مجلة الرسالة/العدد 420/الحديث ذو شجون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 420/الحديث ذو شجون

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 07 - 1941


للدكتور زكي مبارك

خطر السياسة على مصاير العلماء - الحياد الأدبي - آداب

بعض الوعاظ - إلى فضيلة الشيخ المراغي - الشيخ عبد ربه

مفتاح - فجيعة لم يستعد لحملها القلب - لا ذنب لي قد قلت

للقوم استقوا - إلى فلان - إلى العلامة وحيد

خطر السياسة على مصاير العلماء

كان ابن خلدون يرى أن الاشتغال بالسياسة لا يليق بالعلماء، وأثر عن الشيخ محمد عبده أنه قال: لعن الله السياسة ومادة ساس يسوس!

فهل تكون السياسة عملاً تنكره الأخلاق أو يأباه الدين؟ وكيف والسياسي الرشيد يؤدي واجباً هو في بعض صوره من أشرف ما يدعو إليه الدين والأخلاق؟

إنما يكره اشتغال العلماء بالسياسة لأنها قد تصرف عنهم بعض القلوب، فلا يملكون الأبوة الروحية لجميع من يصلحون للانتفاع بما عندهم من ذخائر الحكم والآداب، والرجل العالم، هو بطبيعته مركزه أخو الجميع وأبو الجميع، والسياسة قد تجره إلى التحيز لفريق دون فريق، وإن بالغ في التحرز من شوائب الأهواء.

أكتب هذا وقد قرأت في جريدة (الكرخ) أن الجنسية العراقية نزعت من الأستاذ ساطع الحصري وأنه أمسى خارج الحدود!! وهو خبر جزعت له أشد الجزع، وإن لم يكن بيني وبين هذا الرجل من الصلات ما يوجب الانزعاج لما صار إليه من نفي وتشريد، إذا صح أن أهل العلماء يتعافون إلا إذا قامت بينهم روابط من الصداقة والوداد. . . ومن سياق ذلك الخبر عرفت كيف صار الأستاذ ساطع الحصري إلى هذا المصير المزعج فقد عد من المنحرفين عن الصواب في أيام الانقلاب. ومعنى ذلك أنه اشتغل بالسياسة فتعرض لما يتعرض له العلماء السياسيون في بعض الأحيان

إن أهل العراق قد يرون في الأستاذ ساطع الحصري غير ما أراه، وهم أدرى بما تتعرض له ديارهم من عواصف الخلاف، ولكن الأخوة الأدبية توجب أن نواسي هذا الباحث المتعمق بكلمة عطف، وهي أقل ما نملك في التوجع لمصيره الحزين

لو كان الغيب مما يطلع عليه الناس لرأى قوم أن يسجن الأستاذ ساطع الحصري في مكتبته فلا يشترك في السياسة من قرب أو من بعد، لينقطع لأداء رسالته السامية في التربية والأدب والتاريخ، فله في هذه النواحي أبحاث تضعه في الصف الأول بين كبار المفكرين في هذا الجيل

ولكن الانقلابات العنيفة قد تخرج العلماء من وقارهم المنشود، وتسوقهم إلى معاطب لا يسلم معها أديم، ولا ينفع في دفعها علاج

هذه عبرة جديدة تسوقها الأيام لمن ألقى السمع وهو شهيد

وإن رأسي ليدور كلما فكرت في مصاير العلماء الذين تبلبلهم الحوادث فلا يعرفون إلى أين يتوجهون، وقد أحاطت بهم القواصف والأنواء

كان أسلافنا يدعون إلى الاعتكاف عند هبوب الفتنة، وما كان أسلافنا جبناء، ولكنهم كانوا يعرفون أن الفتنة تخبط خبط العشواء فلا تفرق بين العاصي والمطيع، ولا تدري أين تقع أخفافها الهوج الثقال

وأنا مع هذا قوي الأمل في رجعة الحياة الطبيعية إلى ربوع العراق، ويومئذ يكون من السهل على الحكومة العراقية أن تسمح للأستاذ ساطع الحصري بالعودة إلى البلد الذي خدمه بصدق وأمانة وإخلاص، فلن تكون جنايته السياسية أعظم من كفايته العلمية، ولن يكون في أشنع أحواله مجتهداً أخطأه الصواب

الحياد الأدبي

كانت الجرائد الإنجليزية شغلت بالتنفير من الحياد، فكانت تدعو جميع الأمم إلى إعلان الحرب على الألمان، وكانت هذه الدعوة تقع من بعض الناس موقع الاستخفاف، لأنها في نظرهم لم تكن إلا وسيلة من وسائل التحريض على الأمة الألمانية، والتحريض لا يقبل في كل حين

ثم دارت الأيام بالنحس على المحايدين، فهم كل يوم في بلاء جديد، ولو أنهم خرجوا على الحياد منذ اليوم الذي سمعوا فيه النذير الأول، لقهروا الألمان على الانسحاب من أكثر الميادين وأذاقوهم الاستهانة بأقدار الشعوب

وفي دنيا المعارك القلمية مذهب دميم هو مذهب (الحياد الأدبي) ولهذا الحياد عواقب سود، لأنه قد ينتهي بأهل الفكر والرأي إلى إيثار السلامة من أراجيف العوام وأشباه الخواص، وإذا آثر المصلح السلامة فعلى الإصلاح العفاء

أقول هذا مناسبة خطاب وصل من أعالي النيل بقلم الأديب إبراهيم محمد إبراهيم، وهو يراني أحجمت عن المضي في شرح أسباب الفقر، مع أن الفقر علة تستحق الدرس والتشريح، وتستوجب التفاف جميع الأطباء

وأجيب بأن الذي يصدني هو (الحياد الأدبي) حياد الأدباء الذين يرون ما أراه في مشكلة الفقر والفقراء، ثم يعتصمون بالسكوت، طلباً للسلامة من أوضار التزيد والافتراء

أستطيع أن أسمي عشرين رجلاً من أصحاب المواهب، وقد هنئوني على القول بالمسئولية الفردية قبل المسئولية الاجتماعية، ومع ذلك لم يتقدم منهم رجل واحد بمقال يشعر الجمهور بأن الرأي الذي أعلنته يصلح للأخذ والرد، ويستحق عناية أهل الرأي والبيان

وفي مقابل ذلك وقف أنصار (الرياء الاجتماعي) متعاونين متساندين ليقولوا فيَّ ما يشاءون على صفحات بعض الجرائد والمجلات، حتى صح للأستاذ صالح جودت أن يتوجع لمصاير أهل الرأي في هذه البلاد

أنا أنظر فأرى أعدائي يزدادون من يوم إلى يوم، الأعداء المجاهرين، أما العداء المكاتمون، فهم أهل للصفح والغفران ولكن أين أنصاري؟

أنصاري هم قرائي، لا زملائي، وآه ثم آه من تخاذل الزملاء!

وأولئك القراء هم الجيش الذي نعتمد عليه بعد الله في نصر قضية الرأي الحر والقول الصريح، ولن يستطيع أحد أن يفسد ما بيني وبين قرائي، لأني اللسان الناطق بما يشتجر في صدورهم من أراء وأهواء، ولأنهم يؤمنون بأن الأدب لن يرتفع إلا إذا تحرر أهله من أغلال الأوهام والأضاليل

وما الموجب للرياء، وما ظفر المراءون بغير الخيبة والإخفاق؟

وما قيمة الدنيا حتى نطلب نعيمها بالتزلف إلى أبنائها الفانين؟

آداب بعض الوعاظ يجب أن يعرف من لا يعرف أن مجلة (الرسالة) مقررة لمكتبات المدارس الأميرية ومكتبات المعاهد الدينية، ومعنى ذلك أن الأستاذ الزيات ليس له مصلحة أدبية أو مادية في نشر شيء يخالف مبادئ الدين الحنيف، بغض النظر عن مكانته من الوجهة الدينية، فهو موضع الثقة من أكابر رجال الدين، وله أبحاث كريمة في لغة القرآن المجيد

إذا صح هذا - وهو صحيح صحيح - فكيف يستبيح جماعة من الوعاظ أن يسيئوا الظن بكل ما أكتب في مجلة الرسالة عن الدين الإسلامي؟ ومن أين يعرف هؤلاء الناس أن إيمانهم أقوى من إيماني، وتلك علاقة روحية لا يعلم سرها غير علام الغيوب؟

مجلة (الرسالة) تصدر في كل عام عدداً ممتازاً عن الهجرة النبوية، ويشاء الحظ (السيئ) أن أحرص - حين أكتب مقالة لأحد تلك الأعداد - على البعد من الأبحاث التي ابتذلتها الأقلام منذ أجيال وأجيال، لأن روح الإسلام نفسه تنهانا عن الأنس بالحديث المعاد، ثم تكون النتيجة أن تشغل المجلات الدينية بشتمي وتجريحي سنة كاملة بلا ترفق ولا استبقاء

ساقني إلى هذه الزفرة الأليمة ما كتبه أحد الوعاظ في مجلة دينية لا أسميها ولا أسميه، لئلا يغضب عليها وعليه أهل الفكر والرأي والوجدان

وما ذنبي عند هذا الواعظ حتى يشتمني بألفاظ لا يصح صدورها عن رجل يتصدر للدعوة إلى الدين؟.

أيراني كفرت حين أشرت بزخرفة المساجد لنرتاح إليها بعد قضاء النهار في طلب المعاش؟

أيراني كفرت حين قلت بأن الخوف من الوثنية لم يبق له مكان في هذا الزمان، حتى نراعي بعض ما راعاه الأسلاف القدماء؟

وبأي حق يصد رجل مسلم عن إعلان ما يراه في شئون الإسلام؟

ومتى جاز أن يكون في الإسلام صور جديدة لحيوات الأحبار والرهبان؟ سوف ترون مصايركم، يا جماعة الجانين على العقل باسم الدين

إلى فضيلة الشيخ المراغي

إليك - أيها الأستاذ الأكبر - أوجه الحديث فأقول: ما رأيك في الوعظ والواعظين؟

ما رأيك في جماعة لا يحدثون الناس إلا بغطرسة واستعلاء كأنهم ملكوا مفاتيح الجنة، وكأن رحمة الله لا تساق إلى مؤمن إلا بوحي من هواهم المطاع؟

ما رأيك في بعض هؤلاء وهم يعجزون عن كسب القوت إن رفعت عنهم رعاية الأزهر الشريف؟

إن الدين المسيحي يروض أبناءه على الإيمان بأن في القسيسين نفحة ربانية، ومع ذلك يتأدب القسيسون فيخاطبون أتباعهم خطاب الصديق للصديق، فما عجرفة الواعظ المسلم، والإسلام يدعو جميع أبنائه إلى مناجاة الله بلا وسيط؟

ومن هؤلاء الذين يوهمون الأمة بأن فيها طبقة من الملحدين مع أن محصول الفكر في مصر من الوجه الدينية لهذا العهد، لا يقاس إلى ما وصلت إليه أصغر الممالك في عهد ازدهار الحضارة الإسلامية؟

ومن المسلم الملحد في هذه الأيام حتى يجوز الإغضاء عن إفك بعض المعتدين؟

أنت المسئول - أيها الأستاذ الأكبر - عن تأديب هؤلاء فجرب فيهم سيفك أو عصاك، لينزجروا عن التحرش بالمفكرين من أهل الإيمان

كان يجوز في عهد غير عهدك أن تكون البهلوانية من شمائل بعض المنتسبين إلى الدين، فما عذرهم في التسلح بالبهلوانية وأنت هناك، وفيك من القوة الذاتية والدينية ما يقلم أظافر المرائين والمداجين؟

لا تبق على هؤلاء - أيها الأستاذ الأكبر - فهم حجة الأعداء على أن شمس الإسلام في كسوف. وسيبقى الإسلام على ضيائه برغم أولئك وهؤلاء

إن المخابيل من أعداء الحرية الفكرية هم الذين آذوا سلفك الشيخ محمد عبده، فلا تسمح لقرونهم بالنجوم، ولا تدعهم يحكمون على المؤمنين بالزور والبهتان

الإسلام ديننا نحن، لا دين هؤلاء، فنحن دعاته الأمناء في الشرق والغرب، وعنا يأخذ من يريدون الوصول إلى فهم أغراضه الصحاح، فمن طاب له أن يزعم أن الإسلام في مصر أصبح نزعة طائفية ينتسب إليها فريق ويصد عنها فريق، فهو مارق من القومية المصرية، وخليق بأن ينظر إليه الأستاذ الأكبر نظرة تأديب، لأن أمثال هؤلاء يستمدون قوتهم المعنوية من الأزهر، وهو من انحرافهم في عناء

الشيخ عبد ربه مفتاح

فجعت مصر منذ أعوام بوفاة رجل من أصحاب المروءات، هو الشيخ عبد ربه مفتاح، وكان شيخ الوعاظ، وإليه يرجع الفضل في تنظيم الوعظ الديني بالأقاليم، وكان له في ثورة سنة 1919 مجال

فماذا خلف هذا الرجل من الآراء؟

الجواب عند الذين دربهم على الوعظ والإرشاد، ولكني أذكر رأيا واحداً يصور حصافته العقلية، فقد كان يرى أن ينتفع الأزهر بمواهب المثقفين المتهمين برقة الدين، لأنه كان يعرف أن التهمة بالإلحاد لا تقوم في أغلب الأحوال على أساس، وإنما تكون فرية يذيعها أصحاب الأغراض، أو تأويلاً خاطئاً لكلام يحتمل التأويل، وكان من حججه أن الأزهر حين ينتفع بمواهب أولئك المثقفين قد يغرس فيهم الجاذبية الدينية، على فرض انهم ينفرون من الدين، أو يحولهم إلى أصدقاء يصعب عليهم التحامل على الأزهر الشريف

والحق أن الأزهريين الشبان يتمنون أن يرفع الحجاب المسدول بينهم وبين أقطاب الفكر الحديث، ليروا دنيا العقل في ثوبها الجديد، وليصح القول بأنهم عرفوا ما عند أشهر المثقفين من مذاهب وآراء

وهنا فكاهة مؤذية ولكنها طريفة: فقد اقترح فريق من طلبة كلية اللغة على فضيلة الأستاذ الشيخ المراغي أن يقوي كليتهم بأصحاب المواهب، ولو كانوا في جموح زكي مبارك وشطط طه حسين!!

أنا والدكتور طه من أصحاب المواهب، بشهادة كلية اللغة العربية؟

هو ذلك، فما يرفض الكرامة إلا لئيم!

أما القول بأننا من أهل الشطط والجموح فهو قول مردود فما عرفوا عنا فيما قرءوا وما سمعوا غير القول بحرية العقل وقدسية الدين

فجيعة لم يستعد لحملها القلب

هي فجيعتي في الشيخ (عبد الوهاب النجار)، أستاذي وصاحب الفضل علي في كثير من المواقف، والصديق الذي لم أر منه ما يسوء على كثرة ما عانيت من تغير الأصدقاء

كان الشيخ النجار يتأدب بالأثر الذي يقول: (أطلب العلم من المهد إلى اللحد) فلما دعي لتدريس التاريخ الإسلامي بالجامعة المصرية سنة 1918 أخذ يواظب مع الطلبة على دروس اللغة العبرية، وقد عرف منها اكثر مما عرفت، مع أنه لن يُسأل معي أمام لجنة الامتحان!

وحين شبت الثورة المصرية في سنة 1919 تفضل فدعاني ليحدثني أنه يريد أن يؤرخ أيام الثورة على طريقة (الجبرتي) بكتاب يسميه (الأيام الحمراء). ورجاني أن أقدم إليه أخبار الأزهر يوماً بيوم، وكان الأزهر ملتقى الوفود في تلك الأيام والذين نعوا الشيخ النجار في الجرائد اليومية وتحدثوا عن مؤلفاته نسوا الحديث عنها الكتاب، لأنه غير مطبوع، فليعرفوا أني أشرت إليه مرة في جريدة البلاغ، فاهتم الأستاذ عبد القادر حمزة بأمره وطلبه من الشيخ لنشره مسلسلاً على صفحات البلاغ. وقد نشر بالفعل منذ بضع سنين، فأكبر خدمة يؤديها أصدقاء الشيخ النجار لذكراه هي جمع تلك الصفحات في كتاب، لأنها أعظم وثيقة كتبها مؤرخ شاهد الحوادث في سنة 1919

لا ذنب لي. . .

لم تصلح الأيام ما في ذاكرتي من الشذوذ الفظيع: فهي ضعيفة كل الضعف فيما يتصل بالأرقام والأعلام، وهي قوية كل القوة فيما يتصل بالحوادث والمعاني؛ فأنا قد أتمثل حادثة بظروفها وأحوالها في غاية من التدقيق، كأني شهدتها بالأمس، ولكني أنسى اليوم الذي وقعت فيه، وقد أنسي العام والعهد؛ ففي أي يوم أو أي عام أو أي عهد وقع الحادث الذي أروى خبره في العبارات الآتية:

أنكر وزير المعارف في عهد سلف - وذاكرتي تزعم أنه مصطفى ماهر باشا - أنكر ذلك الوزير أن تكون (دار العلوم) مدرسة عالية، لأن طلابها لا يدرسون إحدى اللغات الأجنبية ولأنهم لا يجيدون غير تصريف افعوعل وافعنلل؛ وأنبني على ذلك أن ينكر حقوقهم في (تعديل الدرجات)

فماذا صنع الشيخ النجار في دفع ذلك التحامل البغيض؟

كتب سلسلة من المقالات في جريدة الأهرام تحت عنوان: (لا ذنب لي قد قلت للقوم استقوا) كتبها بإمضاء مستعار ليسلم من بطش الوزير، في أوقات لم يكن يجوز فيها لأحد الموظفين أن ينشر مقالاً في معارضة أحد الوزراء

وتحققت الغاية المنشودة من تلك المقالات، فتساوى أبناء (دار العلوم) مع أبناء (المعلمين العليا) في (تعديل الدرجات) بعد أن طال العهد بالتفريق بين هاتين الطبقتين من رجال التعليم

فأين من يذكر وفاء الشيخ النجار للمعهد الذي تخرج فيه، يوم تخلى عن نصرته أبناؤه الأوفياء؟

إلى فلان

قرأت خطابك فاستروحت نسائم الحرية حين شهدت غيرتك على الاستقلال، أنت تراه غاية معنوية، لا غاية نفعية، كما يتوهم بعض الناس

وليس المهم أن تستريح الأمم من الكفاح، لأن الكفاح هو أيضاً من الغايات، فما كانت الراحة إلا نذير الموت والفناء

إلى العلامة وحيد الأيوبي

قرأت جوابك، أيها السيد في مجلة الرسالة، وأنت ترى انه يقال للشيخ عجوز وللشيخة عجوز وعجوزة. وأقول إن الشيخة عجوزة فقط، ولا يجوز وصفها بعجوز في لغة هذا العهد، لأن اللغة صائرة إلى التقعيد وهو استنادها إلى قواعد وأصول في جميع الشؤون، بحيث ينقرض الشذوذ الذي يأخذ قوته من السماع

فأنا أقول: زوج وزوجة، وخادم وخادمة، وصبور وصبورة، وقتيل وقتيلة، وجريح وجريحة، وعجوز وعجوزة، لتوكيد التفريق بين المذكر والمؤنث، وهو غرض يقصده البلغاء

فإن احتججت بلغة القرآن فسألقاك بأدلة جديدة توهن ذلك الاحتجاج، بدون أن أخرج عن الأدب في الحديث عن لغة القرآن. وإن آزرك الأستاذ الكبير (ا. ع) فسيكون للأقلام مجال في تحرير مشكلة طال عليها الخلاف، وسنمد لغة العرب بزاد هي إليه في اشتياق، لأنه باب من الحرية في الأداء، ولأنه عون على التحديد والتعيين حين تختلف المعاني والأغراض، والسلام.

زكي مبارك