مجلة الرسالة/العدد 336/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 336/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 12 - 1939



خطة إعداد النشء

كنا ضيفاً على بحر الروم، وكانت (للنيل) موضع رعاية الأمواج البيض القِصار وهُنَّ صواحب بطشٍ في غالب الأمر وأكثر الحال

جلس قوم بعضهم إلى بعض يتحدثون عند صدر الباخرة (أو مَرنَحتِها، كما كانت العرب تقول)، على عادة الذين يجتمعون في رحلة: معرفة مستطرفة أو لقاء على غير وعد. وانطلق الحديث في شؤون مصر؛ وركزه من ركَزَه في وجوه الإصلاح، حتى انساق إلى قصة التعليم وتنشئة أبناء الأمة. وإذا رجل، خافض صوته، قاصد في الإشارة، يندفع في حديث انعطفت إليه أذني. قال:

(ما أظن أحدكم يشك في أنّ وجهة التعليم الغالبة عندنا إنما هي إخراج كتبة وموظفين. وأما علة ذلك فكذا وكذا من الأمور المتصلة بالسياسة المفروضة أول الأمر، يوم كنا لا نملك لأنفسنا من النفع شيئاً. ثم ذهبت العلة الأولى، ولكن الآثار بقيت من طريق تسلط العادة وتجمد المنهج. ومن هنا اختل التوازن: تكسرت القيود الاجتماعية، فانفسحت مسالك الحياة وانبسطت مرافق العيش - والمدارس لا تنفك تخرج طوائف متماثلة من بغاة الرزق الهيِّن، لفتور في عزماتهم، وقصور في مداركهم. ذلك الرزق الذي تناله وأنت جالس إلى منضدة عليها ركام من الملفات والأضابير، فلا طموح ولا اعتماد على النفس ولا رغبة في التميز عن النظراء باقتحام باب من أبواب الاحتراف الصعب، وشق أفق من آفاق الارتزاق. . .

(بقيت هذه الآثار، على سعي أولى الأمر في محوها. وسبب ذلك أن الإصلاح، في مثل هذه الحالة لا يكون من باب التصور والتخيل. وشتان ما الإزماع والإنجاز. فعلى المشرف على التعليم أن ينظر في وجوه الحياة ويتتبع موارد الكسب. والحياة تقوم، أول ما تقوم، على المادة؛ وموارد الكسب إنما هي السوق على تفاريقها وتفاريعها. وهكذا تصح الوجهة إذ تعلم المقصد.

(وإذا قلت السوق عنيت التجارة والصناعة والزراعة، وما ينطوي تحتها جميعاً أو يأخذ مأخذها. والمدارس المصرية التي تعلِّم هذه الفنون الثلاثة قليلة، ونسبتها إلى المدارس التي تخرج الكتبة والموظفين حقيرة. ومن هنا ترى أن التوظف في مصر سيعاني ما يقال له: (التضخم) من وجهٍ، ويعجز عن ضم جميع طلابه من وجهٍ آخر. وينشأ عن هذا أمران: الأول بقاء سلطان الموظف البليد الحركة، والثاني البطالة. وينضاف إلى كل ذلك أن مرافق الحياة الاقتصادية مصيرها الانحلال أو تخرجَ من قبضة المصري إلى الأجنبي، بل قُلْ: أو تبقى في قبضة غير المصري.

(ثم إنه يحسن بنا أن نفسح من مجال السوق نفسها، فنشق سبلاً جديدة ثم نُعدّ لها الناس في المدارس؛ ولا يكون إلا بمعاونة وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة. وعلى هذا النحو نمطّ دائرة الحياة الاقتصادية ونوزّع همم النشء، فلا تنحصر وجوه النشاط في مصارف معلومة مربوطة، ولا تنقلب المنافسة إلى مناوأة. وفي ذلك كله أسباب غنى للبلد فضلاً عن استغناء.)

قال الرجل مقاله السديد، ثم نهض ونهضنا إلى الغداء فملت إلى صديق لي فسألته: من الرجل؟ فقال: الدكتور السنهوري. واتفق لي أن جلست إليه بعد ذلك، فإذا هو على أوفر علم وألطف أدب.

وجمعني بالسنهوري بك مجلس جِد، لأسبوعين مضيا. وجرى الحديث على خطّة وزارة المعارف في التعليم. فنطق الدكتور السنهوري - وهو الآن وكيل الوزارة - بما كان نطق به و (النيل) تحملنا إلى شواطئ أوربة. فأيقنت أن هذه الخطة مما ظفر بالرؤية والتثبت؛ فما هي بالمرتَجلة ارتجالا ولا المبتدعة بحكم العمل.

وقد بدا لي أن أسأل وكيل الوزارة في شأن الثقافة، وما تكون حالها إذا هو صرف همه إلى وجوه الحياة الاقتصادية. فقال: إني أدرك ما وراء سؤالك من القلق لأحب الأشياء إليك وأعلاها عندك. فلا عليك، لا عليك! إن الثقافة لا تزال موضع عناية. على أننا لابد لنا من السهر على مستقبل العيش من بسط مرافق الحياة المادية وإعداد النشء لها. هنا سهر وهنالك عناية؛ والتفاوت بينهما في الدرجة، لا في المرتبة، على قول الفلاسفة

قلت: لأهل الثقافة إذن أن يرقبوا الإصلاح هنالك. فهل تنظر الوزارة في إخفاق المعهد الملكي للموسيقى العربية، وتراجع طريقة إنشاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية، وتسال كلية الآداب عن صحة ما يقال فيها، وتردّ بعض كبار موظفيها عن الاستبداد بتقرير الكتب، وتجعل لتصرّف بعضِ موظفيها من الأجانب حداً واجباً (فلا تعود قصة (نفائس دار الآثار العربية): (الرسالة) رقم 304 و 306، ولا قصة المدرس الفرنسي: مازويل الذي نال - فيما قيل لي - شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة باريس على حساب الحكومة المصرية)

ذلك قليل من كثير. وأجلّ من ذلك شاناً أن تصلَح طرائق التلقين فيخرج النشء للقراءة والتطلع والتفكير والمرح، لا للكسل والبلادة والتقبض. واظنني فصّلت ذلك في بحث نشرته (مجلة الدراسات الإسلامية) في باريس (1936)؛ ولا حاجة بمثل عبد الرزاق السنهوري بك إليه.

بشر فارس

النقد الأدبي

قراء (الرسالة) يذكرون مقالي في نقد خطاب العرش من الوجهة الأدبية، ويذكرون أن بعض الجرائد والمجلات قالت إني تخطيت الجانب الأدبي إلى شؤون وطنية ودستورية وتاريخية، ومن الصحفيين من أشار إلى أني موظف بوزارة المعارف، وهي إشارة لها مدلول!

فهل أستطيع أن أدافع عن نفسي؟

هل أستطيع أن أقول إن النقد الأدبي لا يُقْصَر على المفردات اللغوية كما قالت إحدى المجلات؟

النقد الأدبي هو درس الصلات بين التعابير والأغراض، فلو درست نصاً فقهياً لكان من واجبي أن أنظر إلى المعنى من ناحية فقهية، ولو كان النص فلسفياً لكان من واجبي أن أنظر إليه من ناحية فلسفية، ومع ذلك أظل في حدود النقد الأدبي

وخطاب العرش بطبيعة موضوعه يتعرض لشؤون وطنية ودستورية وتاريخية، فنقده من وجهة أدبية يستوجب أن ننظر فيما احتواه من هذه الشؤون، فكيف يستجيز بعض الناس أن يقول إني اتخذت من النقد الأدبي ستاراً لأغراض سياسية؟ ومعاذ الوطن أن أتبرأ من قول الحق، ولكن يجب أن أنصف نفسي فأقول إني لم أتجاوز الحدود الأدبية في نقد خطاب العرش، فمن طاب له أن يقول إني موظف بوزارة المعارف ليحدَّ من حرية الفكر فليمض في طريقه وهو مغفور الذنوب، لأنه على كل حال مواطنٌ عزيز.

وهنا مسألة يجب النص عليها لأهميتها من الوجهة القومية:

إن مقالي في نقد خطاب العرش مرَّ على الرقابة بوزارة الداخلية فأجازت نشره وهي تعرف أني موظف بوزارة المعارف، فما معنى ذلك؟

معناه أننا في مصر وطن الرأي والحرية ومَشرِق النقد الأدبي

فإن قيل إن هذه أول مرة يُنقد فيها خطاب العرش من الوجهة الأدبية فسيقال أيضاً إن هذا تقليد يصدر أول مرة عن وطن مصطفى كامل ومحمد عبدة وسعد زغلول.

والصحفيون الذين أرادوا أن يعدّوا هذا المقال من ذنوبي قد

نسوا أني زميل قديم، له عليهم حقوق، وفيهم من يذكر أن

(الموظف) هو أيضاً وطنيٌ له أهداف سامية، وبعضهم يحفظ

الآية الكريمة: (ولا يَجرِ منَّكم شَنَآنُ قوم على أن لا تعدلوا)

زكي مبارك

في كلية الآداب

في منذ أسابيع أقرأ (الرسالة) الغراء حملة على مدرس في كلية الآداب، حمل لواءها أول من حمل صديق للدكتور بشر فارس على لسان الدكتور بشر، وتلاه من بعد (جامعيان) آخران. ولا يعنيني من هذه الحملة إلا أن أراجع الوقائع التي سردها الدكتور بشر فارس نقلاً عن صديقه، ثم ما ذكره الآخران من وقائع أخرى. وإلى الدكتور بشر أولاً أسوق الحديث:

ذكر في حديثه عن هذا المدرس مسالتين: الأولى تتصل بمكتبة الجامعة؛ والثانية تتصل باستقدام الأستاذ الدكتور سالومون بينس

أما المسألة الأولى وما ذكره في شأنها من أن هذا المدرس (يتلطف ليظفر بإدارة شؤون مكتبة الجامعة) فلعله قد اقتنع من الحديث التليفوني الذي ساقه إليه أحد كبار الأساتذة في كلية الآداب، وهو ولي الأمر فيما يتصل بشؤون مكتبة الجامعة الخاصة بكلية الآداب، إن هذا (التلطف) نفسه لا أساس له من الواقع، وإنه من اختراع مخيلة صديقه الخصبة الجريئة. بل إن المسألة على العكس من ذلك تماماً. فإن صلة هذا المدرس بمكتبة الجامعة صلة يجب أن نشكره عليها كل الشكر، فقد أدى لمن يريدون البحث في المسائل الإسلامية أجلّ الخدمات دون أدنى مقابل. ويكفي أن تعلم أنه خلق قسماً خاصاً في المكتبة يجمع كل ما تحتويه من كتب إسلامية عربية أو غربية، وأنفق جهداً ضخماً في مساعدة القائمين على شؤون هذا القسم من موظفي المكتبة من حيث جمع الكتب وتبويبها ووضع الفهارس لها والإرشاد عن مظان المسائل الإسلامية المختلفة. كل هذا الجهد الهائل قد بذله دون أن يؤجر عليه، على أي نحو من الأنحاء. فصلته بالمكتبة إذاً صلة فضلٍ عليها لا صلة فضول، صلة يجب أن يسجل له الباحثون في المسائل الإسلامية من أجلها أعظم الشكر

وفيما يتصل بالدكتور سالمون بينس يجب أن تقرر أولاً أن هذا المدرس في كلية الآداب لم يقترح مطلقاً على الكلية أن تستقدمه. بل إن صلته بالدكتور بينس منقطعة منذ أكثر من سنة ونصف، وليس أدل على تهافت كلام صديق الدكتور من ذكره أن قسم اللغة العربية قد نشطت آذانه لسماع اقتراح هذا المدرس. فمثل هذا الاقتراح لا يتعلق بقسم اللغة العربية، وإنما بقسم الفلسفة، لأن الدكتور بينس يشتغل بالفلسفة الإسلامية فحسب، وليست له مشاركة في أية ناحية أخرى من نواحي الاستشراق؛ فإذا استقدمته كلية الآداب، فذلك لكي يكون مدرساً للفلسفة الإسلامية بقسم الفلسفة.

هذا هو الواقع في مسألة صلة هذا المدرس بالدكتور بينس وما قيل عن اقتراحه المزعوم.

أما مسألة استقدام الدكتور بينس فهي في ذاتها أمنية تجيش في نفوسنا نحن المدرسين المصريين المستقلين بالفلسفة الإسلامية وليس أدعى إلى اغتباطنا من أن يأتي إلى الكلية مدرس في تدريسه أعظم الفائدة للطلاب، ونهوض بمناهج الدرس للفلسفة الإسلامية. في كلية الآداب نهوضاً كبيراً. فالدكتور بينس مستشرق ممتاز، وقطب من أقطاب الجيل الذي بدأ يتبوأ مركز الصدارة في حركة الاستشراق بعد أن انقضى الجيل السابق من المستشرقين أو كاد بعد موت المرحوم نلينو. وأن أعجب لشيء فعجبي لجهل الدكتور بشر فارس بمكانة بينس مع أن الدكتور بشر فارس ممن لهم إلمام بحركة الاستشراق غير قليل، وأغلب الظن أنه إنما تجاهل بينس - ولم يجهله - حرصاً على إرضاء شهوة الصديق أن ينال من هذا المدرس في كلية الآداب. فيكفي أن يذكر المرء من أبحاث الدكتور بينس (رسالته في مذهب الجوهر الفرد عند الإسلاميين) فهذا البحث من أحسن البحوث التي كتبها المستشرقون في الفلسفة الإسلامية على الإطلاق؛ وسيرى ذلك قراء العربية حينما ننتهي من طبع ترجمتنا لهذه الرسالة. هذا ولم نذكر مقالاته العربية التي تظهر في مجلات المستشرقين وخصوصاً في مجلة (الحضارة الإسلامية) التي يصدرها بعض الهنود المشتغلين بالدراسات الإسلامية وهذه الأبحاث التي كتبها بينس تمتاز بالطرافة في النتائج التي يصل إليها، والاستقامة في مناهج البحث الفيلولوجي والعمق في فهم المذاهب الفلسفية الإسلامية وغير الإسلامية

فاستقدام الدكتور بينس للتدريس في كلية الآداب فائدة كبرى، وأمل اعز ما نرجوه من أجل مصلحة الدراسة في الكلية أن نراه عن قريب وقد تحقق.

ومن هذا كله يتبين أن الحال في المسألتين اللتين ذكرهما صديق الدكتور بشر ليست كما زعم الصديق. بل هي على العكس من ذلك تحملنا على تسجيل الشكر لهذا المدرس في كلية الآداب أما المسائل التي ذكرها الجامعيان الآخران فلا تستحق منا أن نرد عليها بأكثر من قولنا إن ما ذكر باطل كله. فالمرتب الذي يتناوله هو المرتب العادي الذي يتناوله أصغر المدرسين الأجانب بالكلية، وقصة الخمسمائة الجنيه قصة أقل ما تستحقه هو السخرية لبطلانها، وفي هذا فليرجع إلى كلية الآداب من شاء.

وأخيراً أقول لمن تحدث عن الحق منهم كما أقول لزميليه الآخرين: اتقوا الله في الحق أمام ضمائركم، قبل أن تدعوا اتقاءه فيه أمام الناس حتى لا تضطروا إلى الدفاع عن أجنبي مواطناً لا يؤذيه شيء قدر أن يلجأ إلى الدفاع عن أجنبي بازاء مواطنين

عبد الرحمن بدوي

المصريون في ميدان الثقافة

اطلعت في مجلة الرسالة بالعدد 333 على كلمة قوية على هدوئها للدكتور بشر فارس تحت عنوان (في كلية الآداب) أثار فيها مسائل هامة تمس الحياة الثقافية عندنا. واطلعت بعد ذلك في مجلة (المصور) تحت عنوان (النبوغ في مصر. هبوط سعره في بورصة الحكومة) على بيان للأستاذ فكري أباظة ذكر فيه حقائق خاصة بضياع حقوق الجامعيين من الشباب المصري. وقد تلت كلمة الدكتور بشر في الرسالة كلمة أخرى لزميل (جامعي) بيَّن فيها كيف يحظى المدرس الأجنبي بما يعز على المدرس المصري في بلده، ثم كلمة ثانية تعززها بقلم (جامعي آخر).

ولقد سمعت - حين كنت بباريس - أن بعض أولئك الأجانب - وكان قد قضى بمصر سنوات - لما سمع لأول مرة قدر المرتب الذي عرض عليه لم يصدق أذنيه؛ فلما رأى كشف المرتبات كاد لا يصدق عينيه! ومما لا نشك فيه أنه لو عرض على أمثاله نصف المرتب لقبلوه ولكانوا هم الفائزين. هذا مع العلم بأن في المدرسين والأساتذة الأجانب نخبة لا ينكر فضلها وعلمها عندنا جميعاً.

كيف يرفع المستوى الاجتماعي والأدبي عندنا وبين قادة الثقافة من ينتقص من أقدار مواطنيه وينظر إلى المتعلمين الأكفاء منهم كأنهم من طينة دون طينة الأجنبي إطلاقاً. . . أما تعلَّمنا لغة الأجانب على طول الاحتكاك بهم، أعني لغة الوطنية الصحيحة لا لغة الكرم والضيافة والدعاوى العريضة التي لا تجدي؟

ثم لِمَ تنفق أموال الدولة على أعضاء البعثات الذين يقضون في الخارج سنين أكثر أيامها جهد وكد، فإذا عادوا إلى الوطن أشد ما يكونون حماسة لخيره وتلهفاً إلى العمل لخدمته، رأوا زملاءهم الأجانب أوفر حظاً.

رحم الله شوقيَّاً إذ قال:

إحرام على بلابله الدو ... ح حلال للطير كل جنس؟

جامعي ثالث

حول المصحف المحرف

جاءنا من الأستاذ شيخ المقارئ ما يأتي:

اطلعت على الكلمة المنشورة بالعدد رقم 334 من الرسالة

الصادر في 27 111939 بشأن أخطاء في مصحف يسمى

(التنزيل الرباني): طبعه عبد الرحمن أفندي محمد - ورداً عليها أفيد أن المصحف المذكور قام بطبعه ونشره ذلك الملتزم

بدون مراجعة ولا إذن. وقد سبق لنا رفع أمره إلى مشيخة

الأزهر في شهر يناير سنة 1939، وطلبنا منها إلزام ناشره

بإصلاح أكلشيهاته ونسخه التي طبعت عليها مع منعه من

الاتجار بها بدون إصلاح. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

الضباع

شيخ المقارئ

شمال أفريقيا والأستاذ الحصري

يقول الأستاذ الحصري في مقاله (بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية) الرسالة 328 - (إن العالم الإسلامي يشمل الأقطار العربية وتركيا وإيران والأفغان وتركستان مع قسم من الهند وجزر الهند الشرقية وبلاد القفقاس وأفريقيا الشمالية مع قسم في أفريقيا الوسطى)

فالأستاذ الحصري يوهم أن الأقطار العربية هي فقط مصر والشام والعراق والحجاز واليمن أما أفريقيا الشمالية التي تبدأ من تونس وتنتهي بمراكش فهذه عنده بلاد إسلامية وليست بعربية. فهل هذا هو الحق يا سيدي الأستاذ؟

لقد انصرم أكثر من اثني عشر قرناً على تعريب أفريقية الشمالية ودلت الحوادث على أن جريان الزمن لا يزيدها إلا تمسكاً بعروبتها وقوميتها؛ ولكن بعض إخواننا في الشرق ينكرون - عن غير عمد - هذه الحقائق البسيطة.

والأستاذ الحصري نفسه زار شمال أفريقيا منذ أشهر قلائل ووصل إلى المغرب فتطلعنا لرؤيته ورجونا خيراً من زيارته للقطر العربي الذي تجهله الأقطار العربية وبحثنا عنه في كل مكان فما أسعدنا الحظ بلقياه.

سلوه هل زار كلية القرويين وشاهد مكتبتها العربية؟ سلوه هل طاف بمدارس فاس الأثرية وشاهد ما تركته يد العرب بجدرانها؟ سلوه هل زار قصور إسماعيل بمكناس ومنارة الكتبية بمراكش ودار الآثار العربية بفاس وهو مدير لمثل هذه الدار ببغداد إن لم تخطئني الذاكرة.

سلوه بالله ماذا أفاد من رحلته إلى (مجاهل!) أفريقيا الشمالية كان يمكنه أن يعلم شيئاً كثيراً عن عربية هذه البلاد لو اتصل بعلمائها وأدبائها واختلط بالشعب الذي يود التعرف بأمثاله من نبهاء الشرق.

وعلاوة على ذلك فإن المغرب وهو جزء من أفريقية الشمالية يمتاز في عربيته بوحدة دينية مذهبية لا تجدها في غيره من الأقطار العربية كمصر أو سوريا أو العراق؛ فليس في المغرب أقليات دينية سوى أقلية ضئيلة من اليهود الذين يتكلمون باللغة العربية. وسوى أقلية تافهة من الأجانب الذين نزلوا المغرب بعد الحماية

أما الوحدة المذهبية فالمغرب من أقصاه لأقصاه على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس، وليس فيه طوائف دينية كالرافضة أو الأباضية أو غيرهما من بقية الفرق الدينية التي توجد كثيراً في بلدان الشرق العربي والإسلامي.

الحق أن النزعة القومية المتأصلة في دمائنا هي التي تضطرنا أحياناً لإصلاح أغلاط إخواننا العرب فينا، فمتى يكون بين البلاد العربية سفراء سياسيون وثقافيون يقومون بربط العلاقات الثقافية والسياسية بين أبناء البلاد العربية؟

(فاس)

أبو الوفا

الاحتفال الرسمي بضريح أبي العلاء

روت صحف سورية أنه احتفل بالمعرة بوضع الحجر الأساسي لضريح الفيلسوف الشاعر أبي العلاء المعري؛ وقد حضر هذه الحفلة رجال الحكومة وافتتحها السيد طالب الحراكي بكلمة ترجمها إلى الفرنسية السيد زكريا شكري وقد تقدم رئيس المديرين والمسيو هوتكلوك فوضعا الحجر الأساسي وألقى رئيس المديرين خطاباً تكلم فيه عن عبقرية أبي العلاء وأن الأمة التي أنجبته تنجب مثله ما دامت مياهها مياهها وسماؤها سماءها، ثم شكر رجال فرنسا والمندوبين وكل من شجع الحكومة بحضور هذه الحفلة. ثم وقف المسيو هوتكلوك فألقى خطاباً أعرب فيه عن سروره باشتراكه في الحفلة وذكر شهرة أبي العلاء وأنه كان أبدع مظهر للذكاء العربي، وأسهب المندوب في الكلام عن شعره، ثم شكر باسم المفوض السامي وباسمه الذين قاموا بهذا المشروع وهنأ المعرة وتمنى أن تحذو البلاد السورية حذوها.

جائزة مختار للنحت لعام 1940

تقيم جمعية أصدقاء مختار في هذا العام مسابقة في فن النحت إحياء لذكرى المرحوم المسيو فيس صديق المرحوم مختار الذي ساهم بقسط وافر في نهضة الفنون الجميلة بمصر وظل لآخر لحظة من حياته عضواً عاملاً في جمعية أصدقاء مختار.

وجائزة هذا العام قدرها خمسة وأربعون جنيهاً مقدمة من حضرة صاحبة العصمة السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي. وهذه الجائزة على ثلاث درجات: الأولى 20ج والثانية 15 ج والثالثة 10 ج

وموضوع المسابقة (الحرف الجوالة) وللمشتركين في المسابقة الحرية في اختيار نوع الحرفة ووضع المحترف الجوال كأن يختار واحداً من هؤلاء:

بائع العرق السوس. قرداتي. مسحراتي. حاوي. نبين زين. سن السكين وسن المقص. بائعة اللبن. بائعة علي لوز. السقا. غزالك ربَّع. يا جابر. بخور عاشوراء. حب العزيز. . . الخ

وآخر موعد لقبول الاشتراك في هذه المسابقة هو 29 فبراير سنة 1940 ويجب أن يقدم المشتركون في المسابقة تماثيلهم قبل نهاية يوم 25 مارس 1940 بصالة العرض التي سيعلن عنها في الوقت المناسب

والمرجو من حضرات الفنانين الراغبين في الاشتراك في هذه المسابقة أن يقدموا طلباتهم إلى سكرتير (جمعية أصدقاء مختار) جبرائيل بقطر أفندي بشارع الأنتكخانة رقم 6 بالقاهرة ت 52947

رواية (الأمل) على مسرح الأوبرا

حسبك من هذه الرواية أنها تدعو الجيل الجديد للتحرر مما يرسف في أغلاله الجيل القديم وأنها تفتح عيون الشباب على حياة جديدة بهم

أما أنها تعبر أو لا تعبر عن الروح المصرية فهذا ما ندعه جانباً إلى حين، وحسبنا أن المؤلف (هنري برنشتين) كان فيها إنساناً أكثر من مواطن فرنسي، فهو لم يعبر عن حالة معينة في الخلق الفرنسي والبيئة الفرنسية وإنما أراد أن يرسم للشباب كله - الذي خرج من الحرب منهوك القوى محطم النفس. مندفعاً بكل قواه إلى الملذات والمباهج - حياة جديدة، وأن يدعو إليها طالباً منه أن تكون لديه الشجاعة الكافية للانتفاض على الجيل القديم وتقاليده وما عرف عنه من الاستسلام للأمر الواقع وانتظار حكم الزمن. . .

أما ممثل الشباب فإنه كان قوياً بحيث لم يخش الفضيحة وألسنة الناس وهو يسترد كلمة أعطاها ووعداً ارتبط به مع فتاة عابثة ليعطي كلمته فتاة جديرة بحمل اسمه، هي أخت الأولى ومن لحمها ودمها.

ولم يستطع ممثل الجيل القديم أن يكون الإنسان الذي يدافع عن سعادته وهناءته العائلية واكتفى بأن يكون سلبياً في انتظار حكم الزمن، أما ممثل الجيل الجديد فقد أصدر حكمه بنفسه وفي الحال، فآب الأول بحياة كسيرة وفاز الثاني بحياة حافلة بشتى ضروب السعادة والهناء.

وبعد فإن مقتبس الرواية أو على الصحيح اللذين قاما بترجمتها وتمصيرها قد فعلا القليل في هذا السبيل. ارتفعا بأشخاص الرواية إلى الطبقة الأرستقراطية كما يبررا هذه الحياة الأجنبية التي تحياها هذه الطبقة عندنا، وقالا في برنامج الرواية:

(وأن تفتح عينيها - أي الزوجة العابثة - على حقائق الحياة المصرية فتعلم أن التقليد الأعمى لعوائد الغرب إنما ينقلب في جونا الشرقي وبالاً وشقاء على الأسرة) فالمقتبسان على ذلك يأخذان الصورة كما هي بنصها وفصها ليكون لهما مجال للتنديد بهذه الطبقة الأرستقراطية التي تقلد تقليداً أعمى عوائد الغرب. على حين أن الرواية لا تقصد إلى شيء من هذا وإنما ترمي إلى ما هو أسمى وأعم نفعاً وأوسع مدى من هذه الفكرة المحلية، فهنري برنشتين يرى أن خضوع رجل الزوجية العابثة يفقده هناءه العائلي ويحطم كيان أسرته؛ وفرق كبير بين هاتين الفكرتين. وما دعا المقتبسين إلى الركون إلى ذلك إلا مخافة أن يقول النقاد إن أشخاص الرواية ليس في مصر من يشبههم، كما قالوا - أي النقاد - في رواية لهما من قبل هي (الزوجة الثانية)

وهذه الرواية هي الثانية التي يخرجها الأستاذ فتوح نشاطي. فأما الرواية الأولى (تحت سماء أسبانيا) فقد كان نجاحه فيها شاملاً. سيطر على المجموعة سيطرة تامة فنال عن طريق ذلك الفوز المبين. أما في هذه الرواية فقد أفلت منه البعض برغمه؛ فما يستطيع أن يقوم اللسان المعوج أو العود المائل اللذين لم يقومهما الزمن، ومع ذلك فقد نجحت الرواية. وقد كان بارعاً البراعة كلها في ترتيب وتنظيم المنظرين اللذين ظهرا في الرواية، فقد نثر الأثاث في ظرف وأناقة بحيث لا يعوق الممثلين ولا يقصر عن حاجتهم، وكانت الحوائط قد زانتها الصور والمرايا في تناسق مثير وأناقة بالغة؛ وكأني بالمخرج ينظم عشه ويجمل الإطار الذي يعيش فيه.

أما التمثيل فقد كان موفقاً في أغلب المواقف. وليس يعاب على البعض إلا تعثره في الكلمات التي لم تعها الذاكرة الكليلة؛ وبالتالي إخفاقه في إنجاح المشاهد التي تعثر فيها. وعلى أي حال فلا بد من التنبيه إلى أن أول ما يعنى به الممثل هو حفظه دوره حفظاً تاماً فإذا لم يفعل فليس غريباً أن يخفق مهما كان فاهماً لدوره

وبعد فقد نجحت الرواية نجاحاً حد منه أنها خرجت بغير ثوبها الأصلي، فإن من رأينا ألا تمصر الروايات وأن يكتفي بترجمتها وإخراجها كما هي منسوبة إلى مؤلفيها دون سواهم. ومن رأينا كذلك أنه إذا عن لبعضهم أن يقتبس فكرة من رواية فليؤد معنى الاقتباس أداء دقيقاً وافياً فيأخذ الفكرة ويخضعها للبيئة التي ينقلها إليها ثم يكتب روايته من جديد غير ناظر إلى الرواية المصرية، فلا ينقل منها حواراً بنصه بل بروحه حتى يكون له فضل التأليف لا فضل النقل.

فرعون الصغير