انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 310/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 310/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 06 - 1939



تاريخ التعليم في عصر محمد علي

تأليف الأستاذ أحمد عزت عبد الكريم

للأستاذ علي إبراهيم حسن

ألف حضرة الأستاذ أحمد عزت عبد الكريم مدرس التاريخ الحديث المساعد بكلية الآداب كتاباً عن (تاريخ التعليم في عصر محمد علي). وقد درست هذا الكتاب أو بالأحرى هذا المجلد الضخم الذي تزيد صفحاته على ثمانمائة صفحة فوجدته درساً دقيقاً وإحاطة شاملة وبحثاً مستفيضاً لتاريخ التعليم في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهي الحقبة الهامة التي شهدت تكون إمبراطورية محمد علي وتحول مصر إلى دولة عسكرية فتية آخذة بأسباب الحضارة الحديثة.

وقد نحا المؤلف نحو العلماء الباحثين في بحثه، فسرد الوقائع وأردفها برأيه الشخصي، وعلق على الحوادث بآرائه التي تدل على الفطنة ودقة الحكم والتمييز. وقد استند المؤلف في بحثه إلى مراجع كثيرة ما بين عربية وإفرنجية وتركية. كما استند إلى وثائق ومخطوطات بقسم المحفوظات التاريخية بديوان جلالة الملك.

ولسنا نستطيع في هذه العجالة أن نفيض في الحديث عن كل فصول هذا الكتاب الضخم، وحسب القارئ أن يرجع إلى الفهرس التحليلي الذي أورده المؤلف في صدر الكتاب.

قسم المؤلف فصول كتابه تقسيماً منطقياً إلى ستة كتب وثلاثة وعشرين فصلاً، فتكلم أولاً عن التعليم قبل محمد علي وهو التعليم الديني في الأزهر والكتاتيب والتربية التي كان يأخذ بها الأمراء مماليكهم، والتأثير الفكري الذي استحدثته الثورة الفرنسية في الثقافة المصرية. وانتقل المؤلف من هذا الفصل إلى فصل ألم فيه إلماماً عاماً بسياسة محمد علي في التعليم فعرض لنا فصولاً شائقة في جهود العاهل الكبير في إنشاء المدارس وبعث البعوث وترجمة الكتب ونشرها والأغراض التي كان يتوخاها من النهضة التعليمية. ثم عرض المؤلف مسائل هذه السياسة عرضاً تمهيدياً مبيناً ما بينها وبين وسائل التربية الفرنسية من شبه ومن خلاف، والأثر الغربي في النظام التعليمي الحديث في مصر. ثم أخذ المؤلف في شرح تطور هذا النظام التعليمي في عصر محمد علي، فتحدث عن نشأة التعليم الحديث في مصر من 1811 إلى 1833 ثم عن إنشاء شورى وديوان المدارس وقد حقق تاريخ إنشاء هذا الديوان واختصاصه وكبار موظفيه تحقيقاً قال عنه أستاذنا شفيق غربال إنه (يصح أن يكون مثالاً لكيفية استخراج الحقائق التاريخية من الوثائق الرسمية)

ثم انتقل المؤلف إلى حركة التعليم في سنة 1841 والنهضة التعليمية التي جدت في السنوات الأخيرة من عصر محمد علي والتي كانت ترمي إلى تجديد الأساليب التعليمية وإلى نشر التعليم بين الأهالي. وفي الكتاب الثالث فصل المؤلف الكلام على معاهد الدراسة الابتدائية والتجهيزية والخصوصية ومناهج التعليم في مراحله الثلاث وخططه، وأتى بإحصاءات دقيقة لهذه المعاهد وعدد تلاميذها وكتب الدراسة بها طوال عصر محمد علي

وقد عنى المؤلف بالحديث عن البعوث العلمية فنقد نظامها وتحدث عن أوجه انتفاع البلاد بأعضائها، ثم سرد إحصاءات طريفة عن البعوث المختلفة في عصر محمد علي. وقد خصص المؤلف فصولاً ممتعة في الحياة المدرسية وكل ما تعلق بها. ثم أعاد بحث المسائل التي ابتدأ بها مستعيناً في نقده بما أورد في الكتب السابقة من التفصيل، فتحدث - في الكتاب الأخير - عن العلاقة بين التعليم القديم والتعليم الحديث ومدى تأثير كل منهما في الآخر وعلاقة الدولة والمجتمع بكل من التعليمين. وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب نقد المؤلف النظام التعليمي الحديث في عصر محمد علي مبيناً ما به من أوجه الضعف وأخصها إهمال التعليم الأول وضعف الصلة بين مراحل التعليم والمركزية في إدارة التعليم وضعف مناهج الدراسة. ثم انتقل المؤلف إلى بيان الصلة التي نشأت بين المدرسة المصرية والمجتمع المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر

ولم يختم المؤلف كتابه إلا بعد أن عقد فصلاً ختامياً تحدث فيه عن مدى نجاح النظام التعليمي الذي أنشأه محمد علي في مصر من حيث توجيه البلاد إلى التعليم الحديث واتصالها بالحضارة الأوربية وتوطيد زعامة مصر في الشرق العربي ونهضة اللغة العربية. وختم المؤلف كتابه بفصول إضافية في تاريخ المعاهد الخارجة عن النظام القومي كمدارس الجاليات الأجنبية والطوائف الدينية غير الإسلامية، وبصور عن بعض الوثائق الهامة كلوائح الدراسة وتقارير الامتحانات والتفتيش، وبنقد للمراجع التي رجع إليها، وبيان مفصل لسجلات الوثائق الرسمية التي استمد منها مادة البحث وخاصة السجلات التركية والعربية لديوان المدارس في عصر محمد علي، وفي نهاية الكتاب يرى القارئ (لوحات) طريفة لنماذج من الوثائق التركية والعربية والفرنسية يرجع عهدها إلى عصر محمد علي، قصد بها المؤلف - كما قال في مقدمته -: (نقل بعض الوثائق ذات الأهمية التاريخية العظيمة وبيان أسلوب ذلك العصر في تقييد أوامر الوالي ومكاتبات الدواوين وطريقة العمل في الدفاتر التركية والعربية لديوان المدارس، وتقييد نتائج الطلبة المبعوثين لطلب العلم في فرنسا). نذكر من بين هذه اللوحات - على سبيل المثال - الوثيقة الأصلية لأمر محمد علي بإنشاء ديوان المدارس وأختام ديوان المدارس التي كانت تبصم بها قراراته وسجلاته، ومضبطة أول جلسة عقدها شورى المدارس، والجلسة التي أعلن فيها إنشاء الديوان، وصورة التقرير الذي كتب بالفرنسية عن امتحان الخديو إسماعيل عند الالتحاق بمدرسة سان سير بفرنسا في أكتوبر سنة 1848 وفيه بيان أسئلة الامتحان والدرجات التي نالها في كل منها الخ. . .

وقد صدر الكتاب بتقديم تاريخي نفيس في أربع عشرة صفحة بقلم أستاذنا المؤرخ الجليل (محمد شفيق غربال) عميد كلية الآداب وأستاذ التاريخ الحديث بجامعة فؤاد الأول وصاحب الفضل في تخريج عدد كبير من الشبان الباحثين في التاريخ. تحدث أستاذنا في مقدمته عن الوثائق التاريخية (وحق المؤرخ) فيها وجهود المغفور له الملك فؤاد - طيب الله ثراه - في حفظها وتشجيع الباحثين على الاستفادة منها، ثم تحدث عن اتجاه (المؤرخين الشبان) نحو دراسة (الإصلاح المحمدي العلوي) وذكر منهم مؤلف الكتاب الذي نتحدث عنه اليوم فأظهر النواحي التي أهلته للكتابة في تاريخ التعليم في مصر. ثم انتقل أستاذنا العلامة إلى الحديث عن محمد علي والتعليم فعرض لنا صورة بديعة (لمنظر الرجل الذي لم يتزود من تعليم المدارس يستحث رعيته على طلب العلم، وينفق النفس والنفيس في تهيئة وسائله لهم) ودرس خطة محمد علي في التعليم وأهميتها (لأهل الجيل الحاضر في مواجهتنا مستقبل الثقافة في مصر).

و (التعليم) عند المؤلف يمثل ناحية هامة من نواحي النشاط السياسي والاجتماعي لمصر الحديثة. وعلى هذه الفكرة بنى المؤلف بحثه حتى جاء كتابه بحثاً تاريخياً بيداجوجياً يجد فيه المؤرخون بحوثاً واسعة في تاريخ مصر في القرن التاسع عشر، كما يجد فيه رجال التربية والتعليم بحوثاً أخرى في نظم التربية وتطورها في مصر في ذلك العصر ونظريات بيداجوجية عن تعليم الطفل والبالغ وعلاقة المدرسة بالمجتمع ومدى تأثير كل منهما في الآخر. ولذلك فهو مجموعة لا غنى عنه لطلبة (التاريخ) بكلية الآداب، وطلبة المعاهد والمدارس التي تدرس التربية كدار العلوم ومعهدي التربية للبنين والبنات ومدارس المعلمين والمعلمات والمهتمين بدراسة التاريخ السياسي والاجتماعي لمصر الحديثة والمشتغلين بالتربية والتعليم.

علي إبراهيم حسن

مدرس التاريخ بالمدرسة الخديوية