مجلة الرسالة/العدد 294/من مزاح الشعراء
مجلة الرسالة/العدد 294/من مزاح الشعراء
ساعة الهراوي
متاعب لا تنتهي
للأستاذ محمد الأسمر
أصبحت مع ساعة الهراوي كما يقول البهاء زهير:
كلما قلنا استرحنا ... زارنا الشيخ الإمام
فهذه الساعة الملعونة كلما قلت استرحت منها (جدّ لي منها سبب) وفي العام الماضي حينما ظننت أن الله أراحني منها ودعتها بكلمة في جريدة الأهرام الغراء، ولكن ما لبث هذا التوديع غير قليل حتى أعادني إليها - ولا أقول أعادها أليّ - فانه تبين لي أنني التابع لها، وأنها صاحبتي ولست أنا صاحبها. . . أقول ما ظهر هذا التوديع حتى كانت الأبيات التي قلناها على لسان الدكتور أو (الدكاترة) زكي مبارك موضع أخذ ورد ودراسة وتمحيص أثارها حضرة المربي الفاضل الأستاذ عبد الحليم خطاب بين تلاميذه بدار العلوم في درس من دروس العروض، وكتب عن ذلك البحث العروضي صديقنا الأستاذ عباس خضر كلمة بالأهرام مما حدا بنا إلى رد الشبهة التي وجهت إلى بعض أبيات الدكتور - استغفر الله - بل الدكاترة زكي مبارك.
ثم انتهت بعد ذلك أخبار هذه الساعة ومتاعبها، ولكن مجلة الرسالة الغراء طلعت علينا في العدد 292 وبين صفحاتها كلمة ممتعة عنوانها (نادي الحلمية) للكاتب المجيد (م. ف. ع) مندوب الرسالة الأدبي، وقد حوت هذه الكلمة فيما حوته قصيدة الشاعر الكبير الحاج محمد الهراوي، قصيدته الطيبة في ساعته الملعونة التي أراها في جلبها المتاعب لي كحذاء (أبي القاسم) وما جره على صاحبه من ويلات. وكيف لا تكون هذه الساعة أخت هذا الحذاء - حذوك النعل بالنعل - وهانذا بعد عام كامل أجدني مضطراً إلى التحدث عنها:
يقول الأستاذ الهراوي فيما يقوله عن ساعته في قصيدته ما يأتي:
وساعة أهديتها ... إلى صديقي الأسمر
أحجارها كأنها ... من لؤلؤ وجوه فلم يكن كمثلها ... هدية من موسر
ولم يكن كمثلها ... من بائع لمشتر
وليس من تقدم ... فيها ولا تأخر
تمشي عليها الشمس في ... عطارد والمشتري
وهذه الأبيات يصدق عليها قول القائل في الشعر - أعذبه أكذبه - إلا أن البيت الأخير تجاوز الحدود المعقولة كلها لعذوبة الشعر جميعها. فنحن إذا صدقنا أن هذه الساعة أحجارها من لؤلؤ وجوهر وأنه لم يكن كمثلها هدية من موسر. . الخ الخ، فإننا لا نصدق بحال من الأحوال أن الشمس تجري عليها في عطارد والمشتري. فإن الشمس إذا انحرفت عن أبراجها ومشت على أحد الكوكبين عطارد أو المشتري لكان هول في السماء والأرض والسموات غير السموات. وحينئذ لا تغني ساعة الهراوي عن العالم شيئاً، وحينئذ يعلم الأستاذ الهراوي كم كنت أنا مبتلي بهذه الساعة
لو أن صديقي الشاعر الكبير نظر نظرة في النجوم لتبين له أن (عطارداً) و (المشتري) كوكبان من الكواكب السبعة، لا برجان من أبراج الشمس.
. . . قد تناول أبو إسحاق الصابي الكواكب السبعة في الأبيات الآتية. قال مادحاً:
نَلِ المنى في يومكَ الأجورِ ... مستنجعاً بالطالع الأسعد
وارق كمرقى (زحلٍ) صاعدا ... إلى المعالي أشرف المقصد
وفض كفيض (المشتري) بالندى ... إذا اعتلى في أفقه الأبعد
وزد على (المِريخ) سطواً بمن ... عاداك من ذي نخوة أصيد
واطلعُ كما تطلعً (شمس) الضحى ... كآسفة للحِنْدِس الأسود
وخذ من (الزُهرة) أفعالها ... في عيشك المستقبل الأرغد
وضاهِ بالأقلام في جريها ... (عُطارِدَ) الكاتب ذا السُّودد
وباه بالمنظر (بدرَ) الدجى ... وأفضُله في بهجته وازدد
هذا والله سبحانه وتعالى هو المرجو - بعد اليوم وقبل اليوم - في إراحتنا من هذه الساعة، ومن متاعبها، وهو أرحم بعباده وألطف من أن يجعل الشمس تجري في عطارد والمشتري من أجلها.
محمد الأسمر