مجلة الرسالة/العدد 394/القصص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 394/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 01 - 1941



كنز في فندق

عن الإنجليزية

بقلم الأستاذ عبد اللطيف النشار

فتح إدوارد لانجتون الباب في رفق وأطلَّ في الغرفة الخالية إطلال الخائف الحريص، والحرص من دأب الذي يقدم على الإتيان بعمل يحرمه القانون. وكان لانجتون لصاً لا يحترف اللصوصية ولكنه من هواتها كأنها عنده بعض الألعاب التي تراد للتسلية.

ولما وجد الغرفة خالية دخل مسرعاً وأغلق الباب دونه، ثم دخل إلى غرفة أخرى بداخل الأولى فوجدها زينة ليس بها سوى فرش قليلة، وأمشاط ومرآة فوق دولاب صغير، وبضعة دبابيس، فقرر لانجتون أن هذه الأشياء لا تساوي المخاطرة التي قام بها لدخول الغرفة

وتردد لحظة ليقرر الخطة التي يتبعها. وفي هذه الأثناء كان (الكابتن كورنيش) نائماً في فندق باريزيان في ميدان أفرتون في لوندرا وهو في هذه اللحظة تحت رحمة هذا اللص الذي احتل جزءاً من المكان الذي استأجره الكابتن

ورأى اللص أن يفتش تحت المناضد لعله يرى شيئاً ثميناً قبل أن يخرج. فلما لم يجد شيئاً فتح الأدراج في دولاب الزينة وهو مغضب، فكاد الدرج الأول أن يسقط على الأرض للشدة التي استعملها في فتحه. وفي هذه الحركة رأى اللص في الدرج ذهباً. وفي اللحظة التالية لاحظ أن مع الذهب شعر سيدة فرفع الصرة ووجد تحتها صورة في شمسية لفتاة يعرفها وهي الآنسة (بورلورن)، فوضع الصورة في جيبه وهو مغتبط كأن حصوله على الصورة قد أدناه من الفتاة نفسها. وشعر بعامل سري في ضميره يدعو إلى السرور بهذا الاستكشاف، ونظر إلى الباب نظرة طويلة، ثم خرج في صمت وهدوء تركا الذهب ومكتفيا بالصورة. واختار لخروجه ممراً لم يخط بضع خطوات فيه حتى وقف خلفه، فوجد أنه قد غادر المكان المخصص للكابتن كورنيش، وأنه صار في مأمن، واستأنف سيره وهو يتصنع مشية طبيعية حتى لا يكون موضع ارتياب، ولكنه رغم تصنعه الهدوء، كان يلمس بيده اليمنى جيبه الذي فيه المسدس ليستوثق منه

وأخيراً وصل إلى منزله، وهو منزل صغير نظيف، يبعد نصف ساعة عن الفندق؛ وكانت أمه في الفراش، ولكنها غير نائمة، ولم تحس بحركته وهو خارج، لأنه توخى الابتعاد عن غرفتها في أثناء ذهابه إلى الفندق

لكنها الآن أحست بحركته وهو عائد، وسمعت صوت المفتاح وهو يفتح به الباب، ووقع أقدامه وهو يمشي في الممر. وأحست بحركته وهو يتناول الطعام على عجل، ويدخل غرفة نومه فيغلق دونه بابها. وبعد أن امتنعت الأصوات من جهته، اطمأنت الأم وأدركها النعاس. . . ولقد كان يكفي لقتلها غماً أن تخالج نفسها أية ريبة في أن ابنها، وهو سليل أسرة كبيرة، يجرؤ على الإتيان بما يأتي به من الأعمال. ولم يخطرها ببالها كذلك أنه الآن يشعر مشاعر غريبة شاذة لعثوره على صورة هي أهم عنده من الطلاسم التي يقتنيها الغير لجلب الخير ودفع الشر

وبعد يومين كان لانجتون يكتب خطابات متعددة لأناس يعتقد أنهم على اتصال بمرجريت بورلورن، وكتب كذلك إليها يطلب موعداً للقاء

وبالرغم من أنها لم ترد على خطابه، فإنه ذهب إلى المكان المعين في الموعد المضروب؛ وبعد ربع ساعة كانت الفتاة مقبلة نحوه، وكانت تحيط بها من الجلال والفتنة هالة مثل التي كانت بها في أول يوم فيه منذ سنين

وبدأته بالسؤال عن سبب كتابته لها وتعيين الموعد، فقال: إنني ما كنت لأجرؤ على طلب مقابلتك في هذا المكان وفي هذه الساعة لولا أن معي شيئاً أريد أن أقدمه إليك

وكان صوته في مخاطبتها صوت من يعلم سراً؛ وقال لهل بصوت خافت: أكنت لا تطنين سبباً لطلبي إياك غير الرغبة في رؤيتك؟

فقالت وقد احمرت وجنتاها: لست أعرف

قال: (إنني في المرة السالفة أديت لك خدمة ولكنها لا تذكر بالقياس لخدمتي في هذه المرة فإنني دخلت خلسة في مكان لا بد أن تكوني قد زرته في إحدى المرات، ولكنني لم أجدك في هذه المرة ووجدت. . . ماذا عراك حتى تغير لونك)

وكان لون الفتاة في هذه الآونة يكاد ينبط منه الدم فقالت: (يظهر أنك تريد أن تكلمني عن شيء مضى ولكن. . .)

فقال مقاطعاً:

(كلا. . . إنني لا أريد أن أكلمك عن شيء ماض، فإني كنت في مكان الكابتن آرثر كورنيش بالفندق

لم تكن مرجريت بعد ذكر هذا الاسم بحاجة إلى كلمة أخرى تنبه شعورها فأرخت أهدابها إلى الأرض وأنصتت، وكان إصغاؤها سؤالاً، فأجاب عليه لانجتوت: (إن الكابتن لم يعلم إلى الآن أنني زرت مكانه. ولعله لا يعلم كذلك أنني أخذت شيئاً)

قالت الفتاة:

(ولكن كيف عرفت أنني أعرف الكابتن؟)

فقال وهو يتظاهر بأنه لم يسمع سؤالها:

(لقد دخلت مكانه في الفندق منذ ليال. . .)

قالت الفتاة مقاطعة إياه:

(وهل تريد بواسطتي أن ترد إليه ما لأخذته من عنده؟)

فهز لانجتون رأسه وقال:

إنني إن رددت ما أخذته فلن يكون ذلك باختياري

ثم أدرك أن في قوله من الغلظة فقال: (إن كورنيش لن يعلم أنني زرت حجرته؛ وأنا إنما فعلت ذلك لمصلحتك ولمصلحتي)

قالت: (شكراً) ثم وقفت مرتبكة لأنها لا تعرف كيف يكون لها مصلحة في دخوله الفنادق خلسة. وعاد لانجتون إلى الكلام فقال: (بقى أن تعرف ماذا فقده الكابتن)

ثم ابتسم ابتسامة ضعيفة وقال: (إنني على كل حال لم أستطع مقاومة الرغبة في رؤيتك)

وظل ينظر إليها وهو صامت وظلت هادئة فقدم إليها الصورة وتركها في مكانها وعاد إلى منزله.

وبعد أيام قليلة كان الكابتّن أرثر كورنيتش واقفاً في بيت مارجريت بورلون. وكان يقول: (منذ أيام قليلة وصلت إليّ صورتك بالبريد دون أن أعرف أنها فقدت مني، وإني لأعجب كيف حصل عليها من ردها إليّ) قالت: (إن الذي تقوله يدهشني، فإني كنت أحسبك تحرص على تذكار مثل هذا فتصونه في مكان أمين

فقال كورنيش: سأفعل ذلك في المستقبل

وكان يحاول أن يحدق في عينيها، ولكنها كانت تتجنب نظراته؛ وعدا إلى الكلام فقال: لكن الخط الذي كتب به عنواني على المظروف يشبه خطك، فهل أنت التي أرسلتها؟ كيف وصلت إلى يدك وكيف سرقت من عندي؟

ولما رأى الابتسامة التي على ثغرها تدل على صدق ظنه مد إليها يديه ليضمها إلى صدره، فقالت بهدوء: سأخبرك على شرط أن تبرهن لي على حبك

قال: أنت تعرفين أنني لم أكن في وقت من الأوقات قليل الحب لك، فما الداعي إلى هذا السؤال؟

فقالت: إن هذا التأكيد هو كل ما أريده منك. إن الذي أعطاني الصورة هو ذلك اللص المخاطر الذي أسداني خدمة في يوم من الأيام، هل تعرف اللفتنانت دورن؟

قال آرثر: اللفتنانت دورن! يستحيل أن يكون هو الذي أخذ الصورة

فقالت: نعم ليس هو، ولكنه الرجل الذي أنقذني من اللفتنانت دورن

قال وقد جرى في عروقه دم الغيرة: (وماذا حمله على ذلك؟ ولماذا يدخل غرفتي ليأخذ صورتك؟)

فقالت: (ألا تزال تشعر بالغيرة بعد أن رددت إليك صورتي وبرهنت على أنني لك وحدك؟)

فضمها الكابتن إلى صدره وقبلها.

وبعد هذا اليوم صينت صورة الفتاة في مكان أمين، ولكنه بالأسف ليس مكان إدوار لانجتون المخلص في حبه الشديد المهارة، فإن حسن الحظ لا ارتباط له بهاتين الصفتين.

عبد اللطيف النشار