مجلة الرسالة/العدد 317/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 317/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 07 - 1939



في إيران دكتاتورية بلا أعداء

(عن (ذي أديلاد كرونيكل))

لعل أهم ما ترمى به الدكتاتورية أن الدكتاتور إذا مات لا يخلفه من

يملأ الفراغ الذي يترك من بعده، ولكن إيران لا خوف على مستقبلها

من هذه الناحية، فإن شعبها على ثقة دائماً بأن ولي عهده الذي تزوج

أخيراً من شقيقة ملك مصر، سوف يكون ما للملك الوالد من الصلابة

والحزم في حكم البلاد

والأمير رضا شاهبور في التاسعة عشرة من سنه، وهو أكبر أبناء الشاه التسعة، وقد ورث عن أبيه قوة الجسم وسلامة البنية، وتدرب على الرياضة بأنواعها وعلى الأخص لعبة التنس وكرة القدم. ويعد في الطبقة الأولى في الرماية وركوب الخيل. وقد بدأ اهتمامه بالكشافة - التي أخذت تنتشر في إيران بسرعة عجيبة - في السنين الخمس التي قضاها بالمدرسة في سويسرا

فإذا دعي إلى عرش النسر الذي ادخره أبوه له بعد جهاد طويل، فسوف يجلس للحكم في القصر الذي كان والده في يوم من الأيام حارساً على أبوابه

فقد كان الشاه رضا خان بهلوي منذ خمس وثلاثين سنة، جندياً بسيطاً في حرس الشاه السابق. وفي سنة 1921 نزح إلى طهران العاصمة، فوجد الناس يتقاتلون فيها على الخبز، والفقر قد أنشب مخالبه في كل شيء، بينما يقيم الشاه في باريس منذ عدة سنين، والحكومة على أبواب انتخابات، والدين الأجنبي يزيد ويتضخم بسبب ما ينفقه الشاه من الأموال في عاصمة فرنسا

لم يطق رضا خان صبراً على هذه الحال ووطد عزمه على تغييرها، وكان يقتبس كثيراً من الإصلاحات عن مصطفى كمال أتاتورك. وفي سنة 1925 كان قد أدخل كثيراً من الإصلاح في بلاده وهيأ الشعب للحكم الصالح. أما الشاه الذي ظل في باريس بين الغواني فقد فَقَدَ احترامه بين الجمهور وعلى الأخص بعد أن ورد على طهران تقرير من باريس يصف سلوكه في حانات مونمارتر. وقد وجد ليلة وسط خمس وعشرين امرأة من الراقصات ليس بينهن رجل سواه، وقد تبلل قميصه بالنبيذ الذي تساقط من الكأس، التي لم تقو يده على حملها لشدة السكر

فعزم رضا خان على أن يزيل هذا الشاه كما أزال حكومته منذ أربع سنوات فأعلن خلعه وولى نفسه مكانه شاهاً لبلاد العجم

ومما لا يختلف فيه اثنان أن إيران الحديثة وهي مملكة مساحتها 68000 ميل مربع وعدد سكانها عشرة ملايين كلها من صنع رجل واحد - هو الشاه

فالشاه يشرف على كل شيء في إيران بنفسه وله فيها الكلمة التي لا ترد، وإن كان رضا خان لا يبت في أمر ذي بال قبل أن يوافق مجلسه النيابي عليه. أما الوزراء فهم جميعاً ملحقون بخدمة الشاه ولا يقومون بعمل قبل موافقة الشاه

هذا الحاكم الشديد في غير ظلم، يعد من رجال الملك الجديرين بهذا اللقب على الرغم من منشئه. يحبه جنده إلى حد العبادة؛ ويعده شباب الجيل الحديث في إيران أباً لهم. وعلى الرغم من أنه يعطي نفسه سلطة لا حد لها في حكم البلاد، فهو يعمل لها بجد وتواضع واعتدال

هل يحل (العم سام) محل (جون بول)

(عن مجلة (باريد))

إذا قدر لبريطانيا العظمى أن تنهزم في حرب عالمية وتندحر قواها حقاً، فهل تخلفها الولايات المتحدة الأمريكية في الاحتفاظ بزعامة الجنس الأبيض على العالم؟

يقول (أندريه سيجفرييه) المؤلف الفرنسي المشهور: للإجابة على ذلك يجب أن نقدر الظروف التي ارتفعت فيها بريطانيا إلى مركز الزعامة والقوة في العالم، فقد اتجهت بريطانيا إلى التوسع والسيادة في وقت لم يكن يزاحمها فيه أحد

أما الآن فقد تغيرت الحال وأصبحت بريطانيا تشعر بتزعزع واضطراب في مركزها القديم؛ وقد زال من العالم ذلك النوع من الارتباط الدولي الذي كانت تقوم على حمايته بريطانيا العظمى على مبدأ الأخذ والإعطاء، على ما كان له من الفوائد المحققة لسائر الأمم

وقد بدأت اليابان تطالب بمنطقة لا نعلم ماذا سيكون من أمرها بعد، إلا أنه مما لا شك فيه أن ذلك الموقف المريب في الصين، يضيف أزمة خطيرة إلى أزمات أوربا العديدة

فإذا فقدت الهند من بريطانيا وفقدت إلى جانبها مستعمراتها في الشرق الأقصى، فقد زالت زعامة الجنس الأبيض من الوجود إذ أن ذلك سيتبعه ولا شك مطالب لا تحد لسائر الأجناس في أنحاء العالم، فتعاني أوربا ما تعاني من جراء ذلك، ولا يخفى أثر هذه الصدمة على الولايات المتحدة

فإذا كان للمدينة البيضاء أن تحتفظ بمكانتها في العالم، فمن الواجب أن تقوم قوة دولية عظيمة بالاضطلاع بما يمليه هذا الموقف الخطير من الواجبات السياسية والحربية.

وقد قامت إنجلترا بواجباتها زهاء قرن ونصف قرن. وتبعتها فرنسا في شمال وغرب أفريقيا. وهاهي ذي ألمانيا تحاول السيادة الدولية منذ 1914 - 18، ولا يشك أحد ممن يتتبعون مجرى الحوادث في أوربا لحظة واحدة في أنها تعود ثانية إلى التفكير في تلك المحاولة.

إن عالما تسوده ألمانيا لابد أن يختلف كل الاختلاف عن العالم الذي نعيش فيه تحت نفوذ بريطانيا، وعلى ذلك يصح لنا أن نتساءل: هل الولايات المتحدة على استعداد لقبول مسئولية السيادة الدولية إذا احتاج الأمر إلى ذلك؟

وهنا يظهر موقفان: الأول أن الولايات المتحدة يجب أن تحمي القارة الأمريكية ولا تتجاوز هذا الحد. والثاني رغبتها الأكيدة في حماية الإمبراطورية البريطانية من الهزيمة إذ أن سقوط بريطانيا يؤثر تأثيراً سيئاً على مركزها في العالم.

ويصر الرأي العام في الولايات المتحدة على الرأي الأول. ولكن هناك حركة يقوم بها بعض رجالها السياسيين تجعل الأمل كبيراً في ترجيح الرأي الثاني.

إن الولايات المتحدة ليست على استعداد لأن تحل محل الإمبراطورية البريطانية في السيادة الدولية، ولكنها مع ذلك لا تسمح بتحطيم القوة البريطانية.

الحب يحفظ العالم

(عن (ذي سيكولجيست)) يقول علم النفس الحديث إن الحاجة إلى الحب هي في الحقيقة حاجة إلى حماية الآخرين ومساعدتهم

فالأسماك لا تعرف الحب. فإذا خرجت السمكة إلى عالم الوجود، لا تعرفها أمها ولا يحفل بها أبوها، وقد تفصلهما عنها أميال شاسعة. فالسمكة الصغيرة لا تعرف حماية الوالدين على الإطلاق، وحياتها معلقة على المصادفة والجهد المستقل

ولكن الطفل من بني الإنسان على نقيض ذلك. فيولد عاجزاً كل العجز، ولن يبلغ أشده إلا إذا لاقى عناية خاصة، ممن يهمهم أمره. فالطفل إما أن يجد الحب وإما أن يموت

وهذا الحب الفطري لا تقابله منفعة خاصة للغير. فالطفل يلاقي العناية الفائقة من أمه أو مربيته أو من يضطلع بأمره ولا يجازيهم على ذلك أي جزاء، ولا ينتظر أحد منه شيئاً من الجزاء لأنه لا يقدر عليه

إلا أن هذا الموقف لا يستمر على الدوام، فإذا رأينا إنساناً في سن الرجولة يأخذ من الناس ولا يعطيهم مقابل ما ينال منهم، فإننا نعده إنساناً ما زال في دور حب الطفولة. وننتظر أن ينمو بدوره ويتقدم إلى المرتبة التي يتحمل فيها مسئولية حب شخص آخر يحتاج إلى رعاية بغير أمل في جزائه

وبمعنى آخر إن كل إنسان يجب أن يعبر الطريق الذي ينال فيه كل شيء ولا يعطي مقابله أي شيء، إلى الطريق الذي يعطي فيه كل شيء ولا ينال شيئاً. ولا يعد هذا العمل فضيلة بأي حال فهو ضرورية حيوية ورثها الإنسان منذ ظهر في هذا الوجود

وليس في أنانية الطفل مأخذ عليه، فكأنه بعمله يقول: إنه عاجز وإنه عالة على محبة الآخرين وإنه يجب أن يأخذ منهم وإنه لا يستطيع الجزاء

فإذا لم يكن لدى الطفل الفرصة التي تخرجه من أحضان أمه إلى دائرة أكثر حرية واتساعاً، فقد تفوته فرصة التقدم من الرتبة التي يتلقى فيها الحب، ولكن الأمر على خلاف ذلك، فلا بد أن يتصل باخوته وغيرهم من الأطفال المقاربين له في السن؛ وهم مثله لم يتقدموا عن المرتبة التي يتلقون فيها حب الأباء والأمهات، ولا تقل أنانيتهم عن الأنانية التي يستمتع بها. فإذا اجتمع لفيف من الأطفال على هذا النحو فإن الاختلاف سرعان ما يدب بينهم إذ أن كل طفل مولع بنفسه مؤثر إرادته على إرادة الآخرين. إلا أن الألعاب العديدة المنظمة التي قوامها التعاون تقضي على هذه الروح لأن الطفل في هذه الحالة يشعر بأنه ينال السرور الحق حينما ينظر إلى حقوق الآخرين بعين الاعتبار. فهو يعتبر الآخرين لا عن طريق التضحية أو عن طريق المبادئ الأخلاقية، ولكن لأنه يجد راحته في هذه الحال.

وهذه مرتبة عظيمة من مراتب الحب، والذين لا يعرفونها لا يعرفون العواطف السامية في طور النمو.

الصحافة بعد ستين عاما

(عن مجلة الصناعة الأمريكية)

كيف تكون الصحافة بعد ستين عاماً أي سنة 2000 بعد الميلاد؟

هذا سؤال وجهته مجلة الصناعة الأمريكية في الأيام الأخيرة إلى بعض الصحفيين والمشتغلين بالسياسة. فورد عليها أجوبة مختلفة على هذا السؤال، إلا أنها تجمع على أن الصحافة بعد ستين عاماً ستكون مختلفة عنها اليوم

ومن الأجوبة الطريفة على هذا السؤال ما كتبه مستر هارولد سكرتير وزارة خارجية الولايات المتحدة، وقد مزج الحقيقة بالفكاهة فقال:

(حينما أفكر في مستقبل الصحافة بعد ستين عاماً، تجري على خاطري رغبة سبقني إلى شرحها توماس جيفرسن يوماً من الأيام. اقترح جيفرسن أن تقسم كل جريدة إلى أربعة أقسام:

1 - الحقائق

2 - الأخبار المحتملة الوقوع

3 - الأخبار التي تنتظر الإثبات

4 - الأكاذيب

فلو سارت الصحافة على هذا المنوال، فمن رأيي أن يكون الباب الأول خاصاً بنتائج المباريات الرياضية، والثاني خاصاً بتقارير الأرصاد الجوية، والثالث بأخبار السينما، والباب الرابع خاصاً بغالبية الأخبار السياسية ومن رأيي أن هذه الطريقة تجعل من الصحافة هيكلا مقدسا للحقيقة، كمل تجعل منها مثالاً معلوماً للخيال فتعم السعادة ويظهر الإخلاص ويرفه عن قلوب الناس).

وقد تناول هذا الموضوع رجال الصحافة بما يستحقه من الجد والاهتمام

ومما قاله أحد الصحفيين: إن أصحاب الصحف الذين يرتاعون لمنافسة الإذاعة اللاسلكية قد يجدون شيئاً من الراحة والاطمئنان إذا لاحظوا أن اليوم، حتى سنة 2000 بعد الميلاد لا يمكن أن يزيد على أربع وعشرين ساعة.

وقد استطاعت الإذاعة أن تخترع طرقاً عجيبة للاستماع إلى الموضوعات والبرامج التي سبقت إذاعتها في الوقت الذي يشاؤه الإنسان. أما الإذاعة المصورة (تلفزيون) فسوف يتيسر لها أن تمدك بالصور والأصوات، وسوف يتيسر لها كذلك أن تحتفظ بها لأي وقت تريد، فتستطيع أن تستمع إلى البرنامج الذي يذاع في الساعة التاسعة وأنت بالسينما أو المسرح، في الساعة الحادية عشرة في منزلك أنت وعائلتك وترى كذلك الصور المذاعة.

وسوف يكون من السهل الاحتفاظ بالصور الملونة للرجوع إليها في المستقبل. وفي سنة ألفين يستطيع الرجل أن يقرأ الصحف في مكتبه في الصباح بينما تتلهى زوجه بسماع برنامج الموسيقى التي أذيعت في الليلة السابقة في باريس.

ومن المنتظر في ذلك الوقت أن يتلقى الإنسان أخبار العالم بواسطة محرك بسيط يلمسه بإصبعه، فإذا كل شيء قد نقل إلى أذنه لتسمعه، وإلى عينه لتراه.

وسوف ينتقل إليه بطبيعة الحال فيض من التقارير الرسمية الدقيقة من أنحاء قاصية كنيوزيلند والتبت منقولة نقلاً مطابقاً للأصل كل المطابقة

وكذلك صور الأوبرا: فيستطيع أن يلمس المحرك في أي وقت ليسمع قطعة من أوبرا تكون قد أذيعت من موسكو في الليلة السابقة واحتفظ بها ليسمعها في أي وقت يريد

وسوف يكون لديه لفافات طويلة من الأوراق المنقولة بواسطة الراديو، تنقل إليه في أي وقت حديثاً يكون قد فاته سماعه في الليلة الماضية. . .

وقد لمس أحد الصحفيين الذين كتبوا في هذا الشأن ناحية أخلاقية في الموضوع.

فقال: إن العبقرية الإنسانية سوف تستطيع أن تصل إلى الغاية التي تيسر لذوي العقول والكفاية أن يصدروا الصحف دون حاجة إلى رؤوس الأموال الطائلة التي يحتاجها إصدار الصحف الآن. حتى لا تكون هذه الصناعة وقفاً على أصحاب الثروات. فيتمكن الرجال ذوو الأخلاق والمواهب من إصدار الصحف بغير إرهاق

وسوف يكون من المستطاع إخراج الصحيفة الكبيرة بتكاليف زهيدة للغاية، وتصبح الآلات الضخمة التي تستعمل الآن شيئاً لا يذكر إلا على ألسنة المؤرخين

سوف تلقى العبقرية تلك الآلات الضخام وتجعلها موضعاً لسخرية الساخرين.