مجلة الرسالة/العدد 371/القصص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 371/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 08 - 1940



عقيدة الشيطان

عن الإنجليزية

بقلم الأستاذ عبد اللطيف النشار

في العهد الذي كان فيه السيد المسيح والقديس بطرس يمشيان على الأرض مرّا بحداد اتفق مع الشيطان على أن يكون عبداً له إذا استطاع الشيطان أن يجعله في مدى سبعة أعوام سيداً على جميع الحدادين. وقد وقع الحداد والشيطان على وثيقة بهذا المعنى، ومن أجل هذا السبب علق الحداد على باب حانوته لوحة كتب عليها (سيد الحدادين)

ولما رأى المسيح هذه اللوحة ذهب إلى الرجل وسأله: (من أنت؟) فأجابه الحداد: (اقرأ اللوحة التي على الباب وإذا كنت لا تستطيع القراءة فانتظر حتى يمر بك من يعينك على فهمها. وقبل أن يجيبه المسيح جاء رجل على ظهر جواد وطلب إلى الحداد أن يضع حدوة في رجل جواده فقال المسيح للحداد: (أتأذن لي في أن أقوم بهذا العمل بالنيابة عنك؟)

قال الحداد: (جرب وإذا أسأت وضع الحدوة فإني سأعيد وضعها). فوضع المسيح قدمي الجواد فوق الفرن ونفخ في النار. وبدلاً من أن تحترق أقدام الجواد أصبحت مسكوة بطبقة لامعة معدنية وانتعلت بحدوات متينة، فدهش الحداد وقال للمسيح: (أنت حداد بارع)

وفي هذا الحين جاءت أم الحداد لتخبر أبنها بأن الطعام الغداء قد أعد ولتدعوه إلى تناوله، فتأهب الحداد للذهاب معها. وطلب إلى المسيح أن ينتظره وهو وصاحبه بالحانوت حتى يعود. فأذن له بذلك. ونظر المسيح إلى وجه أم الحداد فألفاها مجعدة الجلد عجوزاً شوهاء، فحملها ووضعها في الفرن فأصبحت فتاة جميلة. وأخذها ابنها وذهب معها إلى المنزل وهو ضاحك مسرور. وكانت كلمته للمسيح: (على الرغم من أني كتبت على لوحة حانوتي أن سيد الحدادين، فإن المرء ما عاش قابل للتعليم ولم أر قبلك حداداً يعيد العجائز فتيات)

ولما عاد الحداد بعد الغداء كان المسيح والقديس بطرس ينتظرانه. وجاء رجل على ظهر جواد ليطمر أقدام جواده فأراد الحداد أن يجرب الطريقة التي رأى المسيح يعمل بها ووضع أقدام الجواد على الفرن؛ فكانت النتيجة كما ينتظرها كل إنسان، واحترقت أرجل الجواد.

وفي الحال مرت عجوز فقال الحداد: (إذا أنا لم أفلح في إحدى الأعجوبتين فقد افلح في الأخرى) وقاد العجوز إلى النار وهي تستغيث وهو يقول: (سأعيدك فتاة جميلة ولن أطلب منك أجراً على ذلك. تعالي إلى الموقد)

وحملها إلى الموقد وهي تصرخ من الألم فنظر الحداد إلى المسيح وقال: (ليس في العالم ما هو أدعى إلى الخجل) فقال المسيح: (ما هو الذي يخجلك؟)

قال الحداد: (الشيطان هو الذي من حقه أن يخجل فإنه لم يف بوعده لي ولم يجعلني سيداً للحدادين مع أنه هو الذي كتب اللوحة التي على الباب)

فقال المسيح: (هبني أستطيع أن أحقق لك ثلاث أمان فماذا تريد تحقيقه من أمانيك؟)

قال الحداد: (أريد أن يكون لي نفوذ على كل من آمره بأن تسلق شجرة الكمثرى التي أمام الحانوت، فلا يستطيع أن يخالفني ولا يستطيع أن ينزل إلا إذا أمرته، فهذه أمنية؛ والأمنية الثانية أنني كلما أمرت إنساناً بأن يجلس في حانوتي فلا يستطيع الامتناع ولا يستطيع القيام إلا إذا أمرته، والأمنية الثالثة أن من آمره بالجلوس في كيس نقودي يضمر حتى أضعه في الكيس ولا يخرج إلا إذا أخرجته)

قال القديس بطرس: (هذه أمان حمقاء وقد كان عليك أن تتمنى محبة الله ورحمته)

فقال الحداد: (إنني لا أجرؤ على تمني أمنية كبيرة مثل هذه)

وعند ذلك ودعه المسيح والقديس بطرس وانصرفا، وأجابه المسيح إلى أمانيه

وانقضت الأيام سراعاً فتمت السنوات السبع المتفق عليها بين الحداد وبين الشيطان، وجاء الشيطان يتقاضاه الشرط وبدأ بأن سلم إليه مسماراً مكسوراً ليصنع له رأساً. فقال الحداد: (سأفعل ولكنك على ما يظهر متعب من طول المسافة التي قطعتها إليّ ومن الجوع، فتسلق هذه الشجرة ريثما تأكل من ثمرها وتستريح وأكون في هذه الفترة قد صنعت رأس المسمار)

فتسلق الشيطان الشجرة والكنه وجد نفسه عاجزاً عن النزول؛ وأخذ الحداد يضحك منه ويقول: (إن رأس المسمار ستستغرق منه أربعة أعوام). فتوسل إليه الشيطان أن يأذن له فلم يقبل إلا عندما وعده الشيطان بأن يذهب عنه فلا يعود إلا بعد أربعة أعوام. فأذن له على هذا الشرط. وانطلق الشيطان وبعد أربعة أعوام أخرى عاد الشيطان فقال: (لقد غبت أربعة أعوام ولابد أن تكون قد فرغت من رأس المسمار)

فأجابه الحداد: (لقد صنعته ولكنك مع ذلك أتيت مبكراً فهو لا يزال محتاجاً إلى السن، فاجلس في هذا المقعد حتى أفرغ من سنها)

فجلس الشيطان، ولكنه عاد فأدرك أنه لا يستطيع القيام، وأخذ يتوسل إلى الحداد، وهذا يختلق له المعاذير، وأخيراً وعده بألا يعود قبل أربعة أعوام أخرى يكون الحداد في أثنائها قد فرغ من سنه المسمار

مضت أربعة أعوام أخرى وجاء الشيطان فقال له الحداد: سأذهب معك الآن حيث تريد، ولكني أريد أن ألقي عليك سؤالاً واحداً وهو: هل صحيح ما يقولون من أن الشيطان يستطيع أن يضمر جسمه إلى أي حجم يريد؟ فقال الشيطان: هذه حقيقة لا تحتمل الشك.

فطلب إليه الحداد أن يضمر حتى يدخل كيس نقوده، وأن يستمر في الكيس حتى لا تسرق أمواله مدة السفر، ففعل الشيطان ذلك.

وما صار الشيطان في داخل الكيس، ألقى الحداد بالكيس في الفرن، فصاح الشيطان: هل أنت مجنون؟ لماذا تلقي بالكيس في النار وأنا فيه؟

قال الحداد: إنني أريد أن أعيد صنعه بحيث تضيق فتحاته، وهاهو ذا قد احمارَّ والمثل يقول: لا تضرب الضربة إلا إذا حمى حديدك، ثم أهوى بالمطرقة فوق الكيس، فتوسل إليه الشيطان أن يتركه على ألا يعود إليه مدى الحياة.

وتركه الشيطان، ولكن الحداد ندم وقال: (إذا فاتتني الجنة الآن وقد سدت دوني أبواب النار بما فعلته مع الشيطان؛ فسوف أصير في الآخرة بغير مأوى. وكان الأفضل أن أظل مصاحباً للشيطان ليكون لي مسكن في النار إن فاتني في الجنة المسكن). وعزم على أن يتابع السير حتى يعثر على الشيطان فيسترضيه، حتى لا يكون في الآخرة من المتشردين. فلما صار في مفترق الطرق بين الحنة وبين النار. لقي خياطاً وسأله إلى أين يريد الذهاب، فقال الخياط: (إنني أبحث عن الجنة)

قال الحداد: (إذن فطريقي غير طريقك وسأذهب لأبحث عن النار وذلك لأني عرفت صاحب الأمر فيها منذ عهد الشباب)

وتفرقا فذهب كل في طريقه، وكان الحداد سريع المشية طويل الخطوة، فوصل بعد مدة وجيزة إلى باب النار، وطلب إلى بوابها أن يخبر الشيطان بأن رجلاً ينتظر بالباب.

وقال الشيطان للبواب: (اذهب فاسأله من هو؟) فقال الحداد: (قل له إني صاحب الكيس وسيعرفني. وتوسل إليه أن يأمر بدخولي لأني في تعب شديد فقد ظللت أشتغل إلى الظهر وبدأت السير بعد ذلك)

فلما عرف الشيطان من هو الزائر أمر البواب بأن يغلق أبواب الجحيم التسعة ويحكم الرتاج (فإن هذا الرجل إن دخل الجحيم فسيزيد أهلها شقاء)

قال الحداد في نفسه: (لا فائدة من التسكع هنا فسأذهب وأجرب الجنة)

وعاد إلى المكان الذي ترك عنده الخياط وتبع الطريق الذي سار فيه فلحق به ساعة كان القديس بطرس يفتح أبواب الجنة ولكن أبواب الجنة ضيقة لا تسمح إلا بدخول الرجل الهزيل الجسم فتردد الحداد ثم قال في نفسه: (لا ينبغي أن أضيع الوقت)

وفي اللحظة التي كان الخياط فيها يدخل من الباب ضرب الحداد بمطرقته الدلفة المتحركة من ذلك الباب

ولست أعرف إذا كان الحداد لم يدخل من الفرجة التي أنشأها بمطرقته في سور الجنة ففي أي طريق سلك. . .

عبد اللطيف النشار