مجلة الرسالة/العدد 333/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 333/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1939



لماذا اتفقت روسيا وألمانيا

(ملخصة عن مجلة (كرستيان ساينس))

اصبح العالم اليوم يشاهد روسيا وألمانيا تتمشيان يداً في يد على خريطة أوربا السياسية، وقد يكون في ذلك شيء من الغرابة، ولكن الأيام من قبل قد أرتنا مثل ذلك.

فقد عاد ستالين وهتلر إلى تلك السياسة التي ترمي إلى تقوية موسكو وبرلين ضد قوى أوربا الغربية المتحدة.

وليس هذا كل ما في الأمر، فقد رأى هذان الرجلان المختلفان في الرأي والمبدأ أن يخضعا المبادئ والآراء، لضرورة الظروف الواقعة؛ فاختلاف المبادئ لم يكن له أثر يذكر في توثيق العلاقات التجارية بين روسيا الغنية بالخامات وألمانيا الحافلة بالمصانع والآلات. كما أن اختلاف الآراء والمناحي السياسية لم يكن ليحول دون هذا الاتفاق، وقد كانت الصلات السياسية والحربية بين موسكو وبرلين مبنية على قواعد وأسس وطيدة الاركان، حتى ظهر هتلر، وأعلنت مبادئه في ألمانيا؛ فتغيرت الأحوال، وحل الشقاق محل الوئام، وتبادل كل من الدولتين الدعاية المزرية ضد الأخرى، وتعددت الإهانات من الجانبين.

فنحن حين نذكر الاتفاق الروسي الألماني، جديرون بأن نذكر كلمة قالها سياسي فرنسي عظيم في هذا الاتفاق: (لقد عجبنا ولكننا لم نفاجأ).

على أن ألمانيا وروسيا وإن اختلفتا في المبدأ، فإن بينهما أواصر من التشابه تجمعهما في سياق واحد. ونعني هذا التشابه في الوسائل لا في الفكرة ولا في الفلسفة، فكلتا الدولتين تنفذان إلى أغراضهما عن طريق القوة، وكلتاهما تستخدمان أشد أنواع الإرهاب للاحتفاظ بكيانهما، وكلتاهما لا تعبئان باحتجاج الرأي العام أو تقيمان له وزناً، وكلتاهما تخضعان لحكم الأقلية وتسيران وراء نظام حزب واحد، وتهزئان بالنظم البرلمانية والأوضاع الشرعية، وكلتاهما تضطهدان الأديان، وتناديان بنوع جديد من الوطنية. ونحن نرى أن من المبالغة وسوء تقدير الموقف أن نقول إن هذه الأمور من شأنها أن تؤدي إلى تحالف دائم موطد الأركان ولكنها ولاشك تؤلف نوعاً من الوحدة بين الدولتين فلا تلبثان أن تتحدا إذا اصطدمتا عند غرض واحد.

وليس معنى هذا أن الدولتين لا تختلفان من الوجهة العملية فنحن لم ننس بعد حملة الألمان على البلشفية، ولا ننس حملة البلشفيك على الالمان، ولا ما بين الدولتين من الاختلافات العديدة.

ولكننا إذا أردنا أن نتبين حقيقة الموقف بين روسيا وألمانيا يجب أن نقدر ثلاثة أشياء: وجوه الاتفاق بين الأمتين، ووجوه الاختلاف بينهما، ثم حكم الأمر الواقع. فهذه أمور يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار.

ولا يخفى أن رجال الجيش الأحمر لا يرضيهم ذلك الاتفاق بين روسيا وألمانيا، ويعدونه من مظاهر الضعف والخذلان، كما أن رجال (ليتفنوف) يؤيدونه ويعدونه من عوامل القوة ومظاهر الانتصار.

ومهما تختلف الآراء وتتباين الأغراض، فإن هناك مواضع عديدة للاتفاق بين الدولتين، فمن الواجب أن ينظر إليها بالحذر والاحتياط.

كيف أنشئ خط ماجينو؟

(عن مجلة (باربيد))

كان قواد الجيش الفرنسي في عام 1914 لا يهتمون كثيراً بفكرة التحصين. فكانت نتيجة ذلك أن الجنود الفرنسية دفعوا ثمن هذا الإهمال.

ولكن هذا الدرس لم يكن ليذهب سدى. فنحن نرى فرنسا اليوم تشيد نظامها الحربي على فكرة الحصون وتعتمد على قوة النيران ويعد خط ماجينو من الأمثلة العجيبة في قوة التحصين والدفاع.

وقد جرى العامة على تسمية هذا الخط (بحائط ماجينو)، وهذه التسمية في الحقيقة بعيدة عن الصواب. إذ أنها تمثله في صورة الأبراج المرتفعة إلى عنان السماء، والحقيقة أن هذا الحصن الفرنسي لا يرتفع عن سطح الغبراء. وقد صدق بعض الجنود في تسميته: (أديم الشرق).

ومما لاشك فيه أن ذلك الأديم العجيب، سيعد من أقوى وأعظم ما صنعته يد البشر في القرن الحديث.

حفر خط ماجينو في المدة من سنة 1929 إلى سنة 1936 في مساحة قدرها اثنا عشر مليوناً من الأمتار المربعة، ووضع فيه ما لا يقل عن 50. 000 طن من الصلب، ويحتوي هذا الخط على كهوف وأنفاق تمتد من باريس إلى ليج في خط واحد، وبلغ عدد المشتغلين في بناء هذا الخط 15. 000 نفس، ومقدار ما أنفق عليه سبعة آلاف مليون من الفرنكات. ولم يقف العمل في هذا الخط إلى اليوم.

ومن المؤكد أنه لا يتسنى لقوة أية كانت أن تخترق هذا الحصن المكين، ولما كانت حصون ليج ونامور وانتورب في عام 1914 لم تقو على صد هجمات الخصوم لضعف مادتها، بينما أعيت حصون فردان المدافع الثقيلة، فلم تعد منها بطائل - فقد عرضت مادتها على هيئة من كبار المهندسين الفرنسيين فحصاً جيداً، ومعرفة ناحية المقاومة فيها للائتناس برأيهم قبل اختيار المادة التي يصنع منها خط ماجينو العتيد. وبعد التجارب المضنية التي قام بها خاصة الخبراء والمهندسين، قرروا أن يصنع الخط من مادة قابلة لاحتمال ثلاث قذائف متوالية على مكان واحد.

أما فيما يتعلق بالغازات السامة، فقد أعدت آلات كهربائية داخل الخط، ومن شأنها أن تجعل الضغط الجوي في الداخل أعلى من الضغط الخارجي، فيمتنع تسرب الغازات السامة داخل الخط وقد أعدت المدافع والبنادق لمطاردة الطيارات.

ولا تقف مهمة خط ماجينو على الدفاع، فلا يكفي المحارب أن يكون آمناً، فالدفاع هو الناحية السلبية في الحرب، أما الناحية الإيجابية، فهي الهجوم، وكلاهما ضروريان في الحرب.

ويستطيع الجنود في خط ماجينو وهم آمنون أن يسدوا وجه الأفق بطبقة من النيران تلتهم ما أمامه وما خلفهم.

كيف نصل إلى الله

(عن مجلة (سيكلوجي، ريلجن هلت))

العبادة فن. ولكي نعبد الله عبادة مقبولة يجب أن نعبده عبادة صحيحة، من الواضح أننا لا نستطيع في يوم من الأيام أن نصعد على خشبة المسرح ونتناول القيثارة، ثم نعزف عليها الأغاني والأناشيد دون أن نتعلم كيف نحمل القوس ونستعملها استعمالاً صحيحاً. فهل العبادة أقل خطراً من العزف؟ هل الحياة الروحية أقل أهمية من حياة اللهو؟ لاشك أن عبادة الله تحتاج إلى كثير من الجد والتأمل والمران الطويل.

يشكو الكثيرون الخمود في حياتهم الروحية. ويزعمون أنهم يخفقون كلما حاولوا الاتصال بالرفيق الأعلى. فهل حان لنا الوقت لنسأل أنفسنا عما إذا كنا نسلك الطريق الصواب في محاولاتنا الاتصال بالله؟ إن العبادة ككل شأن في الحياة لها طريقها الخطأ وطريقها الصواب.

ولا يفهم من كلامنا أننا نريد أن نقول إن الإنسان لا يستطيع أن يتصل بالله إلا إذا عرف طريق العبادة فهذا ما لا نرمي إليه، ولكننا نستطيع أن نؤكد هنا شيئاً واحداً وهو أننا لا نستطيع أن نصقل قوانا الروحية ونصل بها إلى غايتها العليا. إلا إذا عرفنا ما يجب عن الله جل شأنه، وما يوجبه علينا من الفروض في هذه الحياة، ونعد أنفسنا لطاعته على الدوام.

إن العبادة أمر طبيعي في الإنسان. فنحن في بداوتنا أو حضارتنا، إذا أصابتنا ملمة نفكر دائماً في تلك القوة التي تقينا شر العوادي، ونصور بألسنتنا أو قلوبنا ذلك الإحساس العميق نحو الخالق الذي بيده كل شيء. فبعضنا يلجأ إلى الرقي والتعاويذ وبعضنا يلجأ إلى الخلوات وبعضنا يتوجه إلى الكنائس وبعضنا يذهب إلى المساجد وبعضنا يجأر إلى القوة الإلهية مستصرخاً من شر ما يلاقيه، ومهما تتعدد الوسائل وتختلف الأسباب، فكلنا نتجه إلى قوة نسألها العون في جميع المطالب.

إن عقائدنا تصور نفوسنا. فمن الواجب أن نعرف الرأي السديد في معرفة الله إذ أن حياتنا وأخلاقنا يسيران خطوة خطوة وراء هذا الرأي.

نحن حين نعبد الله نعبد صفات. فماذا ترى أن تكون صفات الله. إن عبادتنا تتوقف على معرفة ذلك. فإذا عرفنا الله معرفة خاطئة لا يقبل عبادتنا. فلا يصح مثلاً أن نطلب إلى الله أن يقسو على أعدائنا، أو نطلب إليه تحقيق رغبة من الرغبات التي تبعثها الأنانية الشخصية، لأن الله له صفات فوق كل ذلك.

يجب أن ننظر إلى الله عن طريق الحق والجمال وحب الخير، وأن نعتقد بأنه منزه عن كل ما يخالف هذه الصفات.