مجلة الرسالة/العدد 38/من طرائف الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 38/من طرائف الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 03 - 1934



رب زهر يشوكني وهو غرسي

للأستاذ الحوماني

مدرس الآداب في كلية طرابلس

(قطع الناظم شطراً من حياته مهاجراً بين أوربا وأميركا من الغرب ثم بين العراق ومصر وسائر الأقطار العربية من الشرق: فالقصيدة التالية تمثل حياته المشردة ماثلة بين آلامه في الحياة وحنينه إلى وطنه وهو يطوف في الغرب، معارضاً بها قصيدة أمير الشعراء التي عارض بها قصيدة البحتري في إيوان كسرى)

ربما أنضج التجارب درسي ... لثلاثين من سني وخمس

ولقد تكشف الغطاء ليومي ... عن مآتى غدي بصيرةُ أمسي

قد لفظت الحياة يشقى بها الحرْ ... رُ وتتْرى منها يدا كل جِبْس

إذ بلوت الورى ثلاثين عاما ... وخد نياي من يراع وطرس

بين جهدين من يد ولسان ... تحت ليلين من غموض ولبس

كم أطوف البلاد شرقا وغربا ... فوق ظهرين من سفين وعنس

أيُّ جد يُغريه بي أيُّ عِزَّ ... تترامى إليه آية نفسي

البواديُّ في العراق أقضَّت ... مضجعي في الشآم فوق الدمقس

غرست مضجعي قتاداً وقالت ... لأماني هوِّني وتأسي

يصبح الزهر ناضراً وعلى ما ... يحبس الدمع في فؤادك يمسي

قد نزلت العراق أحسب إني ... نازل في العراق دارة قدس

ووردت الشآم تبحث عينا ... ي بها عن طبابة المتحسِّي

فإذا القول فيهما دار ملك ... وإذا الفعل ثم داره فلس

لا يغرنك في الشآم رجال ... موَّهوا بالرياء وجه الفرنسي

ربما أثرت العيون من الكح ... لِ وخلف الجفون منبت ورسي

كم أذود الكرى وأنشد عزى ... بين ناب من الزمان وضرس وأعاف المبيت بين نهود ... وشفاه من الكواعب لعس

ضاق بي مهيع الفضاء فلا أص ... بح إلا على قذًى حيث أسمي

همّتي همّتي ففيم نواحي؟ ... في طلاب العلى ونفسي نفسي

رب يوم ذممته تحت ليل ... طالعتني من أفقه ألف شمس

احرقوني بعد الممات إذا لم ... يُبن من دارة الكواكب رمسي

أتحدى إصلاح شعبي ولما ... تعد كفاي لعبة المتخسي

يتمشى إليه بي من أبي الحا ... رث قلب يحدوه جسم ابن عرس

في رؤوس مما أخفِّض شم ... وطباع مما أذلل شُمْس

هزت الصم صرختي فلماذا ... لم تعٍ الإذن منهم غير همس

لِمَ، لم يسمعوا وهم غير صم ... لِمَ لم ينطقوا وهم غير خرس؟

ربما أرجفوا بقولي وقالوا ... وهم الساخرون، عنتر عبس

وكذا الشعر لم يصب غير قوم ... قد أصيبوا من الجنون بمس

وإذا الجد لم يهب بكم أوفي ... ت على العز من حقائف وُعس

فاعجبوا للأريب وهو أريب ... وارداً في حياته ورد خمس

وحياة الأديب بارق سعدٍ ... يتحداه من طوالع نحس

أمل في الحياة أبرق فارفضَّ ... ت عز إليه من سحابة يأس

لا ألوم الصديق أن يتناسى ... سالفات العهود فالبعد ينسي

نكث العهد من حدبت عليه ... رب زهر يشوكني وهو غرسي

ولقد ينكر الصحيح علاجاً ... هام فيه والنبض تحت المجس

كم طباع تشف عن زهرها الغض ... ض جسوم تضاءلت تحت طلس

ولكم تلمس الخشونة فيها ... بأكف ممن تصافح مُلس

شر ما في الأنام نعمى مليك ... هي في شعبه عصارة بؤس

وكذاك الحياة سفر شواظٍ ... يتراءى للغر مُذهب طرس

عُرس قائم على اسِّ رزءٍ ... ورزايا قامت على أسِّ عرس

لا تهن أن قعدت اعزل والخبّ (م) ... من الشعب قائم فوق كرسي رب نادٍ ملء الصدور به ذك ... ر ابن هند ونهج حيدر منسي

كيف بالشعب ان يُبل وقد أو ... رده الجهل آسياً غير نطس

ومن الهون في الحياة على الحر (م) ... خضوع الكريم للمُستْخَسَ

أيها الشعب، والسلاسل ضاقت ... بك ذرعاً، أما تحس بنهس؟

عمرك الله! لا يقيم على الضي ... م خسيس الحياة غير الاخس

وأذل الشعوب شعب تحدَّى ... ذروات العلى على يد نِكس

قد يشيد الجبان صرحاً ولكن ... هيكلا قائماً على غير أس

اطرحوا الجهل ساعة وتعالوا ... أبصروا في البحار جنة انس

بحر علم يطغى بهم فوق شم ... من جبال الحديد في البحر ترسي

قل لمن حاول الزعامة قبلا ... بجدا نائل وشدة بأس

أخفقت بعدكم شجاعة عمرو ... وندى حاتم وحكمة قس

أفأستعرض الحياة (بنويرك) (م) ... (وفي لندن) وغوطة مرسي؟

ما الذي تبلغ البراعة من عد (م) ... السها وهي في أنامل خمس

يعجز الحصر ما أحس واضعا ... ف خوافيه لم يقع تحت حسي

عرفوا الله كيف يعبد في القل ... ب دماً فائراً وعزة نفس

عبدوه منزهاً لا إلى (اللورد) ... هووا ركعاً ولا (للبرنس)

عبدوا الحق قوة تتلظى ... في أنوف أُسد خفَّان حُمْس

عبدوه فوق الطروس يراعاً ... وخميساً يموج تحت الدرفس