مجلة الرسالة/العدد 389/كلمات. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 389/كلمات. . .

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 12 - 1940



الإصلاح الاجتماعي

قرأنا في الصحف أن وزير الشؤون الاجتماعية يقدم إلى مجلس الوزراء مشروع قانون بإنشاء مجلس أعلى للشؤون الاجتماعية.

وما نظن حكومة من حكومات العالم، ولا أمة من أمم هذه البسيطة، هي أكثر لجاناً ولا أطول لساناً في الكلام عن الإصلاح من حكوماتنا ولا من أمتنا المصرية.

وهذه (لجنة) أخرى جديدة للشؤون الاجتماعية، أي للإصلاح الاجتماعي.

والإصلاح الاجتماعي هو تمدين الأمة ونقلها مما هي عليه - والمثقفون منا يعرفون وتضيق صدورهم مما هي عليه - ويكاد يكون من العجيب أن تؤلف لجنة لهذا الغرض قبل أن يتحدد بيننا هذا الغرض نفسه.

فهل نحن نريد أن نكون أمة أوربية، أم نريد أن نكون أمة شرقية. . . أم نريد أن نكون - كما يقول كثيرون من المترددين - بين هذه الحضارة الشرقية التي ورثناها وبين هذه الحضارة الأوربية التي تغزونا؟

ونحن ليس من همنا في هذه الكلمة أن نقول رأينا فيما يجب أن تكون حضارتنا وثقافتنا بين الحضارات، بل همنا أن نقول: إنه عجيب أمر هذه اللجنة التي يؤلفها وزير الشؤون الاجتماعية للإصلاح الاجتماعي.

وقبل أن تؤلف لجنة لهذا الغرض يجب أن نحدد موقفنا قبل كل شيء، ويجب أن نعرف في أي مكان نريد أن نضع أنفسنا بين أمم الأرض، لا أن نسير فنخبط ونخلط كما نفعل الآن، وكما فعلنا منذ لابسنا الحياة الأوربية وذقنا ثقافة الغرب وتفكيره وحضارة عصره.

ويجب قبل ذلك أيضاً أن نهيئ الرأي العامل لقبول ما نريد أن نسوقه إليه وأن نقوم حياة شعبنا عليه من إصلاح جديد.

وسأضرب مثلين مفردين لتوضيح ما أريد:

فهذا تعليم الأمة وتنوير الجيل الجديد منها تسيطر عليه وزارة خاصة هي وزارة المعارف، وتهيمن على ثقافة الخلاصة منه جامعتان: جامعة فؤاد الأول، وجامعة الأزهر. ولكن هذه الوزارة وهاتان الجامعتان ليس لها ولا لهما سياسة ثابتة ولا منهج مستقر ولا غرض مقصود من تعليم هذا الجيل الجديد ولا تثقيف الخلاصة منه. فهي تخبط وتخلط، ولها في كل يوم جديد ينسخ ما كان بالأمس جديداً وسينسخه بعد حين جديد.

وما يقال عن وزارة المعارف وعن جامعتينا يمكن أن يقال عن هذا الإصلاح الاجتماعي الذي تؤلف له وزارة الشؤون (لجنة) قبل أن تتحدد غاياته وأغراضه ومراميه. والمثل الثاني هو قانون أصدرته هيئة إصلاحية وصدر به قانون ألزم جميع المحاكم والناس أن يعملوا به: وهو قانون الطلاق الثلاثي يقع واحدة.

فلا يزال كثير من سواد الناس ومن الفقهاء لا يرضى فيه بما رضى الأزهر ورضيت المحاكم الشرعية العليا ولا بما أمرت وزارة العدل وقوانين الدولة، لا يزال هؤلاء الكثيرون من السواد ومن الفقهاء يوقعون الطلاق الثلاث ثلاثاً برغم هذا كله وقد مضت على هذا القانون عشر سنين أو تزيد، فهذا مثل للإصلاح الذي لم نهيئ له الرأي العام ولم نمهد له نفوس الناس حتى يمكِّن لذيوعه ورسوخه رضاهم واطمئنانهم إليه قبل أن تمكِّن له قوة القانون.

فقبل أن تؤلف وزارة الشؤون الاجتماعية لجنة للإصلاح الاجتماعي يجب أن يكون الغرض من هذا الإصلاح وأن تكون الغاية فيه واضحة بيِّنة معلومة الحدود والمراسم والتفاصيل، وأن تُهيأ له قبل ذلك نفوس الناس.

(محمود)