مجلة الرسالة/العدد 290/مولد الليل
مجلة الرسالة/العدد 290/مولد الليل
للأستاذ محمود الخفيف
شَرِبَتْ كَدْرتُهُ لَوْنَ الشّفَقْ
فَامّحَي إلاَّ بَقايَا في انْطِفاَءْ
اكْتَسَى الماء بِأَمْوَاجِ الْغَسَقْ
وَمَضَتْ تَمْسَحُ كَفُّ الدُّجَى
من حَوَاشِي الأفْقِِ مَا أَبقَى المَسَاءْ
تحِسرُ الأحْداَقَ في هذا الغروبْ
رَوْعَةٌ للْقَلْبِ فِيهِ والْبَصَرْ
يا لِبِشْرٍ فيهِ يَمْحُوهُ القُطُوبْ
يا لأَطْيافٍ بهِ حَاِئَرةٍ
وَصَفَاَءٍ مَا صَفَى حَتَّى اعْتَكَرْ!
مُجْتَلًي بَالِغَةٌ رَوْعَتُهُ
لاَ تَملُّ الْعَيْنُ في الأُفْقِ رُؤَاهْ
مَلأَتْ نْفسِي بِه فِتْنَته
لْحَظَةً، ثم انْطَوَتْ أَطْرَافُهُ،
وَمَشَى اللّيْلُ عليه فَمحَاه
رَاقَ هَذَا الْغَرْبُ حَتَّى خِلْتهُ
مَشْرِقَ الصُّبْح اجْلَى للنَّاظرين
في جَنَابِي بَعْضُ مَا ألِهْمتُهُ،
خاطِرٌ طَافَ بِرُوِحي سِحْرُهُ
لَيْتَ شِعْرِي مُفْصِحٌ عنه مُبِين
يَتَنَاهَى أَبدًا سِحْرُ اَلْجمالْ
ويروعُ الطَّرْفَ والقَلْبَ مَعاً
مَا تَغَشّتْهُ من المَوْتِ الظِّلاَلْ فَمضَى يَقْرُبُ من غَايَتِهِ
فَتَهَاوَى فَتَبَدَّى أَرْوَعَا!
هكذا اللّحْنُ انْقَضَي أوْ أَوْشكَا
وجبينُ النَّجْمِ يغَشاَهُ الأفولْ
هكذا الزْهرُ إذا الزْهرُ زكا
وتمشّي السُّقْمُ في نُضْرَتِهِ
فَبَدَى بَيْنَ نماَءٍ وذبُولْ
هكذا المِصْبَاحُ عِنْدَ الْغَاَبشِ
رَاحَ يَطْوِي نُورَهُ طُولُ السُّهاَدْ
وَبَقَاَيَا خِلْسَةِ المخَتلِسِ
تَرَكَتْ نَشْوَتُهاَ نَارَ الَجْوَى
في الحشاَ بَيْنَ خُمُودٍ وَاتّقاَدْ
هكذا الشَّمْسُ تَغَشّاهاَ الطّفَلْ
فَتَرَاءتْ كَنُضَارٍ في عَقِيقْ
وتَعُبُّ الرُّوحُ من هذا البَرِيقْ
ياَ جَمَالاً هَاجَ للِقَلْبِ الشَّجَنْ
أَبْهَجَ النَّفسَ سناهُ وَشَجَاهَا!
صَوَّرَتْ كْدرَتُهُ معنى اَلْحزَنْ
كيف مَسَّتْ مُهْجَتِي ظُلْمَتُهُ
فَمحَتْ في النفس أَحْلاَمَ مُنَاهَا
وَمَضَتْ تَرفْلُ في أَبهْىَ الحُلْلَْ
تَنْهَلُ الألَحْاظُ مِنْ رَوْنَقِهاَ
هَذِهِ الشمْسُ إذا ما غَرُبَتْ ... فورَاَء اللّيْلِ إصْبَاحٌ يَروُقْ
وإذا شَمْسُ حَيَاتي ذهبتْ ... وَدَجَا (اللّيْلُ) فلا نجم ولا
مَوْضِعٌ فيه لِفَجْرٍ أو شُرُوقْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ بهَذا العَالَمِ ... تَسْبَحُ الأحْلاَمُ فِيهاَ وَتُطِيفْ
أَتُرَى لِي مِثلُ حُلْمِ النائِمِ ... إن دَجَا فَوْقَيِ لَيْلُ الرَّدَى،
أَمْ تُرَى لَيْسَ سِوَى الصَّمْتِ المخيِفْ؟
إيهِ يا لَيْلُ تَجَمَّعْ وَانْزِلِ ... فِيكَ لليَائِسِ أَحْلاَمٌ تُتَاحْ
إيه ياليل، بقلبي الذّابِلِ ... سَكَرَات من مُنىً حائِرَةٍ
تَتَلاَشى عِنْدَ إِقْبَالِ الصَّبَاحْ
الخفيف