مجلة الرسالة/العدد 334/استطلاع صحفي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 334/استطلاع صحفي

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 11 - 1939



مدرسة المدفعية الجوية

كيف يتعلم الطيار تدمير أهدافه

لمندوب الرسالة

من المراحل الهامة في الطيران الحربي مرحلة القتال، فهي

الغاية التي استعملت من أجلها الطائرات في القتال، فأصبحت

أخطر الأسلحة وأشدها فتكا إذ لا تقف في سبيلها حصون ولا

تقفها اختراعات، فهي تصيب المحاربين والآمنين مهما ابتعدوا

منها.

خطوة أخرى

تكلمنا في مقالتينا السابقتين عن مدارس الطيران الحربي والميكانيكي والتصوير الجوي وهانحن أولاء نبر بوعدنا فنضيف حلقة أخرى من هذا الفن المتشعب الذي يقضي الطيار حياته في الهواء وهو يتعلم دروساً جديدة فيه. وموضوعنا هذه المرة هو مدرسة المدفعية الجوية.

فقد قرأنا كيف يتعلم الطيار قيادة طائرته وكيف يصلحها، ومزايا الاستكشاف والتصوير بها والآن ننتقل إلى مرحلة أخرى من أدق المراحل وأكثرها خطراً وأشدها حاجة إلى حسن التقدير والمعرفة.

فالمدفعية الجوية اليوم عامل من أهم عوامل الهجوم والدفاع. فتصور قواعد الطيران الإنجليزي وهي تبعد عن ميناء كييل الألمانية مئات الأميال ومع هذا فإن الطائرات تصل إليها وتصيبها بأهدافها فتسبب أضراراً فادحة للأسطول الألماني المرابط هناك.

كما تدمر المصانع والمعاهد العامة. وقد يكون الانتقال من ميناء بارموث الإنجليزي إلى كييل سهلاً بطريق الجو ولكن إسقاط القنابل الصائبة من أشق الأمور ويحتاج إلى خبرة كاملة وتمرين طويل.

ولننتقل بالقارئ إلى مطار مصر الجديدة الحربي لنشاهد في غرفه وحظائره كيف يجب أن يتلقى الطيار مرانه وماذا يتحمل لإتقانه، فهناك في إحدى الغرف تجد مجموعة كبيرة من مدافع الفيكرز والبرن ونماذج القنابل بأحجامها المختلفة وأشكالها المتعددة وبعضها عملت فيه قطاعات عرضية وبعضها الآخر عملت فيه قطاعات طولية، فانكشف داخلها وظهر الفراغ الذي تحتوي الخلطات المختلفة من المواد المتفجرة والتي تساعد على الانفجار فإن تركيب القنابل الآن من المسائل التي تحتاج إلي التخصص سنوات طويلة، ويصل ثمن الواحدة من بعضها إلى 1500 جنيه

تنافس على الشر

فقد تنافس المخترعون في استنباط خلطات الصلب والنحاس وغيرهما من المعادن، وأصبح لكل دولة خلطة خاصة تنافس بها منافسيها وتحرص على التفوق عليهم بها. فهناك قنابل تنفجر بمجرد اصطدامها بجسم صلب، وهناك قنابل تنفجر بعد زمن معين، وهناك قنابل عملت خاصة لاحتراق طبقات الصلب ثم الانفجار. وهناك أيضاً قنابل تغوص في لجج الماء ثم تنفجر

كل هذه الأنواع وغيرها احتاج إلى مجهود عقلي جبار وسنين طويلة ليظهر إلى عالم الوجود، ولكل نوع منها مزاياه الخاصة. وتبعاً لهذه المزايا اختلف التركيب واختلفت المواد المستعملة، وجميع هذه المتفجرات يستعملها الطيار. فإذا جاز له أن يجهل دقائق تركيبها فلا أقل من أن يعرف مميزاتها وطرق استعمالها والمدى الذي تصل إليه ثم تأثرها بالعوامل الجوية إذا أطلقها أو إذا تركها بدون استعمال

قتال الطائرات

والقتال الجوي بالطائرات نوعاًن: الأول باستعمال المدافع السريعة الطلقات، والثاني بإلقاء القنابل ولكل منهما دروسه وتمريناته. وبعض المدافع يطلقها الطيار بالضغط على زر مثبت على عصا القيادة فينطلق المدفعان الجانبيان في وقت واحد، وهما يثبتان عادة في الطائرات المصرية فوق عجلتي الطائرة بحيث تتقابل طلقاتهما أمام مقدمة الطائرة وعلى بعد 200 ياردة منها. فإذا أراد الطيار أن يهاجم عدواً ويطلق عليه مدافعه السريعة الطلقات فإنه يجب أن يحول مقدمة طائرته إليه. إذ لا يستطيع أن يتحكم في مدافعه بغير هذه الوسيلة

ولهذا كان استعمال هذه المدافع من الأمور الصعبة. وتزود طائراتنا عادة بمدفع ثالث خلف مقعد الطيار ويديره محارب خاص.

وهذا المدفع يتجه إلى عدة اتجاهات فيستطيع المقاتل أن يصوبه إلى الوضع الذي يلائمه. ويركب هذا المدفع على إطار مستدير حول مقعد العامل فيدور إلى الخلف وإلى الجانبين ولكنه لا يتجه إلى الأمام إذ في المنطقة الأمامية مقعد الطيار ويخشى أن تستولي حمى القتال على العامل فتنطلق من مدفعه رصاصة تقتل الطيار فتتحطم الطائرة ويهلك العامل أيضاً

1050 طلقة في الدقيقة

وتمكن الإنجليز في الحرب الحالية من تجهيز طائراتهم بثمانية مدافع سريعة الطلقات حتى أصبحت طائراتهم أشبه بقلاع جوية. ويجب على الطيار ألا يطلق هذه المدافع باستمرار عند اشتباكه مع طائرات الأعداء فبعض هذه المدافع يطلق 1050طلقة في الدقيقة فإذا استمر الطيار على إطلاق المدافع مدة طويلة فإن ذخيرته تنفد ولاسيما إن المدافع بعيدة عن متناول يده فلا يستطيع تعميرها. أضف إلى ذلك أن استمرار الضرب يرفع حرارة المدفع مما قد يؤدي إلى تلفه؛ ولهذا فإن الطيار يطلق مدفعه ثانية تقريباً ويستريح ثانية أخرى

ويجب على الطيار أن يدرس هذه المدافع دراسة جيدة حتى يستطيع إصلاح ما قد يطرأ عليها من خلل، ولهذا فإن كل طيار يعرف أنواع العطب التي قد تطرأ على كل منها ويعرف كيف يعالجها بسرعة. فإذا سألت أحدهم عن الخلل الذي قد يصيب مدفع البرن مثلاً قال أربعة وذكرها هي وطرق علاجها

مدفع التصوير

وللاقتصاد في النفقات يستعمل الطيار في تدريبه ما يسمى مدفع التصوير وهو لا يطلق رصاصاً ولكن يسجل على شريط تصويري مقدار إحكام الإصابة. ويثبت هذا المدفع عادة على جناح الطائرة أو في جزئها الخلفي وهو عبارة عن آلة تصوير على هيئة مدفع فعندما يضغط الطالب على الزر الذي أمامه تنفتح العدسة وتسجل بعد الطلقة عن الهدف كما ترسم دوائر حول الهدف فتبين مدى الخطأ أو الصواب في الإصابة

ويحتوي كل مدفع على اثنتي عشرة صورة مربعة طول ضلعها ستة سنتيمترات، ويفضل استعمال هذا المدفع في التمرين على المدافع الحقيقية لسببين مهمين أولهما الاقتصاد في المال والذخيرة، وثانيهما أن يرى الطيار بنفسه مبلغ دقته في إصابة الهدف فيعرف الخطأ ويتعلم كيف يصححه. ويستمر على هذا التمرين مدة يتقن فيها استعمال المدفع. وتحفظ أشرطة هذا المدفع في إدارة المدرسة ليرجع إليها الطيار كلما احتاج إليها فتراها معلقة في أنحاء الغرفة الخاصة وقد كتب على كل منها اسم مطلقها

فإذا انتهت هذه المرحلة بنجاح انتقل الطيار إلى استعمال المدافع الحقيقية أولاً بذخيرة كاذبة وأخيراً بذخيرة حقيقية ثم يوالي مرانه في فترات السنة المختلفة للبرنامج المعد لذلك

ثلاثة أطنان في الطائرة

وينتقل الطيار بعد هذا إلى فترة تعليم إطلاق القنابل. وتختلف الطائرات في قدرتها على حملها والمكان الذي توضع فيه وهي غالباً في الطائرات المصرية تثبت تحت جناح الطائرة إلى حوامل مشدودة بأسلاك متصلة بلوحة أمام القائد. وبعض الطائرات تحمل ثقلاً يبلغ وزنه 660 رطلاً وهي طائرات صغيرة. وبعضها تصل حمولته إلى ثلاثة أطنان من المدمرات كما هي الحال في بعض الطائرات الإنجليزية التي تستطيع الواحدة منها أن تقطع مسافة 4500 ميل دفعة واحدة

وسبق أن بينا أن القنابل ذات أحجام وأوزان مختلفة يثبت منها الطيار ما يشاء بشرط ألا يزيد مجموع حمولته على الثقل المقرر تبعاً للأغراض التي يقصدها الطيار والأماكن التي يريد تدميرها

ولقذف القنابل شروط يجب أن يتقيد بها الطيار وإلا أفسد مجهوده، ففي الجو تيارات هوائية تؤثر على سير القنبلة عند سقوطها. أضف إلى ذلك سرعة الطائرة نفسها فإن القنبلة تأخذ سرعة الطائرة، ولهذا يجب على الطيار أن يحسب ويقدر هذين العاملين وما لهما من تأثير حتى تكون إصابته دقيقة أو تبعاً للاصطلاح العسكري أن يكون (نشانه مضبوطاً) فقبل أن يسقط الطيار قنبلته يجب عليه أن يعرف سرعة الريح واتجاهه، وهل هو مضاد لاتجاه الطائرة أو متفق، وثانياً ارتفاع الطائرة عن الهدف، وثالثاً سرعة طائرته، ويعمل بعقله عملية حسابية شفوية فإذا وجد أن حسابه مضبوط وأن موقفه يساعده على إطلاق قنابله ضغط على الأزرار وإلا صحح موقفه بما يراه مناسباً

جحيم المدينة

والقنابل ثلاثة أنواع، الأول للتدمير وشكلها انسيابي ولها زعانف تضبط اتجاهها ولها مقدمة نحاسية ثقيلة متحركة تصطدم بالأجسام الصلبة فتضغط المواد الداخلية وتفجرها فترسل جحيمها لتدمر ما حولها، والنوع الثاني للحريق وهو نوعان نوع يوضع في أوعية كبيرة من الصاج توضع فيها عدة قنابل يفتحها الطيار فتتساقط القنابل فإذا لامست جسماً صلباً احترقت مولدة حرارة شديدة تشعل كل ما يجاورها، وعيب هذه القنابل صعوبة ضبط اتجاهها ولا تستعمل إلا في القرى والأماكن السريعة الاحتراق، والنوع الثاني وهو قنابل كبيرة تشبه قنابل التدمير ويسهل ضبطها وتطلق مثلها بالضغط على الأزرار

والنوع الثالث من القنابل هو قنابل الغازات السامة على اختلاف أنواعها، وبعضها يطلق في قنابل وبعضها تقذفه الطائرة على هيئة رذاذ ينتشر في جو الأماكن التي يراد إصابتها، وكما يدرس الطيارون طرق استعمال هذه القنابل فأنهم يدرسون أيضاً طرق الوقاية منها وأهمها طريقة إخفاء المدن أو الجنود والمصانع وغيرها من الأهداف التي تقصدها الطائرات، ويضيق بنا المقام عن سرد تفاصيلها ولكننا نرجو أن نحدث القارئ عنها في مقال آخر

إلقاء القنابل

يبدأ الطيار مرانه على القتال بالقنابل باستعمال آلة التصوير وبها يسجل قدرته على إصابة الهدف. وليكون التدريب أكثر نفعاً وأوفى عناية، شيدت إدارة سلاح الطيران الحربي بناء من طابقين يجلس الطيار في الأعلى منهما حيث تسلط عليه التيارات المشابهة لتيارات الجو، ويوضع في الطابق الأسفل منهما خريطة صغيرة متحركة عليها علامات يحاول الطيار أن يصيبها بقذائفه وتسجل الإصابات بواسطة ضوء أحمر ومن وسائل التدريب المهمة استعمال القنابل الكاذبة الخالية من المتفجرات الضارة. فهذه الوسيلة أقرب إلى الحقيقة من سواها إذ يجلس الطيار في طائرته بعد أن يحمل حمولته المقررة من القنابل ثم يرتفع إلى طبقات الجو ومن هناك يسقط قنابله على الأهداف. فيستطيع بهذه الطريقة أن يتعلم دروسه العملية التي تعتبر المرحلة قبل النهائية. ففي الفترة الأخيرة يستعمل الذخيرة الحية

ولا يجوز للطيارين العودة إلى مطاراتهم والهبوط فيها إذا كانوا يحملون قنابل مستعدة للانفجار فيجب عليهم أن يهبطوا أولا في مكان منعزل حيث يتخذون بعض الاحتياطات الفنية التي تمنع حدوث انفجار هذه القنابل في حالة حدوث طارئ مفاجئ للطائرة عند هبوطها في أرض المطار كاصطدام جزئها الأسفل بالأرض مثلاً. وهذا الاحتياط ضروري للمحافظة على سلامة المطار وعماله ولتكون أرضه ممهدة صالحة لهبوط الطائرات.

فوزي الشتوي