مجلة الرسالة/العدد 304/أعلام الأدب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 304/أعلام الأدب

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 05 - 1939



بين أرستوفان ويوريبيدز

وبين يوريبيدز والمرآة

للأستاذ دريني خشبة

كان يوريبيدز شذوذاً كبيراً في العصر الذي كان يعيش فيه. . . لقد كان ثورة جامحة هدامة لا تدع شيئاً إلا أتت عليه، ولا ترى شيئاً يقدسه الناس إلا سخرت منه واستهزأت به وتهكمت عليه. . . وكانت سخريته مع ذاك لاذعة ضارية لا يهمها أن تكون وحدها في جانب وكل أعدائها وهم جمهور الأثينيين أو كثرتهم الساحقة في جانب أخر

وكان الناس حزبين في يوريبيدز: كثرة محافظة من الرعاع ورجال السياسة والتجار يسوؤها أن تهان آلهتها وتستباح تقاليدها فهي ضده وهي تكرهه وهي تنقم عليه وتهزأ به وتسخر منه كما يسخر منها، ولكن على طريقتها البورجوازية في السخرية والاستهزاء. . . وكانت مع ذاك تتخذه هُزُواً وتجري وراء أرستوفان كيما يضحكها عليه، ويؤلف لها المهازل في ثلبه والطعن عليه والتشهير به وتسفيهه ونهش عرضه وإرسال لسانه في أبيه وفي أمه على السواء. . . وقلة مستنيرة مثقفة كانت تعرف ليوريبيدز حقه، وكانت تؤمن بأنه صاحب رسالة عالية ستعود بالخير الجزيل على الإنسانية في كل زمان ومكان، وستظل مَعيناً نَميراً سائغاً يقبل عليه الظماء فيروون منه ويعالجون آلامهم ويلتذون فيه الأدب والفن والفكر والجمال والعبقرية

لكن هذه القلة كانت تخشى الرعاع الناقمين على يوريبيدز، وحق لها أن تخشاهم لأنهم ليسوا رعاعاً جَهَلة مثل رعاعنا، بل كانوا رعاعاً متعلمين، لأنه لم يكن في أثينا في عصر يوريبيدز رجل واحد غير متعلم!

كانت هذه القلة إذن لا تستطيع أن تنفع يوريبيدز العظيم، لأن الرعاع الذين يؤلفون كثرة الجمهور الأثيني وجدوا لهم شاعراً آخر لا يقل عبقرية عن يوريبيدز، لكنه شاعر جامد مغلق التفكير محافظ أشد المحافظة على تراث السلف، فكان يؤلف كوميدياته في الطعن على شاعر القلة المهذبة المستنيرة والنيل منه والإزراء بأدبه وتفكيره، وكان يجد جمهوراً كثيراً ضخماً يصفق له ويقبل عليه، ويستزيده من ذلك التضحيك المؤلم المرير الذي كان يعصف بنفس يوريبيدز؛ وكان ذلك الجمهور يدفع مع كل هذا ثمن التضحيك والسخرية أموالاً جمة ضخمة، فإذا شهد التمثيل خرج نشوان بما سمع، ثملاً بما رأى، وراح يجادل في مُثُل يوريبيدز من غير هدى ولا برهان مبين. . . إلا هذه النكات التي صنعها فيه أرستوفان، وصنعها شائكة نافذة حامية، وإلا هذه المشاهد التي تظهر فيها الحمير على المسرح ويظهر فيها أقرباء يوريبيدز من الرجال المحترمين متنكرين في زي النساء الساقطات اللائى لا أخلاق لهن، حتى إذا عرف الجمهور حقيقتهن أغرق في ضحك طويل مرير وانطلق يصفق ويصفر وهو يقبض على الكبود والقلوب من كثرة الضحك وشدته

وكانت النساء في أثينا من حزب أرستوفان على يوريبيدز، لما كن ينقمن منه تناوله حياتهن الخاصة في دراما ته تناولاً لم يكن سائغاً في ذلك العصر، بل كان تمزيقاً للحجب الكثيفة التي كن يعشن وراءها قابعات في الخدور أو مقصورات في الخيام، مما عددنه منه قلة أدب وقلة وحياء وقلة ذوق، بل قلة في كل مظهر من مظاهر الفضيلة والحفاظ، وسنة السلف الصالح.

لقد كانت مِسِزْ جراندي التي هيمنت طوال العصر الفكتوري على المنزل الإنجليزي وعلى الفتاة الإنجليزية تهيمن بشدة وعنف على المنزل الأثيني والفتاة الأثينية. . . والمسز جراندي هي تلك العجوز الشمطاء المتزمتة التي كانت تكره للفتاة الإنجليزية كل تقدم وكل رقي، وكل ثورة على العرف، وخروج على التقاليد، وكانت تفرض سلطانها على البيئة الإنجليزية فتحترم وتطاع احتراماً كلياً وطاعة عمياء. وكان الوسط الإنجليزي يقدس أوامر مسز جراندي ويأخذ بها نفسه، ومسز جراندي مع ذلك شخص خرافي لا وجود له، لكنها كانت تمثل التقاليد الإنجليزية الموروثة بحيث لا تسمح لأحد بالثورة عليها. فإذا ظهر أديب مثل يوريبيدز لا يبالي سنة السلف صاحت برعاياها أن حذار، ثم سلطت عليه السفهاء الجامدين من أمثال أرستوفان يشعبذون عليه، ويسخرون به، لكنها شعبذة لم تكن قط تبلغ عشر معشار ما بلغت شعبذة مسز جراندي في البيئة الأثينية. . . وكان يثير مسز جراندي الأثينية على يوريبيدز ما كان يبديه هو من ثورة على التقاليد التي كانت تفرضها مسز جراندي على قومه. . . فلقد كان يتناول في دراماته العلاقات الشائكة بين المرأة والمرأة، والعذراء والعذراء والمرأة والرجل، بل غالى مغالاةً مخيفة فتناول موضوع الميل الجنسي الشاذ عند الذكور في درامته المفقودة (خريسبُّوس)، وموضوع الصبوة الزوجية في مثل مأساة امرأة عزيز مصر مع النبي يوسف في مأساته هيبُّوليتوس - التي سنلخصها للقراء - والتي عالج فيها مشكلة الطلاق، ومأساته المفقودة (ستينبويا) التي عالج فيها المشكلتين معاً.

وكان يوريبيدز لا يستحي في معالجته هذه المشكلات أن يستشهد بتجاريبه هو، وأن يطبقها تطبيقاً صريحاً، ولكنه تطبيق علمي سيكولوجي. كان له الفضل في ابتداعه ومحاربة الخجل الذي يخفي بسلاحه، ولذلك أطلقوا على يوريبيدز (إبسن القديم) إشارة إلى المسرحي العظيم هنريك إبسن الذي نقل الرواية التمثيلية من عالمها الرومانتيكي إلى عالم الحقيقة والواقع في عصرنا الحديث. . .

لقد كان يوريبيدز شذوذاً كبيراً في العصر الذي كان يعيش فيه، ولقد كان كما قدمنا ثورة جامحة على تقاليد عصره، ولن ينسى التاريخ يوم جال أرستوفان وصال، وراح يستصرخ نساء أثينا عليه، ويغري بينه وبينهن العداوة والبغضاء، ويهتف بهن أن يثأرن من يوريبيدز لشرفهن وحفاظهن وتقاليدهن استباحها جميعاً في مأساته (ميديا) تلك المأساة التي كانت نجاحاً رائعاً ليوريبيدز؛ بل كانت تكفي وحدها لتخليد الاسم الذي يتشرف بأنه اسم مؤلفها. ومع ذاك فقد انتصر الجمود عليها، وظفرت الرجعية الذميمة بها، فسقطت سقوطاً شنيعاً بعد العرض الأول

قال جيته: (لا أدري إذا كان أي مسرحي في أية أمة خليقاً أن يحمل نَعليْ يوريبيدز فيقدمهما إليه!!)

كلمة ساخرة من جيته!! وقد أرسلها في أعداء يوريبيدز، وناقدي دراماته وخص بها قبل كل شيء عدوه الأكبر أرستوفان لكن أرستوفان، وإن يكن أديباً رجعياً شديد المحافظة على تراث السلف الصالح، إلا أنه كان موضع إعزاز أفلاطون. وأفلاطون لا يجعل أحداً موضع إعزازه عبثاً. فقد كان يشهد لأرستوفان أنه وحده الذي عرف قيمة الحياة. فضحك ثم ضحك ثم ضحك. وجذب إليه الناس ليضحكهم عليها وعلى الحقيقة وعلى يوريبيدز!

والآن، ما هي ميديا هذه التي أحفظت نساء أثينا على يوريبيدز والتي استغلها أرستوفان في إعلان الحرب على الرجل الذي ألهمه فنه إذ هو طفل أو غلام في السادسة عشرة حينما كان يذهب إلى المسرح في حرقة وتشوق للتمتع بدرامات يوريبيدز؟ إنها مأساة دامية تذيب نياط القلوب بما حشده فيها يوريبيدز من العواطف المتضادة المتنافرة، وألوان القسوة التي لا تتورع المرأة من ارتكابها في سبيل لذتها وحبها. إنها مأساة مشتقة من خرافة جاسون التي لخصناها للقراء منذ عامين. ثم هي حلقة مكملة لمأساة أخرى نظمها يوريبيدز في التاسعة والعشرين وسماها: بنات بلياس

وجاسون ابن ملك تساليا هو بطل الدرامتين، وقد كان له عم يدعى بلياس طمع في الملك واستعان على أخيه بجيش أجنبي فخلعه وتولى هو مكانه. ثم قبض على الملك وزوجه وأقام عليهما رقابة شديدة صارمة. وأرسل الملك المخلوع ولده الطفل جاسون إلى السنتور الخرافي شيرون ليعلمه الفروسية. حتى إذا شب ذكر له ما كان من عمه مع والديه، وأهاب به أن يثأر لهما ولنفسه وأن يخلع ويتربع هو على العرش لأنه به أحق. وعاد جاسون بعد إذ استوى عوده وزوده أستاذه بالنصائح الغالية، وأوصاه بمكارم الأخلاق، وأن يحترم كلمته ويبر بوعده. وقد فوجئ بلياس الظالم بحضور ابن أخيه، وكانت نبوءة قد حذّرته منه لأنه سيكون سبب قتله، فلما طلب إليه جاسون أن يخلي له مكانه من الملك عمد بلياس إلى الحيلة، فانتهز فرصة غناء المطربين، وإنشاد المنشدين في حَفل كان قد أقامه لعقر القرابين للآلهة، ولفت انتباه جاسون إلى قصة الفروة الذهبية التي يحتفظ بها الملك إيتيس - ملك البربر ووالد ميديا - وحرضه على الحصول عليها. واستثار فيه نخوة الشباب وخيلاءه، فوعده جاسون بها. وبعد مجازفات وصعاب ومحن وصل جاسون إلى الملك إيتيس حيث لقيته ميديا فمالت إليه؛ بل جنت به، حتى إذا عرفت ما جاء له وعدته بالمساعدة، وكانت تعرف من فنون السحر ما تتغلب به على كل محال. فأعدت له مخدّراً أدناه من التنين الهائل الذي كان يحرس الفروة الذهبية فاٍستغرق في سبات عميق. وذبحه جاسون وحمل الفروة الذهبية وفر بها مصطحباً ميديا وأخاها الصغير أبستروس حتى إذا كانوا عند البحر ركبوا في السفينة التي أعدها جاسون لهذا الغرض - وكان اسمها الآرجو - فأقلعت بهم تحت جنح الظلام

وفي الصباح اكتشف الملك إيتيس الأمر فجن جنونه لفرار ابنته، ثم لأنها صحبت معها ولي عهده وولده الأوحد أبستروس، ثم لضياع كنزه الثمين الذي لا يقدر بملء الأرض ذهباً. . . فيعد سفينة عظيمة ويبحر في نفر من صفوة بحارته وأجناده في إثر الآرجو. . . وتمضي بضعة أيام، وتدنو سفينة الملك من الآرجو حتى تكاد تلحق بها، فيشتد ذعر ميديا، ولا تصغي إلى توسلات أبيها الذي تعتقد أنه معذبها أشد العذاب إذا وقعت في يديه أو استسلمت إليه. . . وهنا تذبح أخاها ولي العهد وتقطعه إرباً ثم تلقى في اليم وراء الآرجو بالقطعة منه وراء القطعة، فيضطر الملك البائس إلى انتشال أشلاء ولده باكياً متفجعاً، فتبطيء سفينته وتغيب الآرجو وتفلت ميديا وجاسون

لقد وعد جاسون ميديا أن يتزوجها إذا هي ساعدته في الحصول على الفروة الذهبية، وقد فعلت، فلما آب إلى وطنه بنى بها وعاشا في رغد وبُلهْنية، ورزقا غلامين جميلين

هنا تبدأ الدرامة الأولى (بنات بلياس). . يظل جاسون زماناً لا يستطيع الحصول على العرش، ويضم إليه أبويه المحطمين الهرمين، فترثي لهما ميديا؛ وبصنعة جميلة من سحرها ترد عليهما شبابهما فيرتدان أجمل مما كانا في شرخ صباهما؛ ويتسامع الناس بما كان من ذلك، وتعلم بنات بلياس اللائى كن قد أبدين السخرية بميديا وأشعرنها احتقارهن، بما تم لعمهن وزوجته من ارتدادهما إلى الشباب بسحر ميديا، فيأخذن في ملاطفتها، ثم يسألنها أن تعيد إلى أبيهن شبابه حتى تطول أيامه في الملك، وهنا تشير عليهن أن يذبحن الملك بعد أن ينام ثم يقطعنه إرباً حتى تحضر هي فترده إلى الحياة كما ترد إليه شبابه وتخلع عليه بُرْد صباه. . . ويطيعها بات بلياس فيقتلن أباهن. . وبذلك يتخلص منه جاسون. ويصبح البنات مجرمات في نظر الشرع والقانون؛ لكن جاسون يستطار من شناعة ما تصنع ميديا، فلقد ذبحت أخاها دون أن تأخذها فيه رأفة ودون أن يتحرك قلبها لتوسلاته وعبراته، ثم راحت تمزق بدنه وتلقي بأشلائه في اليم. . . وهي اليوم تصنع مثل الذي صنعت بالأمس فتحرض بنات عمه على تلك الفعلة الشنعاء. . .

لقد تبدلت نظرة جاسون، ورفع عن بصره غطاؤه. . . لقد كره ميديا!

ثم تبدأ الدرامة الثانية، التي هي مفخرة يوريبيدز، والتي سماها (ميديا)، والتي أقامت نساء أثينا وأقعدتهن، والتي ألف من أجلها أرستوفان ملهاته (محاكمة يوريبيدز) أو -

يفر جاسون مع زوجته وولديه إلى كورنثة حيث يحل ضيفاً على ملكها كريون العجوز الشيخ الذي لا نَسل له إلا فتاة بارعة الجمال. . . ويكرم الملك مثوى ضيفه الذي طبقت شهرة شجاعته الآفاق ثم يسر إليه أنه يرغب في أن يتخذه ولداً ويزوجه ابنته على شرط أن يقطع ما بينه وبين زوجته ميديا الساحرة ابنة ملك البربر. . . ويتردد جاسون ثم يقبل عرض الملك، لكنه يبقى الأمر سرّاً بينهما حتى يدخل بزوجته الجديدة، ثم يرسل الملك بعض جنوده للقبض على ميديا التي تكون قد عرفت كل شيء، وقهرها على مغادرة كورنه هي وولداها. . وتحتال ميديا فيمهلها الملك يوماً واحداً حتى تأخذ أهبتها للسفر، ثم تحتال فيلقاها جاسون حيث يفرغ كل ما في سريرته للآخر، ويكلمها جاسون في برود وتكلف، وتخاطبه ميديا في ازدراء وخشونة وأسلوب كله بَرَم ومَن. . . ثم يلقاها مرة أخرى فتبدو كأنها غفرت له كل شيء أو كأنها نسيت كل شيء، ثم تسأله أن يذهب هو وولداها إلى زوجته الجديدة بهديتها التي يسعدها جدّاً أن تتقبلها من امرأة محطمة كسيرة القلب مهيضة الجناح، فيهش جاسون ويذهب بالهدية وهي ثوب من دمقس وحرير مفتل فيقدمها لزوجته التي تفرح بها. . . لكنها ما تكاد تلبس الثوب حتى تحس بإبر الموت تخزها وتنفذ بالآلام المبرحة إلى نخاعها. . أوه!. . إنه ثوب مسموم احتفظت به ميديا لمثل هذا اليوم!! لقد ثأرت ميديا لنفسها كما ثأرت لكبريائها. . لقد ماتت الزوجة التاعسة من برحاء الألم!. . . لكن ميديا لا تكتفي بهذا الثأر يقع على فتاة بريئة أو قد تكون بريئة. . . إنها تذهب في ثأرها إلى أبعد حدود القسوة البشرية وأشقها. . . لقد قتلت أخاها أبستروس ومزقته إرباً ورمت بأشلائه في البحر لتعرقل أباها من أجل جاسون وفي سبيل حبه. . . فلماذا لا تقتل ولديها نكاية في أبيها، ومبالغة في تمزيق قلبه؟!. . . يا للثأر؟!

ويعلم جاسون بما انتوته فيسارع لإنقاذ الطفلين. . . ولكن! واأسفاه! لقد ذبحتهما الشقية! وهاهو ذا جاسون يقف على جثيتيهما باكياً محطوم القلب مشبوب الجوانح بالحزن الذي ليس مثله كمد ولا حزن

وفي هذه الثورة تبتسم ميديا. . . وتزدري جاسون. . . ثم تركب تنّينها السحري فيطير بها في الفضاء تاركة وراءها الزوج الشقي والجثتين الحبيبتين!

ثارت الأثينيات على يوريبيدز بعد هذه المأساة ثورة جامحة لأنه صرح فيها بأن ميديا صورة من بنات حواء جميعاً، وأنه ليس فيهن من يفضلها قط، وأن كل امرأة تصنع من أجل لذاتها أسوأ مما صنعت ميديا التي خانت أباها في كنزه، وذبحت أخاها وولى عهده، وفرت مع عدوه، ثم مكرت ببنات بلياس فهيأت لهن قتل أبيهن، ثم لم تتورع من أن تقتل طفليها غير آبهة ببكائهما الذي يفتت الصخر لا الكبود وذلك لتتم لها اللذة المجرمة الفتاكة، لذة الانتقام، كما تمت لها الآلام والنكبات لذة الحب. . .

وكان يوريبيدز بارعاً في جميع دراماته التي شنّ بها حربه السيكولوجية على المرأة والتي سنعرضها في الفصول التالية، فأنت لا تقرأ له درامة من تلك الدرامات إلا وتنتهي منها إلى الرثاء للمرأة مهما تكن شريرة عاتية، بل ربما أعجبت بهذه المرأة الشريرة العاتية وشعرت بالعطف عليها، وتمنيت لو كانت خاتمتها خيراً لولا ذلك الأسلوب البارع الذي يسلسل فيه يوريبيدز حوادث مآسيه، والذي يقتضي تلك الخواتيم التي لا يكون محيص منها ما دامت الحوادث تتسلسل هكذا!

لقد جعل أرستوفان من يوريبيدز موضوعاً لكثير من مهازله. وقد حفظ لنا الأثر ثلاثاً من هذه المهازل كلها عن يوريبيدز، وقل أن تجد لأرستوفان مهزلة غير هذه الثلاث لم يتعرض فيها ليوريبيدز بنكتة أو غمزة أو سخرية. . . وكان يوريبيدز يتألم أشد الألم وأبلغه لسخرية الشعب به، وتهكمه على أفكاره، حتى إذا طفح الكيل، لم ير بداً من الهجرة إلى مقدونيا كما سيمر بك

دريني خشبه