مجلة الرسالة/العدد 372/من جحيم القيود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 372/من جحيم القيود

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 08 - 1940



البلبل السجين!

للأديب إبراهيم محمد نجا

وبلبل سجنوه فهْو مكتئب ... بادي التفجيع لا ينفك ينتحب!

في قلبه الغض أحزان مبرَّحة ... وفي جوانحه الآلام تصطخب!

وبين جنبيه جرح غير ملتئم ... وفي جناحيه كسر ليس ينشعب!

يعيش في فقص عيش الأسير فلا ... زهر جميل ولا غصن ولا عُشُب!

يعيش في قفص كلُّ القيود به ... وحوله قامت الأستار والحجب!

يحن للهو، لكن أين معلبه؟ ... وهل يكون بسجن ضيق لعب؟

ينام كل خليّ وهْو في شُغُل ... وهل ينام شجي القلب مضطرب؟

ويذرف الدمع من قلب يفيض به ... فدمعه الغيث لولا أنه لهب!

ويرسل اللحن أنات مقطّعةً ... يلفها في ثنايا موجه الصخب!

يأتي الربيع ولا أفقٌ يطير به ... ولا رياض على أفنانها يثب!

ولا أليف له في الدوح يلثمه ... إن هاجه غزل أو هزه طرب!

ماتت أمانيه، والدنيا مغردة ... والزهر يرقص والأغصان تأتشب

وكيف يسعد محبوس على ظمأ ... والماء من حوله يجري وينسكب؟

ألا خلاصَ له مما يكابده؟ ... فقد برت جسمه الأشجان والنوب

ألا خلاص فهذا السجن يخنقه ... وذلك القيد في رجليه يلتهب!

وهاهي النار: نار اليأس تحرقه ... وهاهو الموت منه اليوم يقترب!

هذا فؤاديَ قد مثلت عيشته ... ولم أبالغ فأين العطف والحدَب؟

يعيش في قفص عيش الأسير فلا ... زهر جميل ولا غصن ولا عشب!

يعيش في قفص كل القيود به ... وحوله قامت الأستار والحجب!

وا رحمتاه له! طال الحنين به ... إلى حبيب بوكر الحب يرتقب

فأطلِقوه، فإن الحب يمنحه ... ما ليس يمنحه التلقين والكتب؟

(دمنهور) إبراهيم محمد نجا