مجلة الرسالة/العدد 407/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 407/البريد الأدبي
مساجلات
1 - عرفتُ من كلمة الأستاذ (ا. ع) كيف كان وجه الخلاف بيني وبين حضرة صاحب العزة العوامري بك يوم تعقبته في جريدة (البلاغ) بمناسبة الكلمة التي نشرها في مجلة المجمع اللغوي عن (التجديف) وكنت ظننت أن تعقيبي كان يرمي إلى إقرار كلمة (التقذيف) لأن ورودها في مؤلفات الشعراني بهذا الضبط يشهد بأن المصريين لا يقولون (تجديف) إلا كما يقولون جال في مكان قال، وأهل اليمن ينطقون القاف جاف، وعلى سنتهم يسير بعض أهل الصعيد وبعض أهل الشرقية
وأختصر الطريق فأقول: يرى العوامري بك أن التجديف والتجذيف والتقذيف كلها خطأ، والصواب: الجدف والجذف والقذف.
فهل أرجو من الأستاذ (ا. ع) أن يحكم بيني وبين العوامري بك؟
إليه أقدم البرهان فأقول:
الجدف أو الجذف أو القذف لا يصور الحركة التي يثيرها المجداف أو المجذاف أو المقذاف. والعرب لا يضعفون الفعل إلا وفقاً لغريزة لغوية تجعل الفعل المضعف أصرح دلالة في تعيين المعنى المراد، ومصدر المجرد لا يؤدي الصورة التي يؤديها مصدر المضعف، فقطع الحبل غير تقطيع الحبل، والمقذاف لا يَقِذف وإنما يُقذِّف، كما تشهد عملية التقذيف
أما القول بأن كلام الشعراني لا يغني في الاستشهاد فمردود بأني لم أقصد الاستشهاد وإنما قصدت الاستئناس، والشعراني يحكي كلاماً صحيحاً لا غبار عليه، إلا في نظر المتكلفين، وحوشي العوامري بك من التكلف، فهو من أعضاء المجمع اللغوي، وهم رجال يبيحون الاستئناس بكلام العوام في مختلف اللهجات!
وسكت الأستاذ (ا. ع) عما قلت به من استيطان الألفاظ، والاستيطان هو الاستوطان، ولعنة الله على الإعلال فهو إعلال!
فهل يكون سكوته دليل القبول؟
2 - لما جمع الأستاذ السباعي بيومي فخوراً على فخورين تعقبه (ناقد جليل) بكلام يأخذ قوته من السماع والقياس، فما رأي الناقد الجليل إذا رجوته أن يتسامح في جمع فخور على فخورين وجمع غيور على غيورين؟ وما رأيه إذا صارحته بأن التصحيح في أمثال هاتين الكلمتين أقوى في الإبانة من التكسير؟ وهل تكون كلمة غُير في مثل قوة كلمة غيورين؟ في التكسير نفسه شواهد تؤيد القول بحرص العرب على زيادة المبنى: فأسد يجمع على أسد يجمع على أُسْد وأُسود، فهل تجري أُسد على ألسنة الناس بقدر ما تجري أسود؟
يضاف إلى هذا أن البلاغة قد توجب الخروج على القياس في بعض الأحيان، وهل كان القياس في أغلب مناحيه إلا ضرباً من الشذوذ؟ وإلا فبأي حق يكون (فَعِيل) بصورة واحدة في التذكير والتأنيث إذا كان بمعنى مفعول؟ وما الذي يمنع من الاستئناس بقول صاحب اللسان (امرأة دفينة) وقد جرى كلامه على الأصل في التفرقة بين المذكر والمؤنث؟ والقِدْر بدون تاء في كلام الشعراء، وهي قِدرة على ألسنة العوام في مصر، فأي اللفظتين أفصح؟ الأفصح هو قِدرة، لأن التاء تؤكد التأنيث، ولو كره العوامري والنشاشيبي
وخلاصة القول أني أدعو إلى التخفف من أثقال التصريف حين تطغى العلة الصرفية على المعنى اللغوي، ولو كانت مراعاة التصريف نافعة في جميع الأحايين لراعاه العوام وهم أصدق إحساساً بمدلولات الكلمات، لأن محصولهم اللغوي يتكون من ألفاظ تنبض بالحياة في كل وقت، فالعوام يقولون: إوعَ، والصرفيون يقولون: عِ. وهل تكون عِ أفصح من إوعَ إلا في نظر من يستخفون بحكم العقل؟ والعوام يقولون في أغانيهم: إوْفِ بوعدك، والصرفيون يقولون: ف بوعدك. فأي الكلمتين أفصح؟
وخادم يذكر ويؤنث، ولكن عوام مصر لا يقولون إلا خادمة في التأنيث، فمن ينكر أنهم على صواب؟ وأنا أسمي الزوجة زوجة في جميع ما أكتب، ولا أرى رجلاً يقول: (سأستشير زوجي) إلا عرفت أنها عليه من القوامين
3 - يتوهم كثير من الشبان أن لي مكتباً في دار الرسالة وأني أشارك الأستاذ الزيات في فحص ما يرد على الرسالة من أقوال الكتاب والشعراء، ومن أجل هذا يوجهون إلي العتب عما يتأخر نشره من آثارهم الجياد!
وكنت أرجو أن يصح هذا التوهم الجميل، لأشارك الزيات في توجيه الجيل الجديد، ولأنشر كلمة الأستاذ محمد كامل سليم بك، فما هي كلمة هذا الأستاذ الجليل؟ رجاه الأديب الأريب عبد الرحمن أبو العينين أن يوصي الأستاذ الزيات برعاية ما يقدم إلى (الرسالة) من كلمات أو مقالات فرد عليه بهذا الجواب النفيس:
(لست أرى من مصلحة الأدب أن أقحمك بنفوذي في ميدانه، ولا أرى من مصلحتك أنت أن أظهرك بسلطاني بين فرسانه، وإنما أرى من مصلحة الأدب ومصلحتك معاً أن تبرز مستقلاً بأسلوبك وبيانك، وتشغل الناس بأفكارك وبرهانك، وفي ذلك مصلحة ظاهرة للأدب وكرامة واضحة للأديب)
ويخطئ أشنع من يتوهم أن التشجيع ينفع بشيء، فالقوة الذاتية تقتحم الحواجز والحصون حين تستكمل عناصر الجبروت. والأديب الموهوب سيجد مكانه وإن تخلف عن نصرته ساسة الفكر وقادة البيان
4 - لم أجب الأستاذ صلاح الدين المنجد في سؤاله عن أسلوب الأستاذ أحمد امين، وقد أجاب عني أحد الفضلاء في جريدة (صوت السودان) فليرجع إلى ذلك الجواب أن شاء.
5 - لبعض القراء مزاج غليظ، وهو إرسال خطابات مغرمة وبدون إمضاء
وأقول إني سأرفض جميع الخطابات المغرمة ولو صدرت عن (الصدرية) في بغداد، فمن طاب له أن يداعبني بهذا الأسلوب (المقبول) فليعرف أن دِعابه مردود
6 - يظهر أن مقالاتي في مجلة الرسالة تضايق فريقاً من الناس فيتصدون للرد عليها في بعض الجرائد والمجلات. فأرجو من أولئك الغاضبين أن يرسلوا إلي ما يكتبون لأجيبهم إذا اقتضى الحال
7 - تصل إلي من وقت إلى وقت بعض الكتب عن طريق الإهداء، وأنا أرجو في باله من المؤلفين أن يرسل ما يرسل بثمن محول على البريد، لأستطيع القول باني أشارك مشاركة جدية في إنهاض التأليف، ودفع ثمن الكتاب لا يمنعني من الإعلان عنه في مجلة الرسالة بالمجان حين أراه جديراً بالثناء
وبهذه المناسبة أذكر أني تلقيت مؤلفات في غاية من الجودة، منها (حكايات من الهند) وقد ترجمها الوطني الصادق عبده حسن الزيات أحد نوابغ المحاماة والاقتصاد، ومنها (مصر القديمة) للمؤرخ الكبير الدكتور سليم حسن بك، و (علم اللغة) للباحث المحقق الدكتور علي عبد الواحد وافي، و (تاريخ الدروز) الذي ترجمه الكاتب المبدع أحمد تقي الدين، و (الأشواق) للشاعر محمود أبو الوفا، و (الأغاريد) للشاعر محمد فهمي، و (المكتوب على الجبين) للرجل الكامل محمود تيمور، وسأتحدث عن هذه المؤلفات بعد قليل
أما دائرة المعارف الإسلامية - وقد ظهر منها المجلد الرابع - فلا تحتاج إلى تنويه، لأنها أظهر عمل قام به المتخرجون في كليات الجامعة المصرية، ولأن الأستاذ العقاد لم يترك في الثناء على مترجميها مزيداً لمستزيد
زكي مبارك
في اللغة
قرأت في العدد 405 من الرسالة الغراء قصيدة بليغة عنوانها (ميلاد نبي)، للشاعر الكبير الأستاذ محمد عبد الغني حسن. فعنت لي ملحوظتان لغويتان أود أن اعرضهما على الأستاذ وهما:
1 - قال في وصف الجاهلية:
متفرقين هناك. . . لم يتفيئوا ... لخميلة. . . أو يمسكوا ببناء
فعدى الأستاذ (يتفيئوا) باللام وهذا ما لا أعرفه
قال الجوهري: (وفيّأتِ الشجرة تفيئة، وتفيَّأت أنا فيها). وفي الأساس: (وتفيَّأتُ بالشجرة). وفي التاج: (وعداه أبو تمام بنفسه في قوله: فتفيأت ظله ممدوداً)
فهل اطلع الأستاذ على نص يتعدى فيه (تفيأ) باللام؟
2 - وقال:
ميلاد (أحمد) كان مولد أمة ... عربية وشريعة سَمْحاء
والذي أعرفه أن يقال: (سمحة) لا (سمحاء)، فإن من معاني السماحة السهولة واليسر. فيقال: (عود سمح: بين السماحة مستولا أُبن فيه) كما في الأساس
وفي التاج: (وقولهم الحنيفية السمحة: هي الملة التي ما فيها ضيق ولا شدة) هذا مبلغ اطلاعي. والله اعلم
(ا. ع)
حول الدين والفلسفة قرأت كلمة الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور محمد البهي بعدد الرسالة رقم 406، وفيه أراد كما يقول أن يضع أمام القارئ مادة للإجابة عما إذا كان من مصلحة الدين (أن يُفلسف بأن تشرح حقائقه بآراء الفلاسفة؟) وهذا موضوع للرأي فيه مجال كبير ليس من همي الآن الأخذ بنصيب فيه، ولكن وقفني عند قراءته ما ذهب إليه السيد الأستاذ من أن العقل الإسلامي جعل شعاره وهو يعالج ما أثارته الفلسفة الإغريقية من مسائل أنه (إذ انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال) لأن الحكمة ليست إلا مولدة الديانة وإن هذه ليست إلا متممة لتلك كما جاء في مقابسات التوحيدي، رأيت في هذا الرأي وما تقدم به حضرة الأخ الكاتب لتأييده من سند ما يستوجب هذا التعليق القصير
1 - القارئ لهذين النقلين قد يظن انهما جميعاً لأبي حيان التوحيدي نفسه، والواقع غير هذا؛ فالأول الخاص بانتظام الفلسفة اليونانية والشريعة ساقه التوحيدي في أثناء عرضه لرأي أخوان الصفاء، وطريقتهم في الفلسفة، والثاني الخاص بأن الحكمة مولدة الديانة الخ من كلام أبي سليمان السجستاني محمد بن بهرام شيخ أبي حيان، وليس من كلام التوحيدي نفسه، وكل هذا يظهر بالرجوع لصفحة 46 وصفحتي 199، 200 من المقايسات
2 - من الحق أن فلاسفة الإسلام عنوا فيما عنوا به بفلسفة الدين والتوفيق بينه وبين الفلسفة لعوامل عدة، منها أن الحكمة - كما يقول ابن رشد في فصل المقال - هي صاحية الشريعة والأخت الرضيعة، وهم في هذا مسبوقون بمحاولات اليهود والمسيحيين في هذه السبيل. ولكن لا أرى من الحق أن هذا كان شعار مفكري الإسلام جميعاً. هناك كثيرون من مفكري الإسلام لم يكونوا يرون هذا الرأي، ولم يكونوا يذهبون إلى فلسفة الدين بشرح حقائقه بالفلسفة، وأعني بهم المفكرين غير الفلاسفة من متكلمين وغير متكلمين. ولعل من أقوى الأدلة لهذا ما ساقه التوحيدي ذاته في أثناء كلامه عن إخوان الصفاء من أن شيخه أبا سليمان السجستاني صرح في كلام له كثير بعد أن قرأ جملة من رسائل إخوان الصفاء ووقف على قصدهم، ومنه التوفيق بين الدين والفلسفة، من أنهم (تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا، وحاموا وما وردوا. . . لأنه أين الآن الدين من الفلسفة؟ وأين الشيء المأخوذ من الوحي النازل من الشيء المأخوذ بالرأي الزائل)؟
بعد هذا أظن أن الأمر أوضح من أن نطيل فيه الكلام ويكفي هذه الكلمة التي لم اقصد بها إلا بيان الحق، ولعلي أصبت، وبالله التوفيق.
محمد يوسف موسى
المدرس بكلية أصول الدين
إلى الأستاذ عبد المنعم خلاف
سيدي الأستاذ الزيات
اسمح لي بنشر هذه الكلمات التي تخطر لي اثر قراءة مقالات الأستاذ خلاف:
إن هذا هو الطراز من الكتاب الذي كنا نتشوق إليه في العربية:
منطق قويم، وفطرة سليمة، وحرارة وحماسة وإخلاص، وإدراك للمدنية الغربية، وعدم تعصب عليها لمجرد التعصب، وفهم لمحاسنها، وإدراك لروح الإسلام والدين، وعدم تعصب له لمجرد التعصب، وفهم لمحاسنه، وإدراك للمثل العليا الأخلاقية الصحيحة، وأفكار سديدة بارعة، وبيان رائع
هل تدري يا سيدي خلاف أننا نقرأ مقالاتك المرة تلو المرة تلو المرة، ثم لا نكتفي، ونحس بدافع يدفعنا إلى الإعادة. . .
إننا نود لو نتلوها كل يوم، ولكن يعوقنا عن ذلك أنها غير مجموعة كتاب
أن كل ما تكتبه جميل ورائع وحبيب إلى نفوسنا لصيق بها
هذه كلمات صوادق. أنها ليست لك؛ إنما هي للفكرة التي تدعو إليها وتدافع عنها، أنها لنا (المقالات). . . لأنك تخدمنا بها وتفيدنا.
(دمشق)
بشير صادق