مجلة الرسالة/العدد 366/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 366/البريد الأدبي
بين الدكتور زكي مبارك وصديق له
رأيت في الرسالة الغراء كلمة وفاء ورثاء يفي بها الدكتور مبارك لفرنسا، ويرثو لما أصابها. وجميل بالرجل أن يكون وفياً رقيق القلب، ولا سيما في مثل موقف فرنسا ونكبتها التي حلت بها من انحلال الأخلاق واللهو واللعب مكان الرجولة والتضحية، كما قال المارشال بيتان، وهذا من أعظم مواضع الرثاء والأسف
وقد أعجبني من صديقي مبارك أنه متفق مع الجميع في التأثر والألم لما أصاب مدينة النور (باريس الجميلة) فإن لكل متعلم في باريز عهداً لا ينسى ذكراه. وللمدينة الخالدة (باريس) فضل على كثير من الشرقيين والغربيين لا تبلو جدته
غير أني رأيت الدكتور يرد على صديق عاتبه في الإفراط بمحبة فرنسا، بينما فرنسا الدولة المستعمرة التي أرهق استعمارها عشرات الملايين وإخوان زكي مبارك
ورأيت الرد خلط بين أمرين كان يجب التفريق بينهما
الأول: فرنسا العالمة مبعث النور والحرية ومهد الاختراعات
الثاني: فرنسا المستعمرة بكل ما في معاني الاستعمار من استبداد وفي الحالة الأولى يجب على كل إنسان أن يحب فرنسا ويرثى لنكبتها
وفي الثانية على كل حر في العالم وكل من ذاق استعباد فرنسا في مستعمراتها ألا يجزع لما حل بها
نعم، إن الشماتة لا تليق بالرجال ولكن حب الانتقام، ولا سيما في المظلوم من الغرائز البشرية التي اعترفت بها الشرائع والقوانين، وهي صفات إذا فقدتها الجماعات والأمم أصابها هذا الانحلال. . .
فالإنسانية تتألم لفرنسا والحرية تبكيها، والأمم التي أصابها ظلم فرنسا تصمت أمام انهيار السياسة الفرنسية، وتعد انهيارها نذيراً لكل أمة تظلم الإنسانية أيّاً كان مذهبها وملتها
فالأولى بالصديق مبارك أن يفرق بين فرنسا وفرنسا؛ وعندها ينصف نفسه وينصف من يعتب عليه
(صديق) من الأستاذ القاياتي إلى الدكتور عزام
أرسل الأستاذ السيد حسن القاياتي إلى الدكتور عبد الوهاب عزام هذين البيتين على أثر قراءته كتاب (رحلات):
طعنت لتصلح لب المقيم ... وعدت لتكتب رأي الحكيم
بيانك والشرق أغلاهما ... جمال الجديد ونبل القديم
حسن القاياتي
المقنع لأبي عمر والداني
أبو عمر وعثمان بن سعيد الداني الأندلسي عصري ابن حزم المتوفى سنة (444) إمام من أئمة علم القرآن، وله فيه تصانيف كثيرة منها (التيسير)، وهو اليوم أقدم مرجع للبحث في القراءات السبع. وكتابه (المقنع) أقدم مرجع في رسم القرآن وكتابته، و (النقط) في نقطه وإشاراته، وكان بعض المستشرقين قد نشره ونشرت ترجمته إلى اللسان الفرنسي - فأعاد الأستاذ المحقق الشيخ محمد أحمد دهمان نشره مقابلاً على ثلاث نسخ مخطوطة قديمة بتحقيق وعناية وطبعه على ورق جيد جداً، قلما يطبع على مثله كتاب، فلما بلغ إلى المقدمة أعدها وهي تبلغ ثلث الكتاب (الكتاب مع فهارسه يقع في 180 صفحة) لم يجد في السوق من هذا الورق وكره تشويه الكتاب بتنويع ورقه فأرجأ نشرها إلى طبعة أخرى، ولعله ينشرها في الرسالة مستقلة أو مختصرة
والأستاذ (دهمان) مؤسس مكتب الدراسات الإسلامية في دمشق، وقد نشر كتباً قيمة منها: (كتاب النشر في القراءات العشر) - وهو أول من نشره - و (البدع والنهي عنها) لابن وضاح وهو أقدم كتاب في موضوعه، و (سنن الدرامي) وغيرها
ونحن نشكر للأستاذ جهده وننبه المشتغلين بهذا الفن إلى صدور هذا الكتاب القيم
(ع. ط)
للتاريخ - لماذا هزمت فرنسا؟
أذاع المارشال بيتان البيان الآتي: أيها الفرنسيون في فرنسا وفيما وراء البحار، أخاطبكم اليوم لأوضح لكم الأسباب التي دعتنا إلى عقد اتفاقيتي الهدنة الأول مع ألمانيا منذ ثلاثة أيام والثانية مع إيطاليا أمس
إن الأمر الذي يجب التنويه به قبل كل شيء هو الوهم الخادع الذي بنت عليه فرنسا وحلفاؤها آمالهم بشأن قواتهم العسكرية الحقيقية وأثر السلاح الاقتصادي وحرية البحار والحصار والموارد التي كانوا يستطيعون الحصول عليها. فاليوم - كما في الأمس - لا تكسب الحرب بواسطة الذهب والمواد الأولية فقط. إن النصر يتوقف على القوات والمعدات وكيفية استخدامهما. وقد دلت الحوادث على أن ألمانيا كانت متفوقة في هذا الميدان في مايو سنة 1940 تفوقاً ساحقاً كنا لا نستطيع أن نواجهه عند ما دارت رحى المعركة إلا بعبارات التشجيع والأمل
وقد انتهت معركة الفلندر بتسليم الجيش البلجيكي وسط القتال ومحاصرة الفرق الإنجليزية والفرنسية. وقد قاتلت هذه الفرق الأخيرة قتال الأبطال، وكانت مؤلفة من خيرة قوات جيشنا. وبالرغم من مقدرتها لم نتمكن من إنقاذ جانب من رجالها إلا بالتخلي عن معداتها. ودارت المعركة الثانية على نهري الأين والسوم، وللثبات في هذا الخط قاتلت 60 فرقة فرنسية لا تحميها التحصينات ولا تؤيدها الدبابات - تقريباً 150 فرقة ألمانية من فرق المشاة و11 فرقة من الفرق المصفحة. فاخترق العدو خطوطنا في بعضة أيام، وجعل قواتنا أربعة أجزاء واجتاح القسم الأكبر من الأراضي الفرنسية، وكانت ألمانيا في حكم المنتصرة عندما دخلت إيطاليا الحرب، وأقامت ضد فرنسا جبهة جديدة صمد لها جيش الألب. وعندئذ اتخذ نزوح اللاجئين شكلا يفوق ما يتصوره العقل، فقد انضمت عشرة ملايين من الفرنسيين إلى مليون ونصف مليون من البلجيكيين وأخذوا يتدفقون على مؤخرة جبهتنا في أحوال اختل فيها النظام وسادها بؤس لا يوصف
وابتداء من 15 يونيه اجتاز العدو نهر اللوار وانتشر في بقية أنحاء فرنسا. فأمام مثل هذه المحنة كان يجب أن تكف مقاومة الجيش، وكان على الحكومة أن تختار بين أحد أمرين: إما البقاء في مكانها أو مغادرة البلاد. فتداولت في الأمر وقررت البقاء في فرنسا للمحافظة على وحدة شعبنا وتمثيله أمام العدو، ذلك لأنها رأت أن وأجبها في مثل هذه الأحوال يقضي بالحصول على هدنة مقبولة باستثارة روح الشرف والعقل لدى العدو. وقد عقدت الهدنة وانتهى القتال. وفي يوم الحداد الوطني هذا تتجه أفكاري إلى جميع القتلى، وإلى جميع أولئك الذين تألموا في أجسادهم وعواطفهم من جراء هذه الحرب. إن تضحيتهم قد احتفظت بسمو علم فرنسا وطهارته فهم لا يزالون أحياء في ذكرياتنا وقلوبنا
أما الشروط التي اضطررنا إلى قبولها فهي قاسية. فسيحتل جزء كبير من أراضينا مؤقتاً وتقيم ألمانيا حاميات في شمال بلادنا وغربه من بحيرة جنيف حتى تور ثم على طول الساحل من تور، حتى جبال البيرينيه. ويجب أن تسرح جيوشنا وأن تسلم معداتنا وتحصيناتنا وأن يجرد أسطولنا من سلاحه في موانينا. وستجرد القواعد البحرية من سلاحها في البحر الأبيض المتوسط
أما الشرف فلا يزال سليما. فلن يستخدم أحد طائراتنا ولا أسطولنا. ونحن نحتفظ بالوحدات البرية والبحرية اللازمة للمحافظة على النظام في فرنسا ومستعمراتها، وستظل الحكومة حرة ولي يدير شؤون فرنسا إلا الفرنسيون
لقد كنتم على استعداد لمواصلة القتال - إني أعلم ذلك - ولكن الحرب كانت لا محالة خاسرة في فرنسا
لا تنتظروا كثيراً من الدولة فهي لا تستطيع أن تعطي إلا ما تتلقاه. اعتمدوا في الوقت الحاضر على أنفسكم وفي المستقبل على الأبناء الذي ستربونهم؛ وعلينا أن نجدد فرنسا، فأظهروها للعالم وهي ترقب خصمها وتعمل في هدوء وكرامة. لقد أتت الهزيمة من الانحلال فدمرت روح الملذات واللهو ما شيدته روح التضحية، فإني أدعوكم قبل كل شيء أن تنهضوا بأخلاقكم. أيها الفرنسيون، إنكم لقادرون، وإني أقسم لكم أنكم سوف ترون فرنسا جديدة تنبعث من حرارة إيمانكم
رد الجنرال دي جول على بيتان
قال الجنرال دي جول في إذاعة له رداً على بيان المرشال بيتان:
(في ساعات الخجل والغضب هذه، يجب أن يرتفع صوت واحد للرد عليك
(لقد ضربت فرنسا بقوات العدو الميكانيكية، فإذا كانت فرنسا لا تملك هذه القوات الميكانيكية، فغلطة من هذه؟
(لقد كنت ترأس هيئاتنا الحربية بعد انتهاء الحرب في عام 1918، وكنت قائداً عاماً حتى 1932، وكنت وزيراً للحربية في عام 1935، وكنت أكبر شخصياتنا العسكرية. ولكنك لم تطلب أبداً إدخال الإصلاح اللازم لهذا النظام البالي
إن قبول العبودية لم يكن يتطلب بطل فردون، بل أي إنسان كان يستطيع عمل هذا. إنك رفضت موارد الإمبراطورية البريطانية والمساعدة الأمريكية الكبيرة، وقد لعبت لعبة فاشلة وألقيت بالأوراق وكأنه لم يبق في أيدينا أية ورقة نافعة
كيف تنتظر من فرنسا النهوض مرة أخرى وهي تحت أحذية الألمان الثقيلة وأحذية الرقص الإيطالية؟
(ألا إن فرنسا ستنهض مرة أخرى في الحرية والنصر
(إن أسلحتنا منضمة إلى أسلحة حلفائنا ستعود بالنصر، وسنعيد خلق فرنسا. . .)