مجلة الرسالة/العدد 332/العالم المسرحي والسينمائي
مجلة الرسالة/العدد 332/العالم المسرحي والسينمائي
مع الأستاذ توفيق الحكيم
الفرقة القومية في عهد جديد
كيف السبيل إلى النهوض بالمسرح؟
نعتقد أننا قد أجبنا على هذا السؤال فيما كتبناه عن (نهضة المسرح في مصر)، إذ شرحنا في إيجاز جميع العوامل وكل الأسباب التي أدت إلى انحلال المسرح، ثم قيام الحكومة بنصيبها في نهضته بإنشاء الفرقة القومية ونصيب هذه الفرقة من النهضة الأخيرة وواجبها حيالها.
على أنه كاد الموسم يبدأ حتى كانت الفرقة قد انتقلت من يد إلى يد، وأصبح أمراً واقعاً أن وزارة المعارف قد سلمت مقاليدها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، فحمدنا الظروف التي أتاحت هذا التغيير الذي سيكون له أثره في سياسة الفرقة، والذي جعل للأستاذ الكبير توفيق الحكيم إشرافاً حقيقياً على شؤون المسرح فلطالما كان من أعز أمانينا أن يكون لمن هو في مكان الأستاذ من المسرح هذا الأثر الفعال في توجيه شؤونه.
من يحمي الفنون ومن ينصرها في بلد يراها ضرباً من ضروب اللهو ولوناً من ألوان التسلية؟ فالبعض عندنا يذهب إلى المسرح للتسلية ولمجرد اللهو ولا ينظر إلى ما وراء ذلك من فائدة والى ما بعد ذلك من أثر. كل ما يرجوه ساعة أو أكثر يقضيها في دار للتمثيل: يضحك ويتندر ويتحدث، كأنما هو على قارعة الطريق، أو في بيته أو في أحد المنتديات أو المشارب؛ أما الفهم الصحيح للمسرح ورسالته، وأما الرغبة الأكيدة في الإفادة من هذا الغذاء الروحي والعقلي، فإنهما بعيدان عن تفكيره وميوله، ولهذا عاش المسرح في مصر خاضعاً لأهواء الجماهير، حتى في أيام ازدهاره، وحتى حين أخرج للناس (أوديب) و (عطيل) و (لويس الحادي عشر) وغيرها من الروايات الخالدة، حتى في ذلك الوقت لم يكن إقبال الناس على هذه الروايات، ولم يكن نجاحها الملحوظ عندهم إلا ستاراً لرغباتهم في التسلية، فهم يجتمعون في دار الأوبرا، وهم يتحدثون ويتندرون في هذا الشيء الجديد الذي يمر أمامهم، وفي هذه الشخصيات المضيئة التي تصعد في سمائهم، ولم توجد الرغبة الأكيدة في رفع شأن المسرح، ولن توجد إلا إذا عهد به إلى أهل المسرح وأبنائه، ووكل إليهم شأنه وترك لهم أمره.
من يحمي المسرح إذن؟
هم الفنانون المخلصون الذين لا يضعون في اعتبارهم أن الجمهور يريد أن يتسلى، والذين يفهمون أن رسالتهم البعيدة عن تسلية هذا الجمهور، وإنما هي قريبة إلى إفادته والى رفع مستواه والصعود به إلى القمة حيث تنفتح عيونه على أفانين من الجمال يراها في صور متعددة من صور الفنون الحقة تسمو به وبروحه وبكل جارحة فيه إلى حيث يكشف داخل نفسه وفي نفوس الآخرين تلك الإنسانية التي تميزه عن غيره من المخلوقات.
ذهبنا إلى الأستاذ توفيق الحكيم وفي خلدنا تدور هذه الآراء وغيرها، وفي عزمنا أن نسأله بياناً عن السياسة الجديدة للمسرح المصري بعد إذ أصبحت مقاليده عند وزارة الشؤون الاجتماعية التي ناطت به شؤون الدعاية فيها. على أننا ما كدنا نقول كلمة أو كلمتين حتى أفاض معنا في الحديث في سلاسة واتزان. قلنا: إن علة العلل هي (الرواية) فالفرقة القومية قوية بعناصرها غنية بمالها، وإن يكن من رأينا أن بعض العناصر مازالت خارجة عنها ويجب أن تضم إليها لتزداد قوة على قوة. وإنما ينقص الفرقة شيء واحد هو (الرواية) التي لم تحط بالعناية المنشودة فيما سلف من أيام.
فقال: سنكون من أول ما نعني به اختيار الرواية الصالحة، وقد أنشأت لذلك لجنة تنفيذية (مكونة من العشماوي بك وخليل مطران بك والأستاذ الحكيم)، وهذه اللجنة من شأنها أن تنظر في الرواية بلجنة القراءة لترى إن كانت تصلح للمسرح وتتفق ورسالته ثم تقدر قيمتها، ونحن نفكر في تكوين لجنة أولية من المخرجين والممثلين لتقرأ الرواية قبل تقديمها للجنة القراءة حتى لا تصل إلى أيدينا رواية تافهة، وحتى يكون للمخرج رأيه فيما يخرج، وللممثل رأيه فيما يمثل. على أننا سنضع نصب أعيننا أن تكون الروايات التي تخرجها الفرقة من الأدب الرفيع الذي يتفق ورسالتها، وقد كان من رأينا أنها يجب أن تخرج عن حدود هذه الرسالة حتى لو لم يقبل عليها الجمهور الإقبال المأمول. وأستطيع أن أؤكد لك أن الجهات المسؤولة تشجع الفرقة على ذلك ولا تطلب منها أكثر من السمو بالفن ولتكن النتائج ما تكون، وإن تكن رغبتنا أن يقبل الناس جميعاً على الفرقة وأن يشجعوها.
ومن رأينا أن الروايات الممتازة الخالدة التي سبق أن أخرجت للمسرح يجب أن تخرج ثانية وأن يراها الجمهور كلما سنحت الفرصة. وسوف يرى النقاد فيها لوناً جديداً من ألوان الإخراج والتمثيل. فالمخرجون قد أصبحوا غيرهم بالأمس، والممثلون كذلك إلا قليلاً. ونحب ألا يقال إنها روايات قديمة بل يجب أن يقال إنها خالدة لا يفرغ الجمهور من مشاهدتها ولا يكف النقد عن التحدث عنها وإنك لترى أنهم في أوربا، ولديهم المؤلف الحديث والرواية الجديدة، يعنون بتراث الآداب الخالدة. وروايات شكسبير وراسين وفولتير وغيرهم مترجمة إلى اللغات الحية، وهي تخرج على المسارح في كل فرصة والناس يقبلون عليها كأنها روايات جديدة. وعلى هذا فلا بأس من أن تخرج روايات شكسبير وسوفوكل وكورنبي وغيرهم؛ ولا ضير من أن يرى الناس للمرة المائة بعد الألف عطيل وأوديب والسيد وغيرها.
وكان أحمد أفندي عسكر موجوداً أثناء الحديث فأضاف (غادة الكاميليا)، وقد لقي اقتراحه قبولاً على أن تعرب الرواية من جديد وأن يقوم بتعريبها الكاتب الأديب الممتاز الذي اشتهر بتعريب الروايات الرومانتيكية العاطفية.
وعاد الأستاذ توفيق الحكيم إلى حديثه فقال:
لقد دلت التجارب على أن الرواية الموضوعة لم تصل بعد إلى المرحلة التي نطمئن لها، ومع ذلك فإن الباب سيظل مفتوحاً للكفايات المجهولة لنتقدم على مسئوليتها بما تنتجه، فلن نكلف أديباً أن يضع لنا رواية نكون مضطرين إلى قبولها منه. أما الروايات المترجمة فقد صح عزمنا بعد التجارب العديدة التي مرت بها الفرقة أن نختارها نحن من الأدب الرفيع قديمه وحديثه وأن نعهد بها إلى مترجمين ممتازين ممن لهم شأن معلوم ومكان معروف، وبذلك نضمن نجاح الرواية من كل الوجوه.
هذا وستعنى الفرقة بفن الأوبرا والأوبريت لترفع من شأنهما بعد إذ مرت عليهما فترة ركود حتى كاد يسدل عليهما النسيان ستاراً كثيفاً، وحتى انصرف الجمهور عنهما إلى صالات الرقص والمجون.
وعلى العموم فإن سياستنا ستكون النهوض بالفرقة ومساعدتها المساعدة الحقة على أداء رسالتها. ونأمل أن يكون النقد معنا وفي عوننا؛ فالفرقة لا تستطيع مقاومة العواصف من كل جانب، وعن طريق النقد؛ سيفهم الجمهور رسالة الفرقة، وسيروض نفسه على تقبلها وإن كان لونها مما لا يتفق وهواه.
وانتهى الحديث بأن أبدى الأستاذ الحكيم استعداده ورغبته في تبادل الآراء حول هذه الموضوعات وغيرها كلما وجد في الأمر ما يدعو إلى ذلك.
ونحن نعتقد أن في تنفيذ السياسة التي بسطها الأستاذ ما يكفل نهوض المسرح وكرامة أبنائه ونجاح رسالته.
فرعون الصغير
العزيمة
بدأ عرض رواية (العزيمة) على ستار سينما ستديو مصر منذ الاثنين الماضي وسننشر كلمتنا عنها في العدد المقبل.