مجلة الرسالة/العدد 409/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب
مجلة الرسالة/العدد 409/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب
للأب أنستاس ماري الكرملي
1 - توطئة
ضَرِيَ السوريون منذ برهة، باستعمال ألفاظ جديدة، للتعظيم والتبجيل، واستهجان كل كلمة دخيلة تدل على نظائر تلك المعاني. ولذا تجدهم اليوم، لا يتخذون لقباً أو جلاء يدل على أدب، أو تكريم، أو علم، أو إدارة، أو سياسية، أو نبالة، أو كل لفظ عليه طابع دخيل، فليس فيهم كاتب يتخذ في كلامه كلمة آغا، ولا أفندي، ولا بك. وأما مسيو. ومستر، وسنيور، وهر وضون، فقد أصبحت في خبر كان. وكذلك لا تجد أثراً لماجستير وليسانسية ودكتور وبروفسور. وقد نفوا من عبارتهم الكبتن والماجور والكولونل والجنرال هذا في الرجال. وكذلك نقوا كلامهم من ألقاب الإناث مثل: هانم، خانم، خاتون، ومدموازيل، ومدام، ومس، ومسز، وليدي. والكلام هنا على ما يقال في الأجانب على اختلاف قومياتهم. وليس هناك خلاف في أنه إذا جرى الكلام على أبناء العرب من ذكور وإناث فيتخذ لقب السيد، والسيدة، والآنسة، والكريمة، والعقيلة، إلى ما ضارع هذه المفردات
أما أنهم يحاولون إطلاق هذه القاعدة على الأجانب، وعلى ما وضعه هؤلاء من الألقاب العلمية والسياسية والأدبية بشروط وامتحانات وأحكام، فأنهم يحاولون القبض على حبال القمر، أو على قبض الماء بأيديهم؛ إذ لا حق لهم فيها، ولا يوافقهم على تحكمهم هذا إلا كل أهوج، خال من الوقوف على تقدم علوم العصر ومصطلحاته وأدبه، وأنفاق جميع الأقوام على اتخاذه، لأنها أصبحت من أوضاع الأقوام جميعها، ومن مشتركاتهم فيها ومن حق الجميع وممتلكاتهم لها
ومن مضحكات أوضاعهم أنهم أخذوا يستعملون (العليم) و (الحكيم) في مكان (الدكتور). وجهلوا أن هذا اللقب وأمثاله بمنزلة الأعلام، أي أعلام الألقاب. والأعلام تروي، أو ينطق بها على علامتها، ولا يحق لأحد أن يبدلها بغيرها، أو يصلحها، أو يحرر فيها أي تحرير، كبيرا كان أم صغيراً. فكما أن أحمد غير حامد، وهذا غير محمود، محمود غير محمد، وهذا غير حماج، وحماد غير حميد، وإن كان الأصل واحد كذلك ألقاب الآداب لا يبدل بعضها ببعض، ولا يقوم اللفظ الواحد مقام اللفظ الآخر؛ فـ (المسيو) مثلا يدل على أن المتك عليه رجل فرنسي، و (المستر) على أنه إنكليزي، و (السنيور) على أنه إيطالي، و (الهر) على أنه ألماني، و (الضون) على أنه أسباني. وفي كل ذلك من تسهيل معرفة قومية الرجل عند ذكر لقبه مالا تجده في قولك: السيد فلان. إذ هذه الكلمة تدل على أن المدلول عليه هو من أبناء الناطقين بالضاد؛ بل يدل عند بعضهم على أن من نسب النبي العربي. فأين هذا الحرف من الحروف التي سردنا لك منها أمثلة؟ إن السورين يجورون على الأمم، ولا يجارون السلف في أعمالهم منذ القدم
2 - ألقاب رؤساء الممالك:
اتصل السلف مع تمادي لزمن بأقوام مختلفة وبدول شتى، وعرفوا ألقابهم مع ما فيها من الغرابة، ولم ينقلوا إلى معانيها في العربية، بل حافظوا عليها أعظم المحافظة. ونحن ننقلها لكمن كتاب الآثار الباقية لأبي الريحان، وهي هذه (عن النسخة المطبوعة في أوربا):
أنواع الملوك الألقاب الواقعة على أشخاص تلك الأنواع
1 - ملوك الفرس الساسانيةشاهنشاه وكسرى
2 - ملوك الرومباسلي وهو قيصر
3 - ملوك الإسكندريةبطليموس
4 - ملوك اليمن تبَّع
5 - ملوك الترك الخزر والتغزغز خاقان
6 - ملوك التُرك الغُزية حنوته
7 - ملوك الصين بغبور (أو فغفور)
8 - ملوك الهند بلهرا
9 - ملوك قنًّوجرابي
10 - ملوك الحبشةالنجاشي
11 - ملوك النوبة كابيل
12 - ملوك ملوك جزائر البحر الشرقيمهراج
13 - ملوك جبال طبرستانإسَفْهبد
14 - ملوك دنباوندمصْمغان 15 - ملوك غرجستان شار
16 - ملوك سرخسزاذويه
17 - ملوك نساوابيورد بهمنه
18 - ملوك كش نيدون
19 - ملوك فرغانةإخشيد
20 - ملوك أشروسفة افشين
21 - ملوك الشاشثدن
22 - ملوك مرو ماهويه
23 - ملوك نيسابوركفبار
24 - ملوك سمرقندطرخوت
25 - ملوك السريرالحجاج
26 - ملوك دهستان صول
27 - ملوك جرجانأناهبذ
28 - ملوك الصقالبة قبًّار
29 - ملوك السريانيين نِمرُوذ
30 - ملوك القبطفرعون
31 - ملوك باميان شيرباميان
32 - ملوك مصر العزيز
33 - ملوك كابلكابل شاه
34 - ملوك الترمذترمذ شاه
35 - ملوك خوارزمخوارزم شاه
36 - ملوك شروان شروان شاه
37 - ملوك بُخارابخار خداه
38 - ملوك كوزكانانكوز كان خذاه
وكل ما جاء هنا يتعلق بالشرق الأدنى أو الشرق الأوسط، ولم يتعرض المؤلف لألقاب أهل الغرب، مع أنها وردت في كتب التاريخ، لا سيما حين اتصل العرب بأهل الغرب في أيام الحروب الصليبية وبالتجارات والمراجعات التي جرت في عهد العباسيين والفاطميين والأندلسيين من ذلك:
3 - الباب
4 - الأنبراذور أو الأنبراظور أو الأنبرور
5 - البطرك
جاء في مقدمة ابن خلدون في آخر الفصل الثالث والثلاثين ما هذا نقله بحروفه:
واختص اسم البابا ببطرك رومة لهذا العهد، ولا تسمى اليعاقبة بطركهم بهذا الاسم. وضبط هذه اللفظة بباءَين موحدتين من أسفل والنطق بها مفخمة والثانية مشددة. ومن مذاهب البابا عند الإفرنجة، أنه يحُّضهم على الانقياد لملك واحد، يرجعون إليه في اختلافهم واجتماعهم، تحرجاً من افتراق الكلمة، ويتحرى به العصبية التي لا فوقها منهم، لتكون يده عالية على جميعهم، ويسمونه الأنبرذور، وحرفه الوسط بين الذال والظاء المعجمتين. ومباشرة يضع رأسه للتبرك، فيسمى المتّوج، ولعله معنى لفظة الأنبرذور. وهذا ملخص ما أوردناه من شرح هذين الاسمين الذين هما البابا (كذا) والكوهن)
ونحن نورد هنا أيضاً الحاشية التي جاءت على كلمة الأمبرذور. قال الناشر: (المشهور قديماً إيمبراطور، بالطاء المهملة، والفرنسيس تقول: إيمبرور وعناها عندهم ملك الملوك) اهـ. ولنا هنا عدة ملاحظات، منها: 1 - أن المؤلف كتب الباب ولم يكتب البابا. ولما لم يكن عنده يومئذٍ الباء المنقطة بثلاث، ضبطها بالكلام لا بالقلم.
2 - إن صريح كلامه لتقييد الكلمة أنها بباء مفخمة والثانية مشددة ولم يذكر أنها تختم بباء وألف بل بباء مشددة، فكان يجب أن تكتب هكذا (البابّ) لا (البابا) ونحن نظن أن رسم الكلمة البابا من الناسخ لا من المؤلف بما أن نص المؤلف واضح هو بباء مفخمة مشددة. وأول من نقلها بهذه الصورة ابن رُسته، وقد وضع كتابه في آخر المائة الثالثة للهجرة، أي في نحو سنة 908 للميلاد كما سترى
3 - أما كتابة الانبرذور فتكاد تكون صحيحة، لأنها في لغة اللاتين ومعناها: الآمر. وكان أصل وضعه لرئيس الجيش، أي القائد العام له، ثم في أيام كيكيرون جعل لقباً للقائد الظافر، ثم للقنصل وفي الآخر للملك الأكبر؛ فانتقل بعد ذلك إلى كل ملك كبير؛ فهو كقولك ملك الملوك، أو كشاهنشاهان عند الفرس. إذن ليس معناه المتَّوج ولا معناه ملك الملوك
4 - إن كتابة الإمبراطور بهذا الرسم كما يرسمه المعاصرون لا يوافق القواعد العربية، لأنه لا يُرى في الكلم الضادية من عربية ومعربة، فيها الميم ساكنة، ويليها باء متحركة، فإذا وقع مثل ذلك رُسمتْ الميم نوناً. ولهذا يجب أن تكتب (الانبراطور) بنون
5 - جرى العرب على كتابة الكلمة (أنبرور) بهذا الرسم. عند اتصالهم بالألمان والفرنسيين في نحو أواخر المائة الثانية عشرة وأوائل المائة الثالثة عشرة من تاريخ الميلاد، أو بعبارة أخرى في أواخر المائة السادسة وأوائل المائة السابعة للهجرة. فقد قال ابن خلكان في ترجمة أبي العباس أحمد عبد السيد الملقب صلاح الدين: (وعند وصول الأنبرور، صاحب صقيلة إلى ساحل الشام في سنة 626 هـ (1228م) بعث الملك الكامل الصلاح إليه رسولاً).
وقال في ترجمة أبي طاهر يحي بن تميم: (ولما هلك غنيمة (بن زُجَار. كذا. والصواب بن رُجَار براء مهملة). ملكت أبنته، وهي أم الأنبرور ملك ألمانيا في زماننا. ثم هلكت أم الأنبرور) اهـ
وجاء في تقويم البلدان لأبي الفداء: (وسلطانها (سلطان ألمانية) هو المعروف بالأنبرطور ومعناه ملك الملوك والعامة تقول الأنبرُوز) اهـ. وفي كتاب العبادين في كتاب ألفُنْس بن سانشس إلى الخليفة المعتمد الإنبيطور
فهذه عشر لغات في تعريب كلمة واحدة، أصلها اللاتيني فقيل فيها: إنبيطور، إنبرذور، إنبرظور، إنبراطور، إنبرادور، إنبرطور، إنبرور. وقال فيها البعض المعاصرين خطأ: إمبراطور، إبمبراطور، إيمبرور. ومن اللازم على المعاصرين أن يلاحظوا كيف أن الأقدمين باختلاف بلدانهم وعصورهم كتبوا بألف ونون، وليس أبداً بألف والميم، لأنهم عرب صميم والعرب لا تخالف قواعد سلفهم أبداً، وذلك سلبقة لا تطبُّعاً!
(له صلة)
الأب ألستاس ماري الكرمل من أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية