مجلة الرسالة/العدد 305/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 305/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 05 - 1939



النازية فكرة مؤلف إنجليزي - نقلا عن مجلة تيت بيتس

يقول الفريد روزنبرج وهو من اخصاء الفوهرر، أن أول من مهد الطريق أمام مؤسس ألمانيا الحديثة هو رجل إنجليزي

والحقيقة أن أول من أوحى فكرة النازية هو رجل من هامفشير وليس جندياً من أوستريا كما يزعمون. لقد كان لهذا الرجل نفوذ عظيم في ألمانيا ما زال يزداد وينمو سنة بعد أخرى وقد كتب ثلاث تراجم، ونشر عنه منذ توفي عام 1927 ما لا يحصى من المقالات على صفحات الجرائد الألمانية بأقلام زعماء النازي المعروفين

من هو ذلك الإنجليزي العجيب؟ ذلك هو هوستن ستورد تشمبرلن. وهو من الأسر الإنجليزية العريقة المعروفة في إنجلترا كما يتبين من أسمه. ومن المأثور عنه أنه كان يقول أول ما سكن ألمانيا (إن أبي إنجليزي وأمي من اسكتلندة وجدتي من ويلز فيحق لي أن أقول إنني ابن حق لبريطانيا العظمى) وقد درس علم النبات والطب في جامعة جنت وسمع أوبرا واجنر في بيروت وقرأ جيتي وكانت في ورسدن. وقد استولى عليه شغف جنوني بكل ما هو ألماني، من أدب إلى موسيقى إلى علم إلى فلسفة إلى صناعات وآلات حربية تدهش العقول

وأتيح له أن يتقن اللغة الألمانية أيما إتقان، حتى أصبح يفضل الكتابة بها على الكتابة بلغة بلاده؛ ومن ثم كان يكتب بها كل مؤلفاته

وقد هداه البحث إلى كتابة تاريخ للعالم أسماه أصول القرن التاسع عشر برهن فيه على أن خير الطرق لفهم شعب من الشعوب هي أن تفهمه في ظل تاريخ المدينة وأطوارها

ودلل على أن كل رقي أو نجاح في أوربا الغربية، كان منشأه الجنس الآري الذي نزح إليها في الأصل من شمال الهند، وانحدرت منه السلالة التوتونية الموجودة الآن. وزاد على ذلك، أن المدينة الغربية لا يمكن الأخذ بناصرها إلا إذا سادها قبيل شديد من الجنس الألماني العريق

وقد نال هذا الكتاب رواجاً عظيماً في ألمانيا بصفة خاصة. واشترى منه القيصر ولهلم الثاني ألفي نسخة ليجعلها هدايا لمن يريد وصار منذ ذلك الوقت صديقاً شخصياً لهوست تشمبرلن

وفي سنة 1908 أو سنة 1912 وقع هذا الكتاب في يد شاب نكد، لا عمل له في فينا

وهنا ظهر الإنجيل الذي يبحث عنه أودلف هتلر الشاب! فقد أوحت إليه نظرية هوستن تشمبرلن، سر كل ما يحيط به من العار والشرور

متاعب إيطاليا في الحبشة - ملخصه عن لورب نوفيل

نشرت صحيفة (كريتكا فاشستا) التي تصدر في روما نبذة عن مركز القوة الإيطالية في الحبشة نقلاً عن مراسلها الخاص جاء فيها: (لقد أصبحنا الآن في حالة نستطيع فيها أن نصرح بأن مركز إيطاليا في إمبراطوريتها آخذ في الانحدار. ويظهر هذا بجلاء في أديس أبابا أكثر من غيرها يوماً بعد يوم. ويستطيع الإنسان أن يشعر بذلك في أحاديث الناس وفيما تكتبه الصحافة نقلاً عن مراسليها وفيما ينقله إلينا أصدقاؤنا وزملاؤنا الذين يهتمون بشئون الحبشة)

ونحن لم يغب عن ذهننا بعد تلك الحملات التي وجهتها الحكومة الإيطالية إلى بريطانيا وفرنسا أثناء الحرب الحبشية، ولا تلك المزاعم الخرافية التي كانت تدعيها عن الكنوز والخيرات التي تنتظرها في تلك البلاد، مما جعلها تنجح في تهيئة الرأي العام في إيطاليا إلى استعمارها

فماذا وراء هذا التغير الملحوظ الذي طرأ بعد ثلاث سنوات من فتح الحبشة؟

إن هناك تقارير لا تحصى عن المصاعب الحربية والاقتصادية التي تلاقيها إيطاليا في بلاد النجاشي، ونحن وإن كنا لا نستطيع أن ننكر رسوخ أقدامها في تلك البلاد، إلا أن التقارير التي ترد عن المصادر الإيطالية نفسها تدل على أن الحرس الحربي ضروري لإجراء أي عمل فيها، وأن الحالة في إيطالية بعيدة عن المألوف.

ويظهر أن الناحية الاقتصادية في هذه المسألة أشد بكثير مما يتصوره العقل. وقد كتب الجنرال تروزي السكرتير الثاني للإدارة الإفريقية في إيطاليا تقريراً على جانب كبير من الصراحة في هذا الموضوع، وقد ظهرت مقالات شتى بهذا الصدد في الصحف الإيطالية على اختلافها.

ويلاقي الإيطاليون مصاعب لا حد لها في مجاراة الحالة الاقتصادية المألوفة لدى السكان.

ومن الغريب أنهم لم ينجحوا بعد في إحلال الليرة الورقية محل العملة الفضية القديمة التي كان يصدرها النجاشي باسم ماريا تريزا، حتى اضطروا إلى إصدار قطع فضية جديدة من هذا النوع كان لها تأثير كبير في هبوط أسعار الليرة الإيطالية.

ولقد وضعت إيطاليا يدها على الشئون التجارية في الحبشة، كما وضعت يدها على مصادرها الطبيعية، ولكن تروزي يقول في تقريره: إن الأحباش لا يقبلون على شراء المصنوعات القطنية التي ترد من إيطاليا، لأن القطن الذي تصنع منه ممزوج بأنسجة قصيرة تجعله أقل صلاحية من غيره، ولقد سقطت هذه التجارة في الحبشة إلى درجة شديدة.

أما ما كانت تنتظره إيطاليا من الأرباح في تصدير البن، فقد ظهر أن الأجر والتكاليف التي تدفع فيه تقضي على كل أمل في ذلك، وهكذا الشأن في باقي المحصولات.

وقد يكون من المستطاع التغلب على مثل هذه الأحوال، ولكن إيطاليا التي استنزفت في الحرب الأسبانية، وأنفقت الأموال الطائلة في التسليح، قد أعوزها المال والرجال لاستثمار تلك البلاد.

ومما يستحق الذكر أن العمال الإيطاليين الذين لم ينقص عددهم سنة 937 عن 115 ألفاً قد نقصوا إلى 38 ألفاً في مارس سنة 938 و21 ألفاً في شهر يوليه من العام المنصرم.

الحقيقة في المشكلة الفلسطينية ملخصة عن (ذي ساين)

بدأت أسباب الثورة تظهر في فلسطين منذ بدأت التجربة الصهيونية فيها، ولكن تلك الأسباب قد أخذت في الازدياد تحت تأثير الظروف الحاضرة، وقد تزعزع النفوذ لبريطاني نوعاً ما في تلك البلاد، بعد أن أظهرت إيطاليا عدم احترامها لقواعد عصبة الأمم، وفهم العرب الذين لا يقدرون المثل العليا التي تعلن في جنيف أن تلك السياسة السلمية تستند إلى القوى الحربية دائماً

ولقد أخذت علاقة العرب باليهود في فلسطين تضعف باستمرار هجرتهم إليها، وأعلنوا الثورة على القانون ليضطروا الحكومة البريطانية إلى تغيير سياستها نحوهم

إن المرء ليتساءل عن الأسباب التي تدعوا إنجلترا إلى ذلك النظام الذي أنشئ لمصلحة اليهود، مع ما في عملها هذا من إضعاف مركزها في تلك البلاد التي نالت فيها مزايا عظيمة بعد ذلك الانتصار الذي أحرزه لورد اللنبي لها؟ إن حكم هذه البلاد كان من أهم نتائج الحرب العظمى، فلماذا تضع إنجلترا مركزها في تلك البلاد في ذلك الموقف الشائك الذي سبب لها كثيراً من الارتباك؟ مع أن هذا النظام لم يطلبه الرأي العام في انجلترا، ولم تناد به هيئة قوية في مجلس الجيش!

إن الرأي الحقيقي في هيئة الجيش لم يعلن بعد، ولكن هذه الفكرة قد نبتت في وقت عصيب كانت فيه جيوش الحلفاء في أشد الحاجة إلى المساعدة المالية التي قدمها إليهم اليهود إذ كانت جيوشهم تحت ضغط عظيم. تلك الروح الطيبة التي ظهروا بها أمام العالم كان لها أبلغ الأثر في تصريح بلفور الذي جاء في نوفمبر سنة 1917

لقد كان بلفور سكرتيراً أجنبياً للحكومة الإنجليزية في ذلك العهد، ولكنه كان أكثر اهتماماً بالحركة الصهيونية من كل شخص فيها. وعلى الرغم من أن هذه الحركة قد طبعت بطابعه وظهرت تحت اسمه، فقد أعلن أنها عملت برضا حكومة الحلفاء. وظاهر أن الحركة الصهيونية تشمل ألمانيا والنمسا وغيرها من بلاد العالم

ولقد تضمن هذا التصريح إشارة من الحكومة الإنجليزية بأنها تنظر بعين الاعتبار إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وأنها تبذل كل ما في وسعها في ألا يمس هذا الحقوق المدنية والدينية للمقيمين فيها من غير اليهود

ولا نذيع سراً إذا قلنا إن أكثر الأعضاء الذين وافقوا على ذلك لم يكن لهم رغبة ملحة في تلك التجربة، ولكن بعض رجال الجيش رأوا أن الشعب اليهودي على ما هو معروف عنه من الذكاء والرقي مشتت في بلاد العالم، دون وطن يلجأ إليه، فتحمسوا للفكرة على سبيل العطف في ذلك الحين

إن للمسألة الفلسطينية أهمية أكبر مما يتراءى. وليس الأمر فيها على إثبات حسن نية اليهود أو سوء نيتهم، أو انتشار التجارة البريطانية أو كسادها؛ ولكن الأمر أهم من ذلك بكثير إذ أنه يتعلق بمركز بريطانيا في البحر الأبيض المتوسط

إن الانتصار الذي أحرزته إيطاليا في الحبشة قد أصبح يهدد المواصلات البريطانية بلا شك، فإذا لم تعمل معها اتفاقات متينة واسعة النطاق في هذه الظروف فمن الواجب تقوية الأسطول الإنجليزي عدة سنين فإذا كان الأمر كذلك فإن الأنظار لتتجه نحو فلسطين كقاعدة ذات أهمية لا يستهان بها للجيوش الإنجليزية

إن مركز بريطانيا في الشرق الأوسط قد أصبح مهدداً بعد انتصار موسوليني في بلاد الحبشة

فإذا كانت بريطانيا لا تستطيع أن تحكم فلسطين فإنها عند ذلك تكون أقل مقدرة من إيطاليا، إذ تكون قد عجزت عن حكم بلاد أخذتها باعتراف عصبة الأمم