مجلة الرسالة/العدد 314/من هنا ومن وهناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 314/من هنا ومن وهناك

مجلة الرسالة - العدد 314
من هنا ومن وهناك
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 07 - 1939



هل يظفر الأمير عبد الله بملك فلسطين؟

(عن مجلة الباريسية)

لا يستطيع الناظر المتأمل مهما أوتي من قوة الفراسة والمقدرة على

تحليل النفوس واستنباط ما وراء الوجوه من المعاني والأفكار، إذا نظر

إلى وجه الأمير عبد الله أمير شرق الأردن، أن يحكم لأول وهلة أن

صاحب هذا الوجه، على الرغم مما يبدو عليه من الهدوء والاتزان،

يحمل حملاً ثقيلاً منذ عشرين عاماً

فإذا جلست إليه ورأيته يمسح بكفه على لحيته الصغيرة المنسقة ويتكلم بصوته المهذب الرقيق، لا تصدق أن هذا الرجل بعيد عن الاستمتاع بالراحة

وإذا كانت الدودة الصغيرة تغادر أثراً ما على السنديانة العظيمة، فلا غرابة أن تترك المطامع البائدة، والأحلام الضائعة، أثرها العميق في نفس الأمير

لقد كان الأمير عبد الله يحلم في شبابه - وهو ابن شريف مكة في ذلك الوقت - بحياة ذات مجد حربي عظيم؛ ولكنه خسر أول معركة قادها بجنود أبيه. وإذا كنت ممن يعرفون قونين الصحراء غير المسطورة، أمكنك أن تعرف مقدار تأثير هذه الهزيمة

إن العرب قد يغتفرون للسارق؛ وقد يتسامحون مع الرجل الذي يقتل أباه، ولكنهم لا يغترون جريمة القائد المنهزم بحال من الأحوال

ومما يستحق الذكر أن الأمير عبد الله في ثورة الصحراء، والحملة التي يقودها لورنس، لم يكن سوى ظل بسيط في مجرى الحوادث على الرغم مما هو معروف عنه من الشجاعة والذكاء

وإذا كان قد حكم على الأمير بأن يحيا حياة مدنية وإخوانه يخوضون غمار الحروب، فقد وضع آماله في شيء واحد وهو عقيدته الثابتة بأنه إذا جد الجد وجاء يوم الانتصار سيدعى ولا محالة للجلوس على عرش من العروش التي تقسمها بريطانيا العظمى بعد زوال الإمبراطورية التركية

وما كادت الحرب تضع أوزارها حتى تولى والده الحسين ملك مكة والحجاز، وتولى أخوه الأكبر ملك جدة، وتولى فيصل أخوه الأصغر ملك سوريا ثم ملك العراق؛ وبقى عبد الله وحده بغير تاج حتى أتيحت له إمارة شرق الأردن بعد جهد شديد

وتبلغ مساحة شرق الأردن مقدار مساحة إيرلندا، ويبلغ سكانها 300000 نفس يعيش ثلثاهم معيشة الصحراء

وإذا كان قد انقضى عشرون عاماً منذ اتخذ الأمير ذلك الطريق المقفر نحو عمان بدً من دخول دمشق وبغداد دخول الفاتحين، فإنه لم يعلن أمنية واحدة من أمانيه التي كان يفكر فيها ولورنس يخترق الصحراء، وهو منذ عشرين عاماً يري الطعم لملك فلسطين

وقد أدرك بذكائه وقوة استنتاجه أن العرب واليهود لا يمكن أن يتفقا، وأن هذين الشعبين لا يمكن أن يعيشا معيشة أمان وسلام، وأن بريطانيا لا تستطيع أن تجد حلاً لمشكلة فلسطين يتفق ومصلحة الإمبراطورية

وعلى الرغم من الانتظار الذي طالت مدته لم يزل الأمير مصراً على أمنيته العزيزة. وكثيراً ما حرضه أصدقاؤه وأقرباؤه على أن يعبر الأردن ببدوه، ولكنه كان على الدوام يأبى أن يستبق الحوادث. . .

وعقيدته أن الحالة في فلسطين كلما ازدادت تحرجاً كان ذلك في مصلحته وأدعى إلى تحقيق أمانيه

وإذ كان الأمير قد استطاع أن يكبح جماح نفسه عشرين عاماً، فنحن نعتقد أنه لا يوجد واحد من المشتغلين بالسياسة في الشرق الأدنى يظن أن شخصاً في حالة تقسيم فلسطين سيكون أولى منه بالجلوس على عرشها

ويقال إن هذه الولاية في تلك الحال سوف تكون مرتبطة بشرق الأردن، وبارتباطها تجد بريطانيا حليفة قوية في شرق الأدنى. . .

هل تحتفظ السويد بحيادها - عن باري سوار

إن أصوات المدافع التي تدوي في استكهلم، وتنقلات الجنود وتدريبها في عاصمة البلد التقليدي في الحياد، مما يدل على أن الثقة بالنازي قد تزعزعت في تلك البلاد لماذا تشتغل السويد بتلك التدريبات الحربية، وقد احتفظ بحيادها مدة الحرب السابقة؟ هل هي تتوقع أن تكون عرضة للهجوم في الحرب القادمة؟

إن الذين لا يتتبعون السياسة السويدية، قد يذكرون حياد السويد نحو ألمانيا القيصرية في حرب 14 - 18، ويظنون أن الآريين من السويد يحتفظون بشعورهم نحو المدنية والثقافة الألمانية، والحقيقة أن تغيراً عظيماً قد حل في نفوس الرأي العام!

أما المسئول الأول عن هذا التغيير فهو أولدف هتلر. فقد كانت خطة النازي من البدء مثيرة لشعور الحرية والتقدم الاجتماعي في نفوس السويديين.

وإذا كان الملك جوستاف على الرغم من بلوغه سن الثمانين يعد من رجال أوربا الملحوظين، فإن السويد الآن يحكمها الاشتراكيون. وقد تقدمت تلك البلاد تقدماً محسوساً ووصلت الصناعة الحديثة فيها إلى درجة لم تصل إليها الولايات المتحدة.

لقد وصل صدى تهديد هتلر إلى تلك البلاد. وقد أشار القائد الألماني هانشوفر في إحدى محاضراته باستكهلم إلى أن عدد السكان في السويد قليل بالنسبة إلى مساحتها، وأنها تستطيع أن تمنح الأماكن الفسيحة لسكنى ملايين من الناس.

وقد كان في السويد بعض الفرق النازية، وكان بها الكثير ممن يعتمد عليهم الفوهرر، وقد أرادت ألمانيا أن تجعل تلك الفرق فرقة واحدة تحت إمرة رجل واحد يدعى (لندهولم)، ولكن خاب مسعاها، إذ تبددت تلك الفرق ولم تبق للنازي فرقة واحدة على الإطلاق.

إن إخفاق الهتلرية في السويد لم يكن في الحقيقة تعبيراً عن كراهية للألمان، فإن الارتباطات الجنسية والتعليم يجعلان لألمانيا منزلة في تلك البلاد، وإن كان لفرنسا تأثيرها الثقافي الملحوظ.

ولكن الشعور السائد قد انقلب على ألمانيا الآن. وإذ كان للسنما أثرها الكبير في اسكاندينافيا فقد بدأ الألمان يستأجرون كواكب السنما من السويد لنشر دعايتهم تحت أسماء هؤلاء الكواكب ولكن ذهب مجهودهم هباء. فالأفلام الألمانية لا تقابل باستحسان بينما تنجح الأفلام الفرنسية على الدوام

على أن هذا جميعه لا يدل على أن السويد قد فقدت رغبتها في الحياد، ولكن من السهل أن يقال إن السويد لا يبعد أن تساق إلى الحرب ضد ألمانيا ويقول رجال السياسة بها من الاستعداد الحربي الذي تقوم به الدول الآن يمنعهم من المهادنة. وأكثر من هذا طلب الذهب والحديد؛ فالسويد تستخرج كميات عظيمة من هذين المعدنيين، وإن حديدها النادر أليق من غيره لآلات الحرب. فألمانيا ولا شك تحتاج إلى حديد السويد لعمل السلاح، وإنجلترا وفرنسا تريان من الواجب عليهما أن تمنعا توريده إليها

فإذا هوجمت السويد فسوف تحارب. وكل فرد فيها على أهبة لعمل ما يجب عليه. وإذا كان جيشها ليس بالجيش العظيم فإن لديها ثلثمائة طائرة، وقد خصص أكثر من ضعف ميزانيتها للتسليح