مجلة الرسالة/العدد 433/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 433/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 10 - 1941



إلى الأستاذ أحمد أمين

كنت أشرت فيما سلف من الأحاديث إلى أني سمعت كلاماً منسوباً إلى أحد المفكرين من الأجانب في محاضرة ألقاها الدكتور إبراهيم ناجي، ثم قرأت الكلام نفسه في (الثقافة) بعد يومين بصورة تشهد بأنه من مبتكراتك، وكانت الأمانة العلمية توجب أن تذكر النص الذي نقلت عنه، وفقاً لقواعد (الدراسة الجامعية)

واليوم أذكر أن جريدة (الوفاء) التي تصدر في شرق الأردن نشرت مقالاً عنوانه (عدالة العمل) بتاريخ 19 أغسطس سنة 1941، وفي التاريخ نفسه نشرت مجلة الثقافة التي تصدر في مصر مقالاً عنوانه (العدالة) وذلك توارد غريب!!

وعند الموازنة بين المقالين تبين أن الأصل واحد، فهما منقولان عن كتاب (البشرية الكاملة) للمؤلف الأمريكي فرانك كراين

ولكن بين المقالين فرقاً بسيطاً جداً، فالأستاذ صبحي زيد الكيلاني صاحب جريدة الوفاء نص على أن المقال مترجم عن الإنجليزية بقلم صبحي جلال القطب؛ أما الأستاذ أحمد أمين صاحب مجلة الثقافة فقد نص على أن المقالة من إنشاء أحمد أمين!

فهل لك أن تتفضل فتدلني على وجه (العدالة) في هذه القضية؟ وهل لك أن تذكر أن الدنيا فيها ناس يقرئون وينقدون ما يقرئون؟

يجب أن يفهم حضرة الأستاذ أن (الدراسة الجامعية) لا تمنح أصحابها حتى انتهاب الأفكار والآراء؛ فإن أجاب بأنه (ترجم بتصرف) فأنا أقول بأن النص على الأصل واجب ولو كانت الترجمة بتصرف

وبالنيابة عنه أعتذر لمن شكاه من فضلاء عمان، والصديق ينوب عن الصديق في بعض الأحيان

زكي مبارك

عبر كذا. . .

اطلعت على ما كتبه الأستاذ الفاضل محمد محمود رضوان في العدد 432 من (الرسالة) في نقد ما ذهبت إليه من أن استعمال الكّتاب الآن لكلمة (عبر) - مصدر عبره - ظرفاً غير صحيح فقال الأستاذ: قد جاءت هذه الكلمة في شعر إسلامي لسواد بن قارب الكاهن، حين وفد على رسول الله مسلماً)

ثم ساق حكاية سواد كما رواها صاحب الجمهرة، وفيها أبيات له، منها:

فشمرتُ عن ذيلي الإزار وأرقلتْ ... بيَ الدعلب الوجناء عَبْر السباسب

وبعد ذلك قال: (ومن ثم يرى الأستاذ الكبير أن الكلمة صحيحة كما يستعملها الكتاب على عهدنا) فكأن الأستاذ ارتضى استعمال (عبر) ظرفاً أخّذا بظاهر عبارة الشاعر التي تنطبق في صورتها على استعمالات الكتّاب لهذا العهد. وكأنه يتوهم أنها منصوبة على الظرفية (بأرقلت)

ولكن الواقع أنها صفة ثالثة للناقة لا غير؛ فإن الشاعر في مقام تعديد محاسن ناقته وما فيها من مزايا يقتدر بها على السرعة في أداء مهمته، فهو يصفها بالفتاء والقوة، وبأنها قادرة على شق السباسب، تمضي بها وتجرؤ عليها

ويؤيدني في أن الوصفية وحدها هي الوجه الواجب أني لم أجد لمعنى الظرفية في (عبر) أثراً فيما قرأت من كتب اللغة وراجعت وبحثت، وإن كانت الكتب التي بين أيدينا لا تحوي كل شيء، بل قد فاتها كثيراً جداً، كما نعترف بذلك جميعاً

ثم ترقى الأستاذ في تفنيد مذهبي في هذا الموضوع فقال:

(ولو أننا أردنا تخريج الكلمة على وجه الصحيح لوجدنا أكثر من وجه، خلافاً لما يقوله الأستاذ. وأقرب هذه الوجوه عندي أن تكون (عبر) مصدراً مراداً به اسم الفاعل، فتكون حالاً مما قبلها، ويكون التقدير: (مرور قواتها عابرة شمال الهند. . . الخ) و (أو جاءت إلى هنا عابرة الأطلنطي).

أقول: يكفي في الرد على هذا أن أذكر الأستاذ أنه من المقرر أن المصدر قد يقع حالاً (إذا كان نكرة). فالتنكير شرط لازم، نحو: (ثم ادعهن يأتينك سعياً) و (ينفقون أموالهم سراً) و (جاء بغتة) و (قتله صبراً) و (حضر سرعة) و (أقبل ركضاً) و (كلمته مشافهة). . . إلى غير ذلك.

وقد رأيت أن (عبر) في الأمثلة الثلاثة التي أتيت بها للتوضيح في مقالي السابق معرفة بالإضافة. وكذا الحال في جميع ما نراه من ذلك كل يوم في الصحف والمجلات؛ لأن استعمالها لا يكون إلا هكذا في أساليبها.

فلا يمكن إذاً أن تعرب (عبر) حالاً. فقد بطل تخريج الأستاذ

أما المصدر المعرف فمجيئه حالاً نادر. والمسموع منه قليل جداً. وهو لا يعدو أن يكون علم جنس، كقولهم: جاءت الخيل بداد، أو معرفاً بال، نحو: أرسلها العراك.

بقى قول الأستاذ: (والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل. . . الخ كلمة)، فهذا مما لسنا بسبيله.

(ا. ع)

الأستاذ كرد علي في بيت المقدس

لبى الأستاذ محمد كرد على دعوة الإذاعة الفلسطينية، فتوجه إلى القدس وذهب من توه إلى بيت صديقه أديب العربية الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

وكانت أولى محاضراته: (هل تمدنا) قرر فيها الأستاذ أن الأمم العربية قطعت شوطاً بعيداً في المدنية منذ نصف القرن الماضي، وتمنى لو تلقفنا من الغربيين عاداتهم وتقاليدهم فهي بالجملة خير من عاداتنا وتقاليدنا؛ ولم ينس الأستاذ أن يذكر المرأة الشرقية وخروجها سافرة في العصر الحديث بعد أن كانت مكبلة بسلاسل يسمونها خلاخيل، وأنها نالت قسطها الوافر من المدنية وتشبهت بأختها الغربية بمنافسة الرجل في مختلف ميادين الحياة.

وفي المحاضرة الثانية تكلم الأستاذ في موضوع: (الشاميون والتاريخ) قصر حديثه على سرد أسماء المؤرخين الشاميين ومؤلفاتهم وتاريخ وفاتهم؛ وعلل الأستاذ وفرة المؤرخين في الشام لكونها كانت عاصمة العرب، وفي العاصمة يتمثل ازدهار المدنية أكثر من سائر البلدان

وفي المحاضرة الثالثة حكى عن (طرائف فارس) وخصص كلامه في مخطوط يسمى (طرائف الطرف) فكشف عن قيمته التاريخية ثم ختم كلامه بالقول: إن في إيران مخطوطات عربية قيمة تفوق المخطوطات الموجودة في القاهرة وفي دمشق وذكر أن في مكتبة العلامة الإيراني (نصر الله) خمسين ألف مجلد عربي، ويؤكد الأستاذ أن كثيراً من أغنياء إيران يهمهم أن ألا تخلو مكتباتهم من التآليف العربية فإن ذلك يدل - في عرفهم وتقاليدهم - على السراوة والنبل

وكان موضوع محاضرته الأخيرة: (بقية ما ترك لنا الأجداد) فافتتح كلامه بالأسف الشديد على أن فقدت المكتبة العربية كثيراً من المخطوطات الثمينة ثم قصر كلامه على التحدث عن (أبي حاتم بن حيان البستي) وذكر أنه لا يقل عن ابن ماجة في أهمية أسانيده للحديث، ثم أعلن أسفه بأن أحداً من المترجمين العرب لم يذكره في تآليفه، ولولا ياقوت الحموي لكان نسي كما نسي كثير من العلماء. ثم رجح الأستاذ أن نسبه ينتهي إلى (إياس بن مضر) وقال أن حياة هذا العالم الجليل قد انتهى بأن قتله خليفة المسلمين لتلبسه جريمة الاشتغال بالعلوم الرياضية.

عبد القادر جنيدي

إلى الكتاب

يجدّ الردى فينا ونحن نهازله ... ونغفو ولا تغفو فواقاً نوازله

كنت أتحدث مساء يوم من الأسبوع الماضي عن (معركة الإصلاح الاجتماعي) مفتتحاً العام الدراسي الخامس لمدرسة الخدمة الاجتماعية، فجال بخاطري وأنا أعرض وجوه المعركة أن أتساءل: أين كتابنا في مركز القيادة، وأين هم في صف الجنود، وأين هم في مجال الدعاية والإرشاد؟ وهل وضعوا خطة وبرنامجاً لعلاج مشكلاتنا الاجتماعية الكبرى ثم تهيئوا لخوض غمار المعركة حاملين علم الجهاد، أو أنهم آثروا حياة الدعة وعيشة السكون، والتزموا الحيدة المطلقة تلقاء هذه المعركة التي شنت فيها الآفات الاجتماعية الغارة علينا بغير رفق أو هوادة؟

ثم ألقيت نظرة على ما طوى التاريخ من أحداث اجتماعية غيرت أوضاع الحياة، فبصرت بأقلام الكتاب ولها السبق في ميدان الدعاية إلى المبدأ وبث الفكرة وحفز الهمم ومناصرة التجديد والإصلاح في نضالهما مع قوى الرجعية، وأحسست صولة القلم تسبق صولة السيف، ورأيت مهمة التمهيد لمعركة الإصلاح يضطلع بها نفر من أئمة الكتاب يشقون الطريق للجنود ويرسمون الخطط للقادة، ورأيت صرح الإصلاح وقد استقر على دعائمه الراسخة يحيط به سياج من أقلامهم

ثم شهدت ما حشدته الأمم للإصلاح من قوى فبصرت بقوة الأقلام يصول بها الكاتب القدير في الميدان، ويشق ببريقها الظلام المخيم على العقول والقلوب، ويدفع بها النفوس إلى المثل العليا وهنا ألقيت نظرة على مصر، فإذا بمعركة الإصلاح خامدة، وإذا الروح المعنوية متخاذلة يعوزها القادة والخطة والجنود وقوة الإيمان، مع اتساع الميادين وفداحة الخطوب وعظم المشكلات وقلة الزاد ووعورة الطريق، تكتنفنا عوامل الانحلال التي تقربنا إلى الهوة بخطوات واسعة. وشعرت أننا نسير في الظلام، وقد خبت الأضواء، واختفت مصابيح السماء، فصحت في نفسي والألم يحزها: (أين كتابنا من هذا النضال؟ هل آثروا العزلة في بروجهم العاجية، يشرفون علينا من عل، فيعبسون حيناً ويبتسمون أحياناً، ثم يقهقهون ملء أشداقهم، ثم يخلدون إلى متعتهم من الفن وروعة الخيال، يغذون بها روحهم، ويستوحون منها فيض أقلامهم؟

ألم يقض هؤلاء الكتاب فترة من سني حياتهم الناعمة في قرى الريف، فتثور نفوسهم لمشاهدة الحياة فيها، فيستلوا أقلامهم ليخوضوها معركة حامية في سبيل هؤلاء التعساء اللذين ضن المترفون عليهم بقسط يسير من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة؟ ألم يستشعروا ما يحيط بهم من مآسي الحياة المصرية؟ هل فكروا في وجوه الإصلاح ونصيب الكتاب في الدعوة إليه والنضال في سبيله؟ لقد حباهم الله بخيال خصب وروح اجتماعي سام ينم عنهما ما تزخر به مؤلفاتهم وبحوثهم من شذرات وخواطر، فكيف السبيل إلى استغلال هذه المواهب في توجيه قوى الخير لمكافحة عوامل الشر؟

يخيل إلي أن أدباءنا ينعمون بأنانية منقطعة النظير، هيأتهم لأن يعيشوا لأنفسهم، وأن يفكروا حين يفكرون، ويكتبوا حين تتحرك أقلامهم، لمتعة الروح وإرضاء الخيال، دون نظر لما تقتضيهم حقوق الوطن من التزامات تحتم عليهم أن يكونوا في مركز القيادة، وأن يتولوا مهمة الإرشاد

أين إنتاج أدبائنا مما توحي به الحرب، وما يتطلبه تنظيم الحياة الاجتماعية بعد الحرب؟ ألم يروا كيف نهض الكتاب في البلاد الغربية يعالجون المشاكل الاجتماعية التي أوجدتها الحرب، والتي ستتمخض عنها الحرب عندما تخبو نارها، فاستخلصوا العبرة، ووصفوا العلة، ورسموا الطريق للمستقبل؟!

يجب أن يتغير وجه الحياة المصرية في طرائق التفكير وأسس الثقافة ومعايير الإصلاح وروح التشريع، نتيجة لتلك الهزة العنيفة التي توشك أن تتداعى منها جوانب الحضارة القائمة، وأن يكون الكتاب قادة المعركة الإصلاحية التي تطالعنا كتائبها. فمكانهم منها في الطليعة، ولو عرضوا أنفسهم ليكونوا أول ضحاياها.

محمد العشماوي

نائب رئيس رابطة الإصلاح الاجتماعي