ومنها ما هو إجازة لوجه آخر غير الوجه الذي جرى عليه الكلام في الكتاب. وهذا الأضرب من التفسير والتوضيح والتجويز يشكر عليها الأستاذ وأوافقه عليها ومنها بحث في أساليب ابن المقفع، وهو موضوع يحتاج إلى مقدمات في كتاب (كليلة ودمنة) لم تستوف كلها، وللأستاذ رأيه فيه واجتهاده وأما الضرب الذي يقتضي الجواب، فهو ما أخذه الناقد على كلمات أو جمل جاءت في الكتاب وعدها غلطاً، أو ظن غيرها أقرب منها إلى الصواب. وأنا أعرض على القراء آرائي في مآخذ الأستاذ على النسق الذي أجرى عليه الكلام: 8 - 216: 4: (إن الملوك وغيرهم جدر أن يأتوا الخير إلى أهله) أخذ الأستاذ على هذه الجملة أن جدر جمع جدار لا جمع جدير قال: (وجمع فعيل صفة على فعل نادر سمع منه نذير ونذر وجديد وجدد وسديس وسدس والجواب أنه يجوز أن يكون الكاتب قد أجرى جدير مجرى نذير وغيره، والأولى مع هذا أن يتبع الكثير المعروف فيجمع جدير على جدراء والمأخذ الثاني في هذه الجملة أن الأستاذ ظن أن يأتوا في الجملة بمعنى يعطون فقال: (الصواب يؤتون من آتى) وليس هذا من الصواب في شيء، والمراد في الجملة إتيان الخير بمعنى فعله ولو غيرت الجملة برأي الأستاذ إلى (يؤتوا الخير إلى أهله)، لكان فيها مأخذان: الأول تعدية آتى بعلى وهي متعدية بنفسها كما في القرآن: وآتوا اليتامى أموالهم - ولا تؤتوا السفهاء أموالكم - والثاني: أن يعدل بالجملة من أتى الخير بمعنى فعله، وهو استعمال شائع، إلى آتى الخير بمعنى أعطاه وهو استعمال غير معروف في الكلام الفصيح. فعبارة الكتاب صحيحة واضحة لا يكون تغييرها إلا إفساداً لها الضبط النحوي عدد الأستاذ تحت هذا العنوان مآخذ 1 - ص 18س11 (فيعلم سر نفسه وما يضمر عليه قلبه): قال وأضمر يضمر بمعنى أخفى يخفى فما يكون المعنى في أن يخفى قلبه عليه؟ الصواب قلبه بالرفع لأن القلب هو الذي يضمر الأسرار والنوايا: (والجواب أن من اليسير أن يضمن الكاتب (يضمر) معنى يطوي أو يطبق أو نحوه. وتحويل قلبه من المفعولية إلى الفاعلية يجعل معنى الجملة (يخفى عليه قلبه) فهل يرى الأستاذ أن هذه العبارة أسد من الأولى؟ 2 - 14: 41 (وشبهت الجرذين بالليل والنهار، وقرضهما دأبهما في إنفاد الآجال) قال: يصح أن تقرأ وقرضهما دأبهما باستمرار التشبيه الخ. والجواب أني رجحت الرفع لأن في النصب إخلالاً بنسق الجملة، بتعدية الفعل (شبهت) بالباء في المفعولين الأولين (الجرذين بالليل والنهار) وتعديته بغير حرف في المفعولين الآخرين (وقرضهما دأبهما) فالاستئناف برفع قرضهما أرجح 4: 122 (فأعادت ذلك عليه مراراً كلّ ذلك لا يلتفت إلى قولها) وقال الأستاذ: ولا وجه للرفع هنا؛ والوجه كلّ ذلك على الظرفية الزمانية ولا يصح أن يكون كل مبتدأ. وذلك لأن الضمير العائد عليها محذوف تقديره (فيه)، والبصريون يمنعون حذف الضمير العائد على لفظ كل إذا كان مبتدأ. ولذلك حكموا بشذوذ قراءة ابن عامر (وكلّ وعد الله الحسنى) وليست الظرفية هنا حتما، بل يجوز أن يكون المعنى: كل ذلك القول لا يلتفت إليه، فالإشارة للقول لا للزمان وقد وضع الكاتب الاسم الظاهر موضع الضمير فقال: (إلى قولها) بدل (إليه) والجملة على الوجهين ليست من الأساليب العربية المختارة ص 2: 179 (ولم أذكر ما ذكرت ألا أكون أعرف منك الكرم والسعة في الخلق) قال: الوجه إلا لكوني أعرف منك وأقول ليس هذا وجهاً. فإن المعنى: لم أذكر ما ذكرت جهلاً بكرمك. فهو اعتذار عن الكلام السابق الذي يشعر بأن الغيلم يشك في كرم القرد. ويؤيد هذا أن بعد هذه الجملة: (ولكن أحببت أن تزورني في منزلي) وهو استدراك حسن في الجملة التي أثبتناها في الكتاب، وهو إثبات بعد نفي: لم أجهل كرمك ولكني أحببت، ولا يحسن هذا الاستدراك إذا أجرينا الكلام على الوجه الذي رآه الأستاذ فجعلناه: (ولم أذكر ما ذكرت إلا لكوني أعرف منك الكرم ولكن أحببت الخ) والتأمل في سياق الكلام يبين أن لا وجه إلا ما جاء في متن الكتاب 199: 3 (لم تدر أيّهما تأخذ) قال: والصواب أيّهما بالنصب. وصدق، فالنصب أقر وأرجح وإن يكن للرفع وجه فما قصدته في تحقيق النص أورد الأستاذ تحت هذا العنوان مآخذ: ص26 س10: (مثل الحراث الذي يثير الأرض ويعمرها ابتغاء الزرع لا العشب). قال: (فما وجه العمارة في طلب الزرع؟ الصواب يغمرها أي بالماء). وأقول: (إن الزرع ضرب من عمارة الأرض لا ريب). وما أحسب الكاتب إلا حاكي الآية القرآنية: (وأثاروا الأرض وعمروها). ولا يعتبر عن سقي الأرض بغمرها؛ فكلمة يغمرها بعيدة من سياق الكلام هنا ص38 س3: في الحديث عن الجنين: (منوط قمع سرّته إلى مريء بأمعائها). قال الناقد: وهو كلام متهالك مضطرب؛ فما العلاقة بين سرة الجنين وأمعاء الأم؟ إلى أن قال: (أما كلمة مريء فعجيبة أيضاً). وانتهى إلى أن صواب الجملة: (منوط بمعي من سرته إلى مراقّ رحمها) إن كان الأستاذ يريد أن يغلط الكاتب الذي كتب باب برزويه فليجادله في التشريح كما يشاء؛ وإن كان يريد أن في الكتاب تحريفاً لم نهتد إلى صوابه فلست أرى رأيه. عبارة الكتاب: (منوط قمع سرّته إلى مريء بأمعائها يمص به من طعامها وشرابها وبذلك يعيش ويحيا) وظاهر أن الكاتب يرى أن الجنين يصل بين سرته وأمعاء أمه مريء أي مجرى للطعام كالمريء الذي بين حلق الإنسان ومعدته؛ وأنه يتغذى من طعامها بهذه الصلة. فالكلام بيّن معرب عن مراد الكاتب صواباً أم خطأ. وفي نسخة شيخو (منوط من سرته إلى سرة أمه وسلك السرة يمص من طعامها وشرابها) وفي نسخة طبارة (منوط بمعي من سرته إلى سرة أمه ومن ذلك المعي يمص ويقتبس الطعام) فالفرق بين نسختنا وهاتين النسختين أن سرة الجنين تفضي بهذا المعي أو المريء إلى سرة الأم أو أمعائها. وعبارة الطعام والشراب تدل على أن الاتصال بواسطة سرة الأم أو بغير واسطتها ينتهي إلى الأمعاء، وهذا الذي تدل عليه عبارة نسختنا. وأما فرض الأستاذ أن أصل العبارة (منوط بمعي من سرته إلى مراق رحمها) فندع الكلام في صحته للأطباء. ومهما يكن رأي الأطباء فيه فلن يجيز الأدباء الأمناء على نشر الكتب أن يحولوا نص الكتاب إلى العبارة التي يقترحها الأستاذ مع بعدها عما في النسخ كلها. ولو أبحت لنفسي التصرف في متن الكتاب لما تركت به عبارة تقبل اعتراض النقاد 614 (وأصبح الرضا مجهوداً مفقوداً) يرى الأستاذ أن كلمة مجهود محرفة عن مجهول ويستشهد النسخ الأخرى، وله الحق؛ فكلمة مجهول أقرب إلى ظن القارئ من كلمة مجهود؛ ولكني لم أستحسن تغيير الكلمة لسببين: الأول أن مجهوداً تفيد معنى في الجملة غير الذي تفيده كلمة مفقوداً، وأن كلمتي مجهول ومفقود تؤولان إلى معنى واحد. والثاني أن الكاتب في هذا الفصل وصف الأمور المعنوية بأوصاف تجعل القارئ لا يستغرب أن يوصف الرضا بأنه مجهود كما قال: وكأن القدر أصبح مستيقظاً والوفاء نائماً، وكأن الكذب أصبح غضاً والصدق قاحلاً، وكأن الحق ولّي عاثراً والإنصاف بائساً الخ 7044 (كالكحل الذي لا يؤخذ منه إلا مثل الغبار) قال صوابه إلا مثل غبار الميل. وأقول لا يكون هذا صواباً لأن الذي يؤخذ من الكحل ليس غباراً ولكنه يشبه الغبار. وإذا قلنا مثل غبار الميل فقد جعلنا ما على الميل غباراً، والغرض أن يشبه بالغبار، ثم جعلنا ما يؤخذ من الكحل مثل غبار الميل وهو غبار الميل نفسه فكلمة مثل لغو. والظاهر أن النسخ الأخرى زادت كلمة الميل توضيحاً للعبارة لأن الكحل يؤخذ من المكحلة بالميل. ونسخة شيخو توافق نسختنا. وفي النسخ الأخرى إلا غبار الميل. فالعبارة (مثل غبار الميل) لا توافق العقل ولا النقل 75، 12 (مثل المكارى كلما ذهب واحد جاء آخر مكانه) قال الأستاذ هي في الأصل ونسخة شيخو ونسخة بولاق: (مثل البغي كلما. . . الخ) ثم أخذ على الناشر تغيير الأصل واشتد في هذه المؤاخذة. وأنا قد بينت الأصل في التعليق ويكون القارئ على بينة مما فعلت، وأما حكمة التغيير التي سأل عنها الأستاذ فيدركها من تأمل فعرف المشبه في هذه الجملة وتبين أنه لا يليق أن يجمع بين طرفي التشبيه هذين في كتاب كهذا الكتاب ينشر في مثل هذه الأحوال (للكلام صلة) عبد الوهاب عزام