مجلة الرسالة/العدد 321/ما رأيها؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 321/ما رأيها؟

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 08 - 1939


للأستاذ عباس محمود العقاد

نعم ما رأيها، والضمير إلى الفتاة العصرية؟

ما رأيها في تعدد الزوجات وفي أن تكون شريكة لفتاتين أو لثلاث فتيات في زوج واحد؟

أنني أبدا فأثير نخوتها فأقول: إنها أعجز من أن تمثل دور الضرة، لأنها لا تفقه من كيد النساء ومأخذ الرجال ما كانت تفقهه جدتها التي كانت تتزود للضر بسلاحه، وتصلح للضر بمقدار صلاحه

ثم أثني فاشهد لها فأقول: إنها أكرم على نفسها وأعرف بالأواصر النفسية بين المرء وزوجه من أن تقبل زواجاً تنقطع فيه الآصرة النفسية وتهبط فيه الكرامة

ثم أعقب على هذا وذاك قائلاً: إنني ما نويت في هذا المقال أن احتكم معها إلى حكم الدين، فقد عرفنا أن الإسلام يجيز تعدد الزوجات ولكنه لا يوجبه، بل يكاد أن يمنعه بحضه على العدل واستكثاره أن يعدل الرجل بين امرأتين ولو حرص عليه

إنما احتكم معها إلى آراء الساسة المحدثين والقادة المعاصرين، فربما كان من العبرة أن نعلم أن هؤلاء القادة لم يجدوا أنفسهم قط في حالة كالتي كانت عليها الأمة العربية صدر الإسلام إلا خطر لهم تعدد الزوجات وأجازوا ما أجازه القرآن، بل أوشكوا أن يوجبوه، وربما كان هذا العلم من دواعي تصحيح النظر إلى أتصول الشرائع والأخلاق التي عابها أناس ونسو ما كان لها من بواعث وأسباب

أقطاب (النازية) في ألمانيا الحديثة ينصحون بتعدد الزوجات لأنهم يطلبون النسل ويكاثرون بالجنود ويتأهبون لليوم الذي يملئون فيه بطاح أوربا الشرقية فاتحين ومقيمين

فالأستاذ أنست برجمان عميد قسم الفلسفة بجامعة ليبزج ينعى في كتابة: (روح الأمومة) الزواج المفرد، ويوجب تعدد الزوجات في سبيل بقاء النوع ومنع انقراضه فيقول: (إن الزواج المفرد طوال الحياة يناقض الطبيعة ويضر بالنوع، فيضمحل حيثما فرضت الزوجة الواحدة على الرجل. وإنما مثال الدولة الصالحة تلك الدولة التي تكون فيها المرأة بغير عقب وصمة عار. ولن يزال في الأمم عدد من الرجال كاف وقابل لإيلاد جميع الإناث. وما علينا إلا أن ننبذ سخافة الزواج المفرد فنعلم أن الطبيعة قد جعلت كل فحل كافياً لعش أو لعشرين من البنات اللواتي لم يقتلن في نفوسهن غريزة الأمومة)

والدكتور روزنبرج فيلسوف المذهب ومقرر (نظرياته) ومبادئه يوصي بالرجعة إلى آداب القبيلة الجرمانية في مسائل الزواج، ويقول إنه لولا تعدد الزوجات لما زخرت الشعوب الجرمانية في القرون الماضية؛ (ولولا تعدد الزوجات لبطلت مقدمات الثقافة الغربية، إذ كان عدد النساء في بعض الأزمان يربى كثيراً على عدد الرجال كما يوشك أن يكون الأمر في الزمن الحاضر. . . فهل يقضي على هؤلاء النساء أن يذهبن خلال أيام الحياة محرومات حقوقهن الطبيعية مستهدفات للسخرية المزرية التي يلقاها العانسات؟ وهل يؤذن للمجتمع المنافق القانع بما هو فيه أن يسلم هؤلاء البائسات لأضاحيكه؟)

ثم يتمادى فيبيح إنجاب الأبناء من غير الزوجات الشرعيات، تكثيراً للنوع وتعزيزاً لقوة الأمة الجرمانية!

ورأي المفكرات الألمانيات قريب من رأي المفكرين الألمانيين في هذا الباب. فإحداهن وهي السيدة (شولتز كلنك) تقول في خطاب لها بين الصحفيات: (إن البنات الألمانيات يرجعن في عصرنا الحاضر إلى غرائزهن الأصيلة ويصدعن بحكمها في خضوع واغتباط عارفات أن هذه الغرائز إن هي إلا عطية سماوية يملكن بها الدم والأرض ويصبحن بها نماذج للمرأة الألمانية الحديثة)

وقبل الفلسفة النازية بقرن كامل من الزمان كان نابليون يحتاج إلى الجنود كما يحتاج إليهم النازيون الآن، وكان يغري الأمة الفرنسية بالتناسل كما يغري النازيون أمم الجرمان، وكان يقول مثل ما يقولون اليوم كلما رأى عدد النساء في ازدياد وعدد الرجال في نقصان

فمن قوله في هذا الصدد: (إنني صنعت كل ما استطعت لإصلاح حال اللقطاء المساكين الذين يساقون للعار والمهانة، ولكن المرء لا يستطيع أن يغلو في هذه الناحية مخافة على نظام الزواج، وإلا لم تجد أحداً يقدم عليه)

(وقد كان للرجل في الزمن القديم سريات إلى جانب الزوجة فلم يكن أبناء الزنى محتقرين يومئذ كاحتقارهم في أيامنا. ومن المضحك ألا يباح للرجل اكثر من زوجة فإذا هو كالأعزب كلما حملت أو مرضت)

(إن الرجل لا يتسرى في العصر الحديث، ولكنة يخادن الخليلات وهن خراب لهن كلفة أفدح من كلفة الزوجات. ولقد درج الفرنسيون على إكبار المرأة وما ينبغي لها مساواة الرجال فما كانت بعد إلا آلة لإخراج الذرية. . .)

(ويطيق الرجل أن يتزوج كثيرات من النساء ولا يبدو عليه أثر ذلك. أما المرأة، فإذا اقترنت مرة بعد مرة فلا محالة يدركها الذبول!)

ويقول نابليون عن المساواة بين الجنسين: (لا مناص من سيادة أحد الجنسين على الآخر. . . فقد يختل نظام الأمة إذا اعتزلت المرأة مكانها المطبوع، وهو مكان الطاعة والخضوع!)

والآن لا أدري. هل أكسبت نابليون وخلفاءه الألمانيين نصيرات بين الجنس اللطيف، أو عصفت بمن لهم بينهن من النصيرات؟

لكن الحرب قادمة، أو يخشى أن تنفجر هنا وهناك من حيث لا نتوقع قدومها. فماذا يكون الرأي إذا خرجنا من الحرب وعندنا ثمانية ملايين امرأة، وليس عندنا من الرجال ألا سبعة ملايين أو سبعة ونصف مليون؟!

اليوم يتكفل الماء العفن بحصد الرجال وتلقيحهم بلقاح: (الأنكلستوما والبلهارسيا) حيثما انتشر ماء الري في إقليم جديد فيصاب الفتيان ولا يصاب الفتيات، ويضعف الرجال ولا يضعف النساء.

فإذا جاءت الحرب، فأتمت هذه البداية، فماذا يبقى من أناقة الجنس اللطيف؟ ومن ترف المتعاليات على الضر أمام هذه الضرورة التي لا تحسن الكلام بلغة (الندى)، ولا تنحني في رقة وابتسام كما ينحني رواد الصالون؟

نسوق النساء إلى الزراعة؟ نقسرهن على العمل؟ نستبدلهن بالرجال في مشاق الأشغال؟

على كل حال ذهبت الأناقة والترف، وذهبت معهما مزايا الجنس اللطيف، ولو كان المشتغلات بتلك المرهقات من بنات الكوخ والبيت الوضيع، ولم يكن من بنات الندى والصالون

ثم هو حل لمشكلة العمل، فأين الحل لمشكلة النوع ومشكلة الأسرة ومشكلة الأخلاق؟!

عمل عظيم بين يدي (وزارة الشئون الاجتماعية) أعانها الله علية!. . .

عباس محمود العقاد