مجلة الرسالة/العدد 345/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 345/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 02 - 1940



الأمسية الحزينة

للأستاذ محمود الخفيف

حطت على الأفق ظلال الغروبْ ... كالشجنِ الطارقِ

وراحَ يمحو البشرَ فيهِ القطوبْ ... في خطوهِ السارقِ

هذا السنا عما قليلٍ تذوب ... ألوانهُ في سيله الدافق

صور لي يا عين هذا الشحوب ... برح الضنى في وجنةِ العاشق

يا ويلتا ما بالُ هذا المساء ... يهيجُ أشجاِنَيهْ

توحي إلى النفسِ معاني الفَناءْ ... أضْوَاؤهُ الفاِنيَهْ

والريحُ كم غنَّتِ لسمعي البُكاء ... وأسلَمتْ للوجدِ ألحاِنيَه

كم أحزنَتْ روحي هذى الظَّلالْ ... وأزعْجَتْ ناِظرِي

كم أيقظَتْ في خاطري من خيالْ ... عنْ أمسىَ الدابرِ

كأنما ألمحُ فيها المآل ... لكلَّ موْموقِ السَّنا باِهر

وا لهفتا أغرَى بقِلبي الضلال ... هذا الأسى الحيرانُ في خاِطري

أرقبُ في الأفْق تهاويلَهُ ... طافيةً لاِعَبةْ

يا مُجْتلًى ما إنْ أرى مثلهُ ... إلا المُنى الكاذِبهْ

تلك التَّصاويرُ التي حَوْلَه ... كم أشبَهتْ أحلامِيَ الذاهبه

بالأمسِ قَلبي كان يَهفو له ... جذْلانَ يهَوَى شمسَهُ الغاربه!

تذكري أنَّ وراَء الأُفولْ ... والليلِ صبحاً يُرَى

يُلبِسُ معنى الحُزن هذى الفُلول ... حتى تُرَى أكْدرا

يا ليتَ (لَيْلِى) مُعقِباً إذ يَطول ... فْجَراً أُرَجى صُبْحهُ المسِفرا

الله لي في حُلْكةٍ لا تحول ... في يَقظةِ الليلِ ولا في الكرَى!

تَزاَيُد الكدرةُ بين الغصونْ ... ما ازداد غشيانُها

تُذكَرُ القلبَ غواشي الظنونْ ... وَسوَسَ شَيطانُها

ستشربُ الخضرة هذى الدُجون ... وُيغرقُ الأرْواحَ طُوفانُه وتُشبِهُ الظُّلمةُ فيها المَنون ... تَعِجُّ بالوحشةِ شُطآنُها

يا ظُلمةَ الليلِ نَسيتُ السّنا ... وِنمتُ عنْ رَوْعِتهْ

قلبي المعنَّى قبلَ مَوْتِ المُنى ... كم هامَ في فتْنتِهْ

كم هامَ بالصُّبحِ كسا الأغصُنا ... بالساِكبِ المُنهلَّ من عُرْته

يَرفُّ مأخوذاً بهِ ما دنَا ... وينَهلُ الفَرْحةَ من طَلْعتِه

الويلُ لي! يَزدادُ حولي السُّكونْ ... إلا أنينَ الريّاحْ

كأنما طافَ الكرَى بالغُصونْ ... ولفَّها باَلجناحْ

ساهمةٌ تقرأ فيها العيون ... هذا الأسى الساري بكلَّ النَّواح

يا ويَح قلبي أذْهلَتهُ الشُّجون ... حتى كأنْ لم يَدرِ معنى المِراح!

ذابتْ على الجوَّ فلولُ الرَّقيعْ ... وماتَ فيهِ السَّنا

وأنكرَتْ عينايَ هذا القطيعْ ... أقبلَ وانِى الُخطى

في إثْرهِ يَشكو وما مِن شَفيع ... الصامتُ المكدودُ، طولَ العنا

وَدَوَّمَ الخُفَّاشُ حَوْلي يُذيع ... في خَفقِتهِ قُرْبَ نُزول الدُّجى

وا حربَا ما انفكَّ مرْأَى الأصيلْ ... يوقظُ أوهاِمَيهْ

يُعيدُ للنفسِ مَساَء الرَّحيل ... وسُودِ أياِميَهْ

حينَ افترقنا بعد صَمتٍ طَويل ... لا قَوْلَ إلا الأدمعُ الهاِمَيه

والشمسُ تمضي غير نورٍ ضئيل ... مُحتضَرٍ يَفنَى كأحلاِميَه

مضَيتُ لهفانَ أذودُ الجوَى ... عنْ قَلْبَي اليائسِ

أقولُ دَعْ ذكرانَ يَوْمِ النَّوَى ... وعَهْدِهِ الدارسِ

قدْ كنتَ يا قلبُ نَسيتَ الهوَى ... إلاّ بَقايا من أسًى هاِجس

رَبيعُكَ الطّلقُ توَلىِ سوَى ... وسَاِوس من زَهْرهِ اليابِس