مجلة الرسالة/العدد 347/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 347/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 02 - 1940



وحدة

للأستاذ أمجد الطرابلسي

طِرْ أيها الحائر عبْرَ المدى ... على جناح الزمن الدائرِ

واصرخْ، وشُقَّ الجوَّ قبل الصَّدى ... وامخرْ عبابَ الألَق الباهر

وابحثْ عن السّلوى وناج الهدى ... هيهات! ما فجرك بالسّافر

هل من وراء البحث إلا الرّدَى؟

فما ضياع العمر فيه سُدَى؟

كما ذوَى الوردُ وجفَّ الندَى. . .

أنتَ الذي من قبل أن يولدا ... قُدِّرَ أن ينزلها أَوحدا

والغدُ مثلُ الأمسِ والحاضرِ. . .

فما الذي تَنْشدُ يا شاعري؟

ويحك أنَّي ساورتك الهمومْ ... والجرح يسلو ههنا مَوجِعَهْ؟

في عرسِ الدنيا تَمَلُّ الوجوم! ... حيث تُجَنُّ الأكؤسُ المترعه

حيث اللذاذات تؤز الجسوم ... والنور يغري الظلمة المفزعه

فأين ترجو أن يكون النعيم؟

يا ابن الثواني وسليل الرميم!

في اليمّ، أم فوق ظهور النجوم؟

أنت الذي من قبل أن يولدا ... قدّر أن ينزلها أوحدا

والغد مثل الأمس والحاضر. . .

فما الذي تنشد يا شاعري

حيران يا حيران! أين الضياءْ ... إن لم يكن حيث تَشَكَّى العمى؟

الحسن والحبُّ وسِرُّ الهناء ... حيث تَرى هذا المدى المظلما. . .

انظر إلى حولك يا ابن الفناء ... فالوردة الحمراء ليست. . . دما!

تدوس نعلاك كنوزَ العزاءْ وأنت تمضي ناظراً للعلاء

فما الذي ترجوه عند السماء؟

أنت الذي من قبل أن يولدا ... قدِّر أن ينزلها أوحدا

والغد مثل الأمس والحاضر. . .

فما الذي تنشد يا شاعري؟

أمسِ لدي الأهل وبني الصَّحاب ... كنت تُحِسّ السَّأَمَ الراعبا

في صفحةِ الجدول تَلْتقي السَّرَابْ ... وفي الجِنانِ العَدَمَ الشاحبا

واليومَ، في دنيا الهوى والشباب ... تشتاقُ ذاك الألم الذاهبا

لا راحة. . . لا فرح. . . لا عذابْ!

تزيح كفاك ستورَ الضَّباب

في زَحمة النور البَهِيِّ العُجاب

أنت الذي من قبل أن يولدا ... قدِّر أن ينزلها أوحدا

والغد مثل الأمس والحاضر. . .

فما الذي تنشده يا شاعري؟

كرعتَ مما زعموه الجمالْ ... وخُضْتَ للسَّلوى خِضَمَّ البشرْ

شاطرتَهُمْ نُسكَهُمُ وَالضَّلالْ ... فمنك في كل مكانٍ أَثر

يا ليت شعري! بعد طولِ الّنضال ... هل قد سلا قلبُك. . أم هل شَعَر؟

أنَّي! ولو نلتَ بعيدَ المنالْ

وهِضْتَ في التَّحليق جُنْحَ الخيالْ

فأنت في كهفكَ رهنُ الحِبالْ

أنت الذي من قبل أن يولدا ... قُدِّر أن ينزلها أوحدا

والغد مثل الأمس والحاضر. . .

فما الذي تنشد يا شاعري؟

الصخرة الصّماءُ بين الصَّخَرْ ... جرداءُ لكنْ لا تَعي قَفْرَها

سيّانِ حيّاها النَّدى في السَّحَرْ ... أم ألهبَ الحرُّ ضحىً ظَهرَها يا سعدها! ليستْ تُحسّ الكَدَرْ ... لا ساَءها القحطُ ولا سرَّها!

وأنت في قفرك رهن الفِكَرْ

تلمس بالكف طيوف الضَّجَر

يا ويل قلبٍ لم يُصَغْ من حَجَر. . .!

أنت الذي من قبل أن يولدا ... قُدِّر أن يَنْزِلها أوحدا

والغدُ مثل الأمس والحاضر. . .

فما الذي تنشد يا شاعري؟

باريس

أمجد الطرابلسي