مجلة الرسالة/العدد 307/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 307/من هنا ومن هناك
كفاح الدكتاتورين لأجل المعادن - عن ذي سينتفك وركر
تقاس قوة الأمم في هذه الأيام بمقدار ما لديها من الصناعات؛ فالصناعة هي أساس المدنية الحديثة، تستطيع الأمة بها أن تتوفر على المصادر الأساسية التي يتوقف عليها كيانها وهي إحراز الثروة المالية، والمحافظة على الحدود، وزيادة السلاح. . . والصناعة هي السند الوحيد الذي يمكن أن يعول عليه لتحمل أعباء الإدارة الحديثة، وإحراز المال الوفير لتدبير شؤونها. ومما لا شك فيه أن الأمم التي لها شهرة في عالم الصناعة تحرص دائماً على الاحتفاظ بكيانها الصناعي، ولا يتيسر ذلك إلا بوجود الخامات الجيدة التي تتوقف عليها الصناعات.
فإذا أتيح لنا أن تفحص الآلة الميكانيكية لإحدى الطائرات وجدناها تتركب من معادن كثيرة قد لا تقل أنواعها المختلفة عن عشرين نوعاً. ولا يمكن أن يضحي بمادة واحدة من المواد التي تتركب منها دون أن نضحي بشيء من قيمتها.
قد يقال عن تغيير الخامات واستبدال مواد صناعية بها، ولكن هذا إذا صح فإلى حد محدود، إذ أن الخامات المعدنية لها قوى وخصائص لا تغني إحداها عن الأخرى كل الغناء
وتستخرج المعادن من المناجم الخاصة بها، فإذا أعوز وجودها لا يمكن الحصول على ما يقوم مقامها في الصناعة. فإذا لم توفق الدولة إلى الحصول على معدن لصناعة من الصناعات، فإن الخسارة لا تقف عند ضياع هذه الصناعة فيها، ولكنها تقع على نظام المملكة على وجه العموم.
فالأمم التي تريد التوسع والنفوذ، يجب أن تستحوذ على أكبر مقدار من الخامات لصناعاتها. فإذا كان الأمر كذلك، تبينت لنا تلك الصلة التي تربط بين النشاط السياسي والحصول على الخامات.
فإذا دققنا النظر في مركز إيطاليا مثلاً، وجدنا أن هذه الأمة لا تملك مورداً واحداً لنوع من المواد المعدنية. وليس في مقدور موسوليني أن يخلق من إيطاليا أمة قوية إذا اتكل على الزراعة وحدها، فهو يلجأ إلى استصدار الفحم والزيت والحديد والنيكل والمغنيسيوم والصفيح وهي المواد الأولية للصناعات، من بلاد غير بلاد ولم تكن بلاد الحبشة قد عرفت جيولوجيا قبل الفتح الايطالي، ولكن قد تبين أخيراً أن هذه البلاد تحتوي على أكبر مناجم للبلاتين والذهب والفضة والنحاس والحديد والبوتاس والرصاص والفحم والزيت (وهو أهم ما تصبو إليه إيطاليا) وهذه مواد ذات قيمة لا تقدر، وهي ولا شك تستحق ما بذل لأجلها من المشتقات. فلا يصح أن يقال أن التوسع الإيطالي في تلك البلاد كان يقتضيه ازدياد عدد السكان في إيطاليا مع ما هو معروف من رداءة الجو في تلك البلاد، وعدم ملاءمته للإيطاليين بحال من الأحوال
أما ألمانيا فهي تحصل على ما يكفيها من الفحم، إلا أن ضياع الألزاسي واللورين جعلها تتكل على بلاد أخرى في الحصول على الحديد والذهب. وقد استورد منها في العام الماضي 20 مليون طن. ولا شك أن ألمانيا يهمها أن تطمئن على توريد هذه المواد إبان الحرب، ولا يمكن ذلك إلا إذا وضعت البلاد التي توردها تحت إشرافها (بقصد تشيكوسلوفاكيا)
أما إسبانيا فماذا تقدم للأمم التي تهتم بها سياسياً؟ مما لا شك فيه أن الثروة المعدنية لتلك البلاد لا يستهان بها، فهي تحتوي على موارد عظيمة للحديد الممتاز والصلب والنحاس وغيرها من المعادن التي تستوردها ألمانيا من الخارج. . .
وهكذا حيثما وجهنا النظر وجدنا المواد الصناعية هي المحرك لتلك الأمم والحافز لها على التطاحن والحرب
الحب والخوف - عن مجلة (جون أولندن)
لكي نتخلص من مخاوفنا في الحياة، يجب علينا أن نكون على وفاق معها. قال أحد الحكماء: (إن الحب الخالص يزيل الخوف، إذ أن الخوف يناقض الحب. ولا يوجد قول أصدق من هذا القول). فنحن حين نكون على وفاق مع الحياة، معارفها وتجاربها وكل خليقة فيها فلا شيء نخافه. إذ إننا في هذه الحالة نعيش مع كون صديق. . . وكما يقول إدوارد كاربتتر في شعره المنثور: تسرع كل القوى العلوية إلى تحقيق مسراتنا الأبدية.
فإذا دب الحب إلى قلب الإنسان، واتصلت وشائجه بشأن من الشؤون، أصبح هذا الشان قريباً من نفسه كل القرب، فهو لا يخيفه ولكنه يسره ويؤدي به إلى السعادة.
ليس من العسير أن نوثق عرى الألفة مع الكون حتى ترتبط نفوسنا بكل ذرة فيه. وعند ذلك نرى أن كل شيء يعما لأجلنا - بدل أن يعمل ضدنا - ويبحث عن سرور دائم يشملنا فلا نخاف شيئاً تبتلينا به الحياة، لأننا نعلم أن الحياة التي توالينا ستوصلنا إلى ما نريد، وتقودنا إلى سعادة أكبر مما كنا نظن. إن كل شيء يعمل لسعادة هؤلاء الذين يعملون مع الله! يجب أن نكون أصدقاء للكون، أصدقاء للحياة وتجاريبها، أصدقاء لكل خير، أصدقاء لكل نظام واتساق لنكون في وحدة تامة مع الحياة.
إن الحياة لحن عظيم يوقعه الحب، فلو عرفنا أن نؤدي دورنا في هذا اللحن، وسرنا على توقيع نغماته الصحيحة، كانت حياتنا جزءاً من لحن الحياة العظيم، فتفارقنا المخاوف جميعها إذ ماذا عسى أن تفعل بنا الحياة سوى أن تزيد من سعادتنا وتمدنا بالسرور الأبدي؟
إن الانسجام الأبدي والنظام يشملان الكون على الدوام، فعلينا أن نضع أنفسنا وفق إرادتهما ونسايرهما. فنظام الحياة لا يمكن أن يتبدل ليسرنا بشيء أو يضرنا به، وليس من الضروري أن يكون كذلك. ولكن الواجب أن نساير نحن الحياة، عند ذلك نجد أن لا شيء يخيفنا فيها، لأننا نكون قد دخلنا في وحدة الكون الذي ارتبطنا وإياه بالحب والوئام.
حول مشكلة العاطلين في أمريكا - عن ذي لسنر الإنجليزية
يظن الكثيرون أن أمريكا أمة غنية لا يعرف الفقر إلى أهلها سبيلاً. ويعتقد الكثيرون أن مستوى المعيشة في هذه البلاد يمتاز عن غيره في سائر بلاد العالم؛ ولكن قل أن يعرق هؤلاء أن في هذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها مائة وثلاثين مليوناً من الانفس، عدداً غير قليل من أبنائها يعانون أشد أنواع الفاقة والفقر.
وأستطيع أن أقول إن نسبة هؤلاء البائسين الذين يعيشون في فقر مدقع في بلاد أمريكا أكثر منها في بريطانيا العظمى. إذ أن عدد العمال العاطلين في أمريكا يزيد كثيراً على عددهم في بريطانيا. وإذا كان هؤلاء العمال لا يعرف عددهم بالضبط إلى الآن، فهم لا يقلون على أي حال عن عشرة ملايين من سكان تلك البلاد. ولا شك أن للنظام الإداري والاجتماعي في أمريكا أثراً كبيراً في هذا البؤس الذي يشمل عدداً غير قليل من الأهلين، وعلى الأخص نظام المدن والولايات الثماني والأربعين، فإن هذا النظام المحلي في أمريكا لا يزال على جانب عظيم من الجمود.
وقد كان الرئيس روزفلت أول من فكر جدياً في إصلاح هذه الحال. ولا غرابة فهذا الرجل معروف بمشروعاته العظيمة وخططه الناجحة في إصلاح تلك البلاد. وقد انتخب رئيساً للولايات المتحدة سنة 1933 في أشد الأوقات وأحرجها بالنسبة لحالة البلاد التجارية. فقلب وجوه النظر لإصلاح هذه الحال، وقد كان أهم المشروعات التي وضعها في هذا الصدد، هو مشروع (مساعدة الضرورة) الذي شمل اتحاد البلاد، وانتفع به ملايين من العمال العاطلين لمدة سنتين.
وقد كلف الحكومة هذا المشروع 150 مليون من الجنيهات، وهو مبلغ ليس بالكثير لإحياء أمة. ولم يكتف روزفلت بهذه التجربة التي استفاد بها عدد كبير من السكان، فأوقف قانون الضرورة وأحل محله نظاماً دائماً للعمال العاطلين. وقد بذل في هذا الشأن أعظم مجهود رآه العالم في مثل هذه الأحوال. . . فأعلن أن حكومة الولايات المتحدة لا تتحمل كل هذه الحاجة، ولا تستطيع أن تقوم بأود كل بائس أو مسكين، ولكنها ستأخذ بيد العمال القادرين الذين لا يجدون لهم عملاً، لا بإمدادهم بالمال ولكن بإيجاد عمل دائم لهم
إن نظام إعانة العمال العاطلين في إنجلترا لم يرق روزفلت، فأعلن أن أمريكا لا توافق على نظام الإعانات المالية بحال من الاحوال، لاعتقاده أن إعطاء المال بدون عمل مفسدة للأخلاق.
وإذا كان لابد من المعونة فهي تعطى في حالات المرض، ويمد بها العجائز والأمهات ذوات الأطفال.
وقد أبدى روزفلت شجاعة عظيمة في تنفيذ هذا الرأي، فاستدعى صديقه مستر هاري هوبكن وهو رجل ذكي قضى حياته في ممارسة الأعمال، وعينه وزيراً وكلفه بإيجاد سلسلة من الأعمال العامة في البلاد، لتشغيل العمال العاطلين من ألسكا إلى بنما، ولم يقيده بقيود كثيرة، ولم يشترط عليه شروطاً ثقيلة، ولكنه حتم عليه أن يجعل سائر الأعمال التي يقوم بها هؤلاء العمال نافعة للدولة.
وقد قام مستر هوبكن بهذا العمل بكفاية وجدارة وأوجد في الحال أعمالاً دائمة لثلاثة ملايين من العمال العاطلين. ونستطيع أن نؤكد أن هذه الأعمال على جانب كبير من الفائدة للبلاد.
ومن أهم هذه الأعمال وأكثرها طرافة تسخير الكتبة الذين لا عمل لهم في عمل مراجع لجميع الأعمال الفنية في أمريكا، وتسخير النساء في عمل ملابس للعمال العاطلين، وإنشاء مسارح للممثلين والفنانين العاطلين. هذا عدا الأعمال الزراعية والمنشآت والمؤسسات التي تتطلبها البلاد. وقد أنفقت الحكومة الأمريكية مبالغ طائلة في تنفيذ هذا المشروع، وهي وإن كانت لا ترى أن إيجاد أعمال لهؤلاء يكلفها أموالاً أكثر من التي تتكلفها لو اكتفت بإعطاء المعونة المالية لهم إلا أنها تعتقد أن في عملها هذا محافظة على كرامتهم ورعاية لأخلاقهم.