مجلة الرسالة/العدد 355/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 355/البَريدُ الأدَبي
هذا أديب
كان عندنا في مصر أديب فلسطيني راجح العقل، وافر الذوق، أسمه، سمه خليل سكاكيني؛ وكانت بيني وبينه مطارحات تصل أحياناً إلى الصيال، ولكنه لم يكن يعرف الحقد ولا الضغن
فكان يتلقى هجومي عليه بالصفح الجميل، ثم يحمله الكرم على المبالغة في الرعاية لما كان بيننا من صداقة وإخاء
ولا أذكر بالضبط متى انتقل من القاهرة إلى القُدس، فقد شغلتني عنه أيامي، ولم يبق لي منه إلا هدايا أدبية من كتبه النفيسة يرسلها إليّ من إلى حين بدون أن يتلقى مني كلمة ثناء، إلا أكون وُفقت إلى الكلام عن بعض مؤلفاته أعوام كنت أحرر الصفحة الأدبية بجريدة البلاغ، وأنا رجلٌ يعاوده الوفاء في بعض الأحايين!
تلقيت يوماً رسالة مطبوعة من الأستاذ خليل السكاكيني، فنظرت فيها فرأيتها مجموعة من خطابات الأشواق كتبها إلى ابنه سرِيّ وكان اغترب لطلب العلم في أمريكا
فماذا رأيت؟
لم أجدها رسائل أب إلى ابنه، وإنما وجدتها رسائل عشق إلى معشوق!
رأيت رجلاً يقول لابنه إنه تذكر وجهه الأصبح وهو في مثل ضوء الشَّفَق وقد صِيغَ مثالاً للجمال الشائق الفنان. رأيت رجلاً يقول لأبنه إنه يتذكر طُرْفة الجميلة المصفوفة على أروع ما تكون الغدائر التي تفتن العيون فيهتاجه التذكر والاشتياق
رأيت رجلاً يتغزل في ابنه بعبارات صريحة فقلت: هذا أديب يطبع الحب الأبويّ بطابع الوجدان
وفي هذا المساء - وقد رجعت من سفر لا يخلو من عناء - وجدت رسالة مطبوعة من الأستاذ خليل السكاكيني وعليها صورة امرأة جميلة فقلت: لعلها معشوقة يتحدث عنها هذا الأديب، وهل عرفت الدنيا أديباً خلا قلبه من العشق؟
ومن هذه المعشوقة الغالية؟
هي حليلة السكاكيني، هي أُمُّ سَرِي التي خُلِّدت في أشعار الأستاذ معروف الرصافي وأقبلت على الرسالة فقرأتها في دقائق مع أنها تبلغ الثمانين من الصفحات
فماذا رأيت؟
رأيت رجلاً يكرم زوجته فيصف جمالها الفتان بعبارات صريحة فقلت: هذا أديب يضيف ثروة جديدة إلى اللغة العربية، لأن الحلائل في لغتنا لم يُبكين إلا قليلاً، وهنَّ أجدر مِن المعشوقات بالبكاء
ورأيت رجلاً يعتز بنفسه فيصرح بأن جمال امرأته كان يحتاج إلى فتى في مثل رجولته، فقلت: هذا أديب فيه سمة من فتيان قريش
ورأيت رجلاً يبلغ به الحزن على زوجته الغالية إلى التفوه بعبارات هي أفظع ما يكون من الكفر الموبِق، فقلت: هذا أديب يغلبه الحزن فيخلع قناع التأدب مع الشرائع
والأديب الحق يستبيح في عتاب الأقدار ما لا يباح
والأدباء كأهل بدر تغفر لهم جميع الذنوب، وستعرفون صدق ما أقول يوم نلتقي في حضرة الواحد الديان، إن كان من الممكن أن يكون لأعداء الأدب مَعاد، وإن جاز أن يُنصب لأعداء الأدب موازين يوم يقوم الحساب، وهم في شِرعة العقل من المهملات وسوف تعلمون مصايركم يا أعداء الأدب الرفيع!
السكاكيني مبتكر في بكاء حليلته لأنه أديب حق، وقد كفر من أجلها كفراً هو صورة من الإيمان الصحيح. وبعض الكفر إيمان، ولكن أكثر الناس لا يفقهون!
والسكاكيني يعجب من أن ينكر الناس البكاء، ويقول إن مقاومة البكاء إفساد للفطرة، ويدعو المحزونين إلى تنفيس كروبهم بالنوح والأنين كما كان يصنع القدماء
قال السكاكيني في بكاء زوجته كل شئٍ، والمفارق يقول ما يشاء وما أصيب الفراق!
يلطف الله بك ياخليل، ويلطف بأبنائك المفجوعين بفراق أمهم الغالية!!
وكيف خطرتُ في بالك، ياصديقي، بعد فراق الأعوام الطوال؟ أتريد أن آسى لأساك، وأشجى لشجاك؟
إن كان ذلك ما أردتَ فقد حزنتُ لحزنك حتى خفتُ أن أصبح عاشقاً لذلك الحسن المكنون الذي أمسى في وديعة التراب أتريد أن أعرف أنك كنت زوجاً لامرأة جميلة كان يقتتل في سبيلها الخاطبون؟ هو ذلك، وإلا فكيف قدمتَ لنا صورها الجذابة في عهودها المختلفات؟!
أسمع، يا خليل، أسمع ثم أسمع
أنت رفعت المرأة درجات، حين جعلتها أهلاً للتفجع والتوجع والأنين
وفي النساء أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا، وهنّ جميعاً أهلٌ للعطف والحب. والحمد لله الذي أعزها بوقوفك على قبرها ولم يذلها بوقوفها على قبرك، على حدّ التعبير الجميل الذي قرأته منذ أعوام بمجلة المرحوم سليم سركيس. . . وسلامٌ عليك من الصديق الحافظ للعهد:
زكي مبارك
حول الأمومة عند العرب
اطلعت على الجزء الأول من مقالة الأستاذ رفعة الحنبلي (الأمومة عند العرب) المنشور في العدد (354) فاستوقف نظري قول الكاتب نقلاً عن أحد المؤرخين اليونانيين القدماء وهو (سترابون) إن العرب في الجاهلية لم يكونوا يعرفون الزواج الشرعي الدائم، وإنه يفشو بينهم تعدد الأزواج، وإنهم كانوا يتصلون بأمهاتهم
وجواباً على المسألة الأولى أقول: إن الزعم بأن العرب في الجاهلية لم يكونوا يعرفون الزواج الشرعي الدائم هو زعم غير صحيح
فقد روى البخاري في صحيحه وأبو داود في السنن عن عائشة زوج النبي ﷺ، قالت: كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء (أنواع) نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها، ثم ينكحها: ثم ذكرت الأنواع الثلاثة تتمة الأربعة وفيها تعدد من يتصلون بالمرأة؛ إلى أن قالت: فلما بعث الله محمداً ﷺ بالحق هدم نكاح لجاهلية كله إلا نكاح اليوم. التاج ج 2ص 368
ويعلم المطلعون في التاريخ الأمة العربية أن الشعوبية - من أعداء الغرب وشانئيهم - هم أول من عمد إلى الطعن في أنساب العرب ووضعوا أخباراً ولفقوا كتباً في مثالبهم وتحقير شأنهم، ومن أشهر هؤلاء الشعوبية الهيثم بن عدي، وكان دعياً، فألف كتاباً في مثالب العرب أراد به أن يعرّ أهل الشرف تشفياً منهم. قال الألوسي: (ثم نشأ غيلان الشعوبي الوراق - كان زنديقاً ثنوياً - فعمل لطاهر بن الحسين كتاباً خارجاً عن الإسلام بدأ فيه بمثالب بني هاشم، وذكر مناكحهم وأمهاتهم، ثم بطون قريش، ثم سائر العرب؛ ونسب إليهم كل زور ووضع عليهم كل إفك وبهتان) ص 160 ج 1
وقال في ص 173ج 1: (إن جميع ما ذكره الشعوبية في شأن مناكح العرب وما أوردوه من باب الطعن في أنسابهم بما كانوا يتعاطونه في الغارات من سبي للنساء واسترقاقهم ووطئهم من غير استبراء من طمث ونحو ذلك لا أصل له. وكتب التواريخ صارخة بتبرئتهم مما رماهم به خصومهم وأعداؤهم، وقد نطق الشعر الجاهلي بما كانوا عليه من الحمية والغيرة ومزيد الاعتناء بأنسابهم وحفظ حريمهم والذب عن أحسابهم وعشائرهم)
وجواباً على المسألة الثانية أقول: ليس صحيحاً أن العرب في الجاهلية كانوا يتصلون بأمهاتهم، لأن هذه عادة مجوسية، ولأن الله تعالى نهاهم في القرآن عن محرمات النكاح ولم يذكر أنهم فيما سلف كانوا ينكحون أمهاتهم، بل خص ذلك بزوجة الأب والجمع بين الأختين. فقال سبحانه: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا) وقال عز وجل: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ويدل على هذا ما روى هشام بن عبد الله عن الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال: (كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكرت في هذه الآية وهي: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الخ إلا اثنتين إحداهما نكاح امرأة الأب والثانية الجمع بين الأختين. ألا ترى أنه قال: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ولم يذكر سائر المحرمات (إلا ما قد سلف) قرطبي ص 119 ج 5
وبعد أقول ليس بعيداً أن يكون ذلك المؤرخ الأجنبي الذي نقل عنه الكاتب أن العرب في الجاهلية كانوا يتصلون بأمهاتهم قد ألتبس عليه الحال فتوهم أن امرأة الأب - التي كان بعض العرب في الجاهلية يتزوجونها - هي الأم مع أنها غيرها قطعاً ولو فرض أن هناك رجلاً أو نفراً من الجهلاء العرب كانوا قد اقترفوا هذا الإثم واتصلوا بأمهاتهم فليس من الصواب جعل هذه النقيصة عامة لكل رجال الأمة العربية (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأختم كلمتي هذه بتوجيه نظر حضرة الكاتب وغيره ممن يخوض في مثل هذا البحث الدقيق ألا يهملوا الاستدلال بما في المراجع العربية فهي المصدر الذي اقتبس منه المستشرقون كما أنها هي التي عنيت بتفنيد ورد ما افتراه وضعه الشعوبيون محمد صبري عامر
العقيدة الساذجة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد راعني مقالكم (العقيدة الساذجة) وسرني - شهد الله - هذا الاتجاه منكم لعلاج أمراض المسلمين، ونواحي النقص فيهم بقلمكم الصناع، وأسلوبكم الساحر، لاسيما نواحي العقيدة التي أساء الناس فهمها، واتجهوا فيها اتجاهاً لا يرضاه الدين إن لم ينافه في أصله وقواعده
وغير خاف أن ذلك الزعيم الهندي الكبير ليس هو الوحيد في هذا الشأن (زخرفة القبور) بل إن من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا لمثلاً كثيرة للخروج على عقيدة الإسلام وتعاليمه.
وإني لعلى يقين من أنكم ستستعذبون هذا اللون من الجهاد حتى تنبهوا الأمة من سباتها العميق
سدد الله خطاكم، وأمدكم بروح من عنده.
وقد لفت نظري في هذا المقال قولكم: (وإن الإمام الذي كان يطوي الأيام ليطعم - على حب الله - المسكين، واليتيم، والأسير لا يرضى هذا الإحسان الميت) تشيرون بذلك إلى معنى قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) التي رووا فيها قصة صوم علي كرم الله وجهه، وبنيه، وزوجته وجاريته وهذه القصة موضوعة لا أصل لها ولا ينبغي أن يحمل كلام الله تعالى على قصة هذا شأنها، وإن أقل تأمل في هذه القصة يدل على أنها مصطنعة.
محمود محمد سويلم
واعظ سمالوط
مجمع فؤاد الأول للغة العربية في رأي لجنة المالية. بمجلس
النواب
ترى اللجنة أن الدرجة الثقافية التي وصلت إليها مصر الآن تجعلنا نشعر بالفراغ الكبير وبالحاجة الكبرى لوجود قاموس عربي جامع منسق على أحدث الطرق وأسهلها. وكما أن مصر والشرق العربي كله يطمعان في تحقيق أملهما في وجود دائرة للمعارف عربية، تستجمع ثمرة إنتاج العقل الإنساني في مختلف العلوم والفنون والمعارف، أسوة بدوائر المعارف الكبرى الموجودة الآن بكل أمة وبكل لغة إلا اللغة العربية، وهي الوحيدة بين اللغات الحية المحرومة من دائرة معارف للآن
لذا تأمل اللجنة أن تتوجه وزارة المعارف بخطوات جدية حاسمة في سبيل تحقيق هذا الأمل العزيز
وترى اللجنة أن مجمع اللغة العربية، على ما أفاد به في حدوده الضيقة ومباحثه المحدودة، لم يشبع في كثير ولا قليل هذه الأطماع الثقافية الكبيرة. ولعل الوزارة على ضوء رغبة اللجنة السابق ذكرها، تسرع بالعمل على إعادة النظر في تكوين هذا المجمع، من حيث تنوع معارف أعضائه والزيادة في اختصاصه، حتى يكون الأداة الحية المرجوة لتحقيق وجود دائرة المعارف والقاموس، وغيره من البحوث الأدبية واللغوية والعلمية التي يفتقر لها جماعات مثقفون في العالم كله
الفؤاديات
مجموعة من الشعر الوجداني الرقيق، نظمها المرحوم (فؤاد بك محمد)؛ ثم نشرها بعد موته ابن عمه الأديب عبد القادر يوسف تمجيداً لذكراه وتخليداً لفنه؛ ثم تفضل فأهدى إلى (الرسالة) مائة نسخة منها لتوزعها هدية على من شاء من قراءها تحقيقاً للغرض الذي طبعت من أجله، وهو الإشادة بفضل الفقيد الشاب والإفادة من نشر أدبه الرفيع
الشيخ عبد الرحمن قراعة كأديب
رأي الأستاذ (محمود علي قراعة) من الوفاء للأدب، والإخلاص لعمه المغفور له الشيخ (عبد الرحمن قراعة) مفتي الديار المصرية سابقاً أن يتحدث عنه كشاعر وناثر ليهيئ أذهان تلاميذه وأصدقائه إلى إدراك منزلته العالية في الأدب والعلم فينشروا ديوانه ويظهروا فضله. فتكلم عنه كصديق ومحسن ومتدين وفقيه ومعاشر وحكيم، كلام العارف البصير؛ ثم نشر ذلك في مجموعة وأهدى إلى (الرسالة) منها مائة نسخة لتوزعها على من شاء من قرائها، فله الحمد على ما هدى، والشكر على ما أهدى.