مجلة الرسالة/العدد 412/لوجه الله ولوجه الحق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 412/لوجه الله ولوجه الحق

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 05 - 1941


معضلة المعضلات في مصر والشرق

للدكتور زكي مبارك

قبل أن أشرع في التعقيب على مقال الأستاذ عباس محمود العقاد ألتفت إلى بعض القراء فأقول: لا يستطيع الكاتب أن يظفر بثقة القارئ إلا إذا زهد في تلك الثقة كل الزهد، وليس معنى هذا أن يستهين الكاتب بعواطف القارئ، ولكن معناه أن يتحرر من رغبة الظفر بثقة القارئ، ليستوحي العقل والقلب والوجدان، وقد خلص من شوائب التودد إلى بعض الآراء والأهواء، فعندئذ يطمئن القارئ إلى أنه يقرأ كلاماً سلم منبعه من أقذاء التصنع والرياء.

أكتب هذا وقد تلقيت في الأسابيع الأخيرة رسائل يدعوني بها كاتبوها إلى الخروج من الميدان الأدبي، بحجة أني أبلبل أفكارهم وأدخلهم في محرجات من الحقد والبغضاء، وهم يعجبون من أن يصبر عليَّ قراء (الرسالة) على كثرة ما آذيتهم في تلك الأعوام الطوال (؟!).

وأجيب بأني أعجب مما يعجبون، وأشتهي الخروج من الميدان الأدبي، لأخلو إلى نفسي لا إلى قلمي، ولأتذوق الراحة من متاعب التفكير في نفع القراء.

ولكن خاطراً واحداً يصدني عما أريد ويريد بعض الثائرين: وهو الخوف من أن يخلو الميدان الأدبي من كاتب يثير في صدور القراء ثائرة الغيظ والحقد من حين إلى حين. فتلك الثائرة من أكرم الحظوظ الوجدانية، ولا تخلو الصدور من معاني البغض إلا حين تخلو من معاني الحب، ومن البغض والحب يقوم هيكل الوجود.

فالأديب الذي يثور ويهتاج كلما قرأ لي مقالاً لا يرضيه، هذا الأديب سيعض بنان الندم إن استجبت لرجائه فطويت عنه عدوان قلمي. وكيف يعيش هذا الأديب وهو لا يجد الكاتب الذي يبلبل أفكاره ويدخله في محرجات من الحقد والبغضاء؟

أخوف ما أخاف على اللغة العربية أن يصير جميع كتابها من المرضيِّ عنهم في جميع الشؤون، فالكاتب الذي يرضى عنه القراء في جميع الأحوال قد يتعرض للتفاهة والابتذال، وقد يمسي وهو حاك لا يجيد غير مضغ الحديث المعاد، إلا أن يرتفع جميع القراء فلا يرضيهم غير الذهن المبتكر والعقل الوثاب.

وما الذي يوجب أن نجعل رضا القراء غاية من الغايات؟

وكيف نهون على أنفسنا فنقبل ذلك الضرب من الاستعباد؟

وبأي حق ندعو إلى الحرية إذا أصخنا لدعوات بعض القراء فحرمنا أقلامنا نعمة الحرية؟

وما الذي يغضبكم، يا قراء هذا الزمان، ونحن لا نصوب سنان القلم إلى عيوب المجتمع إلا بتلطف وترفق؟

ما الذي يغضبكم وقد (راعينا خواطركم) فلم نؤدِّ من رسالة القلم غير كلمات ملفوفة لا ينحدر بها باطل ولا ينتصر بها حق؟

ما الذي يغضبكم وقد أطعنا بعض القلوب الخوامد، فعققنا روح العصر أبشع العقوق؟

كانت العصور الخوالي تسمى عصور الظلمات، ومع ذلك استطاع الأسلاف أن يواجهوا الجماهير بأفكار وآراء نعجز عن روايتها في هذا الجيل، فأين عصركم من تلك العصور؟ وأين أنتم من أولئك الرجال؟

قضت ظروف الحرب بإعلان الأحكام العرفية، وقضت الأحكام العرفية بمراقبة ما يُنشر في الجرائد والمجلات، فما الذي وقع؟

لم تتعرض الرقابة لمقالات الكتاب بالمحو والإثبات إلا بلطف ورفق، أما الجمهور فيرى أنه على شيء رقيب، وهو يعطل حركة الفكر بلا تهيب ولا استبقاء، وهو يدعى ما لا يملك من السيطرة على القلوب والعقول، وهو يؤذي من يخدمونه صادقين، وهو يحاول إخماد الجذوة الأدبية لتصبح آثار الأقلام وهي رسوم وأطلال.

ما نظرت في الرسائل التي (يتحفني) بها بعض الناس إلا أشفقت على مصير اللغة العربية، فهذه اللغة لا تحيا إلا إذا صارت أداة لتسجيل الحقائق والأباطيل. لن تحيا لغة العرب إلا إذا وجد فيها القارئ كل ما تشتهي العقول والقلوب والاهواء، على نحو ما يجد القارئ في لغة الفرنسيس والإنجليز والألمان. لن تحيا إلا إذا أصبح أدبها وهو أشبه الأشياء بالحدائق التي تجمع الأطايب من شتى الافانين، وفيها مع ذلك أشواك وأدغال تؤوي الفواتك من الحشرات والثعابين.

وما نظرت في مصاير الكتاب الذين (أدبهم) قراؤهم إلا جزعتُ: فالدكتور فلان كان خليقاً بأن يقيم في مصر نهضة فلسفية؛ ثم (أدبه) قراؤه، فهو اليوم (رجل طيب) يرى الفلاسفة زنادقة وملحدين والأستاذ فلان كان جديراً بأن يبعث في مصر وثبة اجتماعية؛ ثم (أدبه) قراؤه، فهو اليوم أكبر نصير لمأثور العادات والتقاليد؛ والشيخ فلان كان أهلاً لحمل راية السلف الصالح؛ ثم (أدبه) قراؤه، فهو اليوم رجل متحذلق يسره أن يتسم بوسم التجديد ليضاف إلى أبناء العصر الحديث!!!

فماذا يريد أن يصنع معي قرائي؟

هل يتوهمون أن في مقدورهم أن (يؤدبوني) فلا أقول بغير ما يسرهم أن أقول، ولا أكتب إلا بحدود ما يشتهون؟

هيهات، ثم هيهات!!

سأحرص على الصدق في جميع الأحوال، ولن يقرءوا لي حرفاً إلا وهو من صور ضميري؛ ولهم أن يجرِّبوا قدرتهم على الانصراف عن أدبي: فأنا أتحدث عن آرائهم وأهوائهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وأنا أقرب إليهم من أنفسهم، وأعرف منهم بسرائرهم، وأقدر على التعبير عما يجول في ضمائرهم من نفثات الخوف وخطرات الأمان.

لو كنا نعيش في زمان سليم من الآفات لعرف قومٌ أن لا موجب لشتمي في خطابات مغرَّمة قد تزيد عن الآحاد في بعض الأسابيع.

وما الذي يوجب أن أُشتَم ولم أقترف غير إجادة التعبير عما في زماني من مشكلات ومعضلات؟؟

إن هذا البغي يزيدني حرصاً على الثبات في ميدان الجهاد، وستأتي إجازة الصيف بعد أيام فأفرُغ لمكافحة ما أراه من طغيان الأوهام وانحراف الآراء.

ومعاذ الحق أن يكون قرائي جميعاً من الجاحدين، فتحت يديَّ مئات من الرسائل تشهد بأن الرجل المخلص لا يضيع بين قومه الاكرمين. ولو نشرت رسالة الأديب (م. أ. ش)، والأديب (م. ع. ف)، والأديبة التي تكتب من الأُرمان، لعرف بعض الناس أن في الدنيا قلوباً يستهويها الصدق، وبالصدق وصلنا إلى كرائم الطيبات، فلله الحمد وعليه الثناء!

أما بعد فما الذي جاء في مقال الأستاذ العقاد؟

كان مقال هذا الباحث المفكر مؤيداً لما قلت كل التأييد، فأنا قلت: (الفقر مرض ولكل مرض أسباب، كما أن الغنى عافية ولكل عافية أسباب).

وهو قال: (عندنا نحن أن الفقر داء كسائر الأدواء، يصيب المريضَ به من إهماله كما يصيبه من ضعفه الموروث، ويصيبه من الحيطة إذا جرى مجرى الوباء الذي تنتشر عدواه، كما يصيبه مع ترك الحيطة في هذه الحال وفي غيرها من الأحوال).

والطريف في هذه الكلمة هو النص على أن مرض الفقر قد يصيب أهل السعي في طلب الرزق إذا جرى الفقر مجرى الوباء، وليس هذا مما نحن فيه، ولكنه ينفع حين يجب العطف على من سُدَّت في وجوههم المسالك لأسباب يعجز عن دفعها أهل الأمانة والاجتهاد.

وأنا قلت: (إن الغنى يشهد لأهله بقوة الأخلاق الاجتماعية والمعاشية، وإن الأغنياء عِماد المجتمع، وبفضل قدرتهم على تدبير المال يرجع الفضل في تجميل الوجود).

وهو قال: (لست أنا ممن ينكر فضل البراعة المالية، لأنها في الحقيقة براعة لازمة لتأسيس المرافق الاجتماعية والأخلاق القومية، وتنظيم العلاقات، واستثارة الهمم، وتوزيع الأعمال التي لا يستبحر بغيرها عمران).

وأنا قلت: (إن التغرير بالفقراء ودعوتهم إلى انتظار أنصبتهم في أموال الأغنياء قتلٌ للمواهب الإنسانية، وإن الحزم يوجب أن تذكرهم في كل وقت بأن الغنى لا يوهَب وإنما هو ثمرة الكدح الموصول في طلب الرزق الحلال).

أما الأستاذ العقاد فيقول: (إن الأمان كل الأمان، خطر على الهمم والأذهان، فإن كثيراً من الجهد النافع مبعثه طلب الأمان في المستقبل، وشعور النفس بالحاجة إليه في أخريات الحياة. فإذا اطمأن إليه كل حي من بداية حياته فترت حركته وغلب عليه حب الاستقرار، ومُنِيَ العالم بخطر من جراء ذلك هو أخطر عليه من الإجحاف في تقسيم بعض الأعمال وتوزيع بعض الأرزاق).

ومعنى هذه العبارة أن بعض منافع الدنيا مدين في وجوده إلى ما يستشعر الناس من الخوف، وأن انعدام الخوف قد يكون أخطر على العالم من الإجحاف في تقسيم بعض الأعمال وتوزيع بعض الأرزاق.

وكذلك قلت، فقد صرحت بأن استنامة الفقراء إلى ما قد يوزَّع عليهم من أموال الأغنياء ستخلق فيهم ضروباً من الطمأنينة تصرفهم عن الكفاح في التسبب والارتزاق.

ثم مضى ذلك الكاتب البليغ فسرد من غرائب الحظوظ أشياء وأشياء.

وأقول بصراحة إني لن ألتفت إلى تلك الغرائب، لأنها فوق الطب والعلاج، فستمضي أجيال وأجيال قبل أن يصح ذوق المجتمع فلا يستوي عنده الطيب والخبيث، ولا يصبح المخلوق التافه وهو آثر عنده من الرجل الحصيف.

وما الموجب لانتظار تلك العافية الاجتماعية، وهي العدل المطلَق، والعقاد نفسه يرى أن ذلك العدل قد يقضي على الدوافع الحيوية فينعدم الاندفاع الصالح والاندفاع الذميم على السواء؟

لن ألتفت إلى ما يقع في المجتمع من غرائب الحظوظ، ولن أجيب من يسألني عن أقوام تلطف معهم الدهر المخبول، ولن أقول كلمة في الوارثين، بحجة أنهم يرزقون بلا كد ولا اجتهاد، فلو عطل نظام الميراث لانعدم النشاط الإنساني بعض الانعدام، ولآثر الناس جميعاً أن تكون جهودهم مقصورة على كسب القوت من يوم إلى يوم. ولو قلنا الحق كل الحق لصرحنا بأن الميراث هو أجمل نظام عرفته الإنسانية، فهو الشاهد على أن الجهاد في طلب الرزق لا يضيع، وأنه قد يصل إلى الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وذلك أقوى حافز لتأريث عزائم الرجال.

لن ألتفت إلا إلى ظاهرة واحدة: هي شيوع الفقر في البيئة المصرية، مع كثرة وجوه الارتزاق.

الفقر في مصر كثير وفظيع، ودميم وشنيع، وملعون وقبيح، إلى آخر ما في اللغة من ذميم الأوصاف والنعوت. ومصر مع ذلك أخصب بقاع الأرض، وهي جديرة بأن تضفي على جميع أبنائها أثواب النعيم، لو عرفوا كيف يجاهدون الفقر جهاد الرجال.

قلت: إن أسباب الفقر كثيرة، ولكنها ترجع إلى ثلاثة أسباب أساسية، هي الكسل، وقلة الأمانة، والرضا بالدون من مطالب الوجود.

وهنا صرخ المتحذلقون فقالوا: إنك تجعل الفقر علة فردية مع أنه علة اجتماعية.

وقد أجبت بأن الفرد هو الحجر الأول في بناء المجتمع، فالمجتمع أفراد أضيف بعضهم إلى بعض، وبذلك يشهد من زوده الله بزاد العقل.

ثم صرخ جماعة آخرون فقالوا: أنت أديب، فما شأنك بالمعضلات الاجتماعية؟!

فمتى يفهم الغافلون أن الأدب صورة الحياة، وأن الأديب رجلٌ يعيش كما يعيش كما يعيش سائر الرجال، وأنه قد يحس بلايا الحياة بأقوى مما يحسها زعماء الاقتصاد؟

ألأني أديب يُحرَّم عليَّ أن أتعرض للمكاره التي يعانيها وطني في الميادين الاجتماعية والمعاشية؟

يقول فلان إنه قرأ ما لم أقرأ من الكتب التي تبحث في أسباب الفقر والغنى.

وأقول إني رأيت ما لم ير فلان من أخلاق الناس في ميدان المعاش، لأني رجل ممتحَن بطلب الرزق، وطلاب الرزق (يرون) أكثر مما (يقرأ) فلان وفلان.

أليس من العجب أن يتحدث جماعةٌ عن العمال والصناع والفلاحين في مصر بعد قراءة كتاب عن العمال والصناع والفلاحين في بلاد الإنجليز أو بلاد الألمان؟

أكثر هؤلاء المتحذلقين لا يعرفون شيئاً عن بلادهم، وأكثر المتوجعين لشقاء الفلاح المصري لا يرونه إلا بعيون من قرءوا لهم من الكتاب الأجانب.

ولست بحمد الله من أولئك ولا هؤلاء، فأنا لا أستوحي كتاباً قرأته، وإن كنت أحرص الناس على القراءة والاطلاع، وإنما أستوحي ما تراه عيناي، ولي مصالح معاشية تسوقني سوقاً إلى درس أحوال العمال والصناع والفلاحين: فلي معهم في كل يوم شأن وشؤون، وبفضل ما ساقتني إليه المقادير من الاهتمام بالحياة المعاشية، سأصل إلى قرارة الضمير المصري، وسأعرف ما هو عليه من تحليق وإسفاف.

كنت دعوت الأستاذين الكبيرين الزيات والعقاد إلى إبداء رأيهما فيما قلت به من أن الفرد هو الحجر الأول في بناء المجتمع.

وقد أجاب الأستاذ العقاد بما رأى القراء، فما هو رأي الأستاذ الزيات؟

كتب هامشاً قال فيه: (إن رأي (الرسالة) في الفقر ولفقراء معروف).

وهو كذلك، ولكن ما رأيكم إذا سجلت على الأستاذ الزيات أنه صرح في إحدى افتتاحياته بأن (الرسالة) قضت عاماً كاملاً في استنهاض الأغنياء إلى البر بالفقراء، فلم يسمع سامع ولم يستجب مجيب؟

ألم أقل لكم: إن الاعتماد على الأغنياء يضر أكثر مما ينفع؟ الأغنياء يخافون من معاملة الفقراء لأسباب لا يجوز النص عليها بغير التلميح، فمتى نرجع لمحاسبة أنفسنا بصدق وإخلاص؟

أنا أرجع إلى نفسي من وقت إلى وقت، لأرى كيف تقدَّم زملائي وتخلَّفت، فأرى أني المسؤول الأول والأخير، لأن في شمائلي جفوة تجعل التهور من صور الشجاعة الأدبية، مع أن بين الشراسة والشجاعة أبعاداً يعجز عن طيِّها البرق اللماح.

وأنا أنصح قرائي بما لا أنصح به نفسي، لأني أومن بأن للكاتب شخصيتين مختلفتين بعض الاختلاف: شخصية من يمثل عقله، وشخصية من يمثل هواه؛ فأنا أخاطب قرائي بعقلي، وأخاطب نفسي بهواي، إلى أن يلطف الله فلا أصدُر في جميع أحكامي إلا عن وحي العقل.

ثم أما بعد فأنا أدعو إلى بناء المجتمع المصري من جديد.

أدعو إلى خلق الجاذبية بين الأغنياء والفقراء، ليشعر الغني بأن الفقير هو الذي حمل على كاهله أحجار القصور الشوامخ، وهو الذي عانى عرق الجبين في استنبات البقول، وليشعر الفقير بأن الغني هو الذي دبر المال لتصير مصر إلى ما صارت إليه من وفرة المصانع والمتاجر والمزارع والخيرات.

أدعو الغني إلى التألم لألم الفقير والتوجع لبلواه؛ وأدعو الفقير إلى الدعاء للغني في أعقاب الصلوات.

أدعو أولئك وهؤلاء إلى التعاون الصادق بأمانة وعطف، ونزاهة وصدق.

وأكره أن يتدخل الكتاب المراءون في إفساد ما بين الأغنياء والفقراء.

أكره أن يحاول كاتب منافق أن يتسم بوسم المصلح الاجتماعي وهو مأجور للشيطان الرجيم، وإن خدع نفسه فتخيل ثم خال أنه رسول الاشتراكية في هذه البلاد.

لقد شبعت مصر من الكتاب المرائين في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فمتى تعلن مصر شوقها المتوقد إلى كتاب لا ينافقون ولا يخادعون؟

إن صراحتي في الكلام عن الفقراء والأغنياء صنعت ما صنعت في تبصيري بدقائق من أحوال الناس وخلائق لمجتمع، وأشنعُ ما دلتني عليه هو أن في مصر كتاباً كسالى، وهم الذين يرون ما أرى، ثم يصدهم الكسل عن الاصطلاء بما اكتوت به يداي، وفيهم الباحث الذي تحدث عن انقراض (الأجاج) فما الأجاج؟

أمِثْلي يُدْعى إلى الخروج من الميدان الأدبي ليتمتع الغافلون بنعمة الصفاء؟

لا، والله، فسأتعقب الغافلين في جميع الميادين، ولن أسكت عن كلمة الحق ولو آذيت بها أعز أصدقائي.

ارجعوا إلى أنفسكم، يا بني آدم من أهل هذه البلاد، ولا تحوجوني إلى ضرب الأمثال، فما أحب أن تشقوا بالحقائق المجردة من إفك التزيين والتهويل.

بداية البلاء هي الرضا عن النفس، والنفس أمارةٌ بالسوء، فكيف ترضون عن أنفسكم، مع دعوى التسامي إلى معرفة أسرار الوجود؟ من قرارة القلب أمتاح هذه المعاني، لأقتل فتنةً لا تزال في المهد، فمن اتهمني بسوء النية فإلى الله إيابه، وعلى الله حسابه، ومن الله وحده أنتظر حسن الجزاء.

زكي مبارك