مجلة الرسالة/العدد 428/كليلية ودمنة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 428/كليلية ودمنة

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 09 - 1941



نقد وتعليق

للأستاذ عبد السلام محمد هارو

8 - 80: 1 - 5 (فلبث الذئب وابن آوى والغراب أياماً لا يصبن شيئاً مما كن يعشن به من فضول الأسد، وأصابهم جوع وهزال شديد. فيعرف الأسد ذلك منهم فقال: جهدتن واحتجتن إلى ما تأكلن. فقلن ليس همنا أنفسنا ونحن نرى بالملك ما نرى، ولسنا نجد للملك بعض ما يصلحه. قال الأسد: ما أشك في مودتكم وصحبتكم)

وهذه صورة عجيبة من التعبير لم أدر لها سراً، وكان أولى بابن المقفع أن يجعل الضمائر العائدة إلى هذه الجماعة من الحيوان على طراز واحد، كما هو الأصل في إرجاع الضمائر. أما أن يجعلها للمؤنثات ثم لجماعة العاقلين ثم للمؤنثات أخرى ثم لجماعة العاقلين رابعة، فهذا عجب لم نره لكاتب غيره

وقد ينزل العرب غير العاقل منزلة العاقل، وابن المقفع جعل هذه الجماعة مرتين من غير العاقلين ومرتين من العاقلين فأسرف فيما أجازه القوم إسرافاً

وألفيته يعاود هذا المذهب ويراجعه. ففي 86 س 7 (فلنأت سائر الطير فلنذكر ذلك لهم. فأجابوه إلى ذلك وأعلمهن ما أصابه وحل به) الضميران في (لهم) و (أعلمهن) عائدان إلى سائر الطير. وفي 91 س 4 (ودنا منهن ليبصرن، فتناوله بعضهم وضرب به الأرض) الضمائر راجعة إلى: (جماعة من القردة) في الصفحة السابقة. وفي 152 - 153 (فبينما هم في ذلك إذ وقع لهم غراب فقال بعضهم: انتظرن حتى يأتينا هذا الغراب) الضمائر مرجعها (جماعة من الطير). وغير ذلك كثير

9 - 74: 5 (فلما فرغ دمنة من تضريب الأسد على الثور)

التضريب هنا: التحريض، وفي اللسان: (والتضريب تحريض للشجاع في الحرب. يقال ضربه وحرضه) والتضريب أيضاً: الإغراء، وفي اللسان: (والتضريب بين القوم: الإغراء) وفي نسخة بولاق ص 43 (من تحميل الأسد على الثور) وهي الرواية الجيدة؛ لأنها لغة ابن المقفع، ولازمة من لوازمه الكتابية. فقد جاء في ص 1. 1 س 7 (ولكن قتل لتحميل الأشرار) وفي س 11 من الصفحة عينها (من تحميله إياك عليه وفي ص 249 س 8: (تحميل الملك علي) وفي س 14 من الصفحة نفسها (ليحملوا عليه الأسد) فهذا هذا

وقد أراد ابن المقفع بكلمة (التحميل) الإغراء). ومن اللفظ العجب أن ابن منظور وصاحب القاموس لم يذكرا هذا اللفظ في مادته، بل ذكرا في هذا المعنى (حمله على الأمر يحمله حملاً فلنحمل: أغراه به) ثم انفرد ابن منظور بقوله (وحملت على بني فلان إذا أرشت بينهم) والتأريش: التحريش والإغراء

10 - 86: 4 (فأعينوني وظافروني) وبدلهما في نسخة بولاق ص 48: (فأعنني)، و (ظافره) بمعنى أعانه وظاهره لم يذكرها صاحبا اللسان والقاموس، وقاربهما ابن منظور بقوله (وتضافر القوم عليه وتظاهروا بمعنى واحد) فنستطيع أن نزيد في معجمنا المنتظر هذه الكلمة، وابن المقفع ثقة يحتج بقوله: وهو دليل أن المعاجم المتداولة لم تستوف ولم تستوعب كل أصول اللغة وفروعها إلا ما نبهت على عدم وروده. فذا مرجعه إلى استيثاق الرواة الأولين واستقصائهم

11 - 95: 7 (ليس بمستكبر لها أن تختطف بزاتها الفيلة) ابن المقفع - فيما أشعر - لا يقول هذه الكلمة بل يقول (بمستنكر)

ومما يجدر ذكره أن استكبر الشيء بمعنى رآه كبيراً وعظم عنده، قول منسوب إلى الإمام ابن جني، ولم يقله عامة اللغويين. واتفقوا أن استكبر بمعنى تكبر؛ وفي كتاب الله: (إنه لا يحب المستكبرين)، (يصدون وهم مستكبرون)

وقد رجعت إلى نسخة شيخو (ص 99) فوجدت: (ما أرضا (كذا) يأكل جرذها مائة منٍ من حديد بمستنكر لبزتها أن تختطف غلاماً)

12 - 107: 6: (إذا جئنني بالليل من غير نداء ولا رمى ولا شيء يرتاب به). فما ذلك الرمي؟!

الصواب: (ولا رمز) - أي إشارة وعلامة؛ وقد جاء بدلها في نسخة بولاق (53): (ولا إيماء)، وهو والرمز والإشارة بمعنى

13 - 115: 13، 16 وص 116: 1 وص 117: 1، 16 وص 118: 2، 6: (رأس الخنازير) و (سيد الخنازير). عندي أنها: (رأس الخبازين) و (سيد الخبازين)

يؤيد ذلك ما جاء بدلها في نسخة شيخو السريانية: (فتكلم صاحب المائدة)، وما هو عند ابن الهبارية (115):

فأخذ الخباز كف دمنه وقال: لله العظيم المّنه وكذلك ص 118:

فأطرق الخباز لما سمعا ... ذلك من مقاله وخضعا

وكما يفهم من قول ابن المقفع عنه 117: 12: (ثم أنت تجترئ أن تقوم بين يدي الملك وتلي طعامه)

14 - 116: 11: (ولا مسيء وإن أذنبه بضائره ذنبه) تطبيع، صوابه: (وإن أذنب)

15 - 120: 9: (فأقر بذنبك وبؤ بإساءتك): باء بإثمه فهو يبوء بوءا: إذا أقر به؛ وفي الكتاب: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك)؛ وفي الحديث: (أبوء بنعمتك على وأبوء بذنبي) - أي أقر؛ وقال لبيد:

أنكرت باطلها وبؤت بحقها ... عندي ولم تفخر عليَّ كرامُها

وأصل البوء الرجوع، فمن باء فكأنه رجع إلى الإقرار بعد الإنكار والسكوت

وبهذا أيضاً يفسر قول ابن المقفع في س 15: (وأن أبوء بما لم أجن)

16 - 121: 11، 12 (فحفظ الفرخان ذلك بلسان البلخية)

البلخية: أهل بلخ، بفتح الباء: مدينة مشهورة بخراسان والتاء فيه دلالة على الجمع. وهي عند التحقيق علامة للتأنيث بتقدير الجماعة أو الطائفة كأنك تقول: الجماعة البلخية، فلما حذفت الموصوف وأقمت صفته ألحقت بها تاء التأنيث المنبهة على الجمع أيضاً. ومثلها في ذلك: الإباضية، والإسماعيلية، والأشعرية، والباطنية، والجبائية. ونحو ذلك كثير من الأسماء للفرق الدينية والسياسية

17 - 127: 14 (وأخفت على الشبكة حتى لججت فيها وصويحباتي). لج فلان في الأمر تمادى عليه وأبى أن ينصرف. فهو فعل اختياري لا دخل للقسر فيه. والمعنى لا يتجه بهذا. وإنما هو (لحجت) بالحاء المكسورة المهملة بعدها جيم. لحج السيف وغيره بالكسر يلحج لحجاً: أي نشب في الغمد فلم يخرج. وفي حديث على يوم بدر (فوقع سيفه فلحج) أي نشب فيه. ويقال لحج في الأمر يلحج إذا دخل فيه ونشب. ومن البين أن المراد نشوب الطير في الشبكة، مما أعماهن القدر وأعشى أبصارهن

18 - 128: 1 (ويستنزل الطير من الهواء، إذا قضى ذلك عليهم) أجرى (الطير) مجرى العاقل فجعل لها ضميره. وهو معروف عند العرب. وفي كتاب الله: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وفيه: (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)، (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحكمنكم سليمان وجنوده)، وقال عبدة بن الطبيب:

إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته ... إلى الصياح وهم قوم معازيل

جعل للديك أسرة وسماهم قوماً

19 - 130: 1 (منها عداوة من يجتزيان على ذلك كعداوة الأسد والفيل). وفي نسخة بولاق 62 (منعا ما هو متكافئ كعداوة الفيل والأسد) وعند ابن الهبارية 129:

(وهو التجازي لا سواء إنما)

الاجتزاء: طلب الجزاء، قال:

يجزون بالقرض إذا ما يجتزى

وفي ذلك معنى التكافؤ. والتجازي - كما ترجمه ابن الهبارية أصل معناه التقاضي، والمراد به المقاصة، فهو كذلك في معنى التكافؤ

2 - 133: 15 (وكان الضيف رجلاً قد جال الآفاق ورأى الأعاجيب)، والفعل (جال) لا يتعدى بنفسه. والوجه (جال) في (الآفاق). وسمع جول الأرض: جال فيها، وجول في البلاد أي طوف. فهذا المضعف ورد بالوجهين. وفي القاموس أن جال الشيء: اختاره. وهذا معنى لا يراد هنا

21 - 139: 8 (وانقلبت ظهر البطن، وانجررت حتى دخلت حجري) فماذا جره حتى انجر؟! إنما هي (وانحدرت) أي نزلت في سرعة إلى الجحر

22 - 150: 7 (إن كان بعيداً لم يأمن من معاودته، وإن كان متكشفاً لم يأمن استطراده، وإن كان قريباً لم يأمن مواثبته). متكشفاً أي بادياً ظاهراً، وهي لا تساير الكلام. والصواب (مكثباً) أي دانياً. أكثبك الصيد والرمي وأكثب لك: دنا منك. وعلى هذا الوجه الذي أثبت وردت الكلمة في نسخة بولاق 69. ويؤيد هذا التصحيح ترجمة ابن الهبارية 148:

لأنه إن كان منه نازحا ... أعاد مثل فعله مشايحا

أو كان منه دانياً أو حاضرا ... واثبه مبادراً مساورا فكلمة (دانيا) في النظم تقابل كلمة (مكثبا) التي ذكرت

23 - 165: 16 (فإن الغراب ذو أدب ومكر ومكيدة). لا وجه لورود كلمة (أدب) بالدال في هذا المعرض. والصواب (أرب) بالراء؛ ليصح اقترانها بأختيها: المكر والمكيدة. والمقام مقام ذم وتهجين. والإرب بالكسر، أو بالتحريك: الدهاء والخبث والنكر. وفي نسخة شيخو 158 (فإن الغراب ذا أرب ومكائد)

24 - 166: 15 (فإن الشر يدور حيثما دارت). هي (حيثما درت)

25 - 171: 4 (فابتليت ببلاء حرمت عليَّ الضفادع) والجملة بهذا الوضع مبتورة ناقصة. وتمامها (حرمت عليَّ الضفادع) من أجله (أي من أجل البلاء. وذلك كما في ص 77 من طبعة بولاق

26 - 173: 1 (بل برأيك وعقلك كان هذا؛ فإن الرجل الواحد أبلغ في إهلاك العدد من كثير العدد ممن ذوي البأس). وفي هذه العبارة نقص كسابقتها: وتمامها كما في نسخة بولاق 78: (؛ فإن الرجل الواحد) العاقل الحازم (). . . الخ. وعند ابن الهبارية ص 174:

فالرجل اللبيب في الأعداء ... أبلغ من ألف ذوي فَتَاء

و (اللبيب) هو العاقل ذو اللب

27 - 190: 12 قول البرهميين للملك حين سألهم تعبير الرؤيا: (فلعلنا - إن استطعنا - أن ندفع ما نتخوف منه). الوجه (تتخوف) بالخطاب؛ قد ليس من شأنه أن يحكموا في تعمير الرؤيا بهذا الحكم قبل أن يجتمعوا للتشاور والتآمر. وهم قد استمهلوا الملك (ستة أيام) ليتمكنوا من ذلك. والملك هو الذي كان متخوفاً، لأنه (رأى ثمانية أحلام يستيقظ عند كل منها)

28 - 191: 6 (لنجعل دماءهم في أبزنٍ ثمم نقعدك فيه). كلمة (الأبزن) معربة عن الفارسية، بفتح الهمزة بعدها باء موحدة ساكنة ثم زاي مفتوحة. وهو الحوض من نحاس يستنقع فيه الرجل؛ ويعرف في ألفاظنا الدخيلة باسم (البانيو) وبالفرنسية: وبالإنجليزية - و (أبزن) أصله في الفارسية: (آبزَن) بمد الهمزة؛ وتكتب أحيانا (آب ز ن)؛ فسرت في معجم استينجاس بأنها حوض للاستحمام من نحاس أو حديد بطول جسم الإنسان يملأ بماء طبي يجلس فيه المريض أو يتمدد وقد أهمل هذا اللفظ كثير من اللغويين، منهم الليث، والجواليقي، وابن دريد، والزمخشري، مع أنه مستعمل قديماً وجاء في شعر أبي دُوَاد الإيادي، يصف فرساً وصفه بانتفاخ جنبيه:

أجوف الجوف فهو منه هواء ... مثلُ ما جافَ أبزَناً نجَّار

وأبو دواد جاهلي. ويفهم من هذا الشعر أنه يصنع أحياناً من الخشب، لِمَا جعل صانعه النجار. وكأن بعض العرب كانوا يجتزون بالخشب عن النحاس، قال ابن بري: (الأبزن شيء يعمله النجار مثل التابوت)، وأنشد بيت أبي دواد. وروى البخاري أن أنس ابن مالك قال: (إن لي أبزناً أتقحَّم فيه وأنا صائم)

وقد فسر (الأبزن) في هذا الحديث بأنه الحوض الصغير، أو حجر منقور كالحوض، أو شيء يتبرد فيه وهو صائم يستعين بذلك على صومه من الحر والعطش.

(له بقية)

(عبد السلام محمد هارون)