مجلة الرسالة/العدد 319/من الأدب الألماني
مجلة الرسالة/العدد 319/من الأدب الألماني
محاورة عن الألمان
لهاينرش كلايست
بقلم الدكتور جواد علي
الشاعر الألماني كلايست (1777 - 1811) من أشهر المجددين في عالم الأدب الإبتداعي ومن أساطين (الدراما) في عصره. أدخلت معظم قطعه الأدبية إلى عالم التمثيل والأوبرا. ولعل القراء الذين أتاحت لهم الفرص زيارة (دور الأوبرا) وخصوصاً الألمانية منها قد شنفوا أسماعهم واطلعوا على مغزى قطعه الخالدة مثل: أمير هومبرك (برنس فون هومبرك) و (هينا فون بارنهايم) وعائلة شروفنشتاين (فميليه شروفنشتاين).
على أن الحروب النابليونية الألمانية (البروسية منها والنمساوية) قد حولت اتجاه أدبه إلى اتجاه آخر هو الاتجاه الوطني السياسي الحماسي فاصبح شعره منذ هذا العهد من نوع الأخذ بالثار (راخة كقصيدة كرمانيا إلى أطفالها. ومعركة هيرمان (هيرمان شلاخت). وفي القطعة الخالدة (محاورة عن الألمان، التي الفت على الطريقة الأسبانية للأطفال والكبار) أمثلة محسوسة عن هذا الأدب الراقي والوطنية الألمانية. وقد ترجمت إلى لغات كثيرة لذلك رأيت ترجمتها إلى قراء الرسالة.
س - تكلم أيها الطفل من أنت؟
ج - أنا ألماني
س - ألماني؟ أنت تهزل. ولدت في مايسن. والأرض التي تتبعها مايسن تسمى زاكسن؟
ج - ولدت في مايسن. والأرض التي تعود إليها مايسن تسمى زاكسن. ولكن وطني، الأرض التي تتبعها زاكسن هي ألمانيا وولدك يا أبت هو ألماني.
س - أنت تحلم! أنا لا أعرف أرضاً تتبعها زاكسن، لعلك تعني حلف بلاد الراين. أين أجد ألمانيا هذه التي تتكلم عنها وأين تقع؟
ج - هنا يا أبت لا تشوش علي
س - أين؟ ج - على الخارطة
س - نعم على الخارطة (خارطة سنة 1805) هل تعلم ماذا حدث في سنة 1805 حين تم عقد صلح برسبرك؟
ج - نابليون، القيصر القورسيقي، خربه ودمره بعد الصلح بظلمه وجبروته.
س - والآن؟ ومع ذلك فهل هو موجود؟
ج - بكل تأكيد! ما هذا السؤال؟
س - مذ أي وقت؟
ج - مذ نهض فرانس الثاني قيصر الألمان القديم لبناء ما خرب، ومذ نادى الشعب قائده الشجاع للانضمام إلى لجيش الذي يقوده لإنقاذ الوطن وتحريره.
عن حب الوطن
س - تحب وطنك أليس كذلك يا ولدي؟
ج - نعم، يا أبت ذلك ما أحسه طبعاً
س - لم تحبه؟
ج - لأنه وطني
س - أنت تعني لأن الله بارك فيه بالأثمار الكثيرة وزينه بقطع نادرة من الفنون الجميلة، أو لأنه اظهر أبطالاً ورجالاً وأنجب حكماء زينوه ممن ليست لأسمائهم نهاية.
ج - لا يا أبت إنك تغويني.
س - أنا أغويك؟!
ج - إذاً فروما وريف مصر اللتان بوركتا كذلك بالأثمار وبالقطع النادرة من الفنون، وبجميع ما هو عظيم وكبير كما علمتني، أعظم بركة من ألمانيا. ولكن لو ساق القضاء والقدر ابنك إلى السكنى هناك لشعر بالانقباض وعدم الارتياح، ولما أحس بالحب لهما كما يحس لألمانيا.
س - إذاً فلم تحب ألمانيا؟
ج - لقد أجبتك يا أبت
س - أجبتني؟ ج - نعم لأنها وطني
عن تربية الألمان
س - ما هي حكمة الله يا بني في صب غضب نابليون على ألمانيا وإقلاق راحة الألمان؟
ج - لا علم لي بذلك
س - لا علم لك بذلك؟
ج - نعم يا أبت
س - وأنا أيضاً، ولكني أوجه سهام تفكيري نحو السماء فأن أصبت ربحت، وإن لم أصب لم أخسر. أتعيب ذلك علي؟
ج - كلا يا أبت
س - لعلك تقول ذلك لأنك تعتقد أن الألمان في قمة الفضيلة والمجد كما تكون الأشياء بعضها أرفع من بعض
ج - أبداً يا أبي
س - إذاً فقد كانوا على الأقل يسيرون دائماً في الطرق المستقيمة للوصول إلى ذلك؟
ج - لا يا أبت، ليس ذلك أيضاً.
س - عن أي الابتذال تحدثت إليك؟
ج - عن الابتذال؟
س - نعم عن الابتذال الذي يلتصق بأبناء هذا الجنس.
ج - كان إدراك الشعب الألماني كما ذكرت لي قد أزهر. وكان العلماء الأذكياء يعكسون ما ينعكس عليهم، وينتجون من ذكائهم، ولكن تلك القوة السحرية وتلك العاطفة القلبية قد ذهبتا
س - ألا تجد أن الابتذال ينطبق على أبيك الذي يجادلك أيضاً؟
ج - نعم يا والدي العزيز.
س - أين تكون الأثرة وأين تكون المحبة؟
ج - الأثرة تكون في حب المال والمتاع؛ أما المحبة فتكون في الاشتغال بالتجارة والحركة، حيث يتصبب العرق من الجبين، ويعيش المرء عيشة هادئة متزنة بلا هم ولا غم.
س - إذاً لم هذه المسكنة التي ضربها الله على هؤلاء الناس فخربت الأكواخ وتلفت المزارع؟
ج - كي يحتقر هؤلاء متاع الدنيا ويهرعوا إلى الله فيتقربوا إلى أعظم سلطان مهيمن على العالم: وهو الله
س - ما هي أعظم مقدسات الإنسان؟
ج - الله والوطن والقيصر والحرية والحب والإخلاص والجمال والعلم والفن
عن الخيانة
س - ما هو ذنب من خالف أوامر الأمير كارل ونداءه الذي أذاعه على الشعب أو عارضه بالقول أو الفعل؟
ج - الخيانة العظمى يا أبت
س - لماذا؟
ج - لأن الشعب الذي ينتمي إليه هذا الخائن سيفسد
س - وما الذي يجب أن يفعله إذا أولئك الذين خانوا الوطن وانضموا إلى صفوف الفرنسيين لإذلال الألمان؟
ج - يجب عليهم إلقاء السلاح حالاً والالتفاف حول الرايات النمساوية
س - وإذا لم يفعل أحد منهم ذلك بل ظل يحمل السلاح فما يكون نصيبه؟
ج - الموت يا أبي
س - ولكن من يستطيع وحده أن ينقذه من هذا الموت؟
ج - عفو فرانس، قيصر النمسا وحامي الألمان
الخاتمة
س - أجبني يا ولدي. إن نهض قيصر ألمانيا النبيل إلى استعمال السلاح لينقذ حرية الألمان، ولكن الأقدار لم تساعده على ذلك: إلا تنهال عليه اللعنات والأصوات قائلة: لم قام القيصر بذلك؟
ج - لا يا أبي
س - لماذا؟ ج - لأن الله هو الحاكم المهيمن على العالم لا القيصر. فليس في يد القيصر ولا في يد أخيه كارل مشيئة تمكنهما من كسب المعارك متى يشاءون.
س - ودماء الآلاف من الناس، والمدن التي هدمت، والأرض التي خربت، تذهب كل هذه عبثاً؟
ج - نعم يا أبي مع ذلك؟
س - ما معنى مع ذلك؟ حتى ولو هلك جميع من في الأرض من رجال ونساء وأطفال. فهل تحبذ أنت الكفاح؟
ج - نعم يا أبي مع ذلك
س - لماذا؟
ج - لأن الله يريد ذلك. يريد الموت في سبيل الحرية
س - وما الذي يراه الله قبيحاً؟
ج - حياة العبودية.
جواد علي
خريج جامعة هامبرك بألمانيا