مجلة الرسالة/العدد 329/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 329/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 10 - 1939



البترول يكسب الحرب

(عن (ونتورث داي))

سوف يكون للبترول الشأن الأول في كسب الحرب. فبالبترول تدار الطائرات وتسير المدرعات وتعمل البنادق وتحرك السيارات وتسير الغواصات

ومن المعروف أن البواخر الحربية العظمى جميعها تتخذ وقودها من زيت البترول. وقد أصبح للإمبراطورية البريطانية مراكز ذات أهمية كبيرة للبترول تمتد إلى شواطئ الإمبراطورية وموانيها المختلفة في جميع أنحاء العالم، حتى أصبح عددها الآن يفوق عدد مراكز الفحم التي للإمبراطورية

وتسيطر بريطانيا الآن على أكبر مقدار من البترول الذي يستخرجه العالم. وقد بلغ ما تستهلكه من هذه المادة في الأغراض التجارية أيام السلم 12. 000 , 000 طن، وهي لا تجد صعوبة في الحصول على هذا المقدار

ويبلغ ما تستهله ألمانيا وقت السلم 7. 000 , 000 طن في العام، وهي تستطيع أن تستخرج ثلث هذا المقدار، فإذا أضفنا إليها ما يستخرج من أسبريا وما تستطيع أن تحضره بالطرق العلمية وجدنا أن هذا جميعه لا يكفي لتقديم ما تتطلبه في أوقات السلم بحال من الأحوال. فكل ما تستطيع ألمانيا الحصول عليه من هذه المادة الأساسية في حياة الأمم، لا يتجاوز 2. 400. 000 يدخل في ذلك البترول الصناعي والبنزول وغاز السيارات. وتستورد ألمانيا باقي حاجتها من أميركا وجزائر الهند الهولندية ورومانيا

ومن الواجب في هذا الصدد إلا نبالغ في تقدير البترول الذي تستخرجه رومانيا، فليس له في الحقيقة الأهمية التي يتصورها رجل الشارع. فكل ما تستخرجه رومانيا لا يزيد على 6. 000. 000 طن من البترول الخام، وهذا المقدار لا يكفي حاجات ألمانيا أيام الحرب، هذا إذا استطاعت الاستيلاء على منابع البترول في رومانيا، والإشراف عليها جميعها. وقد أخفقت في هذه المحاولة إبان الحرب العظمى. وعلينا أن نذكر هنا أن البترول الذي يصدر من رومانيا إلى ألمانيا، يجب أن يتخذ طريق الدانوب أو طريق البحر ماراً بمضيق جبل طارق، وكلا الطريقين تحت إشراف البنادق البريطانية. وإذا كانت بريطانيا تستورد حاجتها من البترول عن طريق البحر، فليس في ذلك أي ضير مادامت تسيطر على البحار. فإذا أصبح طريق البحر الأبيض المتوسط معرضاً للأخطار أيام الحرب، فأمامها أكثر من طريق واحد لتوصيل البترول إليها. فعلى الرجل الذي يحلم بالانتصار على الإمبراطورية البريطانية أن يعلم حق العلم أن الحرب لا يمكن أن تستمر بغير بترول، ولكنها تنتهي لأجل البترول

الصحافة السرية في ألمانيا

(عن

تنتشر الصحافة السرية في ألمانيا بطريقة منظمة محكمة تيسر للملايين من الألمان الاطلاع على آراء كتابها الأحرار داخل بلادها وخارجها. وقد ذهبت سدى كل المجهودات التي بذلت لوقف تيار هذه الصحف التي تنتشر بين الجنود وفي المصانع والمساكن تحت أسماء وعناوين مختلفة. وقد حاول هتلر منذ ست سنوات أن يكتشف طريقة لوقف هذه الحملة الشديدة المحكمة النظام التي يقوم بها بعض أبناء ألمانيا لإنقاذ نفوس الملايين الذين لم تفسد بعد قلوبهم ورؤوسهم بتعاليم النازي السخيفة، فذهبت جهوده في مهب الرياح. وقد عملت التدابير المحكمة لنشر تلك الآراء المعادية لحزب النازي، واتخذت لها أعواناً وأستاراً ممن يلبسون اللباس النازي ويسيرون في صفوف المؤيدين. وتنتشر الصحافة السرية في المصانع والمصالح الحكومية وبين جنود الجيش، ويتلهف الكثيرون على تلاوتها على الرغم مما في ذلك من المخاطرة بالحياة.

وكثيراً ما توجد هذه الصحف في علب الشاي والبسكويت وغيرها من هذه الأنواع البعيدة عن المظنة والشبه، ويدبج مقالاتها الطريفة كتاب فحول من أمثال: توماس مان وجورج برنهارد وهنريك مان وغيرهم. وفيما يلي فذلكة مما ينشر بتلك الصحف:

في الأمم الديمقراطية تشتد الخلافات وتتضارب الآراء بين الأحزاب حتى يهتز لها كيان النظام السياسي القائم، إلا أنها عند مواجهة الأخطار تتحد جميعها وتتعاون للدفاع عن الحقوق والحريات. وقد تظن الحكومات الديمقراطية أن هذه الروح السائدة في بلادهم تجد ما يشابهها في بلاد تحكم بالعنف وبالقوة مثل بلادنا، ولكن الأمر على النقيض من ذلك، فروح الكراهية والانتكاس والتطاحن لا تظهر عندنا في وقت السلم، فإذا دعا الداعي للحرب أظهرت الأكمة ما وراءها، وظهرت قوة الشعب

ومن المعلوم أن أركان حرب الجيش الألماني قد حذر النازي من الارتطام في حرب عامة إذ أن حرباً كهذه ستؤدي إلى هزيمة لا شك فيها. وقد أرسل إلينا ضابط عظيم يطلب الاستعانة بالصحافة السرية، على تحذير الشعب الألماني من الدخول في هذه الحرب. ويقول هذا الضابط في كتابه: (إن مركز ألمانيا الجغرافي في وسط أوربا وقرب مصانعها من الجهة الحربية، ومدنها الغاصة بالسكان تجعلها عرضة للغارات الجوية. ومن السهل على الطائرات الوصول إلى أقصى ناحية من الريخ في ساعة من الزمان). وعلى هذا النحو تسير الصحافة السرية في إرشاد الشعب الألماني وتحذيره بطريقة منظمة في كل أسبوع، بحيث تنير الطريق أمامه في ظلام المدلهمات.

هل تستطيع اليابان أن تحكم الصين

(عن (أميركان ميركيوري))

يلوح أن الضحايا العديدة التي فقدتها اليابان والأموال الطائلة التي بذلتها في الحرب الصينية سنتين كاملتين، قد ذهبت كلها أدراج الرياح. وقد تنقضي تلك الانتصارات المزعومة في هذه الحرب الطاحنة دون أن تفيء على الأمة اليابانية ما تأمله من الغنم. وذلك أن اليابانيين لم يرزقوا ذلك النوع من الدهاء السياسي الذي يمكنهم من حكم البلاد بغير العنف والإضرار، مما لابد منه لكل أمة تريد التوسع والاستعمار

وتدل الحالة في فورموسا وكوريا ومانشوكو على أن الاستعمار الياباني لم يكن إلا نوعاً من الحرب المتواصلة التي يشقى بها الحاكم والمحكوم، وليس فيها أي دليل على الاستقرار والهدوء والتمكن من الاستيلاء على ناصية الأمور

ولعل الميول العسكرية التي ساقت الجيش إلى الانتصار بحكم الرغبة في السيطرة والقوة، هي نفسها التي ذهبت بقيمة هذا الانتصار، فإن حكم الجيش لتلك البلاد المقهورة هو الذي جعل اليابان عاجزة عن توطيد مركزها بها

وقد أخذت اليابان تفكر تفكيراً جدياً في نبذ تلك الفكرة التي كانت ترمي إلى فتح الصين والاستيلاء على جميع أراضيها، وتود لو أتيح لها أن تعقد اتفاقاً مع الصين على أن تحكم الأقاليم الساحلية وتترك لها داخلية البلاد. ولكن اتفاقاً كهذا ليس من شأنه أن يوطد دعائم السلام بين الأمتين. فهو في الحقيقة سيكون بمثابة هدنة مؤقتة، إذ أن المنطقة الحرة في الصين ستعبئ كل قواها لإشعال نار الحرب من أجل الانتقام. وسوف تظل المؤامرات السياسية والأعمال السرية الخطيرة تقلق بال اليابان

وكل ما ترجوه اليابان الآن أن تستطيع استغلال الأقاليم التي استولت عليها جيوشها من الناحيتين الصناعية والاقتصادية، فإذا استطاعت اليابان أن تصل إلى أغراضها، وأمكنها أن تمد جيشها الذي يحتل تلك البلاد بما يرجوه من ثمرة انتصاره عليها، لم يكن من الصعب عليها أن تنتهز الفرص للاستيلاء على مواطن أخرى، أما إذا أعياها ذلك الأمر فإن الناحية الاقتصادية ولاشك ستصبح كارثة على اليابان. وقد ظهر أن المقدرة على الاستقرار وتسوية الأمور هي الشيء الذي ينقص اليابان في جميع المحاولات التي قامت بها لبناء الإمبراطورية

مما لاشك أن اليابان قد كسبت الحرب من الناحية الحربية. فقد استولت جيوشها بصفة نهائية على الشواطئ الصينية وامتلكت كثيراً من المدن الصينية الكبرى

إلا أن السلطة اليابانية، ونفوذ حكومتها عليها يتعد المناطق التي تحميها بنادق الجيش. ومازالت اليابان تلاقي أشد الصعوبات في البلاد التي تتوغل فيها داخل بلاد الصين. فالصينيون يقطعون عليهم خطوط المواصلات كلما تقدموا خطوة إلى الأمام ويهدمون البلدان ويفسدون الأطعمة وكل ما ادخرته تلك البلاد من الخيرات

ويقول الصينيون إنهم يضحون بالسكان لأجل الزمان؛ ويحسبون الأيام ويعدون الزمن لإيقاع الهزيمة بهؤلاء المغيرين. فإذا فرضنا أن اليابان لم تهزم وقدرنا أن قوتها الحربية ستستمر على إخضاع تلك البلاد، فليست اليابان بالأمة المؤهلة للاستعمار بالمعنى المفهوم عند الأمم الأوربية فهو كما يظهر شيء بعيد عن أخلاق اليابانيين