مجلة الرسالة/العدد 302/رسالة المرأة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 302/رسالة المرأة

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 04 - 1939



الإسلام والآداب العامة

آداب تتأول الطعام

للآنسة زينب الحكيم

أوضحنا في مقال سابق نشأة (الإتيكيت) وضرورته في الحياة. واليوم نتحدث عن آداب تناول الطعام. وكل ما أرمي إليه هو التذكير بأشياء بسيطة كثيراً ما تغيب عن أذهاننا مراعاتها دون قصد أو لعدم معرفة

وأريد أيضاً أن أوضح عادات بعض البلاد الأجنبية في تناول طعامهم، ولا سيما أن كثيراً من أهل الشرق يزورون تلك البلاد الآن أكثر مما كانوا يفعلون قبلاً. ومن المستحسن أن يعرف الإنسان عادات الناس حتى لا يضايقهم ولا يضايق نفسه، كما لا يصح أن يكون عرضة للنقد وفي استطاعته تلافي ذلك

وإني لا أنكر أنه قد أثرت في نفسي بعض الحوادث التي كثيراً ما تحدث من الرجل أو من السيدة أثناء حضورهما الحفلات أو ولائم الغداء أو العشاء. وإني لا أنسى أبداً ذلك السيد وزوجه وقد كانا عروسين جديدين احتفى بهما بعض أقاربهما بمناسبة زفافهما فدعوهما إلى وليمة غداء. كان من بين ألوان الطعام الأكلة المصرية المشهورة (ملوخية) من النوع السائل لا (البوراني). ولما حان دور أكل الملوخية وضع النادل (السفرجي) ملعقة صغيرة على طرف كل صحن أمام الآكلين لترفع بها الملوخية إلى الفم ثم يؤكل الخبز

لكن السيد العريس لم ينتبه لاستخدام الملعقة، كما لم يلحظ كيف يتناول الباقون الملوخية، فقرصته عروسه في الخفاء ونبهته إلى مراعاة الإتيكيت، ولكنه استمر يصنع من الخبز ملعقة يرفع بها الملوخية من الصحن إلى فمه. ولم تطق الزوجة المسكينة صبراً على أن يُنتْقد زوجها في وليمة شبه رسمية، فنبهته مرة أخرى بينها وبينه، ولكنه ثار في هذه المرة ولم ير أن يستمع إليها وقال في صوت مرتفع غاضب: (سبيني خليني أَغَمّس)

بالضرورة كان الحادث مضحكا للجميع، وقد قابلوه ببساطة حتى مرّ بسلام بين الزوجين. ولكنه كان على كل حال إيلاماً من جانب الزوج لزوجته وإحراجاً لهما معا أمام الحضو مهما تقبلوه

كذلك لا أنسى الآنسة الشرقية التي كانت مسافرة مرة على إحدى البواخر إلى أوربا، ولما كانت تتناول الشاي حاولت استخدام الشوكة في أكل البسكوت الجاف والخبز المقدد، وكانت في كل مرة تأول ذلك ترسل قذيفة إلى وجه الجالس أو الجالسة أمامها أو إلى جانبها مما دل على النقص الشديد في معرفة إتيكيت تناول الطعام

لهذه الحوادث وأشباهها أردت أن أتحدث لحضراتكم عن الغداء في أمريكا، والعشاء في إنجلترا، وآداب الوجبتين عند العرب.

وليمة الغداء العادي في أمريكا

إذا قارنا الغداء الرسمي في أمريكا بالغداء الرسمي في إنجلترا وجدنا أن الغداء الإنجليزي يشبه العشاء الرسمي كثيراً.

أما في أمريكا فتكاد تكون ولائم الغداء مقصورة على السيدات دون الرجال الذين يكونون مشغولين عادة في أعمالهم بمكاتبهم، ولا يستعملون تلك الولائم لأغراض خاصة، في حين أن رجال الإنجليز كثيراً ما ينّتهزون فرص هذه الولائم لنقاش المسائل المهمة الحاضرة ويتبادلون الآراء في كثير من الأمور

ولهذا تكون ولائم عشائهم خالية من كل ما يجهد العقل، وإنما تكون أوقات مفاكهة ومرح بريء

وولائم الغداء الأمريكية يدعى لها ببطاقات بسيطة قبل ميعادها بعدد قليل من الأيام، وتكتب عادة بضمير المخاطب لا بضمير الغائب كما يتبع في الأحوال المهمة، وتحدد ساعة الغذاء أو لا تتحدد فليست هذه مسألة دقيقه كما في ميعاد وليمة العشاء

طريقة توزيع الطعام على نوعين

إما أن يتناول المدعوات أنفسهن من ألوان الطعام الموضوعة على منضدة جانبية على شكل (بوفيه)، وتكون الألوان عادة واردة (كلحوم جافة باردة، وخضر محمره، وحلوى الخ)

وإما أن يمر النُدل كما في وليمة العشاء بألوان الطعام الساخن

مائدة الغداء العادي تكون مائدة الغذاء العادي غير مغطاة بغطاء كبير عادة، وإنما تستخدم أغطية صغيرة من الدنتلة أو التيل المخرم (دُيلن كما في هذا الشكل

وتكون قائمة الغذاء ملائمة لفصول السنة (كملاحظة ابن عبد ربه)، ولا يقدم الشاي أو القهوة مطلقاً في حجرة المائدة عقب الغذاء غير الرسمي. وإذا قدم شيء منها فيكون عقب الطعام مباشرة.

والسيدة المدعوة للغذاء العادي لا تبقى بعد تناول الغذاء تنصرف، إلا إذا أعدت المضيفة تسلية خاصة بعده.

إذا استنفد تناول الغداء ساعة مثلاً، فلا بأس من محادثة ربة المنزل بعد ذلك نحو نصف ساعة، ثم يجب أن ينصرف الزوار إذ ربما تكون مشغولة بعد الظهر، ولا يليق أبداً أن يكونوا سبباً في تأخيرها.

وليمة الغداء الرسمي

تشبه العشاء الرسمي كثيراً فيما عدا استعمال المفارش الصغيرة (ديلن) عوض غطاء المائدة الكبير

ويبدأ بتناول بعض الفاكهة - ثم الحساء، فسمك مايونيز أو ما شاكله، وليس السمك ضرورياً، وبعض الأسر تحذفه

يأتي بعد ذلك الصحن الرئيسي: مثل الديك الرومي أو الدجاج أو الفطائر أو اللحوم مع الخضر، فأنواع من السلطة، فالحلوى كالمهلبية أو ما يشبهها كما في وليمة العشاء. ثم المثلجات كالجيلاتي أو الألمزية

وليست العادة أن يستريح المدعون بعد الغداء في الصالون أو أن يتناولوا القهوة فيه، وإنما تشرب على المائدة، فإذا كان الطقس مناسباً ورغب المدعون شربت في الفرندة. ويحسن ألا تقيم ربة البيت وليمة غداء إذا كانت مشغولة بعد الظهر في اليوم نفسه، ولهذا يمكن أن يبقى الزوار وقتاً أطول مما في حالة الغداء العادي

ومن المتبع ترتب تسليات كالموسيقى، وتلقى قطع شعرية، أو تمثل قطع صغيرة

الملابس تكون ملابس ولائم الغداء على نسق ثياب بعد الظهر الممتازة للسيدات، أما ملابس الرجال فمعروفة

هذا ومن أهم ما يراعيه الأمريكان في ولائمهم الرسمية بوجه عام، أن يكون في كشف المدعوين ستة أو ثمانية من المتصادقين وقد يهبط هذا العدد إلى أربعة فقط، ولكن على أي حال من المهم عندهم مراعاة أنواع المدعوين. كما يراعى عدم زيادة الحضور في الوليمة على ما تطيقه ربة البيت حتى يمكنها العناية بهم جميعاً وملاحظة ما يناسب مزاج كل منهم.

آداب المائدة

أهم الآداب التي يراعيها الأمريكان في ولائمهم آداب المائدة الصحية. فهم مثلاً يعتبرون الحركات الخشنة أو غير المضبوطة منافية للآداب إذا حصلت أثناء تناول الطعام، ويعدونها نقص تربية، ويعتقدون أن من صدرت عنه لم يدرس آداب المائدة بعناية

كذلك يوجهون أهمية كبرى لسلوك الإنسان على المائدة فيشيرون إلى أنه كثيراً ما يلحظ على رجل تظهر عليه سمات الثقافة والرقي وهو جالس حول مادة بعض المطاعم أو الفنادق الراقية، أنه يلعب بأدوات المائدة، أو يضرب الأكواب بعضها ببعض دون وعي.

وقد يتغاضى عن أشباه هذا السلوك في الفنادق أو المطاعم، ولكن حدوث أعمال كهذه على مائدة وليمة رسمية يعتبر من أكبر النقائص الأدبية، فإنه حينما لا يحتاج إلى استخدام الأيدي يحسن وضعها على الحجر في سكون، كما لا يحسن وضع المرفقين على المائدة إذا أسئ السلوك في فعل ذلك، ولا أن يوضع الكرسي قريباً جداً من المائدة، ولا بعيداً جداً عنها. فكلا الأمرين غير مقبول.

زينب الحكيم