مجلة الرسالة/العدد 292/المسرح والسينما
مجلة الرسالة/العدد 292/المسرح والسينما
الفرقة القومية
ما هي الوسائل لإصلاح المسرح
هل من عقاب أشد وقعاً على النفس من تركك شخصاً وشأنه في المجتمع لا يأبه له أحد ولا يلفت إليه ملتفت خصوصاً إذا كان له خطرة الأدبي والاجتماعي؟
هكذا ترك الأدباء الفرقة القومية وانصرفوا عنها لا يلتفتون إليها فلولا كتابة مأجورة تنشرها الفرقة في بعض الصحف الأسبوعية، ولولا إعلانات عن أربع أو خمس روايات تمثل في الفصل، لكانت هذه الفرقة التي استنفذت من مال الأمة ستين ألفاً من الجنيهات أشبه بحلم يتبخر في اليقظة، أو بعابر سبيل لا يلتفت إليه أحد
ولما كانت غايتنا المحافظة على هذه المؤسسة الثقافية، واستنهاض بقايا الهمة الباقية في القائمين عليها، عمدنا أولاً للتنبيه إلى الغرض الخبيث الذي ترمي إليه إدارة الفرقة من إغضاب النقاد واستغلال انصراف الصحافة وصدوف الأدباء عنها ليقبع رجالها الأفاضل كالتماسيح المبشومة يهضمون الغنيمة على مهل، وثانياً إلى استفتاء أدبائنا أصحاب الدراية في فن الرواية والمسرح فيما يحب عمله لإنقاذ هذه المؤسسة العزيزة على الأدباء
بدأنا بسؤال كبار الأدباء كالعقاد والمازني وغيرهما، ولهؤلاء الأساتذة الإجلاء رأي مجمل نرجئه إلى ما بعد، ثم سألنا الأستاذ زكي طليمات عن وسائل إصلاح المسرح، وللأستاذ طليمات دراية نظرية وعملية لا ينكرها عليه سوى المتعنت صاحب الغرض، فأجاب:
يتكون المسرح من ثلاثة عناصر: رواية، وممثل، وجمهور فإذا نشدنا الإصلاح للمسرح وجب أن نقوم بإصلاح هذه العناصر الثلاثة، بعد أن نتبين ما هي عليه الآن، وما كانت عليه بالأمس وما يجب أن تكون عليه في المستقبل
الرواية: أقامت وزارة المعارف المصرية لتأليف المسرحية المصرية بقصد ترقيتها ورفع شأن التمثيل، فكان أن حظي المسرح ببعض روايات جيدة، إلا أنها لم تسم بكثير عما كان شائعاً إخراجه على المسارح ولم تسفر عن المخرج الحق المرجو الذي بيده وضع طابع أصيل للمسرحية، والذي يرجى منه خلق مدرسة جديدة في التأليف، وعليه فإني أعتقد أن إقامة المباريات وسيلة تكميلية أهم منها حث الفرق العاملة على إخراج أكثر عدد المسرحيات المصرية، وذلك بتنشيط الأفلام، وحفز النابهين من المؤلفين على الإكثار من نتاجهم، لأن المؤلف إذا لم يجد سوقاً لرواياته تولاه اليأس وأمسك عن الكتابة. وأرى من واجب الفرقة أن تضطلع بمهمة تقديم المسرحيات المصرية قبل أي مهمة أخرى، فإذا انحرفت عن ذلك فإنها لا تحقق الغرض من قيامها، ولذاك أشير لترقية المسرحية المصرية أن تعمل وزارة المعارف على ترجمة نفائس الروايات المسرحية الغربية ترجمة أنموذجيه وإذاعتها بين المتأدبين، وذلك لأحياء ثقافة للمسرح نحن في أشد الحاجة إليها بحكم أننا نفتقر إلى هذه الثقافة في الأدب العربي القديم والأدب العربي المستحدث.
الممثل: فن التمثيل عامة حديث في مصر، دخيل في الأدب العربي، لم نعرفه باللسان العربي إلا منذ ثمانين عاماً. جاء مصر فيما جاءها ضمن موجة الثقافة الغربية التي طلع علينا بها البحر الأبيض في النصف الأخير من القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين ونحن نباشر فن التمثيل على طريقة ارتجالية، وإن شئت قل بدائية، أعني أنها لا تقوم على قاعدة ولا ترتكز على أساس. وفن التمثيل، أي فن الأداء كسائر الفنون الشكلية مثل النحت والتصوير وغيرهما، له قواعد وأصول يجري تدريسهما في معاهد خاصة تخرج الممثلين الحاذقين بعد أن يكونوا قد أحسنوا تعرف هذه الأصول والقواعد. وإذا قلت إنه واجب على الممثل أن يتلقى أصول فنه في معهد، فهذا لا يحجزني عن الاعتراف بأن هناك طبائع غنية بمواهبها، خصبة بإحساساتها، هي في غنى عن الصقل والتهذيب في معهد أو مدرسة، إلا أن الطبيعة ضنينة بخلق هذا النفر العزيز الذي يطلع على الدنيا وهو يحمل في روحه الطبع القوي، والذوق الصافي، والحساسية اليقظة، والصوت الجهير، واللفظ الفصيح، ولإيقاع المحكم؛ وهذه هي أهم المصادر التي يصدر عنها الممثل الحق مثل هذا من الشواذ - والشاذ لا قاعدة له - وعليه فإنشاء معهد للتمثيل هو الوسيلة الفعالة ذات الأثر في تكوين نشء جديد من الممثلين يجمعون إلى فيض الموهبة الطبيعية، حذق التعليم، وصقل التهذيب وثقافة الفن
الأكثرية الغالبة من محترفي التمثيل في مصر يقومون بعملهم على إيحاء الفطرة وهدى التجارب وما يستقر في أذهانهم مما يشاهدونه من آثار الفن الغربي أو على الشاشة البيضاء ومن هؤلاء طائفة احترفت فن التمثيل، لا عن عقيدة وموهبة وإنما عن حاجة، فهم عمال خصتهم الطبيعة بشيء من الموهبة الصادقة فإن ضعف التحصيل العلمي، وافتقار الثقافة الفنية، يجعلان هذا القدر من الموهبة لا يرفع صاحبه إلى الممثل الموهوب المفتن الذي يترجم بأدائه أعمال مؤلفين نبهاء ويسمو بفكره إلى حياة سامية مثل حياة شكسبير مثلاً أو موليير أو أبسن وغيرهم
أما عنصر الممثلات فاقل شاناً من عنصر الممثلين ولا سيما في الناحية الثقافية والعلمية. ويؤلمني أن أقرر أن بيننا ممثلات لا يحسن القراءة، فإذا قرأن يتعثرن، وإذا كتبن فليأتين بأغرب النقوش وأعجب الخطوط
بعد هذا أرى أنه لزاماً على المهتمين بترقية المسرح أن يعملوا على إنشاء معهد للتمثيل في معناه الكامل وفوق هذا أرى أن ترسل بعوث إلى الخارج من خريجي هذا المعهد، لا أن ترسل بعوث من أفراد كل مؤهلاتهم صلة قرابة أو محسوبية
الجمهور: الجمهور في مصر خليط عجيب، فيهم من يعيش بعقلية القرون الوسطى أو ما قبله، ومنهم من يعيش بعقلية عصر النهضة، ومنهم من يعيش بعقلية عام 1939 ولكل فريق منزع خاص وذوق خاص، وهذا أمر لا نجده في الجمهور الأوربي، فمهمة إرضاء هذه الجماهير عن طريق المسرح صعبة وعرة.
هناك نظريتان يأخذ بهما العاملون في المسرح، الأولى الارتقاء بالجمهور إلى آفاق الأدب الرفيع، والثانية مجاراة الجمهور في مرغوبة وممالأته فيما يريد من تملق عواطفه. حاول بعض أصحاب الفرق الأهلية أن يأخذوا بالنظرية الأولى فلم يوفقوا إلى الكسب الوافر فانحدروا إلى الجمهور، كما اخذ البعض الآخر في بدء اشتغاله في المسرح بالنظرية الثانية وما زال أرجوحة بين الفشل والنجاح
وسبب ذلك فيما أرى اختلاف المستوى العلمي والفكري، والجمهور المصري حديث العهد في المسرح ليست له فيه ثقافة أو تقاليد، يؤم دورة بغية التسلية لا ارتجاء الغذاء الفكري أو العاطفي. فواجب مصلح المسرح أن يعمل تدريجياً على إيجاد جمهور يحسّ التمثيل ويتذوقه.
- هل قامت الفرقة القومية بواجبها في إيجاد الجمهور والرواية والممثل؟ - الفرقة القومية ما برحت تتطوع وتتهادى في عملها، ولم تستقم لها بعد طريقة خاصة أو سياسة مقصودة وذلك بحكم أنها مؤسسة جديدة تقوم بمهمة إذاعة فن جديد في مصر، ولا ادري ما الذي يمنعها من أن تستخلص لها خطة بعد التجاريب التي أفادتها في السنوات الأربع التي مضت على تأسيسها.
المال لا يعزها، ومعينها في عطف وزارة المعارف واسع المدى، فهي بذلك تعمل في ظروف جيدة لم يسبق لفرقة مصرية أن عملت فيها.
فمن حيث فن التمثيل لم تقدم الفرقة جديداً، لأن المشتغلين فيها عملوا على المسرح سنوات عديدة، والبعوث التي بعثت بها إلى الخارج لم تعد بعد. فلا ندري ما عسى أن تلقاه في هذه الناحية من توفيق ونجاح. وشأن فن الإخراج كشأن فن التمثيل
ومن حيث الرواية فإنها لم تقدم كاتباً يأبه له، وعملها في المسرحيات المترجمة يطغي على حرصها على تنشيط المؤلفين المصريين وتجيعهم. وهنا موضع العجب، ففي الوقت الذي يقول فيه أحد أعضاء لجنة قراءة الروايات: (إن الفكر الروائي المسرحي آخذ في التقدم إلى الكمال بل إلى الكمال السريع) نرى أن نتاج هذا الفكر ضئيل يتنافى مع ما يقرره أعضاء اللجنة فلا ندري هل الجنة أخطأت في تقديرها؟ أم إن مدير الفرقة لا يؤمن بما تؤمن به اللجنة، وأنه لا يحب الرواية المصرية لوجه الشيطان. . .!
أما من حيث الجمهور فقد أخفقت الفرقة إخفاقاً تاماً في اجتذاب أي طبقة من طبقات الجمهور في مصر، ولو اقتصر معينها المادي على إيرادها من جيوب الجمهور لما استطاعت أن تصمد شهراً واحداً
ابن عساكر