مجلة الرسالة/العدد 350/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 350/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 03 - 1940



كتاب كريم

تفضل إمام المسلمين الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر فقرأ كتاب (وحي الرسالة) ثم أرسل إلينا هذا الكتاب الكريم:

عزيزي الأستاذ أحمد حسن الزيات

إن كثير الثناء عليك ليقل بجانب ما تسديه للأدب والعربية والثقافة من جهد وفضل. فما أنا ببالغ حق الثناء عليك وإن أطلت وتأنقت، ولاحق تقديرك وإن أطنبت وجودت. وعجيب آلا يكون لوحي الرسالة، فما هو إلا جني أشجارها، وزهرات أغصانها، جمعت في باقة واحدة بعد أن كانت متناثرة، وقربت إلى اليد بعد أن كانت متباعدة. ولقد كنت في هذه الفصول مترجماً صادقاً منصفاً للتاريخ فيمن ترجمت لهم من الرجال؛ وكنت مصوراً ماهراً فيما صورت من عيون الجميع وآلام الحياة، وأبرزت خفايا النفوس ودبيب الهواجس حتى لتكاد تلمس وتحس؛ وقبل هذا كنت محيطاً أحاط دقيقة بما عرضت له من بحوث. كل أولئك بأسلوب رصين نقي الجوهر تتصل فيه بأسلافك الأولين من فحول العربية والأدب، ممن أثاروا فيك فجريت على سننهم دون أن تقصر، وسرت على نهجهم دون أن تحاكى

ولست أملك بعد إلا أن أدعو لك بحيات طويلة سعيدة يدوم لك فيها الإلهام، فتثابر على رسالتك حتى يقرأ لك الناس مجلدات عديدة من وحي الرسالة

والسلام عليك ورحمة الله

(6 مارس سنة 1940)

محمد مصطفى المراغي

غبرات لا غبارات

قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ في (كتاب الحيوان) يذكر ما يعرض للكتاب المنسوخ من آفات الناسخين:

(. . . ثم يصيرُ هذا الكتاب بعد ذلك لإنسان آخر، فيسير فيه الورّاقُ الثاني سيرةَ الورَّاق الأوّل؛ ولا تزال تتداوله الأيدي الجانية، والأعراض مفسدة، حتى يصير غَلَطاً صرفاً وكذِباً مُصْمتاً. فما ظنكم بكتاب يتعاقبه المترجمون بالإفساد، وتتعاوره الخطّاط بشرٍّ من ذلك أو بمثله. . .، كتاب متقادِم الميلاد دهريّ الصنعة)

ولم يزل أئمَّتنا وعلمائنا وأصحاب العقول من شيوخنا، يريدون الكلام المنقول المكتوب إلى العقول - بعد التحري للفظه المكتوب - اتقاءً لما عرفوه من تحريف الناسخين، وانتحال المبطلين وغفلت الجاهلين. نحن إنما نمضي على سنتهم - أن شاء الله - ولا نقف عند القول نخزُّ عليه تعبُّداً لحروفه، وخضوعاً لنصِّه. ولئن فعلنا لمحق الله منا نصف العقل وبقى النصف الآخر متردِّداً بين قال فلان وكتب فلان

. . . وعلى ذلك، فقد صححنا قول ابن شبرمة في رواية صاحب العقد الفريد في العدد (347) من الرسالة، فجعلناه (ذَهبَ العلم إلا غبرات في أوعية سوء)، ورفضنا نص العقد هو: (إلا غبارات). ثم رأيت في البريد الأدبي من الرسالة (349) كلمات للدكتور بشر فارس يردّ ما ذهبنا إليه بثلاثة براهين نثبتها بالترتيب من تحت إلى فوق:

الأول: أن الحرف (غبارات) قد وَرَد كذلك في جميع نسخ العقد الفريد المطبوعة، وكذلك في مخطوطة منه بدار الكتب يُظَنُّ أنها كتبت في القرن السادس

الثاني: أن هذا النص يصحُّ لغة وأداءً وبياناً. وإذا صحّ كذلك فمن الاستبداد أن يُرَد على الهوَى

الثالث: مخالفة نهجنا في ذلك لنهج علماء الفرنجة (المستشرقين) وجوابنا على الترتيب من تحت إلى فوق:

أننا أدرى بأساليب هؤلاء الأعاجم الذين اتخذوا العربية عملاً من أعمالهم - من أن نخالفهم في الجيد من مذاهبهم، فتحرير النص ومراجعته على جميع النسخ التي ذكر فيها وما إلى ذلك عملٌ ضروريٌ لكل باحث. ولكن هؤلاء الأعاجم تقعد بهم سلائقهم عن معرفة أسرار العربية، فلم يتجاوزوا الوقوف عند النص المكتوب، وذلك لعجزهم عن بيانها. فلما عرفوا ذلك من أنفسهم، كان من أمانتهم أن يتوقفوا، فلا يقطعون برأي في صواب أو خطأ. وهي أمانة مشكورة لهم

ولكن العربي إذا أخذ بأسبابهم، فلاُبدَّ له من أن يهتدي بعربيته إلى ما عجزوا عنه باعجميتهم، فكذلك فعلنا في كلمة ابن شبرمة وقلنا (إنه نصٌّ عربيٌّ مُظلم النور). وبيان ذلك أنه ليس من قياس العربية أن يجمع (غبار) على (غبارات) ولا غيرها من الجموع، وأن ابن شبرمة لم يُردْ تحقيرَ العلم نفسه فيجعل ما بقى منه (غباراً)،

وإنما أراد أنه بقي من العلم شي هو من صحيح العلم، ولكنه وقع في صدور رجال من أهل الباطل يفتونَ الناسَ يضِلّ بهم من يضِلُّ إذ يحسبونهم لا ينطقون بباطل ما داموا أصحاب فقه ودين وعلم. ولم تكن الشهادات وألقابها عرفت لعهد أبن شبرمه حتى تكون هي التي تقدر العلماء وتميزهم للناس، وإنما كانوا يتميزون بالعلم، فإذا لم يكن علم لم يعدهم الناسُ في العلماء. ثم إن الغبارَ لا يمكن أن يُوكي عليه في وعاء حتى يصح أن يجعل - ما أغلقت عليه صدورهم من بقية العلم - غباراً. فلو صح نص العقد لكان المراد تحقير العلم وأصحابه جميعاً

وأخيراً، فنحن نرفض نص العقد من جهة بيان العربية وتحريرها، ونقول: إنه لا يصح أن يروى إلا هكذا: (ذهب العلم إلا غبرات في أوعية سوء). وإذا كان الدكتور بشر أو غيره يريد أن ينحاز إلى رأينا بنص آخر، فلا بأس علينا أن ندله عليه فقد روى ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) - المطبوع في سنة 1346 عن نسختين قديمتين: إحداهما للإمام الشيخ الشنقيطي، وعليها خطه في الجزء الأول منه (ص 153 سطر 6) بإسناده إلى محمد بن سيرين (وليس ابن شبرمة) قال: (ذهب العلم فلم يبق إلا غبرات في أوعية سوء). فهذا نص، وهناك نصوص غيره؛ فمن شاء أن يبحث فليبحث، ونصيحتنا إلى من عنده نسخة من العقد - أي الطبعات كانت - فليصححها بالذي أثبتناه، وما سوى ذلك، فهو - كما قال - أبو عثمان: غلط صرف وكذب مصمت. . . والسلام

محمود محمد شاكر

الأدب الإنجليزي والروح الإنجليزية

ألقى الأستاذ دوفر ويلسون، أستاذ البلاغة والأدب الإنجليزي في جامعة أدنبره، بعد ظهر الاثنين الماضي في المدرسة الإنجليزية بالإسكندرية، أولى المحاضرات التي دعي إلى إلقائها من إنجلترا، وكان موضوعها (الأدب الإنجليزي والروح الإنجليزية) فأستهل كلامه بقوله إن بريطانيا استطاعت أن تعمر نصف أقطار العالم، وإنها تعد مهد الديمقراطية ومؤسسة الصناعات الحديثة، وفيها نشأ باكون ونيوتن ودارون. وقد تسنمت من الخيال الذروة العليا حيث يتربع شاعرها العظيم شكسبير كأنه إمبراطور تقدم له أمم العالم فروض الطاعة والولاء

ثم قال إن الأدب الإنجليزي أقدم أنواع الأدب الحديث، إذ يرجع عهده إلى القرن الخامس الميلادي، أي قبل أن يجد الإنجليز والسكسونيون طريقهم إلى بريطانيا، وبين هذا التاريخ وبين غزو النورمانديين للبلاد مضت ستة قرون، كانت حافلة كلها بالشعر والنثر.

وعرض للصفات التي كان يتحلى بها من ترنموا بالشعر في هذا الحين، فأبان أنها كانت هي نفسها ما يتحلى به الخلق الإنجليزي الآن، فالبريطانيون يذهبون إلى الحرب وكأنهم ذاهبون إلى مشاهدة مباراة في كرة القدم.

ثم أبان أن تاريخ الأدب الإنجليزي كان دائماً تاريخاً لقوة هذه الأمة يتمشى مع انتصاراتها في مختلف الحروب التي خاضتها، قال: إن أهم الظواهر التي تلفت النظر فيه اعتماده على آداب اللغات في البلدان الأخرى إلى حد كبير. ولقد ظهرت في أوربا اليوم اصطلاحات كثيرة كالأوتقراطية والعنصرية، ومقدرة الدولة على سد حاجاتها بنفسها، فلم يلفت هذا نظر الشعب الإنجليزي ولم يثر إعجابه، لأن قوة إنجلترا تتوقف على اختلاط أجناسها ومقدرتها على إدماج العناصر الجديدة فيها. لهذا كان قليلاً أن تجد لغات ركب أصلها من عدة عناصر كاللغة الإنجليزية، وكان أقل من ذلك أن تجد أدباً اعتمد على مختلف المصادر كالأدب الإنجليزي.

وقد رد الأستاذ ولسون هذا إلى أن الكتاب الإنجليز نهلوا من كل مورد، وضرب كثيراً من الأمثلة: فقال: إن الشاعر العظيم شوسر، من أكثر شعراء الإنجليز الذين تأثروا بشعر الفرنسيين والطليان. ومنذ عهد الإصلاح إلى مستهل القرن الثامن عشر كان الأثر الروماني والإغريقي هو السائد في الأدب الإنجليزي. وفي خلال هذا القرن تلقى الإنجليز أصول الأدب على الفرنسيين. وفي أوائل القرن التاسع عشر كانوا يدينون لألمانيا إلى حد كبير. وفي الوقت الحاضر تدين الدراما الإنجليزية بوجودها للشاعر النرويجي ابسن. وكذلك تأثر كتاب الروايات القصصية من الإنجليز بالكاتب الروسي الشهير دستوفسكي.

ثم قال إنه إذا صح القول بأن إنجلترا منفصلة عن أوربا، فإن هذا الوصف لا ينطبق عليها في الواقع من ناحية الأدب. وقد يكون من متناقض القول أن شعباً كالشعب الإنجليزي عرف بأنه أنجب في ميادين السياسة والعمل والتجارة رجالاً أفذاذاً لا يكون أيضاً من أوائل الشعوب في ميادين الأدب بجميع أنواعه

وذكر المحاضر بعد ذلك أن إنجلترا لم تتزعم دول العالم في الصناعة والتجارة فحسب ولكن في الرياضة أيضاً. وإن الإنجليز في الوقت نفسه أكثر الشعوب تديناً. وقد يكون أهم ما يلفت النظر عند زائر إنجلترا أن يلاحظ أن الشعب الإنجليزي شعب لا يعرف اللهو، أو هم كما يسمونهم (يلهون بحزن) ولكن قلما يوجد شعب آخر في بساطة الطفل ووداعته مثلهم.

وبعد أن ذكر الأستاذ ويلسن أنه يجوز أن تتحد هذه العناصر من الرياضة والشعر والخوف من الله، وتؤلف ظاهرة غريبة، فإن رجال الأدب في إنجلترا هم بدون شك من أشد الناس تمسكاً بأهداب الدين والفضيلة قال إن الفلسفة والفضيلة كانتا على الدوام رائد الشعراء الإنجليز فيما أنتجوا. فهذا ملتون كان يعمل في كتاباته ليظهر للناس طريقهم إلى الله. وكذلك كان يفعل من قبله لانجلاند وسبنسر وبوب ووردثورث وتيسون وبراوننج وغيرهم؛ حتى شيللي، ولم يكن يعترف بالله، كان يبشر في كتاباته بإنجيل اجتماعي جديد. وقد ابتدأ ذلك منذ العصر الفيكتوري، وما زال حتى الآن يحمل لواءه أشهر الكتاب الحاليين أمثال برناردشو وولنر وهيكسلي

وهناك من يتهم هذا النوع من الكتابة بأنه ليس من الأدب في شئ، ولكن الأدب لم يكن في يوم من الأيام يتوقف على عقيدة الشخص، وإنما يتوقف على أسلوبه، وهذه كتابات بانيان التي لا تخرج عن أنها دعاية دينية، فهي تعد

عملاً أدبياً عظيماً.

ولما كان الإنجليز في جميع العصور يدينون سياسياً إما بمبدأ الأحرار، وإما بمبدأ المحافظين، فإنه ليس غريباً أن كان لهذين المبدأين شأن أي شأن في الأدب الإنجليزي.

وقد كان شوسر من أصحاب المذهب الأول، وقد عرف عنه العطف على كل مخلوق، وإحساس رقيق، واهتمام خاص بالحياة العادية للرجل العادي في حين كان معاصره لانجلاند على نقيضه، إذ كان من أنصار الأحرار الذين يعتقدون بالمثل الأعلى للإنسان وأما من وجهة شكسبير، فهي تماثل شوسر ولكن على نطاق أوسع، فقد كان شكسبير من أشد رجال الأدب الكاثوليكيين في العالم تديناً.

وفي نفس هذا العصر ظهر ميلتون أكبر شاعر بروتستنتي دعا إلى التعصب لمذهب الراديكالية البريطانية في أوسع حدودها. وكان يعتقد بالقضاء والقدر في حياة الإنسان.

وبعد أن أبان المحاضر أن هذه التفرقة نفسها قائمة بين أشعار وردزورث وشيللي، ختم كلامه بقوله: لقد كان للحرية في كل عصر أنصارها المتحمسون؛ ومع أن ثمن الحرية غالٍ مرتفع، فإن إنجلترا قبلت أن تدفعه عن طيب خاطر ولو كلفها ذلك دم أعز أبناءها. ولكي يفهم الأجنبي الروح الإنجليزية على حقيقتها يجب عليه أن يدرس الشاعر وردزورث الذي تتميز أشعاره بإنجليزيتها عن جميع الشعراء.

وكما حارب الإنجليز في عام 1911 الدانمركيين وهم لا يحملون لهم حقداً ولا ضغينة، كذلك نرى هذه الروح هي المتغلبة عليهم في جميع حروبهم وهي نفسها الروح التي تتسلط عليهم في حربهم الدائرة رحاها اليوم.

اختراع جديد في طب الأسنان

نشرت المجلة الطبية الأمريكية أن طبيب أسنان من ميشيجان وفق إلى إجراء عمليات جديدة في جراحة الأسنان ستحدث قريباً ثورة في عالم طب الأسنان. وتقول المجلة المذكورة أن الطبيب يخلع الأسنان الفاسدة والمسوسة من أفكاك مرضاه؛ وبطريقة خاصة من اختراعه يردها إلى مكانها من الفك بعد تنظيفها وإزالة الأجزاء الفاسدة والتي مشى فيها السوس.

وتعاد السن إلى التجويف وتستقر في مكانها الأصلي بواسطة جبيرة من الذهب حتى تنمو حولها اللثة والنسيج. والأسنان التي تعد بهذه الطريقة تصلح للعمل مدة أقلها عشرة سنين.

حول آلهة الكعبة

قرأت العدد الممتاز من رسالتكم الزاهرة الخاص بذكرى هجرة الرسول ، فأقدم لكم جميل الشكر والثناء على عنايتكم بهذه الذكرى المباركة، كما أتقدم بالحمد لحضرات الكتاب الكرام الذين عاونوا على إصدار العدد بما جادت به قرائحهم. بارك الله فيكم وجزاكم عن نبيه وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

ولقد استوقف نظري عنوان قصيدة الأستاذ الشاعر محمود حسن إسماعيل (آلهة الكعبة) بإضافة آلهة إلى الكعبة. فالتحاور في القصيدة محصور بين مناة واللات والعزى، وليس واحد من هذه الثلاثة من أصنام الكعبة، بل لم يكن واحد منها داخل الكعبة ولا حولها. فمناة كان منصوباً على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة ومكة. واللات كانت بالطائف وكانت موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم. والعزى كانت بواد من نخلة الشامية يقال له حُراضٌ بإزاء الغمير عن يمين المصغد إلى العراق من مكة: راجع كتاب الأصنام لأبي المنذر هشام بن محمد الكلبي: ص13 و16 و18

وقد يعتذر عن هذا الإبهام بأن إضافة آلهة إلى الكعبة لأدنى ملابسة كما يقول النحويون في مثل هذا، كما قد يقال أيضاً إن ما تضمنته القصيدة إنما هو أسطورة غير واقعية بل خيالية فاضت بها قريحة الشاعر، وقد أشرتم إلى هذا في الرسالة. غير أنه حدث أن بعض طلاب العلم كانوا يزورونني وأحدهم يسمعني بعضاً من المقالات والقصائد من عدد الرسالة حتى قرأ (آلهة الكعبة) فتبادر إلى ذهن البعض منهم أن هذه الأصنام كانت في الكعبة فصححت لهم مما ظنوا. وتبن لي أن ما اشتبه على هؤلاء ربما أشتبه على غيرهم؛ لذلك رأيت أن أكتب إليكم هذه النبذة إيضاحاً وكشفاً لهذا الإبهام غير المقصود:

ومما يناسب هذا البحث ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت (الكعبة) وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله : قاتلهم الله! أما والله لقد علموا ما اقتسما بها قط، ثم دخل فكبر في نواحي البيت. (مسند الإمام أحمد ج1 ص 334)

محمد صبري

إلى الأستاذ إسماعيل أحمد أدهم

قرأت مقالك في عام الفيل وميلاد الرسول فأعجبني رأيك في تحقيق ذلك الميلاد، وكنت موفقاً كل التوفيق في تأييدك وجود الفيل في حملة الأحباش. وقد أشكل علي في مقالك أمور أعرضها عليك لتتفضل بإيضاحها

1 - ذكرت أن النجاشي كان يرى أن فكرة هذه الحملة خيالية لا يمكن تحقيقها، فكيف يعلم النجاشي هذا وهو من شعب فطري، ثم يغيب على الروم وهم أهل علم وثقافة ودراية بفنون الحرب وطبائع البلاد؟

2 - وذكرت أن مساعدة النجاشي للروم لم تكن ممكنة من جهة الخليج الفارسي، لأنه لم يكن له أسطول ينقل به جنوده إليه، مع أنك ذكرت أنه كان للروم أسطول بالبحر الأحمر والمحيط الهندي، وأن هذا الأسطول هو الذي نقل جنوده الأحباش إلى اليمن، وكانت الأفيال تأتي به إليهم من الهند

3 - وذكرت أن الأحباش تعرضوا للحجاز بتحريض الروم، ثم عدت فذكرت أن الأحباش لم يكن قصدهم التعرض للحجاز، وإنما كانوا يقصدون مساعدة الروم

4 - ويفهم من كلامك أن المرض والوباء الذي حصل للأحباش عند وصولهم إلى مكة لم يكن بعناية إلهية، وأن أهل الحجاز هم الذين فهموا ذلك حين فهموا خطأ أن الروم يقصدون هدم الكعبة، ولكن الأمر في هذا لا يقف عند فهم أهل الحجاز فقد جاء القران الكريم موافقاً لما فهموه من تلك العناية، وذلك في قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل) الآيات

5 - وقد جعلت الرواية اليونانية تناقض الرواية العربية في سبب حملة الأحباش، مع أنه لا يتناقض بينهما، والشيء الواحد قد تتعدد أسبابه، ولا يضير الرواية العربية أن تجهل أمر سفير الروم إلى النجاشي، لأن ذلك جرى بين النجاشي وجوستنيان، ولم يكن العرب في ذلك الوقت في حالة تمكنهم من الاطلاع على هذه السفارة

(قارئ)

سؤال

جاء في مقال الأستاذ الكبير عبد الله عفيفي بك بالعدد الممتاز (ميراث لا وارث له):

(وما كان أقوى تلك الطفلة الناشئة عائشة بنت أبى بكر حين اقتحم رجال قريش عليها البيت. . . ولطمها الشريف النذل أبو جهل بن هشام لطمة لطارت قرطها من أذنها لتتكلم فما نطقت إلا بعبرة واحدة سقطت من عينيها على الأرض).

وجاء في قصيدة الأستاذ محمود الخفيف بالعدد نفسه (في الطريق إلى يثرب):

حيِّيا أسماَء كالطيف الرفيق ... تسرق الخطو على هول الطريق

يا ابنة الصدِّيق هل من نبأ ... للرفيقين عن الشرك وثيق

أمسكي عن لطمة فاجرة ... طرحت قرطك من وغد صفيق

فيتضح من مقال الأستاذ عفيفي بك أن لطمة أبى جهل كانت لعائشة بنت أبى بكر، ومن قصيدة الأستاذ محمد أن اللطمة كانت لأسماءَ. فعلى أي شئ جاء هذا الاختلاف؟ أَسَهَا أحدهما فأورد القصة على غير ما هي، أم ماذا؟

(صا الحجر)

السيد محمد أحمد الفقي

(الرسالة):

الصحيح أن اللطمة كانت لذات النطاقين أسماء، أما ذكر عائشة فهو سهو

(جواب)

سأل (قناوي) عن كلمة وردت في كتاب (تاريخ الأدب) الذي ألَّفه مؤلفو وزارة المعارف العمومية! حيث زعموا أن أبا دهبل الجمحي من شعراء المخضرمين (بين الجاهلية والإسلام) وقالوا إنه مدح رسول الله بأبياته التي أولها:

إنّ البيوت معادنُ، فِنجارُه ... ذَهَبُ وكلُّ بيوته ضَخْمُ

ونحن نقول إن الأساتذة المؤلفين قد بلغوا الجهد وسلكوا الحجَّة واهتدوا بأساليب الثقاتِ من أصحابهم في الاستنباط والتحقيق العلمي، فأهدوا إلى العربية ما كانت تجهل من ميلاد أبي دهبل الجمحي! وكان طريقهم إلى ذلك أنهم رأوا في شرح الحماسة للتبريزي ج 3 ص 75 ما نصه:

(قال أبو دهبل الجمحي - وقالوا يمدح النبي ) ثم ذكر الشعر، فاستخرجوا من ذلك أن أبا دهبل مخضرمٌ. وهذا نهايةٌ في التحقيق

أما تحقيقنا فهو يخالف ما ذهبوا إليه، فإنك إذا قرأت شرح هذا البيت رأيت التبرزي يقولُ في شرح قوله (وكلّ بيوته ضخمُ): (يعني ما اكتنفه من أخواله وأعمامه من بني هاشم وأمية ومخزوم) والتبريزي لا يجهل بلا شك أن بني أمية وبني مخزوم ليسوا من أعمام رسول الله وأخواله، وهو يعلم بلا شك أيضاً أن الأبيات في مدح عبد الله بن عبد الرحمن ابن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي (ابن الأزرق) كما جاء في الأغاني، وهو الذي أعمامه وأخواله من بني هاشم وبني أمية وبني مخزوم

وإذن فصوابُ العبارة في التبريزي على ما نظن: (وقالوا: وهو أحق بمدح النبي ) فوقف عليها بعض النساخ فلم يفهمها، فحذف قوله (وهو أحق)، فصار الكلام (وقالوا يمدح النبي. .) وصار أبو دهبل في زماننا هذا مخضرماً بعد أن عرفه علماء العربية كل هذه القرون شاعراً أموياً.

(م)