مجلة الرسالة/العدد 384/مسابقة الجامعة المصرية لطلبة السنة التوجيهية
مجلة الرسالة/العدد 384/مسابقة الجامعة المصرية لطلبة السنة التوجيهية
للدكتور زكي مبارك
- 1 -
تمهيد
كان يراد بالجامعة المصرية، الجامعة التي أنشأنها الأمة سنة 1908، والتي تحولت إلى جامعة أميرية 1925، وقد سميت (جامعة فؤاد الأول) سنة 1938 تكريماً لذلك الملك العظيم، لأنها أنشئت في عهده، ولأنه كان أول رئيس للجامعة المصرية.
وأنا حين أقول (الجامعة المصرية)، لا أريد (جامعة فؤاد الأول) بالقاهرة، ولا (جامعة فاروق الأول) بالإسكندرية، وإنما أعني (الجامعة المصرية) التي تنتظم هاتين الجامعتين، وما سينشأ من جامعات في مدائن الشمال ومدائن الجنوب: كالمنصورة وأسيوط
والحال كذلك في غير مصر، فالفرنسيون يقولون (الجامعة الفرنسية) حين يريدون المعنى الجامعي بلا تقييد، فإذا أرادوا التخصيص قالوا: (جامعة باريس) و (جامعة ليون) إلى آخر ما هنالك من جامعات
والمسابقة الجامعية التي أقرتها وزارة المعارف، لا تخص جامعة فؤاد الأول، ولا جامعة فاروق الأول، وإنما تعم جامعة القاهرة وجامعة الإسكندرية، فهي إذاً مسابقة (الجامعة المصرية)
موضوع هذه الدراسات
ويجب أيضاً أن نحدد الغرض من هذه الدراسات فنقول:
هو أولاً توجيه لطلبة السنة الخامسة بالمدارس الثانوية، وهو ثانياً تلخيص لطائفة من أثار الأدب الحديث
ولكن كيف نجمع بين هاتين الفائدتين؟ وكيف نسلك مسلك (التحبيب) وهو منهج من مناهج أسلافنا الفضلاء؟
يجب أن يكون مفهوماً أن هذه الدراسات موجهة إلى جميع القراء، وإن كان الغرض منها توجيه طلبة السنة الخامسة الثانوية إلى الاستفادة من مسابقة الجامعة المصرية. وذلك يوجب أن ننظر في تلك المؤلفات بترفق وتلطف، بحيث يمكن جذب الطلبة والجمهور إلى إدراك ما فيها من مقاصد وآراء بدون تزيد وبدون إسراف، فما يجوز أن نصف كتاباً بما ليس فيه، أو أن نحمل مؤلفاً ما لا يطيق
تنبيه يفرضه منهج الدرس
ليس الغرض من هذه الدراسات أن يرجع إليها الطالب قبيل المسابقة بيوم أو يومين، وإنما الغرض هو توجيه إلى الاستفادة من تلك المؤلفات، فهو مسئول عن مراجعتها فصلاً فصلاً وجملة جملة ليدرك بنفسه أغراض المؤلفين؛ فإن لم يفعل فهو متواكل مخذول، ولن يظفر من المسابقة بشيء؛ ولو كنت أتوهم أن طلبة السنة التوجيهية سيستغنون بهذه الدراسات عن المراجعة والاستقصاء لطويتها عنهم، فما أحب أن يكون في شباب اليوم من يغنيه الوصف عن تعرف حقيقة الموصوف
قراءة الناقد وقراءة المستفيد
تنقسم القراءة إلى قسمين: قراءة فهم واستفادة، وقراءة نقد واستقصاء
فما قراءة الطالب هذه المؤلفات؟
يجب أن تكون القراءة الأولى - أو القراءات الأولى - قراءة فهم واستفادة، بحيث يهتم القارئ أولاً وقبل كل شيء بتفهَّم أغراض المؤلفين والانتفاع بما يحلون من مشكلات، وما يعرضون من آراء، فإذا انتهى من ذلك وتفهم الكتاب تفهماً صحيحاً رجع إليه فقرأه من جديد قراءة النقد والاستقصاء، والمراد من النقد هو التعرف إلى نفسية المؤلف وإدراك ما في أقواله وآرائه من قوة وضعف، وصحة وبطلان؛ والمراد من الاستقصاء هو ربط أفكار المؤلف بما سبق للقارئ الاطلاع عليه من أفكار الباحثين، لتصح له الموازنات بين القراءات القديمة والقراءات الجديدة بصورة تقنعه بأنه تحرر من سيطرة المؤلف واطمأن إلى قدرته على المفاضلة بين رأي ورأي وأسلوب وأسلوب
وإذا انتفع الطالب بهذا التوجيه فسيفوز حتما وسيخرج بمحصول نفيس يكون من أنفع ذخائره الأدبية في الحياة الجامعية. والله عز شأنه هو الموفق
فيض الخاطر ونبدأ هذه السلسلة بدراسة كتاب (فيض الخاطر) لحضرة الأستاذ أحمد أمين عميد كلية الآداب، والمقرر للمسابقة هو الجزء الأول فقط، فإذا استطاع الطالب أن ينظر في الجزء الثاني أيضاً وأن يأخذ عنه فكرة مجملة كان ذلك أبلغ في الإحاطة باتجاهات المؤلف ومعرفة ما يعتلج في نفسه من أفكار وآراء
نشر الجزء الأول سنة 1357هـ 1938م وهو يقع في ستين وثلاثمائة صفحة بالقطع المتوسط (إلى أن نضع تحديداً دقيقاً لما يسميه الفرنسيون
والمؤلف يصور محتويات كتابه فيقول إنه (مجموع مقالات أدبية واجتماعية) نشر بعضها في (الرسالة) وبعضها في (الهلال) وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك)
ومقالات الكتاب تُعد بالعشرات، أو هي بالضبط اثنتان وسبعون مقالة، وقد وضُعت في أماكنها من الكتاب بدون ترتيب، لأن الترتيب لم يكن ملحوظاً في إنشاء هذه المقالات، وقد وضعت أيضاً بدون تأريخ، لأن المناسبات لم تكن ملحوظة، فهي آراء يتصل بعضها بالعصر الجديد وبعضها بالعصر القديم، بدون التفات إلى روابط التاريخ
ومع هذا التلطف في الاعتذار عن المؤلف فقد كنا نحب أن يؤرخ تلك المقالات، لأن منهج التأليف يوجب ذلك ولأن الباحث قد يحتاج إلى تواريخ تلك المقالات بعد حين
الأسلوب
يتفق الأستاذ أحمد أمين في أحيان كثيرة أن يقول إنه يراعي في أسلوبه ذوق العصر، كالذي صنع منذ أكثر من عشرين سنة يوم نشر كتاب (الأخلاق)، وكالذي صنع في مقدمة (فيض) الخاطر حين قال: (وخير أسلوب عندي ما أدى أكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض والتواء، وراعك بجمال معانيه أكثر مما شغلك بزينة لفظه، وكان كالغانية تستغني بطبيعة جمالها عن كثرة حليها)
وهذا القول يشهد بشعور المؤلف بأن أسلوبه خالٍ من الزخرف والبريق والرواء، وبأنه لا يعول على جمال الألفاظ، وإنما يعول على جمال المعاني
والأمر كذلك في أسلوب الأستاذ أحمد أمين، فهو يكتب كما يتحدث، بلا عسر ولا غموض، ولا يهمه حين يؤدي المعنى تأدية واضحة أن يقال إن أسلوبه ليس بالأسلوب الرشيق، وقد يتفق له أن ينقل العبارة الواحدة من موضوع إلى موضوع حين يراها تصل به إلى ما يريد، كعبارة (رواء في العين، ولا شيء في اليدين) فقد كررها بلفظها في معرضين مختلفين، وقد يأنس بتعابير العوام حين يراها تؤدي الغرض المقصود، كأن يقول: (وراحتْ أيام، وجاءت أيام) وهو مع ذلك ينقل بعض تعابير القدماء إلى كلامه من حين إلى حين؛ كأن يقول في سياق أحد الأحاديث (تجيئك بحمأة وقليل ماء)
أسلوب أحمد أمين ليس بالأسلوب الرشيق، وأحمد أمين ليس من (دهاقين الكلام) كما كان يعبر القدماء، ولا عبرة باعتذاره بأن المهم هو المعاني، ولا قيمة للغض من الزخرف والبريق والرواء، لأنها عناصر أساسية من الأسلوب الجميل
ولكن يجب الاعتراف بأن أسلوب أحمد أمين له شخصية تتميز بالسهولة والوضوح، فهو يعبر عن ذات نفسه تعبيراً صحيحاً، وهو يقنع وإن كان لا يفتن، لأنه يبغي الإقناع ولا ينشد الفتون، وليس ما وصل إليه بالمغنم القليل
موضوعات الكتاب
في كتاب (فيض الخاطر) موضوعات أدبية واجتماعية، وبعض الموضوعات الأدبية تراجم لرجال أنس بذكراهم المؤلف، كترجمة أبي مججن الثقفي، وفي هذه الترجمة تحدث المؤلف عن (الطائف) في الجاهلية والإسلام حديثاً طريفاً، وكان أكبر همه أن يبين قيمة الشخصية الخلقية لشاعر لا ينتهي عن الخمر إلا حين تصبح له من المباحات بفضل ما أبلى في الحروب. والنظر في هذه الترجمة ينفع، لأن فيها معارف تاريخية وجغرافية، ولأنها تصور حرص المؤلف على التنويه بقيمة الاعتزاز بالنفس في بناء الشخصية الخلقية
وأبو محجن هو الشاعر الذي تعقبه عمر بن الخطاب بالنفي والتشريد لهذين البيتين:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كَرمةٍ ... تروِّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مُتّ أن لا أذوقها
وهنا يقول المؤلف: (ويشاء قاصّ من الظرفاء فيروي أنه رأى قبره بنواحي أذربيجان أو جرجان وقد نبتت عليه ثلاث كروم قد طالت وأثمرت واعترشت)
ونقول إنه لا موجب لعبارة (قاص من الظرفاء) التي تفيد الكذب والاختراع، فليس من المستبعد أن يحقق العرب مثل هذه الوصية، وكان من خير المدح عندهم أن يكون الرجل (شِريِّبَ خمر مِسْعَراً لحروب) وقد صقلت أذواقهم بالانتقال إلى فارس وطن الأعناب والصهباء، وهل يكثر على العرب أن يصنعوا مع قبر أبي محجن ما صنع الفرنسيون مع قبر ميسيه وما صنع الفرس مع قبر الخيام؟
العرب أظرف مما يتوهم الأستاذ أحمد أمين، و (القاص الظريف) لم يقل ما قال إلا استجابة لما فطر عليه العرب من الظرف في رعاية حقوق الشعراء
وفي كتاب (فيض الخاطر) ترجمة للأحنف بن قيس، وهي ترجمة نفيسة جداً، ويجب على الطالب أن ينظر فيها بعناية، فقد تفيد في الإجابات التحريرية أو الشفوية، لأنها بالفعل من أطايب هذا الكتاب، والأستاذ أحمد أمين يجيد حين يتعرض لموضوع وجدت عناصره الأصيلة في كتب القدماء
وفيه ترجمة لسيبويه المصري، وفي هذه الترجمة فكاهة وأدب وتاريخ، وهي جديرة بالالتفات
ويتصل بهذا النوع ترجمته للون الأصفر في العصر العباسي وهي نبذة طريفة تصور جانباً من الذوق الاجتماعي في ذلك العهد والأذواق تترجم كما يترجم الأشخاص!
أما التراجم الحديثة فأهمها ترجمة عاطف بركات وترجمة علي فوزي، وقد أجاد الكاتب في هاتين الترجمتين، وإن كان انحرف بعض الانحراف في الترجمة الثانية، لأنه صور فرار علي فوزي من المجتمع المصري بصورة العقل، ولو أراد الحق لعد ذلك الفرار من صور الجنون، وعذر المؤلف أنه أراد الترفق بأستاذه وهو يرثيه، وإلا فكيف يكون الانصراف عن الزواج رحمة بالمرأة وهي لا ترى الأمان إلا في رحاب الزواج؟
إن الكاتب حبر هذه المقالة في لحظة غضب على المجتمع، وبذلك استجاز أن يرى الانسحاب من ميدان الجهاد دليلاً على رجاحة العقل، ولو أنه كتب هذه المقالة في لحظة هدوء لرأى أن تصرف المرحوم على فوزي بك لم يكن إلا تصرف رجل مريض صده المرض عن الاضطلاع بأعباء الأسرة، وصرفه عن المشاركة في النهوض بالواجبات الوطنية
وعلى ذلك تكون هذه تكون المقالة من الأدب الذاتي، وهو الأدب الذي يصور الكاتب قبل أن يصور المجتمع، وهي مقالة لها تفاسير في أدب الأستاذ أحمد أمين، فقد شهد على نفسه في كتابه هذا بأنه قليل الضحك كثير البكاء، وذلك سر نجاحه كاتباً، لأن الأمم التي تعاني الاضطهاد، أو تتوهم أنها تعاني الاضطهاد تميل إلى الكاتب الذي يكثر من شرح معاني الضجر والاكتئاب
وننتهز هذه الفرصة فنشير إلى المقال الذي عنوانه (الضحك) والمقال الذي عنوانه (سيدنا) فهما يصوران شقاء الكاتب بالناس والزمان، فقد ضربه معلمه في الطفولة ضرباً قاسياً عنيفاً، ضربه ضرباً قضى بأن يستريح في المنزل نحو أسبوعين، والذي يواجه بأمثال هذه المكاره وهو في طهارة الطفولة لا يرى الناس إلا قطعاناً من ضاريات الذئاب
ولم يفت الأستاذ أحمد أمين أن يعقب على ذلك السلوك الفظيع من معلمي الأطفال، فقد عده رياضة على تحمل مكاره الحياة، ولعله صدق، فقد قام الدليل على أن الخوف من المجتمع هو أنجح الوسائل في الانتصار على المجتمع
وهذه النظرة تفسر ما يغلب على كتابات الأستاذ أحمد أمين من الميل إلى الجد الصرف، واستهانته بالأزهار البواسم في رياض الآداب والفنون، كالذي وقع في مقال (أدب القوة وأدب الضعف) وهو مقال جيد من حيث التصوير لنفسيته الذاتية، وهي نفسية الرجل الذي صرح في مقالة (الموت والحياة) بأن الأمر في السعادة إلى ما في داخل النفس لا في خارجها، وأن في الدنيا نفوساً قد تشقى في النعيم ونفوساً قد تسعد في الشقاء
وكذلك نرجو أن يفطن طلبة السنة التوجيهية وهم يقرؤون كتاب (فيض الخاطر) إلى أن المؤلف أديب يصور لواعج نفسه قبل أن يصور بلايا المجتمع، وإذا كان أحمد أمين قد نجح نجاحاً ملحوظاً في حياة الأدبية والمعاشية، فهو نجاح السباح المغامر الذي عانى ويلات الخطوب وهو يقارع الأمواج في ليلة داجية مُثقلة الحواشي بالعواصف والأنواء
ونخرج من هذا بأن أحمد أمين لم يكن مرائياً في قصر أدبه على الجد الصرف، فهو في حقيقة الأمر رجل حزين، وإن كان يستريح إلى أحاديث الدعابة والمجون حين يخلو إلى أصدقائه الخواص، وهل يستريح إلي الدعابة إلا الرجل المكروب؟
إن هذا الرجل أعلن في كتابه أنه يشتهي ضحكة قوية يمسك منها صدره، ويفحص منها الأرض برجليه، ضحكة تملأ شدقيه، وتبدي ناجذيه، وتفرج كربه الأليم، وتكشف همه المقيم. ولكن تلك الضحكة القوية لن تتاح لمن كان في مثل حاله من الحرص على الوقار والتزمت، والخضوع لأهواء المجتمع البليد الذي يرى المرح من عيوب الرجال
وهنا أذكر نكتة قصها رجل سخيف، رجل لا يؤمن بأن الشيخ محمد عبده كان من العظماء، لأنه شهده مرة وهو يضحك بقوة وعنف كما يضحك الأطفال
والنكتة هي ضحك الشيخ (محمد عبده) بتلك القوة وبذلك العنف، والعظيم عظيم في كل شيء حتى في الهزل والمجون، وكان محمد عبده عظيماً في الجد وعظيما في المزاح، ولن تكمل الشخصية الإنسانية إلا إذا استوفت معاني المرارة والحلاوة والقسوة واللين
قال الراوي: كان محمد عبده يضحك ينافي وقار العلماء
وأقول إن محمد عبده لم يكن واحداً من العلماء، وإنما كان أوحد العلماء، وللأوحد مزايا لا يتمتع بها الآحاد
وقد أخبرنا الأستاذ (أحمد أمين) في كتابه أنه سيحاول الضحك. فهل ضحك؟ كتب الله لي وله نعمة القدرة على الاستهانة بمكايد الناس ومكاره الزمان!
أما بعد ففي كتاب (فيض الخاطر) مقالات نخصها بالحمد بلا تحفظ، وندعو الطلبة إلى فهمها بعناية وحرص، كمقالة (عدو الديمقراطية) وهي من بدع ما كتب بدع ما كتب أحمد أمين، ومقالة (الإشعاع) وهي مقالة رفضت النظر إليها في الكتاب، لأني فوجئت بها في مجلة الرسالة وأنا راجع من فرنسا في صيف سنة 1933 فكان لها تاريخ في تحديد ما بيني وبين الأستاذ أحمد أمين، ومع طول العهد ومع النفرة من مراجعة هذه المقالة فأنا أعتقد أنها من غُرر الأدب الحديث، وقد كتبت هذه المقالة في لحظة من (لحظات التجلي) وهو عنوان لمقال طريف وفق الكاتب في فقراته الختامية إلى معانٍ لا تصدر إلا عن رجل موهوب وأحمد أمين في بعض ما يكتب رجل موهوب
وهنالك مقال (الحلقة المفقودة) وهو مقال صادق، وقد كان له تأثير في بعض البيئات العلمية، والكاتب الحق هو الذي ينقل الفكر من حال إلى أحوال، ويعكر صفو الآمنين من حين إلى حين
ثم أما بعد فكتاب (فيض الخاطر) هو صور ذوقية وأدبية واجتماعية لرجل محترم يعاديه قوم ويصادقه أقوام، رجل له أهل وأبناء وأصدقاء وأعداء، ومن كان كذلك فهو خليق بأن يفهم سرائر المجتمع كل الفهم أو الفهم أو بعض الفهم، وهو جدير بأن ينصب لآرائه ميزان أحمد أمين يمثل صورة الرجل المسئول، والرجل المسئول مسكين مسكين مسكين، هو مسئول أمام أهله وأبنائه وأصدقائه وأعدائه، وهو مسئول أما تلاميذه بكلية الآداب، وقد كففت عنه قلمي منذ اليوم الذي عين فيه عميداً لكلية الآداب، لأن الغض من عميد تلك الكلية خروج على ما لها في عنقي من عهود ومواثيق
ومعنى ذلك أنني أحب أن يقرأ طلبة السنة التوجيهية كتاب (فيض الخاطر) بتدبر وإمعان، لأنه حقاً وصدقاً كتاب نفيس، ولأنه صورة لرجل كريم لم يأخذ عليه خصومه غير هنوات لا تغض من أقدار الرجال، ومن الدليل على كمال الرجولة أن يكون فيها ما يعاب، لأن الرجولة الحق مزاج من الرشد والغي والهدى والضلال
ثم ماذا؟ ثم أنتقل إلى كتاب (وحي الرسالة) بمثل هذا الأسلوب من الصدق في تشريح أغراض المؤلفين، وأنا أرجو أن يقبل طلبة السنة التوجيهية على هذه المؤلفات بشغف وشوق، ليكونوا برعاية الله أنصاراً أوفياء للأدب الحديث.
زكي مبارك