انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 312/ترانيم وتسابيح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 312/ترانيم وتسابيح

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 06 - 1939



أنشودة الصباح. . .

(إلهامات من سحر الحب وجمال الطبيعة في ضفاف الجزيرة)

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

سَبقْتِ إلى النيلَ خَطوَ الصباح ... فَتيَّمِتهِ بالصِّبا والفُتونْ

وخَمْرٌ إلهيّة في يَدَيكِ ... وكأسٌ من الَحُبِّ ملآى جنون

وثَغْرُكِ تَغريدَةٌ ما وَعَى ... ترانيمَها غَيْرُ قَلْبي الحزينْ

عَشِقْتُ صَداها فَغنَّيتُها ... ولَقَّنتُها لِشِفاهِ السِّنينْ

وما كُنتُ أدْرِي الْهوَى والحياهْ

ولا السِّحرَ في أُغْنِياتَ الشِّفاهْ

ولا كُنتُ أعلَمُ سِرَّ الإْلهْ

سِوَىَ بَعدَ ما لُحْتِ لي فِتنةً ... وأْقبلْتِ لي مَرَّةً تَبسمينْ!

وعَيناك عَلّمتاني السُّجودَ ... وكيفَ أخِرُّ مَعَ العابِدينْ

لَهمْ دِينُهم في زِحامِ الصَّلاةِ ... وَديني الضِّياءُ الذي تَنشرينْ

عَبَدْتُ بِكِ الله. . . ما في دَمي ... ولا في فَمي غَيْرُ هذا الرَّنينْ

فيا ولَهاً ناعِساً في الجُفونْ ... ويا سَجْدَتانِ بِدَيْر الجَبينْ

ويا قُبلْتانِ بِخَدِّ الصَّباحْ

ويا بَسمتانِ بِثغْرِ الأقاحْ

طفَتْ بَيْنَ جَنْبيَّ نارُ الجِراحْ

فَرُدَّيِ لبَلْوايِ سِحرَ المُنَى ... وبُثِّي حديثَ الهْوَى يا عيونْ!

وإيقاعُ صَوتِك فوقَ الضِّفاف ... أهازيجُ رفَّافةٌ بالحَنينْ

سَمِعتُ لُغاهُنّ تحتَ الظّلالِ ... أناجيلُ تُتلَى على الرّاهبينْ

وأنغامَ رقْصٍ بَعيدِ المَدَى ... حَلَمتُ به في سَماءِ الظُّنونْ

مَحا شَجنَ الطَّيْرِ إغْرادُهُ ... وتَيِّمَ في عُشِّهِنَّ السكونْ فَهَّللن بين خَميلٍ وأَيْكِ

وهَفْهفْنَ مِثلي حَناناً إليكِ

وكِدْن يقبِّلن طُهراً يديْكِ

ويَسجدْنَ حَولكِ فوق الرُّبى ... وتخشعُ لِلحبِّ هامُ الغصون!

وقلتِ: هنا النهرُ! قلتُ: اصمُتي ... هُنا الله يَرعَى هوانا الأمينْ

هنا قَدَرٌ في الضُّحى نائمٌ ... أساريرُهُ طَلْسمتها القرونْ

يسمونه (النيل)! وهْوَ الذي ... يُنيل ويشفى صدى الظِامئينْ

سقَى الدهر من جامه فارتْوى ... ورَوّى بِخَمرتِهِ الملْهَمينْ

فَغنَّى بِأسرِارِه الشَّاعِرُ

وكبَّر في شطِّهِ الكافرُ

وخَرَّّ لَهُ السحرُ والساحرُ

وَلَمَّا تهادَتْ عَليهِ الصَّبا ... تَصابَى فحَيَّا خُطا العاشقين!

أَتَيناهُ والصُّبحُ طِفلٌ غَريرٌ ... تهدهدُهُ سَكرةُ الحالمين

طَهورُ الْمسارِبِ ما لَوَّثتْ ... خُطا شَمسهِ قَدمُ العابِرِينْ

سِوَى بائِسينَ إلى قُوتِهم ... تَنادوْا: سَلامٌ على البائِسين

أفاقوا مَعَ الفجرِ فوق الثَّرَى ... حَيارَى على أرضهم مُتعبينْ

وصيَّاد رزْقٍ على الشاطِئْينْ

مِنَ اليأسِ قَلَّب نار اليدَينْ

وفي وَجههِ مِنْ كلالٍ وأَينْ

بَقايا مِنَ الَّليلِ يَمْشي بها ... إلَى كوخِهِ في شعاب الأنين!

وَنجْوَى يَمامِيَّةٌ في العشاشِ ... تَحجَّبُ إلاَّ عَنِ المغرَمِينْ

فَهِمنا لُغاهَا وأَسرارها ... فهمنا بها في الضُّحى حَائِرين

وفي ظِلِّنا لِلهْوى رِعشةٌ ... وقَفْتِ على طيفها تسألينْ

وصدْركِ يَهتَزُّ تَحت السَّنا ... كأُنشودةٍ في أكفِّ الحنينْ

شجاها التَّغنِّي فهزّتْ لنا تحايا مِنَ الله طافتْ بِنا

ونجْوَى مِنَ الله رَفَتْ هنا

وقالتْ: سلامُ الهوى والعفافِ ... على قُبلَةٍ في فَمِ الخائِفينْ. . .

(وزارة المعارف)

محمود حسن إسماعيل